لا يا حبيبتي مستحيل...بقلم آرا سوفاليان
تقرير وثائقي مصور شدني على مدى ساعتين يتحدث عن صراع بين علماء سويديين وبريطانيين وفرنسيين من أجل فك حروف لغة ضائعة هي الهيروغليفية.
إكتشف بيير فرانسوا كسافييه بوشار (1772-1832)، حجر الرشيد، والمعروف خارج مصر باسم Rosetta Stone في شهر آب من سنة 1799 أثناء قيامه بأعمال هندسية عند قلعة جوليان على مسافة 70 كم شرق الاسكندرية...وحجر الرشيد هو حجر بازلت أسود يعود تاريخه الى العام 196 ق م وابعاده متر الى 73 سم والثخن 27 سم... وقد حاول قراءة الحجر وفك شيفرته الدبلوماسى السويدى العالم توماس أكربال فى سنة 1820 م، وكان اول من حاول فك رموز هذا الحجر حيث تعرف على اسم بطليموس وبعض الحروف الأخرى، وتبعه العالم البريطاني توماس ينج وقد، إكتشف أن الكتابة الهيروغليفية هى حروف لأصوات وان الأسماء الملكية مكتوبة داخل إشكال بيضاوية، يطلق عليها علماء المصريات أسم خراطيش , ولكنه أخطأ في الخصائص الصوتية لهذه الرموز ولم يصل الى نتيجة.
وتولج العالم الفرنسى جان فرنسوا شامبليون مهمة فك هذه الرموز عن طريق مضاهاة الحروف ببعضها البعض وخاصة الأسماء ونجح في فك شيفرة الرموز الهيروغليفية وإنقاذ هذه اللغة من الضياع.
ويختلف أهل الغرب في كل شيء إلا العلم فلقد طرد الانكليز الفرنسيين من مصر بالقوة والحرب، واختلفوا معهم في هذا الامر، ولم يختلف علماؤهم جميعاً في السعي الحثيث والتنافس لفك شيفرة حجر الرشيد وإنقاذ هذه اللغة من الاندثار، ومع ذلك فلقد احتكر الانكليز هذا الحجر ونقلوه الى بلادهم وهذا أفضل بكثير من بقاءه حيث هو، وبالمثل لإن هناك حجارة عليها نقوش وصلبان أرمنية واسطر من الانجيل المقدس كانت أجزاء من كنائس وهياكل ومقابر ارمنية تم هدمها وتخريبها وهي من روائع الهندسة الكنسية الارمنية، وضاعت هذه الحجارة ليعثر على بعضها منكوصة في جدران بيوت الاكراد والاتراك وفي العتبات والحمامات والمستراحات وفي مداخل الزرائب والبيّاكات سكنى الابقار والثيران والماعز.
وفي نفس اليوم عثرتُ في النيت وعبر موقع خبر أرمني على الخبر الآتي:
اللغة الأرمنية الغربية يهددها الزوال في تركيا
أعدت منظمة اليونسكو "خارطة اللغات المهددة في العالم" التي تبين منها أن اللغة الأرمنية الغربية هي إحدى اللغات الـ 18 التي يهددها الزوال في تركيا. وستواجه نفس المصير لهجة هامشين في اللغة الأرمنية. وبموجب لائحة اليونسكو يتكلم باللغة الأرمنية الغربية 50 ألف شخص في اسطنبول وقرية وقف. أما في أرمينيا فإن اللغة الآشورية واللغة البوندوسية اليونانية يهددهما الزوال، وفي أذربيجان وجورجيا فإن عدد اللغات المهددة بالزوال يبلغ 11
وارتعدت فرائصي لهذا الخبر خاصة وانني كنت في عجلة من أمري فقرأت العنوان
اللغة الأرمنية الغربية مهددة بالزوال؟...لا يا حبيبتي مستحيل...ولم أقرأ بقية العنوان (في تركيا) بسبب حساسيتي المفرطة تجاه هذا المسمى (في تركيا) لأنني لا أعترف بغير ما ورد في كل كتب التاريخ وهو ما يلي: بلاد فارس وتقع في الشرق، وامبراطورية الروم وتقع في الغرب، وما بينهما آرمينستان أو بلاد الأرمن.
ـ يا إلهي !!! هل سيأتي جان فرنسوا شامبليون آخر ليفك رموز اللغة الارمنية؟؟؟ وضربت الاخماس بالاسداس...فأنا أعرف أن اللغة الارمنية واحدة وتعتمد ابجدية واحدة ومع ذلك فهناك اللغة الارمنية الشرقية واللغة الأرمنية الغربية (لغة السبورك) ولتوضيح ذلك يجب العودة الى صحف التاريخ لتذليل هذا الامر وتوضيحه.
أرمينيا الكبرى هي الأراضي الممتدة من غرب آسيا الصغرى الى جبال القوقاز، وكانت عاصمتها آني وفي العام 1064 ميلادية تلقى الأرمن الضربة الاولى من الرعاع القادمين من أواسط منغوليا، فسقطت آني وأنسحب ملكها وحاشيته وملكتها وأمراؤها والأبناء والأحفاد وجزء كبير من شعبها الى الغرب وأسسوا مملكة كيليكيا في الاراضي الواقعة بين جبال طوروس والبحر الأبيض المتوسط وازدهرت هذه المملكة في الفترة التي كان فيها الأتراك بعيدين عنها...وفي فترة الحروب الصليبية أخضعها الصليبيون ونصبوا عليها ملكاً أرمنياً من أسرة لوزينيان بإسم الملك ليفون...وجعلوا منها العمق الاستراتيجي للحملة، وبيت الغلال والمحاصيل والحبوب والمواشي والخيول لخدمة المعركة، وعندما فشلت الحملات الصليبية ورجع الصليبيون الى بلادهم تركوا الأرمن وكيليكيا خلفهم وقطعوا البوسفور واستلموا اوروبا عائدين ولم يتبعهم أحد، ودفعت كيليكيا الثمن وتم تدميرها والتنكيل بالارمن فدفعوا الثمن بالنيابة عن الصليبيين وهم الاصلاء، دفعوا الثمن مرتين مرة للغزاة الصليبيين وأخرى للمحررين.
في فترة النزوح الكبير للأرمن من الشرق الى الغرب تعرضت اللغة الأرمنية لبعض التبدلات المهمة وهي تخفيف الحروف ونهاياتها أثناء اللفظ، وجاء الفرنسيون في الحملات الصليبية وحدثت مصاهرة، وتم اقتباس بعض الكلمات من الفرنسية وادمجت بكلمات او مصطلحات أخرى من الأرمنية فنتجت كلمات ومصطلحات هجينة تنحو في المسار اللفظي منحى اللهجة الفرنسية، وتم اشتقاق بعض اللهجات وتم تحريف بعض الكلمات الأرمنية فنشأت لهجات جديدة مشتقة من الارمنية ومطعّمة بالفرنسية كلهجة أهل جبل موسى وارمن آخرين في نواحي السويدية والاقرع ولهجات أخرى كثيرة تمتد وتتشعب من انطاكية ودورت يول وادرنة وأضنة وبوزنطة، ووصلت الى استمبول، وفي استمبول تجمع ضخم للأرمن المشتغلين في الصياغة والصرافة ودور المال وفي الصناعة والورشات والتجارة والسياحة ومكاتب المحامين والمستشارين ودور الصحافة والصحف ومطابع الكتب ودور الترجمة والنشر وما اليها...فنشأت اللغة الارمنية بلهجة السبورك وبقوام ومخارج واصطلاحات وكلمات وأسماء بحروف مخففة لفظياً وسهلة وبدون تشديد ولا تفخيم ولا استبدال.
في حين اكتسبت اللغة الأرمنية الشرقية بعض الكلمات والاصطلاحات من المحيط ومحيط ارمينيا الشرقية هو جورجيا وأذربيجان وفارس وروسيا فيما بعد وبقي التفخيم في مخارج الحروف والتشديد فتكتب الباء الفرنسية p وتقرأ مشددة b والـتاء الفرنسية t وتقرأ d وتكتب الكاف الفرنسية k وتقرأ كالجيم المصرية g وهناك كلمات طويلة جداً ومشتركة في اللغتين مثل كلمة Entorinagoutioun ومعناها نسخ، وتوجد كلمات أطول من هذه وتوجد كلمات لا توجد لها مقابلات متقاربة بل مقابلات بعيدة جداً، ففي الارمنية الشرقية يقال للسرادق أو الرواق أو المسرح Dahlidjoum وفي اللغة الارمنية الغربية السبورك يقال للرواق Serah وهناك معاني متعاكسة بزاوية قدرها 180 درجة ففي لغة ارمينيا الغربية السبورك يقال Ari ومعناها أخذت أو حصلت على، ونفس الكلمة Ari يقصد بها في اللغة الارمنية الشرقية تعال.
وهكذا فإن لغة ارمينيا الشرقية هي النحوية الصلدة وكأنها أحجار تم انتزاعها من جبال القوقاز أما الارمنية الغربية السبورك فهي ناعمة وسهلة اللفظ كالفرنسية تماماً...وفي كل الاحوال فإن الارمن الذين عاشوا في ارمينيا الغربية وهجّروا منها فيما بعد الى جنبات الأرض، ظلوا يتحدثون السبورك، أما الارمن الذين عاشوا في ارمينيا الشرقية والارمن الذين هربوا بإتجاه أرمينيا الشرقية فلقد درجوا على استخدام اللغة الارمنية الشرقية القديمة.
للسبورك قواعدها فهي أصيلة وليست هجينة ولها أدبائها وشعرائها وكتاّبها وكُتُبِها، وعرفت بعض أمجادها في استامبول حتى العام 1915 حتى تم جمع كل الأدباء والشعراء والوزراء ونواب البرلمان التركي والاطباء والمهندسن ورجال الدين والمتنورين والقادة ورؤساء الأحزاب من الارمن وتم قتلهم جميعاً، وبالطبع وبالنسبة للأقلية الأرمنية التي بقيت في استمبول فلقد تم تتريكها وتغيرت الاسماء والكنى الارمنية الى تركية.
وفي خطوة لاحقة املتها الضرورة والتملق على أمل الانضمام لأوروبا المتحدة، تم منح القليل من الحرية لأرمن استمبول وتم اعادة فتح بعض كنائسهم ومطابعهم ومدارسهم وصحفهم كصحيفة آغوس الارمنية التي يكتب محرروها باللغة الارمنية الغربية السبورك وتم في خطوة لاحقة مكافأة رئيس تحريرها الصحفي والكاتب هرانت دينك بدفع غرّ أصولي تركي سلفي راديكالي تولى وضع 3 رصاصات في رقبة وصدر وقلب هرانت دينك إمعاناً في اثبات النزعة الديمقراطية التحررية التقدمية على الطريقة التركية الكلاسيكية القديمة الجديدة.
بعد قراءة العبارة كاملة في التوصيف الذي أوردته اليونيسكو في خارطتها (اللغة الأرمنية الغربية يهددها الزوال في تركيا) نقول: الأرمن يعرفون لغتهم في قلوبهم وهناك مثال على ذلك...جدي لأمي كان طفل أرمني هائم على وجهه وضعته امه على عتبة بيت آل القس في ماردين وذهبت الى مصيرها وهي تحمل رضيعها، وتربى جدي في عائلة حنا القس وهو لا يعرف من هو ولا يعرف اسمه الأرمني، وأطلقت عليه عائلة القس اسم عفيف...عفيف ابن حنا القس، وهو ليس عفيف ووالده لا يدعى حنا بالتأكيد ونسبته ليست القس، وكان لا يعرف حرف ارمني واحد، ولكنه كان يفهم اللغة الارمنية في قلبه ورفض تزويج أولاده لغرباء فلقد زوج خالتي لشاب أرمني وزوج أمي من شاب ارمني وزوج خالي من فتاة أرمنية، وكانت أمي لا تعرف الارمنية ولم تتعلمها، بل جعلت أبي ينسى لغته الأم وعلّمته العربية، وتوفي والدي باكراً وكانت اللغة الرائجة في بيتنا هي اللغة العربية، وتزوجت من فتاة ارمنية كاثوليكية لا تعرف الأرمنية، ولكن قلبها ينشرح لكل أصدقائي الأرمن، وتستمتع بالموسيقى الأرمنية أكثر مني أما أولادي، فلقد تعلموا الارمنية في مدرستهم بلهجة السبورك ويفهمون كل شيء ولا يتحدثون الأرمنية، والصغيرة تضحك في كل مرة أحدثها بالارمنية، وقد انكشفت الامور على حقيقتها عندما ذهبنا في زيارة الى بيت صديق لي في لبنان، حيث أصرت زوجة صديقي ان تتحدث مع الاولاد بالارمنية فتبين انهم يجيدونها بشكل ممتاز، وكانوا يوم ذاك مكرهين ولهم مصلحة مع زوجة صديقي التي تحب مثلهم ستار أكاديمي والبلاج والمشاوير والفساتين والماكياجات والبحر، وكانت لهم كل المصلحة في مسايرتها.
اللغة الارمنية الغربية السبورك تواجه خطراً حقيقياً إذاً، فهناك الكثيرين من الارمن قد تحولوا الى اللغة العربية، وأولاد أخي في كندا جدتهم تكلمهم العربية فيجيبونها بالفرنسية ووالدهم يحدثه بالارمنية فيجيبون بحسب مزاجهم بالانكليزية او بالارمنية، وبالتالي فإن الظروف فرضت عليهم البديهية الآتية: جدتهم جانيت خوري تتحدث العربية وهم يفهمونها تماماً ولا يتحدثون بها، ويعلمون ان جدتهم تجيد الفرنسية وهي التي ساعدتهم على تعلمها حتى وقت متقدم من دراستهم وبالتالي فإن هم ردوا عليها بالفرنسية فهي ستفهم ما يقولون بالتأكيد، ووالدتهم تحدثهم الارمنية والانكليزية ووالدهم كذلك وهم لهم مطلق الحرية بالرد بإستخدام اللغة التي يفرضها مزاجهم بحسب الموقف...ولكن ماذا بالنسبة لأولادهم؟
لي صديق موسيقي تزوج من أميركية ويعيش في فريزنو ويسعى بكل جهده لتعليم اولاده الارمنية بلهجة السبورك، فيجيبون بالانكليزية وعندما يطلب منهم ان يكون الجواب بالارمنية يواجهونه بإبتسامه ويقولون له هل انت جاد يا بابا....قال طلعت باشا سأضرب الارمن ضربة تكسر ظهورهم لمدة 50 سنة...ومضى 98 سنة ولا زالت ظهورنا تؤلمنا ولكنها لم تنكسر أبداً...والمؤلم في القضية هو ان تنجح سياسة هذا الماسوني الدونما القذر هو وأصدقاؤه انور باشا وجمال باشا السفاح، وحلفاؤه الألمان وسادة المحافل الماسونية العظمى حول العالم، ستنقرض اللغة الارمنية الغربية السبورك في تركيا إذاً!!! جعلها الله أكبر المصائب...هذا غير مهم...لأننا سنعود ونعلّم أرمن تركيا لغة أرمن السبورك من جديد...وليس هناك ما هو أسهل من تبديل خرائط اليونيسكو المتعلقة باللغات المهددة بالانقراض في العالم...فاللغة المهددة بالانقراض اليوم قد تعود لتصبح غير مهددة في الغد، واللغة الغير مهددة بالانقراض اليوم قد تصبح مهددة في الغد على الرغم من تخليها عن الاحرف العربية في الكتابة واعتماد الأحرف اللاتينية لأن هذا قد لا يجدي وأهل أوروبا اللاتين أعرف بحروفهم والله كريم.
آرا سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
24 06 2013