عودة اضطرارية ..


...
( الذكرى الثالثة لوفاة والدتي يرحمها الله و يجمعني بها في جنته .. آمين .. )
...

...

منذ أيام خلت تعهدت لنفسي ألا أعود للشعر مجددًا , و كنت أتعذب بناره المتقدة دائمًا , و التي أبت إلا أن تضيء ذكرى الرحيل الثالثة , و التي تصادف في مُنَصِّفِ رمضان من كل عام , حيث ينتشر دخان الحادثة في زوايا رئتي من جديد , و تتخضب الصور بلون الدم الذي يصبغ الذكريات من حينها حتى اليوم على مدار اللحظات ؛ و ليست الأعوام فحسب ..

فهذه عودة اضطرارية للشعر , أحييكم من خلالها و أسألكم الدعاء لوالدتي
ولكم فائق التجلة .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..


...




خَطَرتِ أَنتِ ؟ أَمِ الوَهمُ الذِي خَطَرا ؟=وَ هَلْ عَبَرتِ ؟ أَمِ العُمرُ الذِي عَبَرا ؟
ثَلاثَةٌ أَمْ ثَلاثُونَ التِي انصَرَمَتْ ؟=ما عُدتُ أَعرِفُ إِلَّا الدَّمعَ حَيثُ جَرى
فَأَنتِ أَنتِ هُنا ! فِي الرُّوحِ ! راسِخَةً=أَكادُ مِنْ فَرطِ شَوقي وَ الحَنِينِ أَرى
مُذِ ارتَحَلتِ ؛ الحَياةُ الغِشُّ طابِعُها=فَكُلُّ صاحِبِ عَهدٍ - وَيحَهُ - غَدَرا
وَ مُذْ بَقِيتُ لِوَحدي ؛ لِلأَياسِ يَدٌ=تَشُجُّ بِالآهِ صَبري كُلَّما ضَجَرا
أَمُدُّ لِلشَّوقِ إِحساسي فَيُرهِقُهُ=وَ أَستَرِيحُ إِذا الطَّيفُ الحَنُونُ سَرى
وَ أَسأَلُ اللَّهَ عَفوًا لا حُدُودَ لَهُ=وَ أَنْ نَكُونَ بِعِلِّيِّينَ إِنْ غَفَرا
رُؤَى الفَجِيعَةِ نِيرانٌ بِأَورِدَتي=وَ مَوقِدُ الذِّكرَياتِ السُّودِ ما ازدَجَرا
فَكُلُّ عامٍ - بِهَذا اليَومِ - يُحرِقُني=وَ يَقذِفُ الهَمَّ مِنْ كِبرِيتِهِ شَرَرا
فَلَيتَ مَوتِيَ يَأتِيني بِلا مَهَلٍ=لِيَستَرِيحَ فُؤادٌ شَوقُهُ انتَحَرا
أُمَّاهُ ؛ مَرَّ الزَّمانُ المُرُّ فانفَتَقَتْ=حَشاشَتي , وَ استَبَدَّ القَهرُ فانتَصَرا
فَبِتُّ آمَلُ أَنَّ المَوتَ يَأخُذُني=يَومًا إِلَيكِ , فَيَستَشفِي الذِي انفَطَرا
النَّاسُ تَضحَكُ مِنْ تَكرارِ مَرثِيَتي=وَ يَسخَرُونَ إِذا ما خافِقي انشَطَرا
وَ كُلُّهُمْ لَمْ يُساوُوا فِي مُعادَلَتي=صِفرًا , وَ فِي إِصبَعي لَمْ يَعدِلُوا ظُفُرا
فَهُمْ وَ ما نَظَمُوا فِي ما أَقِيسُ ثَرَىً=وَ ما يُقاسُ إِلَى تِبرِ الشُّعُورِ ثَرَى
فَما عَلَيَّ إِذا ما أَنكَرُوا وَجَعي=وَ مَنْ رَعَيتُ لَهُ وُدًّا غَدا حَجَرا
أَيَسأَلُونَكَ نِسيانًا لِمَنْ تَرَكَتْ=يا قَلبُ فِيكَ عَذابًا سِرُّهُ ظَهَرا !؟
أَمِثلُ أُمِّيَ مَنْ يُنسَى ؟ وَ بِي لَغَمُ=مِنَ الهُمُومِ إِذا حَرَّكتُهُ انفَجَرا !
إِذا التَمَستُ لَها طَيفًا يَصِيرُ دَمي=لَحنًا , وَ تُصبِحُ أَعصابي لَها وَتَرا
ما يَومُ ذِكراكِ - يا أُمَّاهُ - مَوعِدَةً=لِكَي أُعاقِبَ فِيها كُلَّ مَنْ جَأَرا
فَأَنتِ أَقدَسُ مِنْ أَنْ يَستَطِيعَ فَتَىً=صَرفَ اهتِمامِيَ عَمَّا أَجَّ فاستَعَرا
أَيَحسَبُونَ إِذا ما مِتِّ ماتَ فَمِي ؟=وَ أَنَّهُمْ فِي غِيابي أَصبَحُوا أُمَرا ؟
أَيَترُكُ الشِّعرُ ثَغري كَي يُقَبِّلَهُمْ ؟=وَ يُبدِلُ الشِّعرُ مَنْ يَعوِي بِمَنْ زَأَرا ؟
أَراوَدُوهُ طَوِيلًا ؟ فاستَجابَ لَهُمْ !=وَ النَّاظِمُونَ لَهُ هَلْ أَصبَحُوا شُعَرا !؟
أَنا عُيُونُ القَوافي , وَ الحُرُوفُ عَلَى=خُدُودِ شِعرِيَ تَبكِي دَمعَها عِبَرا
مَتَى أَعُدْ يَعلَمُوا أَنِّي رَجِعتُ لَهُمْ=أَجُرُّ لَهوِيَ رُعبًا وَ الهَوَى خَطَرا
لَولاكِ يا أُمِّ ما استَعمَلتُ قافِيَةً=لِجَبرِ مَفصِلِ حَرفي بَعدَ ما انكَسَرا
فَقَدْ حَلَفتُ بِأَنِّي لَنْ أَعُودَ إِلَى=شِعرٍ وَهَبتُ لُهُ عُمري فَما قَدَرا