هل استطاعت الرواية، في أدب المقاومة الفلسطيني، والعربي، حمل رسالتها المفترضة في مواجهة الأدب الصهيوني المضاد.؟
للإجابة عن هذا السؤال، علينا أن نستعرض المراحل التي مرّ بها الشعب الفلسطيني خلال تصديه للمشروع الصهيوني.
إن الأدب الفلسطيني المقاوم بأجناسه المختلفة، لم يتوقّف عن ممارسة دوره النضالي ضدّ المشروع الصهيوني منذ ظهوره، واستطاع أن يكون فاعلاً حقيقياً في إيقاد شعلة الهبّات الثورية، وأن يواكب الأحداث، ويؤرّخها، وقد تكون «الرواية» هي الأقدر «خلال المراحل الفائتة» على تبيان تلك الصورة.
وعلى الرغم من أن «التأريخ» ليس من وظيفة الرواية، لكنها تعتبر المؤرخ الأصدق في مراحل سلوكها الحقب الزمنية المفترضة، وهي الحاضرة في الأحداث التي تتعرّض لها الشعوب على مستوى العالم، ومن خلالها نتعرّف على تاريخ الشعوب وعلاقاتهم الاجتماعية والإنسانية، ونضالاتهم وانتمائهم وتمسّكهم بأوطانهم.
لا شك في أن أدب المقاومة استطاع أن يخترق الحصارات الثقافية غير المسبوقة التي عانى منها تحت الاحتلال في حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الفائت، واستطاع أن يلتقي مع أدب المقاومة في المنافي، وكان لهذا الأدب المقاوم الدور الهام والمركزي في المحافظة على الهوية الوطنية والقومية، وإبقاء الذاكرة طازجة ومشرعة، ومؤرّخاً، ما زال ينمو ويتصاعد، يحرّض، ويرافق الأحداث، ويسبقها، ويستشرف المستقبل.
وعلينا في الوقت نفسه، أن نعترف بشجاعة، بأن المستوى الأدبي العام في جميع الأجناس الأدبية التي تنتمي إلى أدب المقاومة، بما فيها الرواية، قد تدنّى عن السابق، لأسباب متعددة، أشير إلى أهم مظاهرها، حيث إن السياسات الوافدة «السلام المزعوم، ومسيرة المفاوضات، وشطب بنود من الميثاق الوطني الفلسطيني، والتطبيع، وغيرذلك» ساهم في تكريس مخطّطات الصهيونية، بتفكيك التوّجه الواحد المفترض للأدب الفلسطيني، من خلال تقسيم تجمّعات الشعب الفلسطيني إلى فئات، في فلسطين 1948، وفي السلطة «الضفّة الغربية»، وفي غزّة، وفي الشتات، أرادوا لها أن تبدو منفصلة عن بعضها بالكليّة، بانين خيالاتهم على حججٍ واهية، وتصوّرات لا وجود لها في نسيج المجتمع الفلسطيني المتلاحم في ثوابته حتى العظم.
ذلك التخبّط الذي فرد ظلاله على القضية الفلسطينية، في السنوات الأخيرة على الأقل، كان له الأثر السلبي «الذي أعتبره مؤقّتاً» على خريطة الأدب الفلسطيني المقاوم، ولو نظرنا إلى مراحل سابقة، الستينيات والسبعينيات من القرن الفائت، مع تصاعد المدّ الوطني والقومي، واعتبار المقاومة هي البرنامج الأساسي والوحيد، ما ساهم في تسمية تلك المرحلة، بالمرحلة النورانية التي أبرزت الدور الرائد للأدب الفلسطيني، ودور الرواية الفلسطينية، بينما «وهذا ما يدعو إلى الأسف» لا نجد في وقتنا الحاضر إلا العدد القليل جداً من الروايات المعبّرة بالحد الأدنى، عن طموحات الشارع العربي والفلسطيني.
إن الرواية الفلسطينية ما زالت تعاني كما يعاني الشعر والقصّة والخواطر في الشتات الفلسطيني من ضبابيّة في الرؤى الوصفية التي تأتي غالباً بعيدة عن مطابقتها للواقع، وهذا ما أعزوه إلى الانقطاع النظري عن المشاهد الحقيقية للأفعال على الأرض، بسبب الانقطاع الجغرافي المفروض، والذي لم يبقَ منه إلا ما تبرزه وسائل الإعلام أو المناقَلة، أو الرؤى الانطباعية المقتلعة من الذاكرة.
هذه الحال، تفرض على الأدباء الفلسطينيين الموجودين على الأرض «الشاهدة بالصوت والصورة، وباللحم والدم»، أن يقوموا بواجبهم الوطني الأدبي الثقافي لكونهم الأقدر، من خلال تماسّهم المباشر، على بعث روح جديدة، وضخّ دم جديد في شرايين أدبنا المقاوم، يضيف تجديداً بات ضرورياً للأدب الذي تعوّدنا عليه خلال المراحل النضالية السابقة.