( الزمن / للمناقشة )
هنا محاولات لمعرفة كُنه الزمن ، التوقيت ، وارتباطه بالمكان ..
وصولا إلى أسئلة مهمة :
هل نستطيع اختزال الزمن ..؟
هل يتوقف لفترة ما ( قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ) ..؟
هل يتمدد عمر الإنسان إلى مئات السنين مثل سيدنا نوح ..؟
لماذا تكون الدقيقة طويلة وقصيرة في آن .. ؟ ( دقيقة الانتظار ودقيقة السعادة ).
هل تستطيع أيها الصديق / الصديقة / الإجابة على تساؤلي الشخصي البسيط :
أنا أبلغ من العمر 55 عاما ، ماذا يعني لك ذلك كمعلومة أو كحس عاطفي ..؟
ماذا يعني لك اذا قلت إنني سأبلغ في العام المقبل 54 عاما ..؟!!
ماذا يعني لو كذبت عليك مسبقا وقلت إن عمري 45 عاما ..؟!!
في التو واللحظة لا يعنيك ذلك شيئا .. نعم
وإذا أمهلتك للإجابة ، فإنك ستشغل عقلك وكل مخزونك المعرفي لتقول بينك وبين نفسك ( ماذا أهدف من السؤال ) لحظتها تجيب من عقلك وتضيف مفاهيم لها علاقة بالمدة الزمنية والحالة الاجتماعية والوطن ، وما إلى ذلك من ..
هذا صحيح ، لكنك ستصمت حتما حين أقول لك : إنني سأحتفل في العام المقبل برقم يقل سنة عما ذكرت لك ..!
لماذا ..؟؟
هل تسمح لي أن أدير ظهري للوقت ، أليس يأتي من الشرق ..؟ مع الشمس ..؟!!
هل لديك مانع ..؟!
هل هذا من الحكمة أم من الجنون ..؟!
إذا كان من الحكمة ، تقبل مني ذلك ونتناقش ..
وإذا كان من الجنون ، لماذا قالوا : خذ الحكمة من أفواه المجانين ..؟!!
لندخل سوية في عمق الزمن الذي أرى ، وكلي أمل في الوصول إلى الحقائق الكونية .. إلى معرفة اليوم الرباني ، واليوم ( الذي نعد ) والهنيهة بين الكاف والنون ..
اللهم لك الحمد ..
(1)
الزمن يعني الفاعل ..
الفاعل هنا هو العاقل / الأنا ، الإنسان ، هو الذي يصنع الزمن ، ضمن المكان ، وفق ما يرى من بزوغ الشمس والقمر ، من المشرقين إلى المغربين .. وبانتهائي / أنا / الإنسان ، لا يعني الزمان أو المكان بعد ذلك شيئا .. لأننا سنكون في لا زمان آخر وفي لا مكان آخر .. بعد أن ( تذوق النفس الموت ) وتصعد الروح تاركة الجسد ( الحيز/ المكان ) في مكانه الأصلي ، الحيز الأول / الأرض / التراب ، الذي جاء منه ( منها وإليها ) ..
الزمن ، مخلوق / بمؤشراته / منذ خلق الله سبحانه وتعالى الكون ، والكواكب ( التي تهوي ، لثقل كتلتها / رجما للشياطين ) والنجوم المنيرة المشتعلة .. المصابيح ، منها الشمس والقمر / بحسبان / وبكل هذه المؤشرات الحسية البصرية استطاع الانسان حساب الوقت / الزمن ، وفقا لما يراه الأقرب والأكثر تأثيرا / الشمس والقمر / لذلك فهم من ذلك الموجود ، كيفية حساب السنة الشمسية والقمرية بفارق أيام معدودات .. ( ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا ) ..!
كما فهم الفصول وحركة المكان ..
هل تعلم أنك تتحرك بسرعة 1667 كيلومترا في الساعة دون أن تشعر ..؟!
(2)
على المستوى البشري هو فردي، شخصي حتما / ينتهي الإنسان الفرد فلا يعني أي شيء بعد ذلك شيئا ، فيتماها زمن الفرد ، ذاك المخزون في ذاكرته ، في المكان .. من هنا نفهم ترابط الزمان والمكان معا .. ففي هذا المكان الملموس زمان في الوعي بمؤشر ثابت ، متحرك يتناوب بانتظام ، فهو غير نسبي في هذه الحالة ( الشمس والقمر بحسبان / وفي فلك يسبحون ) ولأن حركة السباحة تلك دائرية بالضرورة ( ليست بيضاوية قطعا ، لأن الجاذبية ثابتة وليست نابضة تشد وترخي بقوة مختلفة ) ، فإن سمة الانتظام موجودة ومتكررة ، فإن لم تكن كذلك يختل توازن الكتلة ، ويختل الزمن ، فنرى خطوط الشهب المغيرة ( عبارة عن رؤيتنا لمواقع النجوم وانعكاس الضوء عليها ، خلال سرعتها الشديدة ) ونستطيع إدراك تواصل الضوء في خطوط من ملاحظة الطريق العام من مسافة عالية أو بعيدة / من الطائرة مثلا ، أو من خلال لاعب الأكروبات الذي يحرك كتلة ملتهبة على طرفي عصى أو طرف خيط طويل ، فتتشكل خطوط دائرية من الضوء ..
يجب أن نعلم هنا أن سرعة الضوء 300 ألف كيلومتر في الثانية ، لذلك حين تصلنا صورة الشهب ، فإنها تكون حدثت منذ آلاف السنين ، وما نراه ليس إلا مواقعها .. ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) الواقعة / 75.
(3)
الزمن ، بشريا ، حسب ما نعلم ، محدد بورقة شهادة ميلاد شخص ما ، وشهادة وفاته : من بداية ( يوم ) الولادة وحتى مئة سنة أو أكثر قليلا .. بينهما احتمالات انتهاء زمن الشخص لسبب أو لآخر ، تعددت الأسباب والموت واحد .. زمن محدد. . كما الموت محدد ..
هنا أدخل إلى ( زمن حرف / الفاء / في سورة الأعلى ) :
قال تعالى : والذي قدر ف هدى ... الآية 3 .
التقدير هنا ، ما يتعلق بالانسان ، لأنه المخاطب المعنى بالهداية ، وحده ، ف / قدر / كل ما يخص الإنسان / المرهون في فترة زمنية محددة ، بين لحظة خلقه في الأرحام وحتى مماته .
هذا الزمن ( الفردي / الجمعي ) لا بد من انتهائه بانتهاء الفاعل ، الانسان فقط ، الواعي للزمن وحاسبه ( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ) النساء / 78 .
(4)
ما هو اليوم ..؟
لو كنا ثلاثة أشخاص ، في ثلاثة أمكنة مختلفة / طوكيو ، دبي ، لوس انجلوس .. بالنسبة لخطوط الطول ( كل 15 خط طول تساوي ساعة ) ونتحدث عبر هاتف ، ونرد على سؤال واحد : ما هو اليوم ..؟
سيقال لك من دبي مثلا اليوم الجمعة ، الساعة الثانية عشرة ظهرا . أما في طوكيو سيقول لك دخلنا يوم ( السبت ) أما في لوس انجلوس فيقول بعد دقائق إنه يوم ( الخميس ) ..!
الثلاثة يقولون يومهم ( الذي هم فيه ..! ) وهم يقولون حقيقة اللحظة ..
السائل لا يستطيع تحديد اليوم لأنه سيحدد اليوم في المكان الذي هو فيه ..
لكن .. اليوم الذي نعرف ، 24 ساعة ، هو مستمر بكل لحظاته ، إذا أردنا القياس عند خط الاستواء ( 360 خط طول = 24 ساعة ) ..
لاحظ :
لو بدأ يومنا عند الفجر في مكة المكرمة ، فإنه يبدأ بعد 4 دقائق عند أناس آخرين يقيمون على بعد خط طول واحد غربا .. وبعد 8 دقائق عند خطي طول ، وهكذا يبدأ اليوم عند كل خط طول ، أي أن هناك يوم عند كل خط طول ، أي 360 بداية يوم على طول خط الاستواء .. وهكذا يمكن حساب بداية اليوم أيضا بين كل خط وآخر ..!
إذاً ، في كل دقيقة / على خطوط الطول قد نبدأ يومنا..
في هذا اليوم ( الذي حسبناه بشريا ) هناك شأن رباني وتدبير ( كل يوم هو في شأن ) واليوم الرباني هنا بين الكاف والنون .. اللحظة / الهنيهة ، كما أنه ألف سنة مما نعد ، و 50 ألف سنة / ليست مما نعد ..
هنا يكمن سر الإنسان العاقل القادرعلى فهم التحولات ، والمبادرة للاستفادة من قصر اليوم وتكراره السريع من أجل التوبة ، ومن طوله الفعل الخير ...
هنا ، نمسك بيومنا ( مجازا ) لأننا الفاعلين فيه ، الآن ، وليس قبل لحظة ، وأيضا ليس في لحظة قادمة ..!
(5)
الزمن هو ( الآن / اللحظة ) التي نملك التصرف خلالها في هذا المكان بالذات .. غير ذلك ليس زمنا طالما أنه غير قابل للتعليل أو للتصرف خلاله في مكان بعينه .. هنا زمن يدخل في خانة الفهم ، في الذاكرة .. وللاستدلال على كل ذلك ، نسأل :
- ماذا يعني غدا ..؟
غدا ( وقت شُبه لنا أمس ) يعني العجز عن الفعل فيه / اللحظة القادمة ، لذلك نقرر اختزان خطة الفعل في انتظار 24 ساعة مما نعد ، ثم ندخل الآن والتو لنفعل الأمس ، فتهرب الفترة ( 24 ساعة ) من جديد ، إلى صورة مكرورة عما شُبه لنا أمس ..
هنا لا نتكلم عن اليوم ( 24 ساعة ) لأنه في هذه اللحظة منقوص ( يوم اللحظة ) وفقا لما نحسب من وقت ..
- ماذا يعني أمس ..؟
المكان الذي كنا فيه في اللحظة المعينة / اللحظة السابقة ، وفعلنا فيه ما علق في الذاكرة بالضبط ، وما عدا ذلك منسلخ من حيز المكان والزمان ..
لذلك و( نتيجة عجز ) يقوم الإنسان بإدغام واختزال الأمس وغيره من ( الأماسي ) في كتل يطلق عليها أسماء : اسبوع ، شهر ، سنة ، عقد ، قرن .. وللعجز مرة أخرى نرقم هذه الكتل ، حتى لا نتوه في مفردات مكان وزمان ، فنقول القرن الواحد والعشرين ( وقت فقط ) .. ونقول عصر النبوة ( وقت ومكان وناس ) ..
بين الغد والأمس ، نذهب إلى مصطلحين : الماضي والمستقبل : كان ، سوف ( الفعل المحدد للزمن ) ..
(6)
كل عام وأنتم بخير ..
إنتهى شهر التراحم والمودة والعطاء ، وجاء العيد وهنأنا أنفسنا بفرح غامر ، ويقبل علينا شهر آخر ، ثم ينقضي كلمح البصر ..
ألم نكن ننتظر رؤية هلال رمضان في الثاني عشر من سبتمبر الماضي ..؟!
هذا جزء من حقيقة الزمن ، حيث تتجلى في شهر الصوم قيمة الصبر ، مفتاح البشرى وعلاج العلل كلها ..
ألم نقرأ قول الحق سبحانه وتعالى : ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ) (البقرة : 155) .
هل نستطيع إدراك الزمن بين الوعي والجنون ..؟!
فالوعي هو تواصل كل اللحظات والهنيهات في كل الأمكنة التي نعرفها .. أما الجنون ، فهو فجوة الزمن في مكان مبهم ..
هذا التضاد ، يذكرنا بما تعرض له الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم - حين قالوا إن به جُنة ، وللعلم ،فإن ذلك لم يكن مذمة ، بقدر ما كان يعنيه كفار قريش : أن الرسول الكريم ، قد يكون على تواصل مع الجن ، هذه المخلوقات المُسخرة في الأصل للعبادة ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) (الذاريات : 56).
وقالوا إنه شاعر ، وهذا هو الوعي ( الثقافي / إبداع اللغة ) في ذلك الزمن والمكان ( فصاحة اللغة والشعر عند قريش / شبه الجزيرة العربية ) فجاء القرآن تحديا لكل تلك الطاقات الأدبية المعروفة : (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ) (البقرة : 23) .
هناك سؤال مهم : هل نطمح أن نعمر أكثر مما نعتقد ، ولماذا ..؟
إذا كان الأمر يتعلق بعدد السنوات (مما نعد) فالأمر محسوم في الآية: (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون ) ( البقرة : 96 )
إذن ، نحن لا نطمح أن نعمر ألف سنة ، لأن الذين يطمحون لذلك هم المشركون .
لكن ، هل يحق لنا الحديث عن أقل من ألف سنة ..؟!
عن خمسمائة مثلا ..؟!
عن مائتين ..؟!
عن مائة وخمسين ..؟!
ربما .. لكن إذا أدركنا أن اليوم قد يكون ألف سنة ، وقد يكون لحظة ، فإن العمل الصحيح ، الصادق ، هو الذي يعطي القيمة لهذه اللحظة أو لهذه السنة ، في مكان وزمن محددين ..
ما قيمة أن نعمر مساحة طويلة زمنيا ، ليس فيها شواهد ومؤثرات بلا قيمة ..؟
ما قيمة ذلك ، حين نعلم أن الرسول الكريم تلقى الوحي من ربه العظيم وهو في سن الأربعين ..؟
وكان أبو بكر - رضي الله عنه - يوم اسلم في الثامنة والثلاثين ، كما أعز الله الإسلام بعمر بن الخطاب - رضي الله عنه- وهو في السابعة والعشرين ، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه – كان الفتي الأول ، الفدائي الأول وهو في سن يقارب العشرين..
ما قيمة أن نعمر ألف سنة خالية من الفعل ..؟!
( ملاحظة / هل نكمل هذه الأفكار .. ما رأيكم .؟)
حسن سلامة
h_salama_51@yahoo.com