الكاتبُ وصخرة ُالخيانةِ
أَخطوُ بكلماتي نحوَ سياجٍ منيع,
أتقدمُ رويداً رويداً من ذلكَ السياج
تتقدمُ بيَ تلك الكلمات ... وتتقدم
أقفُ أمامَ السياج الهائل حائراً !
سياجٌ عظيٌم من خلفهِ جدارٌ..
من خلفه ساترٌ من تراب من خلفهِ......
ظلماتٍ بعضها يؤازرُ بعض
تنتابني الدهشةُ وتستبد بيَ الحيرةُ
تتركني الكلماتُ وتنطلق ..
تقفزُ تلك الحواجز المتعاقبة ..
تتخطاها جميعاً في حركات رشيقة
وتتركني في غفلة مني أمام تلك العوائق
وأنا أمام السياج ..
العائق الأول ,,,,
مازلتُ في حيرتي .. أتناولً دهشتي
على مائدة الاغتراب
كم كانتْ رائعة تلك القفزات البهلوانية ؟
التي قفزتها كلماتي
لتتخطى تلك السواتر السوداء
التي تحجب النور عمن خلفها
,,,,,,,,,,,,
شردت بخيالي وأنا أقف أمام السياج الرهيب
شردت إلى فضاءات رحبة
رأيتني وكأني أُحطم بمِعوَلي حجراتِ عثرة
تقف في طريقي وفي طريق الناس
الجهل .. الفقر .. المرض ...
الضلال .. التشرذم .. فقدان الهوية .......
أرفع معولي عالياً فوق هامتي
أهوي به على العقبة الكئود أمامي
تتناثر أشلاؤها شظايا
يخرجُ منها نورٌ ونار
نورٌ يكاد سنا برقهِ يأخذٌ بالأبصار
أواري بصري بيدي خشية أن أفقده
من شدة النور المنبعث مع كل طرقة
من الطرقات التي أهوي بها على تلك الصخرة
ونارٌ عظيمةٌ تتعالى لتأكل منا القربان
وتأكل أمراض القلوب وأدرانها
الغل .. الحسد .. الحقد ..
البغضاء .. التناحر .. الكذب .........
أُُعَاود الكَرَّة .. أرفع معولي من جديد
عالياً فوق هامتي قدر جهدي
أهوي به على صخرة أخرى
..................
وفي تلك المرة :ـ
وجدت صخرةً تعترضُ طريق الناس
تقف حائلاً دون مرورهم بسلام
تنحشرً بين جدارين
تجعل العبور مستحيلاً دون خسائر
أرفعُ معولي فوق هامتي
كعادتي ..
أهوي به على الصخرة بكل قوتي
تُغالبني فتجهدني وتُعييني معها الحيلة
أُنادي ( سلمان ) وأصحابي
أُسَائلهم .. كيف ؟
كيف لنا أن نفتت تلك الصخرة الشمطاء ذات النتوء ؟
نحاول ونحاول .. ولكن دون جدوى
في كل مرة .. في كل ضربة نسددها إليها
تتناثر منها بعض الشظايا يمنةً ويسرةً
تكاتفنا كلنا بالمعاول
أشبعناها طرقاً وإيلاماً
ولكن أيضاً دون جدوى
ترى هل يتسرب اليأس إلى نفوسنا ؟
ترى هل بالفعل أعيتنا الحيل ؟
ترى هل استنفذنا كل الوسائل المتاحة ؟
ترى هل تصلبت عقولنا عن التفكير ؟
أصبح سؤال اللحظة الراهنة :
كيف لنا أن نتغلب على تلك العقبة الملعونة ؟
هل نتركها ونرحل عائدين من حيث أتينا ؟
أم أن الأصوب أن نكمل الدرب
مروراً من جوارها تمزقنا النتوء ؟
ظل السؤال يلح ويتردد على أذهاننا
قررنا أن نضعها خلفنا ونكمل الطريق
وليكن مايكون
اجتزناها وتركناها خلفنا وتابعنا السير
ولكن بعد أن مزقت ثيابنا
ونزفت الدماء الحارة من أجسادنا
وتركت النتوء على ضلوعنا علاماتٍ بارزة
وإشاراتٍ دائمة وأفكارٍ حاجزة
ونظرنا خلفنا ونحن نتابع
نحدق بأعيننا في تلك الصخرة
التي تفصل في الطريق بين جدارين
لها وجهين .. وجهٌ من جهة كل جدار
لها وجهين .. وجهٌ في الخلف ووجهٌ في الأمام
خُيِلَ إلي كأننا تابعنا السير
بعد أن أنهكنا التعب
وأعيانا الغلب
واعترانا النصب
وهدت قوانا تلك الدماء
التي تنزف بغزارة من أجسادنا
وكأن السؤال ظل يتردد في ذهن كلٍ منا :
لماذا لم نستطع التغلب على تلك الصخرة دون سواها ؟
وهل سوف يوجد من أحد يستطيعُ يوماً ما
أن يتغلب عليها ويحطمها ويذرها أشلاءً متناثرةً ؟
.................
انتبهت فجأة على صوت كلماتي التي عادتْ إلي َ
وقد حطمت السياج
وبعثرت لَبِناتِ الحائط العالي خلفه
وهدلت تراب الساتر من خلفه
وتركت كل ذلك ركام
قالت لي وكأنها تلومني : ماذا دهاك ؟
لقد انتظرتك من خلف السُتُر
أفقتُ من حلمي الماتع ذي الشجون
نظرتُ لثيابي وجسدي أتحسسهما
ويالهول ماوجدت
وكأنه لم يكن حلماً
وجدت ثيابي وقد مُزِقت
وجسدي تنزفُ منه الدماء
وفوق جروحي المتبعثرة على صفحة جسدي
حطت ذراتٌ وذرات من غبار الحائط والساتر
اللذين دمرتهما كلماتي ..
تركتُ الغبار يغطي جروحي .. يحميني
إسماعيل إبراهيم
[/quote]