غرفة رقم 3 ونخوة العرب
رياض خالد الأشقر / مدير الدائرة الإعلامية بوزارة الأسرى والمحررين

كانت في طريقها إلى زيارة شقيقها الأسير الذي لم تره منذ اعتقاله ،وخلال الطريق الطويل الذي يستغرق أكثر من 4 ساعات أغمضت هيام عينيها وبدأت ترسم ملامح اللقاء ، ومدى السعادة التي سيشعر بها الأسير عندما يراها ، وكيف سيعبر له عن مشاعرها من خلال الحاجز الزجاجي؟ وهل تغير شكله نتيجة الأوضاع القاسية في السجن؟ ، أم ما زال وسيماً كما كان قبل اختطافه وانتزاعه من بين أهله وذويه دون رحمة أو شفقه، فهي لا زالت تذكر تلك اللحظات ورغم مرور سنين عليها حين اقتحمن قوات الاحتلال الغاشمة منزلهم برام الله ، بعد أن حطموا الأبواب بعنف والقوا قنابل الصوت داخل المنزل مما أثار جو من الرعب والخوف لدى الأطفال والكبار ، وقلبوا محتوياته رأساً على عقب ، ثم اختطفوه ولم يعد إلى الآن ، استفاقت على صوت الجندي وهو يتجه إلى الحافلة التي تقل أهالي الأسرى إلى سجن القنب للزيارة على حاجز الظاهرية ويشير إليهم بالنزول للتفتيش .
وكبقية أهالى الأسرى نزلت هيام ومرت على أله كشف المعادن ، ثم أمرها الجندي بقسوة وعداء بالعودة مرة أخرى لتمر عن الأله ، ومرة ثالثة ورابعة ، ثم أشار إليها وفى عينيه شماته واضحة لم تفهم سببها .. عليك بالتوجه إلى غرفة رقم 3 ، لم تدرك تلك المسكينة ماذا يعنى الدخول إلى غرفة 3 ، وما هي إلا ثواني حتى كانت داخل الغرفة السوداء المليئة بالكاميرات وإذا بمجندة عبر ميكروفون تأمرها بخلع ملابسها بالكامل، للوهلة الأولى لم تستوعب الأمر، وكأنها لم تسمع أو "أرادت ألا تسمع" وأدركت سبب نظرة الشماتة في عيني الجندي .. فعادت المجندة بلهجة أكثر قسوة اخلعي ملابسك بسرعة ، رفضت شقيقة الأسير أن تنفذ الأمر، واحتجت وصرخت وقررت إلغاء زيارتها ، ولكن كل ذلك لم يجدي نفعاً مع تلك المجندة التي تحولت إلى وحش بشرى، وأله تنفيذ للأوامر دون ذرة من أخلاق أو نبضه من ضمير ، وصرخت بعنف عبر الميكرفون وهددت باستخدام السلاح، ستنفذين الأمر شئت أم أبيتي ، قبلتي بالزيارة أم أردت العودة دون زيارة ،لن تخرجي من هذه الغرفة حتى يتم التفتيش نشتبه بوجود مواد ممنوعة في ثيابك ، هكذا بررت المجندة المجرمة اللجوء إلى تفتيش هيام بشكل عاري .
اسقط من يديها لم يعد لديها خيار ، ضاقت عليها الأرض بما رحبت ، وبلغت القلوب الحناجر ،تلفتت حولها علها تجد معتصم، أو نصف معتصم، أو قليل من معتصم، ولكن دون جدوى لم تجد أحد يدعى معتصم إلا بالاسم فقط .. استغاثت فذهب صوتها إدراج الرياح، حاولت الخروج لم تستطع فالغرفة مغلقة الكترونياً، في هذه اللحظات مر أمام ناظرها تاريخ العرب وكأنها تذكرت كلمة لم يعد احد يستخدمها هذه الأيام وتدعى "نخوة" تساءلت بينها وبين نفسها ، لم يتبقى من هذه الوصفة شيئاً لدى احد من العرب، أم أن ألوان الطعام، وأنغام الهيفاوات، وتمايل الراقصات أنستهم .. أو يبدو أن "العام سام " أجرى لهم علمية جراحية منذ سنوات طويلة استأصل خلالها هذا الورم الخبيث المسمى "نخوة" .
للأسف هذه القصة تتكرر كثيراً مع أمهات وزوجات وبنات الأسرى في سجون الاحتلال ،وغرفة رقم 3 موجودة على حاجز الجلمة شمال جنين، وعلى حاجز الطيبة جنوب غرب طولكرم، وعلى حاجز ترقوميا، وعلى معبر الظاهرية جنوب الخليل ، وعلى .. وعلى .. دون أن يحرك ذلك نخوة المعتصم .. نساءنا تتعرض للاهانة والامتهان والإذلال وسط صمت مطبق وغض طرف وبصر متعمد ، لا نجده إذا تعرضت إحدى "الفنانات الماجدات" إلى عملية تحرش من احد المعجبين فلمثل هذه المواقف وجدت الجيوش العربية ، فقد تتحرك الأساطيل ،وقد تحدث أزمة دبلوماسية وقطيعة بين بلدين عربيين إذا كان هذا الشخص ليس من مواطني الدولة .
وما دمنا على ذكر النخوة فمن الضروري أن نثمن نخوة الأتراك الذين كشفوا سوءات العرب وبرهنوا على نخوتهم ببذل الدماء رخيصة في سبيل نصره غزة والأسرى .
فهل يستفيق العرب ويصحوا من غفلتهم وتجرى دماء عمر وسعد وبلال في أجسادهم مرة أخرى ، وهل ستصل صرخات حرائرنا إلى أسماعهم وقلوبهم، ويقفوا موقف عز وإباء، ويعلنوا نصره أسرانا وأسيراتنا وذويهم الذين يتعرضون للتنكيل والإذلال من قِبل أحط وأخس أجناس الأرض، والذين ما تجبروا وتكبروا علينا إلا يوم أن حنينا رؤوسنا وتركنا إسلامنا ونسينا مجدنا وعزتنا .
لم نفقد الأمل بعد .. ننتظر عودتكم المظفرة.. ننتظر صحوتكم .. والى حين ذلك نحن صابرين .. صامدين.. لن نسلم .. ولن نرفع الراية البيضاء ..ولن نعترف .. وسيأتى اليوم الذي تدوس فيه نساءنا على أعناق الصهاينة ،كما فعلت نساء أسطول الحرية بجنودهم الجبناء .
انتهى