صوت حبات الكرز (الجزء الأول)
يا أوراق الياسمين والجوري وبساتين المشمش و الكرز وكروم العنب الجبلية ....
في ربوع تلك الأراضي حيث طفولتي وأيامي وشمسي ..الذهبية ...
لا زلت تغنين وترقصين طربا ..تحت زخات المطر في تشارين
لا زلت تتمايلين ... وتقفين شامخة في عواصف شباط و*الكوانين
وتبثين عطرا من الحنين
ولكن ... صديقتي .....أين السامعين ...
هل تذكرين جدتي وجدي عندما كانا يغرفان الحب ويسمعان ما غرد الحسون من طرب
هل تذكرين طفلا صغيرا عابثا خائفا عائدا من مدرسته جائعا
اقترب من تلك الأغصان المليئة بحبات الكرز
مد يده نحوها يريد قطفها وأكلها
خاليا ساكتا ..كان المكان
من بعيد رأى راعيا للأغنام
مر بجواره الراعي مبتسما سعيدا باطمئنان
داعيا له بالبركة والتوفيق ناشرا له سحابة من الحنان
وتوارى الراعي بعيدا مع قطيعه من الخرفان
عاد الصبي وعاد صوت الجوع يطن في معدته كإعلان
هيا اقطف تلك الكرزات فما هناك إلا الجبال والنسمات
والعصافير والغيمات
وحبات الكرز اللذيذة
وكلها شهود صمت بريئات
مد يده مرة أخرى شاعرا بجوع قاتل ورغبات
تراءى له لون الكرز الاحمر وكأنه موسيقى تجتاحه ونغمات
شهية تلك الحبات.... لذيذة تلك اللقمات
وضع الحقيبة أرضا بعزم وثبات
تقدم نحو سور البستان وأغصان الكرز والجنات
سمهع همسا في قلبه ... صوتا في نبضه
حبيبي .. إياك إياك
تراجع الصبي خائفا وكأن ألف من الأفاعي قرصنه و الحيات
من أين جاء ذاك الصوت إلهي ,, فالمكان خال إلا من دقات قلبي والأمنيات
تلفت خائفا مرتعدا .. وكان قصفا ورعدا حارقا أصابه باللعنات
عاد لمنزله خائفا .ساكتا .. واجما
بعد تناول طعام الغذاء ,,
وضعت الأم صحنا كبيرا مملوء بحبات الكرز الناضجة الحمراء
نظراليها واجما متسائلا ..
صامتا سامعا همسها .. بوضوح وجلاء
صوت قلبه ...ضميره ...عاليا صوت النبضات ...
مد يديه بخوف ..بشوق .. برجفة .. بشهية ..بحب ..
لازال كلما رأى حبات الكرز
يتذكر تلك الهمسات ....ويدق قلبه تلك النبضات .....
كوانين : هما شهر كانون الأول (12) وكانون الثاني (1)يناير وهو فصل الشتاء والبرد القارص