نَكِرَةٌ
... ثم ظلَّ بينهم يتداولونه بالصفع ويتناوبون عليه باللكم حتى أردوه قتيلاً، فنظر كل منهم إلى صاحبه شارداً، وكأنهم أفاقوا من سبات عميق، ثم سرعان ما غرسوا أعينهم جاحظة في جثة من جادوا عليه غير مقصرين بأسباب قتل انتقوها له بعناية شديدة ...
أقبل بعضهم على بعض يتلاومون في شأن ما اقترفته أيديهم الغليظة، وضاقت صدورهم العريضة بما لم يحسبوا له حساباً على الإطلاق، فأشعل كل منهم سيجارة، وشبت في ما بينهم نار غضبهم، ودقوا في أجسادهم سواد عنفهم، فلعن بعضهم بعضاً، وأطبق على أنفاسهم ثقل هذه الجريمة وما سلف من أمثالها، ثم إنهم تدافعوا وتلاطموا، وتجاذبوا وتشاتموا، وفي غمرة سُعارهم داسوا بأقدامهم جثة القتيل وسط تلك الغرفة الضيقة المعتمة إلا من مصباح صغير يتيم خافت الضوء، والذي لا يكاد يبين عن وجوههم الكريهة ...
ظفر كل منهم من أصحابه بنصيب وافر من الضرب وبحظ غير قليل من السبِّ، وبعدما ارتوت قبضات أيديهم من دماء وجوههم، ومكنوها من إطفاء ظمئها، وشبعت أحذية أرجلهم الحادة السوداء من تكسير ضلوعهم، ولم يحرموها من إخماد جوعها، لم يعد يسمع منهم إلا شهيق متقطع وزفير منقبض، وعبثاً حاولوا تمالك أنفسهم المنهارة، وإقامة أجسادهم المحطمة، إلا أنهم نظروا في الآن ذاته إلى القتيل، ولسان أعينهم يقول: ما عساه يكون سوى نكرة ...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com