ركن الطفل .. حكايات وقصص للأطفال

--------------------------------------------------------------------------------

حكايات للاطفال

الحكاية اولى :

كان هناك غابة جميلة يعيش سكانها في نظام ومحبة, ويتعاونون مع بعضهم البعض ويتجاورون في مودة وإخاء, وفي يوم من الأيام خرجت الحيوانات تفتش عن طعامها في كل أنحاء الغابة, وتجدّ في سعيها في هدوء وأمان.
وإذا بصوت الأسد يزمجر بالغابة ويملؤها رعباً, فخافت الحيوانات وتركت ماكانت تبحث عنه, وصار همها أن تتوارى عن أعين الأسد الغاضب والجائع.
وبينما كان الأسد يقفز من مكان لآخر بحثاً عن طعام يسكت فيه جوعه, وجد سلحفاة صغيرة لم تستطع الاختباء لأنها بطيئة الحركة, فأوقفها الأسد وقال لها: أليس في الغابة حيوان أكبر منك يسكت جوعي؟
فقالت السلحفاة: إنني ياسيدي الأسد مسكينة فجميع الحيوانات تستطيع الاختباء إذا داهمها خطر أما أنا فلا.
فقال لها الأسد:اسكتي أيها الصغيرة, سآكلك رغماً عنك فإنني لم أجد أرنباً أو غزالاً, ووجدتك في طريقي فهل أتركك وأنا أتضور جوعاً?؟؟
فقالت السلحفاة:إنك لن تشبع ياسيدي إذا أكلتني, بل على العكس سيتحرك الجوع فيك أكثر.
فصاح فيها الأسد: لن تستطيعي إقناعي, سآكلك يعني سآكلك.
فردت عليه السلحفاة بأسى: رضيت بما قدره الله لي ولكن قبل أن تأكلني لي عندك رجاء.
فقال لها الأسد: ماهو؟ فأجابته السلحفاة: لا تعذبني قبل أكلي, فإني أرضى أن تدوسني بقدميك, أو أن تضربني بجذع شجرة ضخمة...ولكني أرجوك ألا ترميني بهذا النهر.
فضحك الأسد وقال لها: سأفعل عكس ما طلبت مني, بل سأرميك أيتها المخلوق الحقير... فتظاهرت السلحفاة بالبكاء والخوف, فأخذها الأسد ورمى بها في النهر, ولكن السلحفاة الذكية ما لبثت أن ضحكت وقالت للأسد: يالك من حيوان غبي ألا تعرف أنني أعيش في الماء ولا أخاف منه لأني أجيد السباحة؟
ليس العبرة في ضخامة الأجسام وإنما العبرة في فطنة العقول, وهكذا استطاعت السلحفاة أن تنجو من الأسد بفضل ذكائها.
__________________
--------------------------------------------------------------------------------

(يحكى أن)

"الطائر الطيب العجيب"‏


كانت نباتات البطيخ الأخضر تملأ ذلك الحقل الكبير وهي فرحة بأنها نضجت وأصبحت جاهزة للقطاف وكل بطيخة كانت تتخيل مصيرها: هل ستقع في يد مسافر عطشان.؟... أم ستنتقل على العربات إلى البعيد من البلدان؟. هل سيقطفها الصغار من الصبيان ليأخذوها إلى بيوتهم ويأكلوها مع وجباتهم؟...أم ستأتي الفلاحات النشيطات لقطفها وجمعها ثم توزيعها على أهل القرية جميعاً من المساكين العطشانين؟‏

كل ثمار البطيخ بألوانها الخضراء الزاهية كانت تضحك، ما عدا واحدة منها هي أضخمها وأكبرها حجماً.. كانت قشرتها قد أصبحت سميكة وصفراء، وتكاد تنفجر من كثرة نضجها وامتلائها.‏

قالت البطيخات لهذه البطيخة الأم:‏

- أنت لم يقطفك أحد الموسم الماضي... أليس كذلك؟‏

قالت:‏

- أنا مثلكن... زرعوني هذا الموسم، لكن بذرتي كانت كبيرة وقوية، ونمَوَتُ بسرعة أكثر منكن.‏

وهم زرعوني لغاية غير الغاية التي من أجلها زرعوكن.‏

قالت البطيخات الشابات بفضول:‏

-هيه... قصي علينا قصتك... ثم ما هي هذه الغاية؟‏

قالت البطيخة الأم أكبر البطيخات:‏

-قصتي هي أنني سأظل في مكاني هنا حتى أنفجر وتخرج بذوري مني.‏

صاحت بطيخة صغيرة بفزع:‏

- ولماذا؟ ألا تذهبين معنا وتنفعين الناس. وينتهي الأمر؟ وإلا لماذا خلقنا؟ ضحكت البطيخة الكبيرة أم البطيخات، وقالت:‏

- إنني أنتظر هنا صديقي الطائر الطيب... ذلك الرسول الأمين الذي سينقل بمنقاره ما استطاع من بذوري، ثم يطير بها إلى مسافة بعيدة ويرميها في أرض لا تعرف البطيخ.. فأنبت من جديد هناك وأكون سعيدة بسعادة الناس بي.‏

قالت البطيخات الشابات:‏

- كان الله في عونك... ستظلين هنا وحدك مع ريح الليل، وشمس النهار... وربما هطلت الأمطار عليك فأفسدت كل شيء.‏

قالت البطيخة الأم:‏

- وماذا تظنين أنت ومثيلاتك أيتها البطيخات الشابات؟ من أين أتيتن إلى هذا المكان ولم يكن يعرف البطيخ أبداً؟. إنه الطائر الطيب العجيب.. هذا الذي حمل أول بذرة وألقاها في بلاد بعيدة.. وكانت مغامرته مفيدة وسعيدة... وهكذا يفعل.‏

قالت بطيخة ناضجة أكثر من سواها:‏

- دعينا من هذا الكلام.. إنه من الوهم أو الأحلام... أنهم يزرعوننا بذوراً... ولم نسمع هذه الحكاية إلا منك.‏

هزت البطيخة العجوز برأسها، وقالت:‏

- صحيح... إنها حكاية... لكنني أحبها، وأتشوق أن تحصل معي... ولعل الطائر الطيب سيرسل بدلاً منه آخرين... من المزارعين الطيبين يأخذونني... ويستغلون بذوري لأعود فأنبت مع كل بذرة من جديد.‏

ونظرت البطيخات كل منها إلى الأخرى وتشاورن... من تريد أن تبقى مع البطيخة الأم لتغدو من جديد هي الأم؟‏

وبينما هن كذلك رفرف طائر فوق حقل البطيخ.. ولم يعرف اسمه أحد.. ولم يعرف سره أحد.. وأخذ يهبط ويطير فوق حقل البطيخ، وهو يزقزق بحبور... ويبحث بين التراب عن البذور.‏


لينا كيلاني

حالوردة والعصفور


في يوم ما ضجر العصفور من صوته ، فأعلن في صحيفة الغابة أنه مستعد لاستبدال زقزقته بأي شيء جميل يعرض عليه ، سخرت كل الحيوانات والأشجار من إعلان العصفور ،
وظن البوم الحكيم أن العصفور لابد وأن يكون قد أصيب بالجنون ،
لكن الوردة الحمراء أعلنت أنها مستعدة لمبادلة العصفور بما يريد ،
ولما علم العصفور برغبة الوردة ، طار نحوها مزقزقا زقزقته الأخيرة بفرح وسرور ،
حتى أن جميع من كان في الغابة سحره الصوت الجميل ،
وتمنوا لو أن العصفور يعدل عن رأيه في الوقت المناسب ،
لكن العصفور كان قد اقترب من الوردة ، وراح ينظر إلى جمالها الساحر مبهورا ،
قالت له الوردة : أطلب ما تشاء مقابل صوتك الجميل ،
أجاب العصفور : أريد لونك الأحمر الساحر
شعرت الوردة بالارتباك ، لم يكن يدور بخلدها أن العصفور سيطلب منها طلبا كهذا ،
لكن إعجابها الشديد بصوت العصفور جعلها توافق على طلبه ،
فنزعت عنها لونها وأسلمته للعصفور الذي ارتداه في الحال واستلمت الوردة صوت العصفور وراحت تجرب الزقزقة ، أحست بالفرح الشديد لأنها أخيرا امتلكت صوتا ساحرا ،
وأما العصفور ، فقد شعر بالحزن سريعا لأنه لم يعد يمتلك أي صوت يخاطب به الآخرين ، لكن عيناه اللتان رأتا لون جناحاه الساحر منحتاه شعورا بالمواساة وبقدر قليل من الفرح ،
فلقد تمكن أخيرا من اكتساب لون الوردة الحمراء ،
فطار عاليا ثم راح يتنقل من شجرة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر محاولا أن يري الجميع جمال لونه الجديد لكن الحيوانات والطيور كانت منشغلة عنه ،
كل في عمله من بحث عن الطعام أو بناء الأعشاش أو أي عمل آخر ،
أحس العصفور بالخيبة من إهمال الآخرين لـه فاقترب من الوردة المزقزقة مخذولا ، لا يعرف بأي طريقة سيقنعها لكي تعيد له صوته ، لكن ولسوء حظ العصفور مر في تلك اللحظة صياد اجتذبه الصوت الجميل واللون الأحمر للعصفور وهو يظن أن الصوت يصدر عن العصفور الأحمر ، فما كان منه إلا أن رما بشباكه فوق العصفور فاصطاده ،
لكنه حين ابتعد قليلا سمع وراءه صوت العصفور ينطلق من مكان ما ،
فأصابه عجب شديد من الأمر وراح يفتش بعينيه عن مصدر الصوت ليكتشف وهو مذهول من المفاجأة أن الصوت كان يصدر عن الوردة فاقترب منها واقتطعها فإذا بها تصدر صرختها الأخيرة قبل أن تفارق الحياة .

حسين عبد الله
رد : حكايات .......

--------------------------------------------------------------------------------

"ثوب الدمية سلمى"

كانت (زينب) وهي بنت صغيرة مدللة لم يرزق أبواها سواها، تحب الدمى كثيراً، وأفضل دمية عندها هي التي أسمتها (سلمى).
لماذا أسمتها (سلمى) ذلك لأنها سلمت بعد أن سقطت في النهر في اليوم الأول الذي أهدوها فيه هذه الدمية.
سقطت في النهر وظنت (زينت) أنها ضاعت منها، ولن تعود أبداً.
لكنها علقت بجذوع شجيرات حول الماء. ولما ركضت (زينب) بمحاذاة النهر لتودعها سمعتها تناديها:
- انقذيني يا زينب... انقذيني... أنا دمية جميلة... وأريد أن أفرح قلب طفلة جميلة مثلك.. وبما أن هذا اليوم هو أول يوم لي أخرج فيه من الواجهة الزجاجية لمحل الألعاب فمعنى هذا أنه أول يوم في حياتي.
انقذيني.. وسأكون صديقتك... وسأستمع إلى حكاياتك... وأسليك... وأنام بقربك.
ولم تجرؤ (زينب) بالطبع أن تمد يدها لتسحب دميتها خوفاً من أن تنزلق قدمها فتغرق في النهر. ظلت تنتظر أمواج النهر المتدافعة موجة بعد أخرى عسى أن تقذف الدمية نحوها. انتظرت وهي تقول لها:
-هيا خلصي نفسك يا دميتي... على كل منا أن يخلص نفسه إذا وقع في مشكلة، وخاصة إذا وجد غيره يساعده، وها أنا أساعدك.. وسأسميك (سلمى) إن سلمت، ولن أفارقك أو أفرط بك أبداً.
ثم أتت موجة كبيرة فدفعت (سلمى) نفسها نحو (زينب)، ودفعتها الموجة أيضاً فوصلت إلى حافة النهر، فتناولتها (زينب) وضمتها إلى صدرها وهي تقطر ماء وعيناها مليئة بالدمع.
تذكرت (زينب) كل هذا وخالتها تدعوها إلى عيد ميلاد ابنتها (سناء)، قالت (زينب):
- سأصحبك معي يا سلمى... ألم أعاهدك على أنني لن أفارقك؟

لكن أم (زينب) قالت:
- وهل تأخذ الصغيرات الدمى معهن إلى الحفلات؟.. أنهن يذهبن ليشاركن رفيقاتهن في الأناشيد، والألعاب، والتسلية، والمرح فلماذا تأخذين معك دميتك؟
قالت (زينب):
-لكنها (سلمى) يا أمي... ولا أستطيع أن أتركها وحدها، وإذا لم تسمحي لها فلن أذهب أنا أيضاً.
قالت الأم:
- لا.. يجب أن تذهبي، وما عليك سوى أن تخبئيها عند خالتك حتى تنتتهي الحفلة فترجعيها معك إذا كنت لا تريدين فراقها.
قالت (زينب):
- لكن عندي مشلكة يا أمي... سلمى لا تملك ثوباً جديداً للحفلات فماذا أفعل؟
ضحكت الأم وقالت:
- ثوب جديد للدمية، الدمى لا تبدل أثوابا ياحبيبتي. هيا اسرعي سرحي شعرك وارتدي ثوبك الأبيض الجميل ولا تتأخري.
ولما هبطت (زينب) لتذهب إلى الحفلة كانت فرحة لأنها مع دميتها، وعندما وصلت أخذت الصغيرات كلهن يضحكن من منظر الدمية (سلمى)، فقد ألبستها (زينب) أحد أثوابها حين كانت أصغر وعقدت لها شريطاً أبيض على رأسها فبدت تشبهها تماماً.
واضطربت (زينب) وكل واحدة من البنات تداعب الدمية أو تلامسها، أو تحركها، أو تهزها لتقول (ماما) مثل بعض الدمى. وأسرعت (زينب) لتخطفها من ايديهن وتسلمها إلى خالتها حتى تنتهي الحفلة. وضعتها في سرير (ندى) ابنة خالتها صاحبة الاحتفال بعيد الميلاد، وعادت وهي تظن أن الجميع كانوا يسخرون منها ومن دميتها التي تشبهها.
لكن المفاجأة كانت عندما دخل (سالم) أخو (ندى) بعد قليل وقد وضع جهاز تسجيل صغير تحت ثوب (سلمى) فيه قصص وأغنيات وحكايات ونكات، حتى كأن (سلمى) هي التي تشارك في الحفلة.
سرت (زينب) بهذا غاية السرور، وضحك الجميع لهذه المفاجأة اللطيفة، وقال (سالم):
- عندما أكبر وافتتح محلاً لبيع الألعاب والدمى سأجعل كل دمية تتكلم بهذه الطريقة، ما رأيك يا سلمى؟.

واهتز الجهاز تحت ثوب (سلمى) وهي تقول: أنا سلمى الدمية... أحبكم جميعاً وأريد مشاركتكم الحفل.



لينا الكيلانى
--------------------------------------------------------------------------------

"هدية بلا أذية"

أخذ (حسام) يجمع قطع الخبز الفائضة عن المائدة وبقايا الكعك والبسكويت في علبة معدنية صغيرة ليأخذها يوم الإجازة معه إلى حديقة الحيوان.
فهو يضع قسماً منها للعصافر التي تحط فوقها وهي تزقزق ثم تطير فرحة، ويضع قسماً آخر للأسماك في تلك البركة الجميلة.
وقد يصادف قطاً جائعاً فيرمي له بقطعة، وقد يتناثر الفتات فيهجم عليه النمل، فيتأمله (حسام) مسروراً.
أن الطبيعة كريمة.. والله سبحانه وتعالى أكرم الأكرمين.. وهو لا ينسى مخلوقاته فيهيء لها رزقها... وهنيئاً لمن يسعى لغيره كما يسعى لنفسه ويقدم له هدية.
وفي ذلك اليوم وقد أوشكت العلبة المعدنية أن تمتلئ بالهدايا لرفاق (حسام) من عصافير وأسماك، وقطط، ودجاج، ونمل، الخ...،
سمع ضجة وراء العلبة فالتفت، فإذا بالعلبة تقع وينفرط كل ما فيها.
ولمح وراءها زوجاً من الفئران الرمادية وهي تحاول أن تهرب مضطربة.
أسرع (حسام) ليمسك بها فتسللت إلى جحرها المثقوب في أسفل الجدار واختفت.
قال (حسام) في نفسه:
- هذه الفئران ضارة فهي تنقل الأمراض، وتعتدي على المؤونة والطعام، ولا بد أن أقضي عليها، وما علي ما دامت قد رأت كل ما في العلبة من طعام شهي بالنسبة إليها سوى أن اختبئ حتى تخرج.
وبعد ذلك أقبض عليها أو أدعها تقع بنفسها في هذه المصائد الصغيرة التي سأنصبها لها وفيها قطع الجوز الشهي.
وما هي إلا لحظات حتى أطلت فئران كثيرة بأجسامها الرمادية النحيلة، وعيونها الصغيرة الحذرة، وشواربها الدقيقة.
وقبل أن يقترب منها (حسام) قالت إحداهن وهي فأرة ناعمة الجلد، لامعة الوبر، وعيناها تلمعان كحبات الخرز:
- ما نحن إلا فأرات جائعات أيها الولد الطيب... فلماذا لا تدعنا نأكل من هذا الفتات؟
قال (حسام):
- جائعات؟ إذن من يقضم الخبز في المطبخ.. ومن يعتدى على بيت المؤونة؟ أنتن فأرات مؤذيات، ولا هدية لمن يتسبب بالأذية، سوف أقبض عليكن جميعاً وارميكن خارجاً.
قالت الفأرة:
- أو تقتلنا.. أليس كذلك؟
قال (حسام):
- لا... لن اقتلكن إذا أخذت عهدا منكن ألا تعود أي واحدة منكن إلى داخل منزلنا.. أليس لكنّ فرصة للعيش إلا عندنا... وعلى حساب أذانا؟
خجلت الفأرة كثيراً، وأخذت تنظر إلى بقية الفئران التي أطرقت برؤوسها ثم قالت:
- حسناً... سندخل إلى جحورنا بعد أن نأكل، ولن نخرج من هنا أبدا، بل من الفتحة الأخرى المتصلة بالحديقة، ما رأيك؟
قال (حسام):
-موافق... هذا حل مقبول ما دام هذا الفتات قد تبعثر وامتلأ بالغبار والجراثيم.
وانقضت جموع الفئران تلتهم الفتات كله، ثم تسللت بعد أن شبعت إلى جحورها واحدة تلو الأخرى فما كان من (حسام) بعد أن نظف المكان إلا أن سد الفتحة بالجبس المعجون بالماء ورمى العلبة وهو يقول:
- لاهدية لمن يتسبب بالأذية.
أما رفاقي أولئك من البط والعصافير، والأسماك فهي لا تتسبب بأذى أحد ولهذا تستحق مني الهدية، وتستحق العطف من كل أحد.


لينا الكيلانى
حكاية أسد


الآن يمضى الأسد كأنه يقول : أنا .. وليس إلا أنا ..

ومن يمش يرض بما ركب ، فهو يمشى على أقدامه ، ورأسه فى السحاب يتعاجب ..

من عز بز .. هذا قول الأسد ..

وهو يتذكر فريسة اليوم التى أخذ يلهو بها ، ويلاعبها بخشونة وأذى .. ضحك وهو يسترجع ما حدث ..

كان الرعب قد قتل هذه الفريسة قبل أن يجهز عليها الأسد بقبضته .. هكذا كان الأسد يطأ الفريسة بمخلب ، ويرعبها بناب ..

قال : أنا أحب رؤية الرعب فى عيون فرائسى ..

ثم صاح بنفس القول مع بعض التغيير فى اللفظ والمعنى : أنا أحب رؤية الرعب فى عيون الضعفاء ..

كل منا عليه أن يمتلك حكمته .. إما له ، وإما عليه ..

ظل الأسد على عادته حين يخرج للصيد ، وقبل أن يضرب ضربته ترتج الغابة بزئيره ، ثم يبحث فى عيون الفريسة عن الرعب ، فيجده ، عند هذا تكون الفريسة هنيئة مريئة ، فى بطنه تستقر .. يضحك ضحكته ، ويصيح : هذا حقى أيها الضعفاء ..

ويمشى إلى عرينه منتشيا ..

أنا .. وليس إلا أنا ..

فى صباح اليوم عثر الأسد على فريستين مرة واحدة ، وكشر عن أنيابه ، وهو يقول : أنا سعيد الحظ ..

سوف يرى أربع عيون مملوءة بالرعب ..

أنا .. وليس إلا أنا .. هل يوجد من عنده ذرة شك ؟!

كانت الفريسة الأولى حملا خر من الوهلة الأولى ، لم يمكث إلا لحظة حتى ملأ الرعب عينيه ، وصمت أذناه من زئير الأسد ، وبدا كالمربوط والمرعى فضاء واسع !!

وتذكر الأسد حكمته الباطشة : أنا أحب رؤية الرعب فى عيون الضعفاء ، فضحك ضحكا خشنا مقعقعا كالرعد ..

التفت الأسد إلى الفريسة الثانية ، وانقطع ضحكه فجأة ، بل تراجع للوراء ..

كان أمامه وعل بقرنين مشعبين إلى شعب حادة يتلألأ ضوء الشمس على سطحها ..

تذكر الأسد أنه لم يزأر ، فاستجمع كل قوته وزأر .. هبت رياح ، وتمايلت أشجار الغابة من عنف الزئير و شدته .. أرسل الأسد نظراته لتستقر حدتها فى عيون الوعل .. هكذا تعلم الأسد من خبرته ، وساعدته الفرائس ..

وجد الأسد القرنين المشعبين مسددين إلى قلبه مباشرة .. تراجع خطوتين وزأر.. تقدم الوعل هاتين الخطوتين .. كان يبادل الأسد تلك النظرات ..

رأى الأسد عينى الوعل ، كان الرعب ميتا فيهما .. تقهقر الأسد ، وانتقل الرعب إليه لأول مرة فى حياته .



محسن يونس
المكسب والخسارة


قال الأرنب : من طلب شيئا وجده ..

وهرب إلى جحره ، لا يطلب شيئا إلا النجاة النجاة ..

أما الغزال ، فقال : أنا لا أعلق الجرس فى عنقى ..

واختفى عن الأنظار خلف أجمة ترتفع حشائشها إلى الأعناق ..

أما الفيل ، ووحيد القرن فقد انطبق على حالهما هذا القول : " أشرى الشر صغاره "

أما النمر – وكان بالقرب – فقد مشى رويد رويدا ، وهو متيقن أن الجائزة من نصيبه ..

والذى حدث يفسر ويوضح كل هذه الأقوال ، وكل هذه الأفعال .. فانتبهوا ..

التقى الفيل ووحيد القرن على كره ، والكره يفتح أبواب الشر ، وأول أبواب الشر المفاخرة ..

رأى النمر أن مقتل الفيل بين فكي الفيل نفسه ، وكذا مقتل وحيد القرن يأتى بين فكى وحيد القرن ، وسوف يكون فك النمر براء من القتل ، ولأمر فى نفسه توقف ..

كان الفيل يصيح فى وجه وحيد القرن : أنا أقوى منك ..

تحسس النمر طريقه ، ونكأ الجرح ، وغمز وحيد القرن قائلا : هل تسكت ؟!

ابتلع وحيد القرن الطعم ، فأرعد : أنا الأقوى ..

رسم النمر على وجهه علامات الدهشة والتعجب ، وهو يقول للفيل : أنت بلا شك أكبر حجما ..

استحسن الفيل هذه الملاحظة ، ولكنه لم يهنأ بها طويلا ، إذ التفت النمر إلى وحيد القرن ، وقال له : أنت بلا خرطوم يا خرتيت ..

حول وحيد القرن قول النمر إلى تعريض ساخر بالفيل حين ضحك ، وهو يقول : هذا صحيح .. ليس لى خرطوم .. ها . ها . ها . ها ..

وقف الفيل كمن كلف إحضار مخ بعوضة !!

صاح النمر : هل تسكت ؟!

قال الفيل ، وهو يعود لامتلاك زمام نفسه : أنا لى سنان من العاج .. أما أنت فوحيد السن ..

وجاء الدور على وحيد القرن ليصمت أمام هذه الحقيقة ..

تحرك الفيل ليغادر المكان منتشيا بالنصر الذى حققه ..

أسرع النمر يقول لوحيد القرن : أنت أسرع من الفيل إذا عدوت ..

تراجع الفيل إذ سمع النمر يقول أيضا : أقارب الفيل يشتغلون فى السيرك .. رفع خرطومه بفخر فى الهواء ، ووقف على قدم واحدة من أقدامه ، ثم اعتدل ، وقال بفخر : هذا شىء لا يعرفه جنس وحيد القرن .

عند هذا زمجر وحيد القرن ، ونفر ، وأخرج الزفير من منخاريه صارخا : أقاربك يا فيل خدم عند أصحاب السيرك ..

ابتعد النمر قليلا ، وأفسح للغريمين عند انتهاء وحيد القرن من تعريضه بسلالة الفيلة ، فهذا انتهاء لشىء ، وابتداء لشىء ، والنمر يعرف ..

التحم الفيل ووحيد القرن ، وعلا الغبار ، وكثر الجرى والطعن ، فالزيت فى العجين لا يضيع .. وهذا قول عرفه النمر وخبره ، لأنه دعا أصدقاءه النمور إلى وليمة طيبة من لحم الفيل ، ولحم وحيد القرن ، ظل النمر لمدة طويلة يقسم أن لحم الأحمقين أطيب لحم استمتع بطعمه واستلذه .



محسن يونس
--------------------------------------------------------------------------------

"لاتبردي يا قطتي"
(سمر) بنت صغيرة... حلوة ومؤدبة...

أمها تحبها كثيراً... وأبوها يدللها...

وأخوها (سامي) لا يزعجها أبداً.

(سمر) لم تذهب إلى المدرسة بعد...

بل إلى حديقة الأطفال القريبة من عمارتهم...

توصلها أمها أوأبوها وأحياناً بواب العمارة.

وفي يوم عثرت هي والبواب على قطيطات صغيرات مع أمهن خلف دكان البقال.

أسرعت نحوها...

وحاولت أن تمسك بالقطيطة البيضاء...

لكن القطة الأم نفخت في وجهها، وأخرجت أظافرها لتخمشها.

قال العم البواب:

- هل أحببت هذه القطيطة يا سمر؟

قالت سمر:

-جداً.... جداً.... ليتني آخذها إلى البيت.

قال العم البواب:

- حسناً.... سآتي لك بها بعد أيام عندما تكون أمها قد فطمتها.

وتكونين أنت قد طلبت الإذن من أمك برعاية هذه القطيطة الجميلة.

ولكن اسمعي ما سأقوله لك يا سمر.

واستمعت (سمر) بكل انتباه إلى العم البواب وهو يقول:

- فالقطيطة يجب أن تتناول أولاً اللبن لأنها صغيرة....

وبعد ذلك تطعمينها ما تشائين.

ويجب أن تنام في مكان آمن ودافئ.

وأهم من كل ذلك ألا يؤذيها أحد.

قالت (سمر):
-سأفعل كل ذلك ياعم... سأفعل.

وبعد أيام ومن وجود القطيطة التي أسمتها (ماسة)،

أصبحت (سمر) لا تفارقها.... تحملها... وتطعمها...

وتضعها مساءً في سلة من القش مفروشة بالقطن.

وفي ليلة... وقد نسيت (سمر) قطتها المحبوسة في غرفتها دون أن تقدم لها طعاماً،

أخذت (ماسة) تموء وتموء، ولم يسمعها أحد.

وما إن فتحت (سمر) باب غرفتها حتى هربت (ماسة) بسرعة كبيرة إلى المطبخ..

ووثبت فوق الطاولة الصغيرة بحثاً عن الطعام فأوقعت الصحون فحطمتها.

أسرعت الأم إلى المطبخ لتعرف ما الخبر... فقالت (سمر):

- ماسة هي التي أوقعت الصحون... ولست أنا.

غضبت الأم وقالت:

- يجب أن نعاقب (ماسة) فلا تنام في سلتها في غرفتك بل في الخارج.

أطرقت (سمر) حزينة....

ولم تعارض أمها التي أخرجت (ماسة) إلى الحديقة،

وأغلقت الباب.


ولما كان الفصل شتاء..

وهطلت الأمطار... لم تستطع (سمر) النوم..

وأخذت تبكي لأنها هي السبب فيما جرى مع (ماسة) وهي لم تخبر أمها بالحقيقة.

تسللت (سمر) من فراشها بهدوء وخرجت إلى الحديقة،

والتقطت (ماسة) التي كانت ترتجف برداً

أمام الباب، وقالت لها:

- لاتبردي يا قطتي... سامحيني أنا السبب..

أنا السبب، فقد نسيتك في الغرفة وما قصدت حبسك.

وكانت أم (سمر) قد سمعت ضجة وحركة،

ورأت ابنتها وهي تحتضن القطة وتعتذر منها، فابتسمت...

واعترفت لها (سمر) بكل شيء.
قالت الأم:
- عودي إلى فراشك يا سمر.. الطقس بارد.
قالت سمر:
- وهل تعود (ماسة) أيضاً إلى فراشها؟
قالت الأم:
- طبعاً كي لا تبرد هي أيضاً... هيا يا قطتي أسرعي كي لا تبردي.

الليمونة الحزينة...

كانت شجرة الليمون محملة بثمارها الناضجة الصفراء وقد حان قطافها،

وكل ثمرة تنتظر قاطفها وتحلم كيف ستكون مفيدة له... أليس من أجل هذا خلقت؟

وبينما الثمار تلتمع في الليل كأضواء الكهرباء بين الأوراق الزاهية الخضراء

كانت ليمونة في أعلى الشجرة تخبئ نفسها ولا تشارك رفيقاتها في أحلامهن،

تقول لنفسها:

- سأظل هنا مختبئة بين الأوراق فلا يراني أحد.

لا أريد أن يقطفني أحد...

بل أظل هنا في أعلى الشجرة كملكة على عرشها.

ماذا في ذلك؟ أن قشرتي قوية..

وعودي المتين عالق تماماً بالشجرة.

سأظل لأشهد ربيعاً آخر...

وأرى الأزهار كيف تتفتح...

صحيح أنني سأبقى وحدي لكنني سأسامر النجوم في الليل..

وأداعب الهواء في النهار..

وتحط علي العصافير فأسمع قصصها وحكاياتها.

وإذ حل وباء (الانفلونزا) فجأة في الحي أسرع السكان لاقتطاف ثمار الليمون دواء لهم ولأطفالهم...

ولم يروا تلك الليمونة لأنها اختبأت أكثر وأكثر.

وهكذا فجأة وجدت نفسها وحيدة وحزينة خاصة وأن الفصل أصبح شتاء...

ولا نجوم في الليل لأن السماء مغطاة بالسحب والهواء يلسع ببرودته،

والعصافير كلها آوت في أعشاشها.

بدأت الليمونة المتكبرة تلوم نفسها على ما فعلت عندما هبت عاصفة قوية مصحوبة بالمطر وحبات البرد، فإذا بها تسقط في حفرة مليئة بالطين.

نادت الأطفال ليأتوا وينقذوها لكنهم كانوا مختبئين في بيوتهم بسبب البرد ولأنهم لم يشفوا من الانفلونزا بعد.

بكت الليمونة المتكبرة وأصبحت تعاني من موت بطيء..

هكذا مهملة دون نفع أو فائدة.

وبعد أيام وعندما أشرقت الشمس في يوم صحو جميل خرج الأطفال إلى حديقة العمارة فشموا رائحة كريهة في حوض مليء بالطين.

ورأوا الليمونة المتفسخة وقد أصبح لونها داكناً وهي منتفخة والبذور تخرج منها،

قال بعضهم لبعض:

-هذه ليمونة مسكينة..

سقطت من يد أحدهم أثناء القطاف.

ليتها لم تلاق هذا المصير البشع.

ثم حملوها بطرف غصن من الشجرة،

وألقوها في القمامة وهم لا يعرفون أنها

الليمونة الحزينة... وليست المسكينة.



لينا الكيلاني
إيهاب ورأسه المصاب

عـاد (عماد) من المدرسة وهو في الصف الأول قلقاً مضطرباً.. شعره مشعث..
وثوبه المدرسي شبه ممزق. شد على محفظته وأسرع إلى غرفته وأغلق الباب وراءه.‏

وتعبت أمه في معرفة ما حصل معه في المدرسة لكنه لم يتكلم...
وكذلك لم يرض أن يتناول طعامه، أو يلعب مع أخته الصغيرة. ظنت أمه أنه سيكتب واجبه المدرسي عندما فتح محفظته وأخرج كتبه ودفاتره. لكنه أخرج دفتر الرسم وتكوم في زاوية الغرفة وأخذ يرسم ويرسم.‏

وعادت أم عماد بعد فترة لتتفقده، وتدعوه إلى الطعام والكلام من جديد لكنها لمحت صورة مشوشة رسمها باللونين الأسود والأبيض فقط.
تأملت الصورة فرأتها رسوماً لأطفال عديدين في ملعب المدرسة، وكأنهم يتشاجرون أو يضرب بعضهم بعضاً.‏

قالت لابنها:‏

- ماهذا يا عماد؟ هل هذا ملعب مدرستكم؟‏

لم يجب (عماد) وحاول أن يسحب الصورة ليمزقها عندما لمحت الأم رأس تلميذ لا تظهر منه إلا عيناه، وقد لف كله بضماد أبيض.‏

قالت:‏

- ومن هو هذا التلميذ ياعماد؟‏

قال (عماد):‏

- إنه (إيهاب)، لابد أنه كذلك الآن.‏

قالت الأم:‏

- وهل شج رأسه أثناء اللعب أو آذاه أحد؟‏

انفجر (عماد) باكياً وهو يقول:‏

- أنا فعلت ذلك يا أمي... أنا فعلت.‏

سألت الأم بهدوء أيضاً دون أن تعنفه:‏

- وهل رأيتهم يعصبون له رأسه؟‏

قال (عماد):‏

-لا... لم أره إنما أصبته في رأسه ولم أكن أقصد ذلك، فسال الدم وبكى وأخذوه إلى غرفة الإدارة، وهو لم يعترف لهم بأني أنا الفاعل.‏

قالت الأم:‏

- ولماذا يا عماد فعلت ذلك؟ أليس (إيهاب) رفيقك؟‏

قال وهو لا يزال يبكي:‏

- نعم إنه رفيقي وجارنا... وأنا أحبه وأريد أن يسامحني.‏

قالت الأم:‏

-إذن عليك الآن أن تهيئ نفسك وتأخذ له هدية وتذهب للاعتذار منه.‏

فرح (عماد) بما قالته له أمه، وأسرع لينظف وجهه ويديه، ويسرح شعره،
ويتأبط كتاباً ملوناً جميلاً يحتوي على قصة بعنوان: الاعتذار بين الصغار.‏

وبينما أمه تتصل هاتفياً بأم (إيهاب) لتعتذر منها عن ابنها، وتخبرها بمجيئه اليهم كان (عماد) قد خرج مسرعاً وهو يفتح الكتاب ويخفي فيه دفتر الرسم والصورة التي رسمها.‏

وبعد أن اعتذر (عماد) من (إيهاب) وعادا رفيقين متصالحين ضحكا واتفقا على أن يسميا تلك الصورة (إيهاب ورأسه المصاب)، وإن يحتفظ بها (عماد) حتى لا يفكر أن يؤذي أحداً من رفاقه. فماذا لو أن أصابة (إيهاب) كانت شديدة وأخذوه فعلاً إلى المستشفى وضمدوا له رأسه كما في الصورة؟‏

لكن إدارة المدرسة عندما أطلعت على الصورة، وعرفت القصة بين (عماد) و (إيهاب)،
أخذت الصورة وعلقتها أمام الباب بعنوانها: (إيهاب ورأسه المصاب).‏


لينا كيلاني

.
.