الحمي القرمزية scrlet fever
الدكتور- حسام الدين داود أيوب
مرض معدٍ حاد يصيب الأطفال عادة ويتسبب عن ميكروبات سبحية تفرز سموما تؤدي إلى التهاب في الحلق وطفح جلدي عام بالجسم، وغالبا ما يكون مصحوبا بمضاعفات حساسية مثل: التهاب الكلى، أو صديدية مثل: التهاب العقد والأوعية الليمفاوية، والأذن الوسطى، والأنف والجيوب الأنفية. يوجد المرض في جميع دول العالم، وتكثر العدوى به في المدن عنها في القرى. جميع الأعمار معرضة للمرض ولكن تزداد نسبة الإصابة في من هم دون سن الخامسة عشر.
وتُعد العدوى بالميكروبات (المكورات) السبحية ثالث أهم الأمراض التي تنتقل عن طريق الجهاز التنفسي والتي قد تنتشر بصورة وبائية في التجمعات العسكرية، حيث تلي في أهميتها كل من الإنفلونزا والحمى المخية الشوكية واللتين قد تمت مناقشتهما في العددين 69،71 من المجلة على التوالي.
نبذة تاريخية:
كانت "الحمى القرمزية" أحد المشكلات الصحية التي واجهت القوات الأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية (1942-1945م)، فقد أصيب بها ما يقرب من ثلاثين ألفا من جنود الجيش الأمريكي، وما يقرب من ستين الفا من أفراد البحرية الأمريكية.
وقد كان لاكتشاف العالم Sir Alexander Fleming للمضاد الحيوي البنسلين Benzathine Penicillin G (BPG) ، في العام 1928م ثم إنتاجه واستخدامه على نطاق واسع في مكافحة الميكروبات على يد العالمين Howard Walter Florey Ernst Boris Chain في العام 1941م، الفضل في السيطرة على المرض والحد من انتشاره بصورة وبائية. وقد نال ثلاثتهم جائزة نوبل في الطب في العام 1945م عن إكتشافهم هذا ولإسهامهم الجليل في خدمة البشرية.
مسببات المرض:
نوع من المكورات السبحية Streptococcus Pyogenes، والتي سميت كذلك لأنها تتكون من مكورات متناهية في الصغر يتراوح قطر الواحدة منها بين 5ر0-75ر0 ميكرون، مُرتبة على هيئة سبحة بكل منها عشرة أو أكثر (شكل1). وعند زراعتها في المختبر على وسط يحتوى على قليل من الدم الحيواني blood agar، تُكون منطقة صافية خالية من اللون الأحمر قطرها 2-4 ملم '' -Haemolysis حول كل من المستعمرات البكتيرية، وذلك بسبب قدرتها على إحداث تحلل لكريات الدم الحمراء (شكل2).
هذه الميكروبات غير متحركة، وتستطيع المعيشة في وجود أو عدم وجود الأكسجين. وتموت إذا تعرضت لدرجة حرارة 55ْم لمدة نصف ساعة، وتتأثر سريعا بالمطهرات العادية. وتتميز بقدرتها على إفراز مجموعة من السموم منها:
1- Haemolysins and Streptolysins (OS)، وهي المسؤولة عن تدمير كريات الدم الحمراء.
2- Leucocidin، المسؤول عن تدمير خلايا الدم البيضاء.
3- Erythrogenic (Dick) toxin، المسؤول عن تكوين الطفح الجلدي الأحمر المميز.
4- Streptokinase Streptodornase، ويشتركان معا في تحلل مادة الفيبرين Fibrin (أحد العوامل الأساسية في عملية تخثر الدم).
عند إصابة الإنسان بعدوى بهذه الميكروبات يتكون داخله نوعان من الأجسام المضادة، الأول ضد الميكروب نفسه، والثاني ضد كل من السموم التي يفرزها. والمناعة الناتجة عن ذلك دائمة، حيث يصاب الإنسان بالحمى القرمزية مرة واحدة فقط. فإذا تعرض إنسان ما للعدوى وكانت لديه مناعة ضد الميكروب فقط دون سمومه فلن تظهر عليه أي أعراض، وإذا كان لديه مناعة ضد سموم الميكروب فقط فإنه يصاب بالتهاب حاد باللوزتين ولايصاب بالحمى القرمزية. أما أعراض المرض فتظهر فقط عندما لايكون لدى هذا الإنسان مناعة ضد كل من الميكروب وسمومه.
طرق انتقال العدوى:
تزداد نسبة الإصابة بالمرض في الخريف وغالباً في شهري سبتمبر وأكتوبر. والحمى القرمزية لا تصيب غير الإنسان فقط، ولذا فإنه المصدر الوحيد للعدوي (وهو إما شخصاً مريضا أو حاملاً للمرض).
تنتقل العدوى أساسا بواسطة الرذاذ المتطاير من أنف وفم المريض أثناء العطاس أو السعال، وقد تنتقل عن طريق الأشياء الملوثة خاصة بين الأطفال عن طريق اللعب والحلوى التي يتبادلونها، ولو ُتركت هذه الأشياء بعض الوقت لايحدث عنها أدنى ضرر حيث إن الميكروبات تموت بسرعة وتفقد ضراوتها.
وقد يعمل اللبن ومنتجاته كوسط ملائم لتكاثر الميكروب، ويتسبب في تفشي المرض بين التجمعات العسكرية، وأيضا في المخيمات الترفيهية.
وأحيانا يؤدي تلوث الجروح أو الحروق بالمكورات السبحية إلى الإصابة بالمرض في الأشخاص الذين ليست لديهم مناعة ضده Surgical scarlet fever.
أعراض الحمى القرمزية:
بعد فترة حضانة تتراوح بين يومين وخمسة أيام، تبدأ أعراض المرض في الظهور، حيث ترتفع درجة حرارة المريض فجأة (7ر37ْم-40ْم)، ويشكو من صداع وألم بالبلعوم مع صعوبة في البلع، وقئ وشعور بالوهن والضعف العام.
وبتوقيع الكشف الطبي على المريض، تبدو اللوزتان متورمتين محمرتين ومغطاتين بالصديد، كما يكون البلعوم متورما وأحمرا. وفي بعض الأحيان يغطي االلوزتين غشاء يصعب تمييزه عن مثيله في حالات الدفتيريا (الخُناق). كما يتبدل شكل اللسان وتغطيه طبقة بيضاء خلال اليومين الأولين وتكون حوافه حمراء، ومع تورم واحمرار حليمات اللسان وبروزها خلال الغطاء الأبيض تعطي اللسان ما يسمى "باللسان القرمزي الأبيض". وفي اليومين الرابع والخامس يتقشر الغطاء الأبيض ويبدو "اللسان القرمزي الأحمر" (شكل 3).
يظهر الطفح الجلدي الأحمر بعد 12 ساعة من بدء المرض، ويغطي الجسم كله خلال 24 ساعة، ويكون على هيئة حبوب صغيرة حمراء تزول بالضغط، ويغزر وجودها تحت الإبطين والسطح الداخلي للفخذين وجانبي الجذع وأسفل البطن وخلف الأذنين. ولا يظهر الطفح الجلدي على الوجه، لكن تكون الوجنتان والجبهة محمرة مع شحوب حول الفم. وتوجد مناطق مفرطة التصبغ فيها نقاط نزفية Petechiae عند ثنيات المفاصل (الكوعين، الركبتين، الجفرة الحرقفية)، وتشكل خطوطا عرضية (Pastiaصs Sign)، تدوم لبضعة أيام بعد زوال الطفح (شكل 4).
خلال 5-6 أيام تبدأ درجة حرارة المريض في الهبوط تدريجيا. وتزول الأعراض والعلامات السريرية في نهاية الأسبوع الأول، ويتبع ذلك مرحلة التقشر. حيث يظهر أولاً على الوجه ثم ينتشر إلى الجذع والأطراف ويصبح معمما في الأسبوع الثالث. وتعتمد كمية التقشر على شدة الإصابة بالمرض، ففي الحالات البسيطة تكون مناطق التقشر صغيرة، وفي الحالات الشديدة قد يشمل التقشر جلد الجسم كله.
تشخيص المرض:
1- يعتمد على الصورة الإكلينيكية للمريض - الأعراض التي يشكو منها، وما به من علامات سريرية.
2- التشخيص المعملي:
- أخذ مسحات من إفرازات حلق المريض، أو الصديد الذي يغطي اللوزتين، وصبغ محتوياتها ورؤية ميكروب المرض باستخدام المجهر. كما يمكن زرع ميكروب المرض معمليا ومن ثم الكشف عن المضاد الحيوي المناسب Culture and drug sensitivity test.
- قياس الأجسام المضادة لسموم الميكروب بالمصل المستخلص من دم المريض ASO titre. - إذا تم حقن المصل المحتوي على الأجسام المضادة بسموم الميكروب السبحي في مكان الطفح الجلدي لمريض بالحمى القرمزية، أحدث ذلك اختفاء اللون الأحمر وعودة الجلد إلى طبيعته Schultz-Charlton reaction.
الوقاية من الحمى القرمزية:
1- الاكتشاف المبكر للمرضى وعزلهم مع توجيه عناية خاصة لاحتقان الحلق، فقد يكون هذا الاحتقان غير مصحوب بحمى قرمزية ولكن لاتوجد حمى قرمزية بدون احتقان في الحلق.
2- ضرورة إجراء التطهير النهائي بعد عزل المريض، وترجع أهميته إلى وجود كثير من الأشياء واللعب الملوثة التي يتداولها الأطفال ويلزم تطهيرها.
3- مراقبة المخالطين مدة 7 أيام وتُعزل المدارس والتجمعات العسكرية خلال هذه المدة إذا تفشى بها المرض.
علاج المرض:
1 - ليس هناك ضرورة لعزل الحالات الخفيفة، ويقصر ذلك على الحالات الشديدة فقط، أو إذا كانت هناك ظروف ملحة لذلك، ويحسن أن يكون ذلك بالمستشفى وذلك لتقديم الرعاية الطبية اللازمة والإقلال من فرصة حدوث المضاعفات وكذلك الحد من انتشار المرض.
2- إعطاء المضادات الحيوية المناسبة وأهمها البنسلين، لمدة عشرة أيام على الأقل. وبالنسبة للمرضى الذين لديهم حساسية ضد البنسلين فيستبدل بالإريثروميسين Erythromycin لمدة عشرة أيام.
3 - بعض الأدوية الملطفة والمطهرة للحلق.
4 - المسكنات وخافضات الحرارة.
5 - إعطاء المريض الأدوية المحتوية على الفيتامينات والأملاح المعدنية اللازمة للجسم.
6 - الاهتمام بتغذية المريض
الهوامش:
1- حسام الدين داود أيوب، الأمن الصحي، مجلة كلية الملك خالد العسكرية، العدد (53)، السنة 1418ه، ص 82-87.
2- حسام الدين داود أيوب، الأمن الوقائي، مجلة كلية الملك خالد العسكرية، العدد (54)، السنة 1418ه، ص 89-93.
3- حسام الدين داود أيوب، الأمراض التي قد تصيب التجمعات العسكرية بصورة وبائية - الإنفلونزا، مجلة كلية الملك خالد العسكرية، العدد (69)، السنة 1423ه، ص 115- 118.
4- حسام الدين داود أيوب، الحمى المخية الشوكية، مجلة كلية الملك خالد العسكرية، العدد (71)، السنة 1423ه، ص 88-91.
من مجلة كلية الملك خالد العسكرية