الدكتور نجم السراجي
مسرحية : ـ المشهد ما قبل الأول ـ
يتقدم مسرعا يبدو عليه التعب والغضب يضرب برجله الأرض ـ خشبة المسرح ـ يخرج علبة سجائر يجدها فارغة يعصرها بقوة بين أصابعه ، يرميها :
ـ أنا الفقير ! من يسمعني ؟ الكلام لهم ، السلطة والأحزاب لهم ... لنا الحفاظ عليها والموت في سبيلها ! القصور لهم ... لنا شرف حمايتها وتنظيفها ! الخيل لهم ...علينا إطعامها وتبديل نعلها ،
يسكته المخرج ، يصرخ :
ـ هراء ... أين الممثل الآخر ؟
تطفأ الأضواء ، يدور المسرح ، يفتح الستار ( مقهى ، شباب منهمك في لعب الطاوله و الدومينو. شيب يكسر صمتهم قرقرة النارجيلة )
يتقدم خشبة المسرح شاب ، يسير ببطء ، يعثر في مشيته ، يهز يده اليمنى ، ينظر إلى رواد المقهى المزدحم :
ـ رفضوا المشروع ! لا أعلم لماذا ؟ قالوا انه مشروع إنساني ، خيري ، اجتماعي ، عمراني ، صناعي ، ثقافي ، علمي ، حضاري ، لكنهم رفضوه ! ماذا لو قبلوا المشروع ؟ ستقل حتما ً نسبة البطالة في البلد ، ستغلق معظم هذه المقاهي أبوابها !
ضحك ضحكة متقطعة :
ـ لكن أين سيذهب رجال الأمن ؟ سبل رزقهم في هذه المقاهي يصطادون فلتة لسان زبون هنا أو هناك ! يراقبون من خلالها المارة والبيوت والشوارع ...
غضب المخرج ثانية ، أمر بإخراجه ، تقدم أحدهم مسرعا فتح له علبة السجائر ، أخذ سيجارة سحب منها نفسا عميقا ثم رماها :
ـ هراء ,,, ماذا يجري هنا ؟ الممثل الثالث ..
تطفأ الأضواء ثانية ، يدور المسرح ، يفتح الستار ( ليل ، نجوم ، قمر )
يتقدم المسرح رجل في العقد الخامس من العمر ، يصبغ شعره وشاربة باللون الأسود الفاحم ، أنيق ، تحكم عليه من مشيته ونوعية ملابسه وطريقة مسكه للسيجار بأنه من الطبقات الغنية أو صاحب نفوذ وسلطات ، ابتسم بهدوء ، تكلم بثقة ورزانة :
ـ أيها الشعب العظيم .....
ارتجت القاعة بالهتاف والتصفيق المتواصل ، قاطعهم عدة مرات دون جدوى ، وقف الجمهور ، هتف باسمه ، هتف معهم المخرج :
ـ يحيا .... عاش ... كلنا فداك .....
ركز مدير الإضاءة الضوء على هذا ـ البطل ـ انعكس الضوء من بدلته الناصعة البياض على الجمهور ، شاط المخرج / الليل / غضبا ً:
ـ خيانة ... بين صفوف الجمهور/ النجوم / خونه ...لا تصفق !!!
أمر المخرج بزيادة الإضاءة وتوجيهها على الجمهور وتسليط الكاميرات الأساسية والجانبية عليهم لتشخيص الأيادي التي لا تصفق !
شخصوهم ، أخرجوهم من قاعة المسرح ... حددوا مصيرهم !
عاد التصفيق ثانية بحرارة اكبر وارتفعت الهتافات من جديد دون انقطاع واستمر هذا المشهد الحماسي الثائر حتى الفجر ، ارتفعت الشمس قليلاً ، أذابت خيوطها عتمة الليل وطلع النهار على المسرح والبطل لازال في نشوته ينظر إلى الأعلى نحو السماء ، القمر ، النجوم / الجمهور / الذي تركه ليستقبل في الليلة الأخرى ممثل أنيق آخر يصفق له بحرارة !
انتهت
النمسا 2007-09-28