إن المتأمل في علاقة رواية " الزلزال" بالواقع و الموقف الإيديولوجي من خلال بنية شخصية "بولرواح" يجد أن الرواية ترصد مرحلة تاريخية و اجتماعية من واقع الجزائر، و لكن عبر بنية شخصية " بوالأروح" التي جمعت الإيديولوجية و الإيديولوجية النقيض، و شرحت الراهن بكل تناقضاته عبر ماض مثقل بتداعيات الذاكرة التاريخية، و أومت إلى مستقبل دون أن تحدد ملامحه بوضوح.
يقول أحد الباحثين " تأخذ رواية" الزلزال" سيرة بطل مضاد مشحون بالمناقضات النفسية المريرة، فرغم امتلاكه الأرض و المال، فإن لحظات السعادة تبدو باهتة في حياته، و هو الآن يدافع عن أنفاسه الأخيرة أمام المتغيرات الاجتماعية الطارئة التي هزت طبقته، لذلك يمكن اعتبار هذه الرواية حسب ( غولدمان و لوكاتش) هي قصة كفاح بطل منحط يواجه حاضرا منحطا متدهورا، بحثا عن قيم أصيلة تعيد له مقامه و تعيد للوجود وجهاته)(19).
إن رواية الزلزال هي رواية موقف إيديولوجي بامتياز تعكس الرؤية الإيديولوجية و الموقع الفكري الذي يشكل بؤرة الفعل و رد الفعل في السلوك الاجتماعي للبطل " بولرواح".
تمثل شخصية بولرواح في رواية " الزلزال" ملتقى العناصر المتناقضة و المتضاربة؛ فبولرواح شخصية بنيت على التناقض الصارخ في كل مظاهر حياتها ووجودها، و لعل الكاتب أراد من وراء ذلك أن تجسد هذه الشخصية المفارقة الطبقية التي قامت عليها الرواية فكرة و مضمونا و رؤية واقعا و فنا؛ ذلك أن الكاتب قد " انطلق من اقتناع مبدئي تمثل في أن ظروف الجزائر كبلد تقدمي قام بثورة تحريرية تفرض على حكومتها أن تتخذ الرؤية الاشتراكية أساسا لسياستها الاقتصادية و الاجتماعية. و هذا المبدأ الذي يؤمن به المؤلف إيمانا قويا هو الذي جعله ينطلق من اقتناع آخر، و هو أن الطبقة العمالية في الجزائر من النضج اليوم بحيث تستطيع القيام برسالتها التاريخية في إطار الرؤية الاشتراكية... و أن البرجوازية الجزائرية قد أيقنت أن الوقت لم يعد مواتيا للوقوف في طريق المسيرة الاشتراكية"(20).
و قد تجلت سمة التناقض في شخصية بولرواح عندما لجأ الكاتب إلى أسلوب التعارض وسيلة لسبر أعماق هذه الشخصية داخليا و خارجيا نفسيا و اجتماعيا ليتمكن في نهاية المطاف من تحديد الإطار الطبقي الذي يتموقع فيه بولرواح، و هو الطبقة البورجوازية التي يعتبرها الروائي عقبة كأداء في وجه أي تغيير إيجابي قد يحصل في المجتمع الجزائري...
يستمد الكاتب ملامح شخصية بولرواح من جملة من التعارضات نراها ماثلة فيما يلي:
- بولرواح ≠ المجتمع ( الفلاحين- العمال- الفقراء...)
- (مكان مجريات الأحداث قي الرواية)
مدينة نزلت إلى الحضيض
غوغائية فوضوية مظاهر الانحراف والسرقة والبؤس والتشرد (بوفنارة)
مدينة قسنطينة زمن الاستعمار ≠ مدينة قسنطينة زمن الاستقلال
مدينة راقية مزدهرة تجارياً، اقتصاديا فنياً (الأغوات-القياد...)
- الاشتراكية ≠ الرأسمالية
- الأغنياء ≠ الفقراء
- الدين ≠ الابتداع (الخرافة)
- الحضارة ≠ البداوة
وضع " بولرواح"، منذ البداية، نفسه في مقابل المجتمع الجزائري الأمر الذي جعله يبدو غريبا و دخيلا، و الواقع أنه أصبح ينتمي إلى الماضي، إلى الجزائر المستعمرة لا المستقلة.
يقول بولرواح متأسفا على ما آل إليه وضع مدينة قسنطينة " لا حول و لا قوة إلا بالله، أحقا هذا هو مطعم بالباي الذي عرف الآغوات و الباشوات و المشايخ و كبار القوم، أصحاب الأرض و الأغنام و الجاه ..."(21)
فبولرواح متبرم قلق يسابق الزمن يخشى أن يتحول " الرعاع" الذين غزوا المدينة إلى ملاك أرض تطبيقا للقرارات التي ستصدرها الحكومة و المتعلقة بتأميم الأراضي و توزيعها على الخماسين و صغار الفلاحين ( هناك مشروع إلحادي خطير، يهيأ في الخفاء.
- تقول ؟!.
- نعم ينتزعون الأرض من أصحابها
- ينتزعون الأرض من أصحابها؟
- استمع إلي. يؤممونها
- و ماذا يفعلون بها؟
- مثلما فعلوا بالأراضي التي خلفها الفرنسيون
تصور الحقد، الحسد..... كل إناء بما فيه يرشح)(22).
- إن إحساس " بولرواح" بالزلازل لم يكن وليد خوفه من انتزاع الأرض فحسب، بل كان ناجما عن التحول الكبير الذي شهدته مدينة قسنطينة زمن الاستقلال، تحول مس حياة الناس و معاشهم و سلوكهم و تفكيرهم بفضل ما توفره لهم الحكومة الاشتراكية من إمكانية العمل و التطيب و العلاج و السكن و الدراسة ...
فهذا المشهد الحي هو الذي جعل ذاكرة بولرواح تعود به إلى الوراء، إلى زمن الاستعمار؛ حيث الزمن الطبقي ينوء بكلكله على مدينة قسنطينة، مدينة الأغوات و الباشوات و القياد و المعمرين واليهود و الطبقة الراقية.
" قسنطينة الحقيقية انتهت.أقول .زلزلت زلزالها. لم يبق من أهلها أحد كما كان .أين قسنطينة بالباي و بالفقون. بن جلول و بن تشيكو و بن كراره، زلزلت زلزالها . زلزلت زلزالها و حل محلها قسنطينة بوفنارة بوالشعير و بولفول و بوطمين و بو كل الحيوانات و النباتات" (23).
إن إحساس بولرواح المأساوي هنا نابع عن إحساسه الطبقي القوي المتجدر في وعيه و لا وعيه، فهو يؤمن بالمفاصلة بين طبقات المجتمع؛ فالطبقة المالكة و الغنية و الثرية هي السيدة و الطبقة الفقيرة الكادحة هي المسودة و المسخرة . فلا ينبغي أن يكون هناك تداخل أو تقارب، فالسيد ينبغي أن يبقى سيدا إلى الأبد، و العبد عبدا إلى الأبد " فبولرواح" الذي يعبر عن فكر الطبقة البرجوازية لا يؤمن بسنة التطور فهو يكرس مبدأ الثبات و الديمومة ،و إن كان لابد من التطور فينبغي أن يكون عموديا تسلسليا ( وراثيا) لا أفقيا، فملكية الأرض ينبغي أن تبقى محصورة في المالكين الأوائل و أحفادهم فقط، فلا ينبغي أن تنتقل بأي حال من الأحوال إلى غيرهم، لذا ألفيناه يلهث بحثا عن أقاربه ليوزع عليهم الأرض صوريا كي لا تؤممها الحكومة.