غريب هذا النهار.. بدأ غريبا وسيبقى غريبا كما اراه...
ماكان باردا ولاحارا...ولا نديا ولاجافا, ولا رائقا ولاعكرا...
يشعرني بالضجر هذا المناخ...خاصة أنني لاأفهم ماذا يعني احتجاب شمسه واحتباس حرارته...على الأقل لاأعرف لماذا يصيبني بالسقم.
تلفت يمنة ويسرة بحذر وحرص,وبدأ بفتح أقفال دكانه الصغير القديم في حي بعيد من دمشق,يقال له تجاوزا مكتبة!.
كنت اضطر لفتح دكان والدي عندما يتأخر في ذلك لتقدمه في السن وملله مؤخرامن هذا العمل الروتيني.
أبو نظمي عجوز بسيط ,ماكان الشاي يصاب بالبرد كما الأمر في هذا الفصل البارد ,والأكواب مهيأه وفي حالة استعداد لاستقبال أول زبون
يدفع ويدفع لقاء كتب يريدها قديمة ثمينة...أنيق دائما...
وسؤال حالي يقول:
-كيف يبيع تلك الكتب النفسية؟ألا يبكي لفقدانها؟.
وانا الذي حشرت الأسقف والمكاتب ومستودعات الأسرة كتبا غريبة عجيبة لاأدري إلى أين ستصل بعد ذلك...
رغم أنني لن أنسى الحاج أبو معروف الذي توفي قريبا ,وترك لعائلته كتبا ثقيلة لاعهد لهم بها...
أولاده الذين رموا بعد وفاته كتبه على قارعة الطريق, تملأ الأرصفة والزوايا وتتطاير اوراقها بحزن ممض,حتى أنها ظللت المكان بورق منهمر يتطاير بكاء وحسرة وندما...على وجوه المارة...
فعلا سؤال كبير:
ماذا نفعل بمكاتبنا بعد تجميعها وعائلتنا قد لايروق لها نوعية القراءة مثلا لو قرأت!,لماذا نشتري أكثر من حاجتنا؟,ونحتفظ لما يصلنا لحين قراءتها ولانقرأها؟.
وباغته سؤال وعيني تنظران لداخل محله بفضول وانا الذي اتخذت كرسيا قرب دكان والدي بانتظار تكاثف الجمهور في توقيت صباحي هام يخرج فيه الأهل لتوصيل أبنائهم الصغار لمدراسهم.
-أين تلك الرقعة الجلدية التي طلبت منك أن تحولها لي كتابا لشجرة العائلة؟
-على هونك سيدتي مارأيك أن نحولها لقرص ليزري؟,نعم قرص الكتروني ,سوف اطلب من أحدهم ذلك , فلاحاجة لك ولكل هذا الحجم الكبير ,فلم يعد أحد يحتفظ بتلك الامور خشية السرقة فنهبها للمتحف مثلا وهو الأصوب.
ويبقى الأمر يخصك سيدتي.
زمجرت وانتفضت,وتوعدت بأقسى العبارات وأكثرها إيلاما... ومضت غاضبة ولم يكد أبو نظمي يكمل عبارته بعد لترضيتها...
وذكرت أمرا لافتا جحظت عيناه عند سماعه:
-كنا قد بعنا دارنا العربي في حينا القديم ,وتبين لنا بعد ذلك أن الأقواس المحفورة والآيات الحجرية النافرة والتي تساقطت من بين يدي البنائين بلا عناية ولاتقدير,أثمن من المنزل ذاته,لكن توزيع الإرث على الأبناء أنساهم ماكان لديهم من ثروة..
لادعا لتكرار تجربة اتضحت نتائجها بعد وقت..
- سبحان الله ..ماقصة الرقاقة يارجل؟
قالها أبو سامر صديق أبو نظمي والذي يكرع طوال النهار كؤوس الشاي ولايمل منها...
-لقد عرف صديق لي يوما, أنني اشتري دوما كل مكتبة أطالها لفقيد ماعرفت عائلته قيمة تلك المكتبة ,وتلك الرقاقة كانت في بيت تلك السيدة, مع مكتبة زوجها الراحل...تحوي تفاصيل شجرة العائلة.
لقد ..مكر بي فاشترالها بمبلغ ضخم ماتخيلته , وباتت الآن في متحف بريطانيا,لو عرفت مصيرها لما بعتها.
-لولا شجعك مافعلت..كيف تبيع مالا تملكه؟أصلا هكذا امورا نفيسة لاتباع هكذا بهذه السهولة,اتستغل بساطة تلك المرأة وحاجتها؟.
-هكذا حصل...اعتقدت انها اقتنعت بوجهة نظري عندما أشرت عليها ببيعها.
-وكيف ستتدبر أمورك؟
-سأرى لكل مشكلة حل عندي..
فاحت رائحة البخور من دكانه في ذلك اليوم,وكثر الزوار,والزبائن,وقشر البرتقال ملأ سلة المهملات حتى فاضت,حتى الرمان الحلو الخالي من بذوره ملأ وملأ...
وتجعد وجه أبو نظمي فجأة,ورسم العبوس على وجهه ملامح غير محببة...وشطحت عبارات الماضي تلف المكان بين خذ وهات حتى ثمل الحاضرون وأتخم المكان قصصا وروايات كانت بهاراتها حارقة.
همس في أذني أبو سامر عندما اقتربت من دكانه بهدوء,أنه يفكر بالزواج من فتاة ترتدي عباءة سوداءقديمة فائقة الجمال...
-وهل هي ذاتها التي...؟
-لم يعد مهما ,لكنها بالنسبة له صفقة العمر...
ريمه الخاني 29-1-2014