دراسة المقالة : رؤية نقدية ، بقلم / منيرة المبـــدَّل


--------------------------------------------------------------------------------


دراسة المقالة : رؤية نقدية
منيرة المبـــدَّل*
****
قد يجد بعض الدارسين في ميدان المقالة صعوبة في إيجاد منهج محدد لدراسة النصوص المقالية ، وطرق تحليلها ، وسبر أغوارها ؛ في ظل الإقصاء النقدي وغياب عناية النقاد بها .
ومن خلال معاشرتي لفن المقالة كتابة وقراءة ودراسة ؛ وجدت أن المقالة من الأجناس الأدبية التي لا تنحصر معالجة نصوصها بمنهج بعينه ، أو تكتفي بتوجه نقدي دون سواه . بل إن دراسة المقالة تتطلب تكافل عدة مناهج نقدية للكشف عن جمالياتها ، و مراحل تطورها ونمائها عند الكاتب . وهو ما يُــعرف في النقد الحديث بـ ( القراءة المفتوحة ) التي يسعى من خلالها الناقد أو الدارس توظيف جملة المناهج النقدية في خدمة دراساته المقالية .
ويأتي في مقدمة هذه المناهج : المنهج التاريخي ؛ الذي يُـسهم بصورة جلية في معرفة مراحل ظهور المقالة لدى المقالي ، وصور التطور والتحول في مسارها الموضوعي والفني ، وفترات ازدهار نتاجها وفترات ركودها أو الانقطاع عن الكتابة والعودة مجددا لمضمارها ، أو التوقف النهائي عن الإنتاج ، والكشف عن أسباب ذلك ودواعيه .
كما يأتي المنهج الفني التحليلي في مقدمة المناهج النقدية التي تتطلبها الدراسة الفنية للمقالة من حيث تناول الفكرة واللغة بمستوياتها والبناء المقالي . ولعل المقالة هنا تشترك مع سواها من الأجناس الأدبية في هذا المسار .
وهناك المنهج الوصفي ؛ الذي يبرز في حال استخدامه لرصد موضوعات المقالة عند الكاتب و أنواعها ، على الرغم من أن بعض النقاد يرى أنه من المناهج الرتيبة التي لا تفيد الدراسات كثيرا ، ولا تصنع منها مادة نقدية ماتعة!
كما يمكن الاستعانة بالمنهج الاجتماعي والنفساني بالقدر الذي تتطلبه الدراسة الموضوعية للمقالة دون الإسهاب في ذلك ؛ خشية المساس بدائرة الدراسات الاجتماعية والنفسية !
ولا نغفل أهمية الدراسة الأسلوبية الإحصائية في الدرس النقدي المقالي ؛ في مجال معرفة الترتيب الكميّ للمقالات ، ونوعية الأساليب الفنية المستخدمة في الكتابة المقالية في الجانب اللغوي تحديدا .
ومن النظريات النقدية الحديثة التي ثبتت بالتجربة جدارتها ؛ بعض نظريات التلقي ، فوجود القارئ الافتراضي / الضمني في ذهن الكاتب ومعرفة الشريحة العظمى للمتلقين يساعده على توجيه اختياراته الموضوعية والفنية بحسب نوعية القارئ المخاطب وما يحمله من ثقافة معرفية ومخزون لغوي . كما يساعد الدارس من جهة أخرى معرفة الخصائص الأسلوبية ومضامين المقالات من منطلق الاختيار الموجّه . إذ إن فن المقالة من أوضح الفنون الأدبية في إفادتها من هذه النظرية .
ومن الممكن أيضا توظيف بعض المفاهيم السيميائية في الدراسات النقدية المقالية ؛ خاصة دراسة عنونة المقالات وما تحمله من دلالات تلقي بظلالها على مضمون المقالة عامة.
ويبقى نوع المقالة وموضوعها وسير كاتبها من الأمور التي تقود الناقد في اختيار منهج دون غيره ، وإثبات صلاحية المنهج المختار في الكشف عن الجوانب الجمالية في المقالة . لذلك من الأخطاء الفادحة ــ في رأيي ــ أن يتوارث الباحثون والنقاد بعض طرق الدراسة والتحليل التي سبقها إليهم بعض الأوائل ، دون النظر إلى مناسبتها لمقالاتهم المدروسة ؟! مما يُـفقد خصوصية تلك المقالات وما يمتاز بها كاتبها من أسلوب ، ويحول دون إبراز جمالياتها ..
على أن طبيعة فن المقالة وبنائها ، يُــعدّ الخادم الأول لغرض الناقد من خلال الاكتفاء بها أحيانا في الكشف عن هوية الكاتب وانتمائه الديني والسياسي وعرض منهاجه في طرح موضوعه ؛ حيث تسهل عملية قراءة أفكاره ، ومعرفة خاصيته في جانب اللغة وتراكيبها ومستوياتها . فطبيعة المقالة الواضحة هي ما جعلت القراءة النقدية المفتوحة الخيار الأمثل لدراسة المقالة نقديا ، وبالتالي تطبيقها من المرونة بمكان .

* باحثة مختصة بدراسة فن المقالة