أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون(أم سعود)"1"
هذه السياحة الجديدة،ستكون مع كتاب (أربعون عاما في الكويت : 1929 – 1969م) وهو لسيدة بريطانية عاشت في الكويت – كما قضت فترة في البحرين،وأخرى في العراق - أكثر من خمسين سنة،ولكنها ألفت الكتاب بعد أن قضت أربعين عاما هناك .. نأخذ تعريفا بالمؤلفة من مقدمة الأستاذ سيف الشملان فيوليت ديسكون زوجة الكولونيل هارولد ديسكون المعتمد السياسي البريطاني في الكويت من سنة 1929 – 1936،والشخصية السياسية المعروفة في العراق والبحرين والمملكة العربية السعودية والكويت والبادية. ويرتبط الكولونيل ديكسون بصداقات وعلاقات طيبة مع حكام هذه البلاد والشخصيات البارزة ورؤساء القبائل وغيرهم.زوجته فيوليت ديسكون المعروفة في الكويت باسم أم سعود نسبة لولدها سعود الذي أسمته هي وزجها الكولونيل ديسكون بهذا الاسم العربي الذي يرتبط بالدرجة الأولى بأسرة آل سعود الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية. والكولونيل ديسكون يرتبط بعلاقة طيبة مع الملك عبد العزيز آل سعود منذ سنة 1922 عندما تعرف عليه في مؤتمر العقير،وكان ديسكون معتمدا بريطانيا في البحرين.(..) وبعدما تقاعد الكولونيل ديسكون عن العمل كمعتمد لدى {هكذا} بريطانيا في الكويت سنة 1936 لبلوغه سن التقاعد،أقام في الكويت حتى وفاته سنة 1959م،ودفن بمنطقة الأحمدي،وبعد تقاعده عن العمل عينه المرحوم الشيخ أحمد الجابر الصباح حاكم الكويت وقتئذ موظفا كبيرا في شركة نفط الكويت،وظل في عمله هذا حتى قبل وفاته عندما أصيب بداء عضال.(..) ألفت أم سعود كتابا عن الزهور البرية في البحرين والكويت مزودا بصور الزهور (..) شاركت أم سعود زوجها الكولونيل ديسكون في كتابه "الكويت وجاراتها"وهو كتاب يتحدث عن الكويت والعراق والمملكة العربية السعودية والبادية،كتبت أم سعود بعض فصوله عن الكويت،وزينته بالصور القديمة التي التقطتها للكويت والبادية (..) ألف الكولونيل ديسكون كتابا قيما جدا عن البادية اسمه "عرب الصحراء" يقع في مجلد كبير مع الصور والرسومات والخرائط.){ ص 3 – 8 : فيوليت ديسكون(أم سعود) / (أربعون عاما في الكويت : 1929 - 1969) / تقديم وتعليق ومراجعة وطبع : سيف مرزوق الشملان آل سيف / الكويت / دار قرطاس / الطبعة الأولى / 1995م}. سأتجاوز حديث المؤلفة – ولدت في 3/9/1896- عن أسرتها،وأمور أخرى،لأصل إلى قصة زواجها .. (في خريف عام 1919م كنت أعمل في بنك شركة كوكس في كانبيير بمرسيليا،عندما دخل الكابتن إتش . آر. بي. ديسكون الضابط بفرقة الخيالة بجيش الهند،ليسأل عما إذا كانت هناك رسائل له. لقد شدني الاهتمام الذي أبداه الضابط الشاب الوسيم. ولكنني وهو يغادر البنك كنت أعتقد أنني لن أراه بعد ذلك. ولكم تخيل دهشتي حينما تلقيت منه برقية بعث بها إليّ من بور سعيد بعد أسبوع من ذلك اللقاء يطلبني فيها للزواج والالتحاق به في الخليج العربي. إنه لمن الصعب تخيل أن يكون داخل المصرف العملي وغير الرومانتيكي على الإطلاق،مكان للقاء يؤدي بشابة إنجليزية إلى الارتحال إلى الشرق والتوطن هناك لمدة 45 عاما . ولكن هذا ما حدث ففي الجو العملي،قابلت زوج المستقبل الذي كان لي أن أقاسمه حبه للعرب وشبه الجزيرة العربية طيلة حياتنا الزوجية.لقد كان عليّ أن أصنع قرارا هائلا. وكان ترددي طبيعيا،ولكنه لم يدم طويلا. فبعد قليل من التفكير العاطفي وبعض الاستشارة لأصدقاء عطوفين في مرسيليا،قررت أن القي بثقلي إلى جانب خطيبي الوسيم،فأبرقت له (نعم) ودام زواجنا تسعة وثلاثين عاما،لم أجد خلالها ما يدعوني للندم على قراري.(..) استقبلني خطيبي في بومباي وأخبرني بأن كل الترتيبات قد أعدت لزواجنا،بموجب تصريح خاص في اليوم التالي وهو العاشر من ديسمبر في كاتدرائية سانت توماس. ومن الصاغة في لندوبلوكليز اشترينا خاتم الزواج وخاتما آخر مرصعا بالماس. وقام السيد باك وهو تاجر لؤلؤ التقى به هارولد في البحرين قام بدور وكيل العريس،وزفني السيد (تك) مدير البنك الشرقي إلى عريسي وقد أقام الاثنان لنا حفل عشاء في نادي ويلنجدون){ص 45 - 49}. وإلى بغداد .. حيث تحدثت المؤلفة عن سيدة (كانت) مشهورة جدا بالأدوار التي كانت تلعبها في العراق .. وربما في المنطقة .. وقد رأيت مذكراتها في أحد معارض الكتاب،ولكنها كانت مرتفعة الثمن،فنجاني الله منها .. (بعد فترة وجيزة من وصولنا إلى بغداد أقامت الآنسة جيرترود بيل،التي كنت قد تعرفت إليها في حفلة عشاء لنا في منزلها. وكانت الآنسة جيرترود تعمل سكرتيرة شرقية في هيئة العاملين مع السير برسي كوكس. {كان يسمى "رئيس الخليج"} وكان الضيوف الآخرون خمسة من كبار المسئولين العرب،وكان معظم الحديث باللغة العربية،ولكن الآنسة بيل أطلقت تعليقا باللغة الإنجليزية {المؤلفة لا تفهم اللغة العربية،حينذاك} بصوت عال،بما معناه أنه من المؤسف أن الشبان الإنجليز ذوي المستقبل المرموق ذهبوا وتزوجوا نساء حمقاوات.وحيث إن هارولد كان واحدا من شبانها ذوي المستقبل المرموق في العراق إبان الحرب،فقد شعرت باستياء شديد،وسعدت جدا بانتهاء الحفلة. لقد كانت الآنسة جيرترود بيل مكرسة نفسها لبيرسي كوكس وصديقة قديمة لجاك فيلبي وكانت كثيرة التردد على بيته،ولكنها لم تكن تهتم بأحاديث السيدات ولا بإقامة علاقة مع أية سيدة في بغداد في ذلك الحين (..) وفي تعلق كتبه جاك فيلبي مسجلا الأحداث في الفترة ما بين 1915 إلى عام 1920 وصفها بالتالي : كانت جيرترود في هذا الوقت وإلى آخر حياتها فعلا،لأنها لم تتغير أبدا،كانت تحت المستوى المتوسط للمرأة لكنها مرنة وذات قوة احتمال هائلة. ولا أعتقد أن أيا منا عرف كم كانت تبلغ من العمر،وبالتأكيد لم يكن هناك شيب في شعرها،الذي كان لا لون له مع بعض التجعدات الطبيعية الخفيفة،لقد عاشت حياتها أشبه بالرجال،وكانت تميل قليلا إلى ازدراء جنسها.){ص 52 - 53}. بعد هذا "الانتقام"عبر "فيلبي"،تركت المؤلفة بغداد .. (في شهر فبراير نقلنا إلى (الحلة) وهي قرية على الفرات إلى الجنوب من بغداد،وسافرنا إلى بيتنا الجديد بالقطار. ولم يكن هناك عربات مسافرين بل بعض الشاحنات والمقطورات الفارغة. وقد كنا اشترينا أريكة ومقعدين من بغداد فجلسنا عليها يحيط بنا خادمنا وقطتنا وكلبانا وكان القطار يتلوى فوق السكة المتعرجة واستغرق وصوله إلى الحلة حوالي تسع ساعات. وفي فترات متقطعة كنت أخرج من المقطورة ومعي الكلبان مقيدين وأتمشى بهما في القطار المتحرك وأعود مرة أخرى بعد أن يكون الكلبان قد زاولا بعض التمرينات.(..) لم تكن تربيتي تساعدني على تحقيق أي منجزات بيتية ولم أكن أستطيع الطهي أو حياكة الملابس وكانت إدارة البيت شيئا لم أفكر فيه أبدا. وقد سرني جدا أنه كان لدينا طباخ ماهر،ولم يكن لدينا موقد بل مجرد ( طبلية) تحت مدخنة كبيرة ولكن الطباخ كان يصنع أشياء رائعة بالفحم حتى أنه كان يصنع لنا خبزا شهيا بخميرة جافة حصلنا عليها من بغداد.وكانت أسوأ أوقاتي على الصعيد المنزلي هي الأوقات التي أحاول غسل وتنشية وكي قمصان السهرة الرسمية الخاصة بهارولد. فلم يكن لدينا سوى مكواة تعمل بالفحم وكانت سيئة جدا في أفضل الأوقات وكانت تلتصق بنشا قمصان السهرة مما أدى ذات مرة إلى تلف أحد القمصان. وقد أنقذني الطباخ من هذا العناء عندما صرح بأنه يعرف الكي وأصبح يتولى كي القمصان بدلا مني. وتلك الأيام كنا نرتدي الملابس الرسمية دائما حينما كنا نستقبل الزائرين.(..) كنت سعيدة جدا مع هارولد وراضية تماما طالما كنت معه،وأعتقد أنني كنت دائما فتاة مغامرة وقد شعرت بأن وجودي في العراق في ذلك الوقت يعتبر في حد ذاته مغامرة كبيرة،وقد ساعدني هذا في التغلب على كل أنواع الصعوبات الجانبية. ولحسن الحظ كان الطباخ يتحدث اللغة الإنجليزية ولكن الخدم الآخرين كانوا لا يعرفون سوى اللغة العربية التي لم أكن أستطيع أن أنطق كلمة واحدة منها.(..) ومنذ الأيام الأولى لزواجنا،تعلمت الشيء الوحيد الذي لا يحبه هارولد هو أن يُقاطع أثناء الحديث أو يقال له حان وقت الانصراف.وببطء على أية حال،بدأت في التقاط كلمات قليلة وعبارات عربية،وقد ساعدني قليلا في هذا المجال كتاب لغة حديث العربية لمؤلفه (جي فان سي) وكنت قد اشتريته من بغداد.ولابد أن خدمنا كانوا يظنونني قد جننت تماما،عندما كنت أتلوا عليهم بعض الجمل العربية من الكتاب مثل (أين الجنود) و (عاد الجنود إلى البلدة) حيث إن الكتاب كان قد أُلف أساسا للجنود البريطانيين،فقد كان قليل النفع بالنسبة لي . ){ص 53 - 55}. بعد مخاطبة الخدم على أنهم (جنود) واجهت المؤلفة مشكلة جديدة .. هي اكتشافها أن زوجها من الذين يسرون أثناء نومهم،وأصبحت هناك مشكلة حقيقية حين أصبحوا في فصل الصيف،حيث ينام الناس على الأسطح .. ( فالسطح لم يكن مسورا،وكان ارتفاعه يبلغ ثماني عشرة قدما،وقد وضعنا سريرينا متجاورين،وفي البداية،وبرضائه كنت أربط ساقه إلى حافة السرير. ولكن كان هذا يضايقه عندما يتقلب في نومه،لذلك عمدت إلى وضع حوض استحمام من الصفيح به قليل من الماء إلى جانب سريره،وقد نجحت هذه الفكرة،لأنه عندما كان ينزل من سريره تغوص قدماه في الماء فيستيقظ.){ص 56 - 57}.إبان إقامة المؤلفة في العراق دعا زوجها الملك فيصل بن الشريف حسين إلى الغداء .. (أعلن الخادم في الساعة الثانية عشرة والربع أن الغداء قد أصبح جاهزا فانتقلنا جميعا إلى غرفة الطعام عبر الصالة.وبعد الحساء كان لدينا طيور الحجل المحمرة اصطدناها قبل أيام قليلة. وكنت أنا أجاس على رأس المائدة وعلى يميني الملك الفيصل مرتديا عباءة بيضاء وعقالا مقصبا. وبدأ الساقي حسن يمر على المدعوين وهو يحمل طبقا كبيرا عليه طيور الحجل المحمرة وتناول الملك بنفسه واحدة منها. وقد أدار الملك لنا رأسه للتحدث إلى برترام توماس الذي كان يجلس بجواره عندما قفز نمسي الأليف إلى حجره في لمح البصر،واختطف الحجل المحمر من أمامه وقبع في ركن الغرفة مزمجرا. وقد روع الملك ولكن لحسن الحظ كان هناك الكثير من الطيور المحمرة فقدم واحد منها بسرعة إلى الملك. ولم ينطق الملك بكلمة واحدة ولكنه لم يكد ينتهي من طعامه حتى أشعل سيجارة ونهض للانصراف. ولست أعتقد أنه كان غاضبا ولكنه كان متلهفا للانطلاق بالسيارة إلى النجف وكربلاء.لقد التقيت بالملك مرات عديدة بعد ذلك،وذات ليلة في حفلة كبيرة أقيمت بقصره ببغداد كنت أجلس إلى يساره عندما انحنى إلى الأمام وجذب وردة حمراء كبيرة من المزهرية وقدمها إليّ،ولا أزال محتفظة بها بعد كل هذه السنين.){ص 64 - 65}. وتتذكر المؤلفة موقفا حصل لها عند زيارتها لحريم الشيخ عدي الجريان،في العراق .. ( وسأظل أذكر دائما زيارة حريم الشيخ عدي لقد كنت لا أعرف سوى القليل جدا من اللغة العربية في ذلك الوقت ومع ذلك أجد نفسي بصحبتهن لمدة ساعات وساعات بينما هارولد يتولى عمله. لقد كنت أشعر بالضيق أكثر فأكثر وهن يتزاحمن حولي يشددن شعري الطويل ويتلمسنني مثرثرات مقهقهات. وإذا نهضت يتدفقن ورائي. لقد كنت أرجو أن أعثر على ما يسمى بالمرحاض عندهم حيث أنهن لم يكن يفهمن ما أريده وفي النهاية،بعد المرور من حوش إلى آخر عثرت على ما كنت أبحث عنه بواسطة الرائحة ولكنهن بقين متجمهرات حولي،لقد كانت عيناي تدمعان فعلا عندما جاء الخادم أخيرا يقول إننا ننوي الانصراف. وقد جعلتني هذه التجربة أصرف النظر عن زيارة النساء في بيوتهن. وأصبحت أبقى مع زوجي والرجال.){ص 66 - 67}. نختم هذه الحلقة .. بلقاء آخر لـ"أم سعود" مع الآنسة " بيل"،ومع أنها أسمعت المؤلفة تلك العبارة القاسية،إلا أننا نجدها تشعر بالاعتزاز لزيارة تلك الآنسة لقد شعر هارولد وأنا بالاعتزاز عندما كتبت إلينا جيرترود بيل قائلة أنها ترغب في زيارة الحلة إذا وافقنا على استضافتها ليلة واحدة،وقد جاءت بالقطار واستقبلناها في المحطة وكانت تواقة لزيارة المجتهد الأكبر الزعيم الديني الشيعي ولذلك أرسل زوجي في طلب الشيخ فرحان،وأمره في حضورها أن يذهب إلى بيت المجتهد الأكبر ويعلمه أن الخاتون السيدة القادمة من بغداد تود مقابلته في الصباح إذا كان ذلك مناسبا،وقد سألت الآنسة بيل في الحال"لماذا تقول السيدة القادمة من بغداد"هناك سيدة واحدة فقط وهي أنا"وأجاب هارولد أن الرجل لا يعلم بزيارتها للحلة وربما يعتقد أن السيدة ديكسون هي التي تود زيارته : وقد جاء الجواب من المجتهد أنه يتشرف باستقبال الخاتون القادمة من بغداد.){ص 68}. إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. س/ محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب)) Mahmood-1380@hotmail.com