د.نبيل طعمة: الثقافة العربية فقيرة وتعتمد على الفطرة والموهبة اللا علمية الأحد, 14 شباط 2010 22:47 نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيحفلت محاضرة د.نبيل طعمة، التي ألقاها مؤخراً في المنتدى الاجتماعي بدمشق، والتي حملت عنوان «الثقافة العربية.. مشكلات وحلول» بالعديد من الأسئلة التي تحمل في مضمونها إجابات واضحة، تلخص وتحدد واقع الثقافة العربية.. وهو واقع لا يرضي أحداً، لذلك كان د.طعمة جريئاً وصريحاً في توصيفه، وتحديد مشكلات هذه الثقافة التي تبدو كثيرة .

في البداية يشير د.طعمة إلى أن كلمة الثقافة أثارت وأغرت الكثير من الباحثين، على اختلاف تنوعهم الجغرافي وأشكالهم وألوانهم، فأجمعوا -إلى حدٍ كبير- على أنها ذلك الكُلُّ المعقَّد الذي يتضمن المعرفة، والمعتقد، والفن، والخُلق، والقانون، والعادات المجتمعية، وأية إمكانيات محيطية جيدة، وطبائع اكتسبها الإنسان من مجتمعه .

فإذا كان الإجماع على أنها ذلك الكُلُّ، فالثقافة تكون -برأيه- سلوكاً تعلّميّاً كسبيّاً، كثيراً ما يتناقض، وقليلاً ما يلتقي مع السلوك الموهوب وراثياً وتراثياً، من خلال التفكّر والتبصُّر والعمل مع المحيط .

ويبين أن المحيط واقع مليء بكل مكوناته المجتمعية. وانطلاقاً من واقع أن كل مجتمع إنساني يتمتع بمنظومة من السلوك، تحكمه معايير قد تختلف نسبياً من مجتمع إلى آخر، حتى داخل الثقافة الواحدة، فإنه يتم تآلف الأفراد مجتمَعيّاً وثقافياً، بمقدار الانتماء والحبِّ لهذا المجتمع. إذاً، السلوك الإنساني الإيجابي، وتطويره من خلال المجتمع الذي يعيش به يُكوِّن شكلاً ثقافياً مهماً ضمن الحضور الثقافي، لأن السلوك السلبيّ-كما يؤكد د.طعمة- يُنشئ الفوضى. والخلط بين الثقافة والفوضى خطأ كبير على أيِّ فرد، ومن ثم على المجتمع والأمة، بحيث أن ثقافة الفوضى تنشئ البربرية، والانتهازية التسلطية، والتبعية، وعدم الطاعة في الانتماء وتنوع الخصوصيات واللغات، وتُقسِّم الأجواء والطموحات والانتماءات، وتغذي الفتن.

أما الثقافة -كما يعرفها د.طعمة- فهي علم الجمال، لذلك أكد على ضرورة أن نبحث في تطوير الرؤية البصرية، كي نستطيع إيجاد ثقافة حقيقية لا منقولة، ولا مدسوسة، ولا مترجمة، ولا معرَّبة، ولا انهزامية، ولا انكسارية، أو انكشارية. في حين أن ما نراه -كما يعتقد- ثقافة انحدار لا ثقافة صعود، ثقافة تتحدث عن الاستعمار والنكسات والفساد، آدابها نقد وتقريظ وادعاء، ورفض للواقع، دون الإسهام في تقديم الحلول بالمنطق والانتماء، ثقافة غربية وشرقية تعارض كل شيء، ولا تنتمي إلى ذاتها ولا تبدع من ذاتها. وحينما يقول د.طعمة: إنها علم الجمال، يعني أن من يمتلكه يمتلك التطور والإبداع، والانتقال من درجة إلى أخرى صعوداً على سلّم الارتقاء وتسجيل الحضور. ونحن نسير إليها حاملين ذلك السؤال الكبير: أين نحن من الثقافة العالمية، ماذا حققنا بها، وما هو حجم مشاركتنا ضمنها؟! في الوقت الذي نسترق النظر إلى ثقافات الآخر بخجل، وبدلاً من أن نُبدع نقلّد ما نراه دون محاكمة.! ويستغرب د.طعمة أن يمارس على هذه الأمة الجهل بمعنى الثقافة مئات السنين؟ حيث أُشبعت بتغييب جوهرها وصورتها، وسادتها مراحل من الإبهام والتشويه، وتمَّ تحويلها إلى مسمّى الشطارة والحذاقة والفطنة الفردية والنجاح الفردي؛ الذي يعزز الأنا ويلغي الجمال. وتم الاكتفاء بثقافة الفروسية القتالية دون امتلاك ثقافة الفرسان، والسباحة السطحية الإنقاذية للجسد دون معرفة الغوص إلى الأعماق، والرماية الاصطيادية حسب المتوفر دون معرفة تسلّق الجبال من الوديان، وحُرم الجمال البصري، الذي هو أساس التكوين الإنساني. ويتساءل د.طعمة: هل نحن أمة مثقفة، وأيّ ثقافة نحمل، وأيّ حضور نمتلك؟.

وهنا يؤكد أن أية ثقافة عربية لا تستند إلاّ إلى النقد فقط، الكلُّ يلهث وراء إظهار ذاته، وهو المتأثر بغيره ينكر عليه تأثُّره، فلا يحدث منه التأثير ويفقد الأثير، وبالتالي يتساءل: ألا تشكل هذه الثقافة ضياع نصف المجتمع ونصف الفكر الاجتماعي، وتنتهي إلى ثقافة المتاهة الفاقدة للمخارج وهي التي لم تستطع أن تنجب موسيقياً هَرَماً، ولا نحاتاً روحياً، ولا ممثلاً نخبوياً، ولا معمارياً ينجز عمارة للعرب، ولا طبيباً يفتح فتحاً طبِّياً؟. ولم ينل واحدٌ من العرب جائزة نوبل حتى الآن، تلك الجائزة السياسية والعلمية في آن، إلاّ المشوهون منهم، والمستسلمون إلى إضعاف تلك الثقافة غير المتوفرة لديهم : “مازلنا نعيش الانحصار بين الألف والياء، والبداية والنهاية، والأول والآخر، والظاهر والباطن، لم نتصالح معه أبداً، ولذلك نحن في الاعتراف أمامه لم نمتلك الثقافة”.

ويتساءل طعمة ثانية: أين هي ثقافتنا العربية، والجموع من المحيط إلى الخليج مُسَيّسة؟. أي: تمتلك ثقافة السياسة الإذاعية والمتلفزة والإخبارية والشوارعية، دون وعي لمفهوم ثقافة السياسة، التي لم تدرك أنَّ كل ما تسمعه وتراه هو بعيد كل البعد عن الحقيقة. وثقافة المادة وجنْيها من أجل شراء الرغيف، وثقافة النقل بين هذا وذاك، وثقافة المكائد.. وفي مجموعها تبقى ثقافة الفرد الأنا ثقافة المال والذهب والنفط، أما البرجوازية العربية فإنها لم تستطع الاستثمار في الثقافة، من أجل بناء شخصية الأمة، وبقي دورها منحصراً فيما ستجنيه لذاتها الفردية، وهذا يعني زيادة التخلف والتبعية وخسارة المشروع الثقافي.

كما يعتقد د.طعمة أن الثقافة هي العقل الذي يقبل التجدد، ويفسح مساحات لنمو الإبداع، ويقبل التجدّد والتطوّر واكتساب المهارات والخبرات، يمتلك بها لغة الحوار والجدل الإيجابي، فهي النشاط المحرِّك والمتحرِّك والمتجوِّل في العقل الإنساني ساعة يريد إظهار الانفعال، وإحداث الإنتاج المعرفي والمهني. وبما أن استناد الثقافة العربية إلى التراكم الروحي، دون الإبداع المادي فقد انحصرت صورتها -برأيه- في المستورد والمنقول والمترجم، لذلك هي فقيرة تعتمد على الفطرة والموهبة اللاعلمية، وهنا تكمن سهولة اختراقها واستباحتها. فالاعتزاز بالانتماء إلى القيم السلوكية ذات القواعد العاطفية، والاعتماد عليها -كما يشير د.طعمة- لم يستطع أن يشكل صورة واضحة للثقافة العربية، وهو هنا يؤكد أنه لا يدعو إلى فكِّ عرا الارتباط بين الثقافة والدين، فالدين جوهر والثقافة مظهر. وبما أن الثقافة جمال فلا جمال بلا ثقافة ولا دين بلا جمال، ولا ثقافة بلا دين، أي لا روح بلا مادة ولا مادة بلا إبداع، أي لا دين بلا إبداع.

ويتساءل د.طعمة إلى أية ثقافة ننتمي؟ والكلُّ، على اختلافه، يتغنى بكانت- وغوته- ونيتشه- وفيخته- وموليير- وبودلير- وشكسبير- ومايكل أنجلو-ودافنشي-وسلفادور دالي-وموزارت-وباخ-وتشايكوفسكي- وديستوفسكي- وهيغل- وفورباخ- وماركس- وأنجلز- وماو- وغيفارا وهمينغواي- وأجاثا كريستي.. هذا عداك عن أباطرة الثقافة القدماء: أرسطو- و أفلاطون- وجلجامش وهوميروس- وفرجيل، حتى أن ابن خلدون، وثقافته العريضة الواسعة والفريدة، لم نستطع أن ننجب مثلها!.. ويشير إلى أن هذا التغني الثقافي، الذي يتمتع به مثقفونا العرب، يدعونا للتوقف عنده لنسأل: أين نحن، ولم نسمع حتى اللحظة أن مثقفاً غربياً أو شرقياً تغنّى بمثقف عربي أو استشهد به أو استعار بعضاً من جمله، التي أثرت في أمَّة من الأمم، وغدت مثلاً من أمثالها، أو لحناً من ألحانها، أو لوحة فنية من لوحاتها، أو عمارة متفرِّدة من عماراتها،- بغضِّ النظر عن حضاراتنا القديمة- أين نحن؟.

أما الأمل فيكون -برأي د.طعمة- في السلوك الإيجابي، ذي الثقافة التطويرية، بِكَون المجتمع الصادق يتطور بتأثير أهل الثقافة على المجتمع وتأثير المدافعين عن الحقيقة، وروابط الحبِّ وبناء الجمال. فالسلوك هو شخصية المثقف، ومهما بلغت ثقافته وكان سلوكه سلبياً لا تحضر ثقافته، بل تنتفي بمجرد قيامه بفعل سلبي.. فللمثقفين كرامة واحترام توجدها لهم أفعالهم، وحواراتهم، وانتماؤهم لمجتمعهم، فثقافة أيِّ مجتمع محكومة من سلوكه، وكلما كان السلوك مثقفاً وفاعلاً كان حقيقياً، وقف إلى جانبه المجتمع وانجذب إليه الآخرون.




متابعة: أمينة عباس


http://www.albaathmedia.sy/index.php...-11&Itemid=174