المُتَسوّل
يسيطر عليك رعب هائل ، وجدت نفسك في موقف لاتحسدين عليه ، بعد غربة قاتلة وبعد طويل عن الأهل والأحباب ،جاء أبوك لزيارتك في منزلك الصغير ، ملك فؤادك الفرح لأول مرة ، والدك أعز مخلوق لك في الحياة ، شعرت دائما أنك مدينة له بالكثير من الرعاية والعناية التي أسبغها عليك في الطفولة وحين اشتد عودك ، وظهر جمالك ساحرا ، لم يرفض لك طلبا مادامت طلباتك لا تخدش ما استقر في عقلك من عادات كريمة وخصال طيبة..
تأخر مديرك في دفع رواتب العاملين عنده ، فأظلمت الدنيا وزاد اكفهرارها ، واشتعلت وتفجرت براكين منزلك اشتعالا ، وسقط الغضب على أم رأسك وانت حائرة لاتعرفين ما العمل ؟ وقد أخذت على حين غرة ، أبوك المريض جاءك زائرا ، وهو يدرك ما تعانين منه من شظف العيش وصعوبة توفير الحاجات لأسرتك ، فاقترح عليك ان يتولى هو الصرف عليك ـ من مال قد وفره للقيام بزيارة ابنته العزيزة التي لم يرها منذ أمد طويل.
يشتد صراخه ، يضرب رأسه بالجدار ، يمزق ملابسه ، يلطم على وجهه ، موجها لصدره أقسى الضربات ، صارخا بأعلى صوت:
- ما بالك تصمتين ؟ لمَ لمْ تطالبي مديرك المأفون بحقك ، انت جبانة رعديدة يا امرأة!
تنظرين الى أبيك وقد علته نظرة الاستغراب ، فلم ْ ير هذا المشهد التراجيدي طيلة عمره الطويل الذي قضاه في النضال، من اجل تغيير الحال إلى الأفضل ، وكان معتادا انه مهما كان الشريك سيئا فان زيارة الأب تلطف من الحالة ، فيتظاهر انه حسن المعاشرة لطيف الكلام ، والزوج اخذ يعلن فقدان ورقة التوت بلا حياء
- انت مخلوقة تافهة ، لا تتصفين بالشجاعة التي امتاز بها أنا ؟ من أين آتي بالنقود المطلوبة كي ادفعها لك لتقومي بالتسوق ؟ عليك اللعنة يا خبيثة
يضع والدك يده على صدره ، يتسارع تنفسه ، وتسمعين ضربات قلبه المريض ، فقد أخبرك انه قد أجريت له عمليتان بالقلب.
- لا يفيد معك الكلام ، وقد أعياني أمرك ، وسوف أشكوك الى أبيك ، لأنه لم يحسن تربيتك.
يفقد أبوك قدرته على الكلام ، تتسارع نبضات قلبه ، يوميء لك ، وانت في قمة توترك لا ترين ايماءه ، تزداد خشيتك ، ان تفقدي المخلوق الحبيب الذي وقف الى جانبك دوما ، وسهر على راحتك ، وأحبك دائما..
- حتى أبوك تعب من غبائك ، انظري اليه يشير إليك ، فلا تفهمين!
أبوك أعز محلوق ، تخافين عليه من شدة الانفعال ،يعلو ضغطه ويهبط في فترة قصيرة! يأتيك نداء الطبيب:
- اسمعي ابنتي ، ابوك مجهد بحاجة الى الراحة والهدوء ، وجاء لزيارتك بسبب الاشتياق ولأنك الأثيرة على قلبه ، لا تجعلوه يسمع أصواتا عالية ، او يتعب..
تفقدين القدرة على الكلام ، يشل تفكيرك ، وتصبحين جثة ، ويتواصل صراخه :
يبتسم أبوك بعسر ، ويشير نحو محفظته ، تستخرجين ما بها من نقود كان قد وفرها للعلاج ، فيلتقطها منك مسرعا
- انا من يمكن ان يدبر طلبات المنزل!
تنبعث ضحكته بشماتة عالية
- لاتنفع معك الا القوة ، سأسهر هذه الليلة ، أحتاج الى راحة مع أصدقائي الخلص ، وصديقاتي المقربات
صبيحة شبر
1حزيران 2010