غارودي في مواجهة الإمبراطوريات
* سلام مرادتعرف روجيه غارودي المفكر الفرنسي على الإسلام والمسلمين،من خلال حادثة وقعت معه أثناء سجنه من قبل النازيين في سجن بوسوي، فقد رفض مجند جزائري في الجيش الفرنسي أن يطلق النار عليه، قائلا لقائده أو أمره :"أنا مسلم وديني يمنعني من إطلاق النار على ناس عزل".
هذا الحدث جعله منشرحا لقراءة الإسلام ومن ثم اعتناقه الإسلام عن حرية وطواعية.
يتكلم روجيه غارودي عن نفسه فيقول : أبوح لكم انه مهما كان عمر الإنسان, فهو لا بد أن يتعلم أشياء جديدة، يتعلمها بإرادته إن تحلى بالحكمة والتواضع – تواضع العلماء- ويتعلمها بالرغم من أنفه إذا كان مكابرا ومعاندا. فالأيام بأحداثها تتكفل بتعليمه وتأديبه. وأنا اعترف إني في هذه السن لا أكف عن تعلم أمور جديدة. ومن هده الأمور الوعي الذي أصابني بقضايا البيئة وضرورة حمايتها وضرورة إدراجها قطاعا مهماً من قطاعات حوار الحضارات .
والشعوب الإسلامية ليست في معزل عن هذه الأخطار العدوانية، وعلى حكوماتها واجبات مقدسة في تأمين المواطنين ضد العدوان البيئي, لا بد أن تسن التشريعات الضرورية والحازمة لإبعاد شبح تبديل فطرة الله في الطبيعة والزراعة والصحة، وعدم فتح حدودها للصناعات الملوثة القادمة من أمريكا وأوربة بدعوى توفير الشغل للعاطلين أو بدعوى نقل التكنولوجيا.
فالرأسمال الغربي أصبح يهرب من القوانين الصارمة التي يجدها في مجتمعاته الأمريكية والأوربية ليغرس صناعاته الخطيرة في أراضي الشعوب المستضعفة التي لا قوانين لها, ولا وعي أصلاً بهذه المجالات .
إن الدول الغربية حمت مواطنيها بتشريعاتها ولديها صحافة حرة تفضح هذه التجاوزات ولديها منظمات لحماية البيئة (السلام الأخضر) بل ولديها أحزاب خضراء تشارك في السلطة, لكن شعوب آسيا وإفريقية وأمريكا الجنوبية تفتقر إلى هذه الآليات الدفاعية وهي من ثم ضحية نموذجية للعدوان البيئي كما أنها ضحية للعدوان العسكري والسياسي والثقافي, فهذه الشعوب من وجهة نظر غارودي مصابة بداء ضعف جهاز مناعتها, وهو أخطر أنواع الإيدز الحضارية.
إن كتاب روجيه غارودي الأساطير المؤسسة لسياسة إسرائيل أقضّ مضاجع اللوبيات الصهيونية بعد أن تمت ترجمته إلى 23 لغة من اليابان إلى الولايات المتحدة ومن إيطالية إلى اليونان, ومن المجر إلى بريطانيا, فقد دق الكتاب أجراس الخطر المحدق بأوربا وبالعالم من جراء حرب عالمية ثالثة تثيرها السياسة الإسرائيلية العدوانية, ويا لعجب المفارقات فإنه من بين 23 بلداً ترجمت الكتاب ونشرته فإن فرنسا هي الدولة الوحيدة التي قدمت مؤلف الكتاب للمحاكمة مما أساء إلى صورة فرنسا في العالم وجعل صوتها ناشزاً, وذلك ما أثار تظاهرات تنديد عالمية ضد هذه الممارسات المنافية لحرية الرأي وحرية البحث العلمي, ففي مصر قامت مظاهرة تنديد لهذه التصرفات شارك فيها أكبر المثقفين والفنانين يتقدمهم نجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل أمام سفارة فرنسا, ولم يتخلف بابا الأقباط شنودا عن التظاهر, كذلك وقّع على بيان مشترك مع فضيلة شيخ الأزهر لمساندة روجيه غارودي.
لقد هاجمت الأوساط الصهيونية روجيه غارودي خاصة في فرنسا التي صدر فيها قانون (غيسو) صوت ضد هذا القانون مشاهير أمثال جاك شيراك, ووزير العدل السابق في فرنسا جاك توبون والسيدة المحترمة سيمون فايل التي كانت هي نفسها في معتقلات النازية وهي يهودية, وأصبحت بعد ذلك وزيراً للصحة العامة ومعهم 182 عضواً في البرلمان الفرنسي .
يرى غارودي إن المدهش في هذا القانون إنه يجعل من حيثيات محكمة (نورن بيرج) مقدسات تاريخية لا تجوز مراجعة عناصرها وصدقها, بين أقر رئيس تلك المحكمة نفسه إن تلك المحكمة كانت حلقة أخيرة من حلقات الحرب العالمية الثانية... وهكذا أصبح كل من يقول كلمة حق في أرقام تلك المحكمة متهماً ومحكوماً عليه.
وهذا القانون كما قال المحاميان (جاك فرديس) و(بيتيو) يمارس تمييزاً عنصرياً, أي فرق بين ضحايا القمع النازي ويستثني منهم فئة أصبحت تحظى بالتقديس, وليذهب الضحايا الآخرون إلى الجحيم بمن في ذلك ضحايا المحارق البربرية والاستعمارية والاستعبادية والعنصرية والشمولية.
يؤكد روجيه غارودي إن الأيام القادمة والمستقبل القريب سوف تثبت أن محاكمته أمام القضاء في محكمة باريس هو مكسب سيولد حركة تضامنية عربية في قلب الرأي العام الأوربي والغربي عامة هذا هو الأهم في المستقبل فالمكسب الكبير أن نضع في قلب الرأي العام الغربي هذا النسيج الإعلامي والثقافي الذي سينطق بلسان قضايانا العربية والإسلامية العادلة مع احترام عميق للقوانين الأوربية والدساتير الغربية, ويريد غارودي أن يكتشف الغرب أن العرب ضحايا العنف والإرهاب وأن الإسلام دين التسامح والحوار والوسطية والاعتدال ومن أجل هذا يجب أن يعمل المخلصون ولذلك فإن صوت غارودي يزعج اللوبيات الصهيونية, ويقض مضاجع القائمين على سياسة إسرائيل لأنه يفضح الأساطير والممارسات, ويكشف عن الوجه الحقيقي لسياسة الإضهاد الإسرائيلي للشعب الفلسطيني, ويضع أسس العدوان الإسرائيلي عاريةً أمام أنظار الرأي العام الدولي والأوربي لكسب أراء ومواقف أحرار العالم لمواجهة القمع المنظم والإرهاب الدولي وتلك هي الغاية الإنسانية الأسمى.الكتاب: روجيه غارودي في مواجهة الإمبراطوريات الزائفة.
الكاتب: روجيه غارودي.
الناشر: مركز الراية للتنمية الفكرية 2005.