د" العيسى" : وزير جديد .. فهل من جديد؟!!
مقدمة بين يدي هذه الأسطر :
اطلعت على وسم حول "ما ذا تريد من وزير التعليم الجديد" .. أي الدكتور أحمد بن محمد العيسى.
وقد لفتت نظري تغريدة لإحدى الأخوات،ذكرت فيها أن ما طلبته سابقا لم يتحقق .. لذلك لن تذكر مطالبها!!
هذه "براءة"تأخذ بمجامع النفس .. هل يقرأ الوزراء ما كتبناه .. فضلا عن تلبية مطالبنا؟!!
إننا نكتب فقط لإبراء الذمة .. أو بلغة أخرى .. نؤدي دورنا في إبداء الرأي .. وهم يؤدون دورهم .. أيضا.
حين أُعلن خبر تعيين الدكتور "العيسى" وزيرا للتعليم .. قام البعض بفتح ملفات الوزير القديمة .. وتاريخه في كلية اليمامية .. وما قال .. وما كتب .. إلخ.
هنا زاويتان :
الأولى : من حق الناس أن يعلنوا آراءهم في كل وزير يتم تعيينه .. أي يخبروا "الحكومة"بوجهة نظرهم .. وردة فعلهم على تعيين شخص ما.
الزاوية الثانية : علينا ألا نقلق من ماضي أي وزير .. لسبب بسيط هو أن الحكومة تعرف الوزير – أي وزير – أكثر مما يعرفه الناس .. الوزير – أي وزير – جزء من منظومة الحكومة – كل حكومة – فهو لا يعمل بمفرده .. وقد يتم تعيين وزير "لبرالي"فيسعد اللبراليون .. ولكنه لا يحدث أي تغيير .. وحين تنتهي دورته الوزارية،ويذهب .. يحس اللبراليون أنهم – كما يقول إخواننا في مصر – "خدوا على أفاهم"! وقد يتم تعيين وزير "محافظ"ويحدث في عهده تغيير .. دون أن يستطيع – كما يقول إخواننا في مصر – أن يقول "تلت التلاه كام"! .. فلاشيء يدعو للقلق.
في الحقيقة لم يعد لديّ ما أضيفه بعد أن كتبت ( كلام في التعليم .. ) – وهو مرفق هنا – وكتبت – أيضا – ( صعود السلم لإعادة الهيبة للمعلم).
صحيح أنني لا أستطيع أن أضيف شيئا إلى ما كتبته من قبل عن التعلم،ولكن ذلك لم يمنعني من الاطلاع على بعض ما كُتب عن الدكتور"العيسى"أو عن كتابه "إصلاح التعليم". وقد عثرت على ما كتبه الأستاذ سليمان الخراشي تحت عنوان "تعليقات مختصرة على كتاب الدكتور أحمد العيسى"إصلاح التعليم".
عجبتُ .. فكل التعليقات ،والنقولات تدور في فلك "اللبراليين السعوديين" .. المرأة .. التعليم الديني .. إلخ.
سأكتفي بنقل عبارة صغيرة توقفت عندها كثيرا،أعني قول الدكتور العيسى،كما نقل عنه الأستاذ"الخراشي" :
(قال "ص 90" : "ولعل المنطلقات الفكرية الأساسية التي يستند إليها هذا الفكر ترى أن مكان المرأة الأصلي هو المنزل،وأن خروجها هو استثناء للضرورة" ويعلق الأستاذ "الخراشي"قائلا : "هذا الذي تسميه المنطلقات الفكرية هو نص القرآن "وقرن في بيوتكن .."،فلماذا لا تُسمي الأشياء بأسمائها؟ وهلا أخبرنا الدكتور عن منطلقاته؟){ موقع صيد الفوائد :
http://www.saaid.net/Warathah/Alkharashy/m/178.htm}
قلتُ أنني توقفت طويلا عند هذا الاقتباس،وأنا الذي قضيت أكثر من ثلاثة عقود أقرأ وأكتب عن المرأة وقضيتها.
"مكان المرأة الأصلي هو المنزل"هذا الذي استنكره الدكتور"العيسى"كيف نجده في بعض واقع المرأة غير المسلمة،حيث لا يسيطر الصحويون،ولا التفكير الديني على التعليم؟
يقول الروائي المعروف غابراييل غارسا ماركيز :
(الحضارة الحديثة تجعل النساء بائسات. وعندما كن مثقلات بحمل إدارة البيت وجدت النساء في بطولتهن سببا وتفسيرا لحياتهن الخاصة. ولكنهن عندما تحررن من هذا الثقل،فقد تجردن – بشكل مفارق – من الدوافع للحياة القادمة. النساء كن سعيدات فقط عندما كان في الواقع دوافع قليلة لكي يصبح ذلك واقعيا."في صحيفة يونيتا 1988م"){ نقلا عن : ص 223 (هروبي للحرية ) : علي عزت بيجوفيتش / ترجمة : إسماعيل أبو البندورة / دمشق / دار الفكر / الطبعة الثالثة 1429هـ = 2008م}.
بطبيعة الحال"كن سعيدات"هذه نستطيع أن نضع تحتها بعض الخطوط .. فإذا تجاوزنا معاناة المرأة مع هذا الثالوث :
الزوج .. المنزل .. الأطفال .. فسنستشعر ما تعنيه إضافة "رابعة الأثافي" – إن صح التعبير – أي العمل خارج المنزل.
يقول "بيوجوفيتش ":
(هذا الضغط المتواصل من أجل تشغيل النساء خارج البيت،ومساهمتها بشكل بسيكولوجي،إنه يقوم على عدم معرفة كل تلك القيم الاقتصادية التي تحققها النساء في البيت،بالولادة،وتربية الأطفال،والمحافظة على الأمور البيتية. فربة البيت هي ذلك العامل الذي يعمل يوميا عشرة أو اثني عشرة ساعة ونصفها نحن في إحصاءاتنا بأنها شخص عاطل عن العمل،ونصفها في جدول"العناصر العاطلة عن العمل". نعرف جميعا جيدا،كم هي المرأة عاملة،ولكننا بالوقت نفسه نتظاهر بأننا لا نراه. هذا التجاهل لعمل المرأة هو أحد جوانب الضغط،"وهذه المرة أخلاقيا – على المرأة لترك البيت،وإدارة ظهرها للعائلة. الثقافة الإسلامية يجب حرفها باتجاه آخر،وبداية ذلك بالاعتراف بعمل الأم وربة البيت){ ص 126 (هروبي إلى الحرية) ..}.
وفي الصفحة 218 من كتاب"بيجوفيتش" نجد التالي :
(برهن العلماء الأمريكان أن الطفل الذي لا يشعر بحب الأم في السنة الثانية من عمره،فلن يقدر أن يحب بشكل سوي. وهذا لا يمكن لأي نظام اجتماعي أن يعوضه."بروفيسور بيتر مارتينوفتش" – عالم أحياء يوغسلافي").
وتقول الأستاذة صافيناز كاظم،في كتابها "رومانتيكيات" – دار الهلال 1970م ص 46- :
(أنا لا أطالب بعودة المرأة إلى المنزل،ولكنني أطالب بعودتها إلى الإنسانية،أنا مستاءة بشدة من حالة المرأة في العالم الآن،مستاءة من العبودية الشديدة الغارقة فيها لأذنيها،متمثلة بالذات في المرأة العربية،مستاءة من العلاقة الثلجية التي تربطها بأطفالها وعالمها البيتي.){ ص 84( هموم المرأة العربية في القصة والرواية) / أحمد محمد عطية / القاهرة / هيئة الكتاب 1992}.
العجيب أنه في الوقت الذي نجد فيه هذه المرأة العربية المسلمة – الأستاذة صافيناز – لا تطالب بعودة المرأة للبيت نجد في أمريكا وضعا مختلفا!
كتب الأستاذ محمد صادق :
( من تجربة المرأة الأمريكية التي تحسدها عليها نساء العالم والدعوة لعودة المرأة إلى البيت والأسرة لا تنحصر الدعوات في تلك الصادرة عن الرجل،والمؤسسات الاجتماعية،وإنما تصدر تلك الدعوات،وهو الأمر المهم،من المرأة الأمريكية نفسها،إذ تفيد الإحصاءات والاستطلاعات أن حوالي 60% من النساء الأمريكيات يتمنين ويرغبن في ترك العمل والعودة إلى البيت){جريدة الشرق الأوسط العدد 5949 في 12 / 10 / 1415هـ = 13 / 3 / 1995م}.
ونجد أيضا هذا العنوان "الأمريكيات يفضلن البقاء في المنزل عن العمل"وفي الخبر :
(يزداد عدد النساء الأمريكيات اللواتي يفضلن البقاء في المنزل عن العمل ولكنهن غير قادرات على القيام بذلك ){ جريدة الشرق الأوسط العد 6118 في 3 / 4 / 1416هـ = 29 / 8 / 1995م}.
وقبل الأمريكيات،في ( فرنسا تطلع علينا الأنباء لتقول أن السيدة / كريستيان كولنج الكاتبة الفرنسية المعروفة قد ألفت كتابا بعنوان"أريد العودة إلى المنزل"وفيه تقول :"إذا كان للمرأة طفل واحد فهذه مشكلة،وإذا كان لها طفلان فإن المشكلة تصبح أضعافا،أما إذا كان لديها ثلاثة أولاد فعندها تتضاعف المشكلة مائة مرة){ ص 130 ( المرأة العربية المعاصرة .. إلى أين؟! ) / د.صلاح الدين جوهر/ القاهرة / الطبعة الأولى 1402هـ = 1982م}.
ويقول لنا "بيجوفيتش" – في "هروبي إلى الحرية" - (تكرس "مارجريت دوراس في كتابها"العالم الواقعي"أهم فصوله للبيت كعالم للمرأة){ ص 220}.
ويضيف بيجوفيتش :
(بدأ يتضح بأن وضع المرأة يما يسمى بالدول المتحضرة قد تغير ولكنه لم يتحسن. في السجل للفئات المسحوقة إلى جانب مواطني المناطق الصناعية التي لا مستقبل لها،والشباب بالمؤهلات المتدنية،كانت النساء على رأس القائمة،لأنه ترافق مع تحررهن والارتفاع المتفاوت للواجبات والأهداف المهنية والاجتماعية){ ص 198 – 199 (هروبي إلى الحرية ).. .}
في هذا المعطى لن نتعجب من هذه الأرقام التي نقلتها لنا الدكتورة نورة السعد :
( 80% من الأمريكيات يعتقدن أن"الحرية"التي حصلت عليها المرأة خلال الثلاثين عاما هي سبب الانحلال والعنف في الوقت الراهن.
87% يرين أنه لو عادت عجلة الحياة للوراء لاعتبرن المطالبة بالمساواة مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة وقاومن اللواتي يرفعن شعارها){ جريدة الرياض العدد 13044 في 20 / 1 / 1425هـ}.
وحتى المرأة السعودية،التي غادرت بيتها لتعمل خارجه،متأخرة نسبيا ،فقد اشتكت هي الأخرى :
( كشفت دراسة ميدانية استطلاعية أن خمسين بمائة من المواطنات اللواتي يعملن يرغبن في ترك العمل والتفرغ لشؤون الأسرة والبيت لو سمحت الظروف لهن بذلك. وبينت الدراسة التي أعدها الدكتور إبراهيم بن مبارك الجوير أن 45% من عينة النساء العاملات يعتريهن شعور بالتقصير إزاء الأسرة والأطفال نتيجة خروجهن للعمل في حين أن 67 بالمائة منهن أكدن أن العمل يمثل لهن مجهودا مزدوجا أو إضافيا){ المجلة العربية العدد 245 / جمادى الآخرة 1418هـ}.
بما أنني أطلت أكثر مما ينبغي .. فسأكتفي بالإشارة إلى أن وجهة نظري في عمل المرأة - خارج بيتها – أوضحتها في كُليمتي "ومضة من حياة المرأة في "عرب ستان"وزبدته .. أن تعمل المرأة نصف الوقت الذي يعمله الرجل،مع تقاضيها 60% من راتبه – لأن المجتمع يحتاجها وليس العكس،ولا يتعلق الأمر بالعرض والطلب .. إلخ – مع عمل"نظام"يسهل عملية خروجها من منظومة العمل،وعودتها إليه .. حسب ظروفها.
مرة أخرى أعود لهذه العبارة :
"مكان المرأة الأصلي هو المنزل". ينتقد الدكتور"العيسى"- وكثيرون – "الحفظ"في مناهجنا،ويدعون – محقين – إلى ترسيخ التفكير والاستنتاج ... إذا :
حين يقول الله سبحانه وتعالى لأبينا آدم – عليه وعلى نبينا السلام – محذرا له ولأمنا حواء – عليها السلام - من الشيطان ( ولا يخرجنكما من الجنة فتشقى" .. فالخروج بالمثنى والشقاء للمفرد .. وحين يجعل الإسلام"المهر " و"النفقة" على الرجل .. ماذا نستنتج من هذا؟!
أن الإسلام يرى أن "مكان المرأة الأصلي هو المنزل"أم أن الإسلام يرى أن على المرأة أن"تشقى"مثل الرجل؟!
هل أشرت إلى مسألة"الحفظ"؟ .. هذه النقطة لا أقصد بها الدكتور "العيسى" بشكل خاص،فهي قضية عامة .. كثيرا ما تُوجه سهام النقد للحفظ والاستظهار .. ولو أن تلك السهام انتقدت الحفظ دون فهم .. لاتفق الجميع معها،ولكن النقد الذي يوجه لـ"الحفظ"نفسه . . وكأنه "جريمة"هو الأمر الذي يستحق التوقف عنده .
قبل يوم – أو يومين – كنت أشاهد حلقة من برنامج الأستاذ الدكتور عبد الباسط السيد،المتخصص في طب الأعشاب .. والله وحده يعلم عدد المصطلحات الطبية التي ذكرها .. والأدوية .. والأمراض .. فهل هذا حفظ أم فهم؟ وهل الجراح حين يضع مشرطه على جسد المريض،ليشقه .. ثم يوصل الشرايين والأوردة .. هل ذلك حفظ أم فهم؟ و وماذا عن قوانين الفيزياء والكيمياء والرياضيات التي يحفظها طلبة،ومعلمو تلك العلوم؟! والمعلومات الجغرافية .. بما فيها رسم الخرائط من الذاكرة ماذا عنها أيضا؟
يقول "بيجوفيتش" :
(لو قدر لي سأدخل في جميع مدارس الشرق الإسلامي دروسا عن"الفكر النقدي"فالشرق على خلاف الغرب،لم يمر بهذه المدرسة القاسية،وهذا هو مصدر معظم قصوره).
قصدت بهذا الاقتباس،أن على من يوجهون سهام النقد – غير المقيدة – للحفظ والاستظهار،أن "ينتقدوا"أطروحتهم بسؤال مثل : "ما ذا عن الذي لم يحفظ .. ولم يفهم"؟!
وسيجدون النتيجة مثل هذه الإجابات،التي اقتبستها من مسابقة وظيفية أُجريت في الجامعة التي أعمل بها :
س : (..) أطول الناس أعناقا يوم القيمة .. من هم؟
جـ : المنافقون
جـ : النساء
س : من قام بجمع القرآن الكريم؟
جـ : الملك عبد العزيز
س : سورة تكررت فيها البسملة مرتين .. فما هي؟
جـ : لا توجد.
جـ : الفاتحة
جـ : البقرة
جـ : آل عمران
جـ : التوبة
س : ما هي عاصمة هولندا؟
جـ : موريتانيا
جـ : بريطانيا
س : كم دامت خلافة عمر بن عبد العزيز؟
جـ : 130 سنة
جـ : يوم وليلة.
س : كم عدد الدول العربية في قارة آسيا؟
جـ : 75 دولة
جـ : لا توجد.
ولا تعليق بطبيعة الحال.
أعتقد أن مربط الفرس في قضية الحفظ – بما أن الحديث عن الدكتور"العيسى" – هو حفظ القرآن الكريم ... وهنا أقول في الهامش أن ابنتي تدرس في الصف الثاني الثانوي،ولم تأخذ حصة واحدة من القرآن،في الصفين الأول والثاني .. وسيكون القرآن الكريم مقررا في السنة الثالثة فقط!! كما أن ولدي درس القانون في جامعة الملك عبد العزيز،وكان القرآن الكريم مادة "اختيارية" .. رغم أن القرآن الكريم – مع السنة – هو دستور البلاد!!
هذا في الوقت الذي تقول لنا آداب الغرب – الذي سحرنا – أنهم هناك يحفظون بعضا من نصوص رواياتهم .. ويقتبسون منها متعة .. وعند الحوار .. و الروايات الأدبية،ليست نصا مقدسا .. ولا يؤجر من يحفظها!!
أخيرا .. قرأت تغريدة للدكتور"العيسى" – قبل أن يصبح وزيرا – تقول :
(سهولة اتخاذ قرار تعليق الدراسة عند كل رشة مطر أو مناسبة وطنية يبعث برسائل سلبية حول مستوى اهتمامنا بكل ساعة علم وتعليم في مدارسنا وجامعاتنا!).
هنا قضيتان :
القضية الأولى : "عند كل رشة مطر" .. وهذه قضية لا تخص وزارة التعليم،بل تخص خللا في تصريف مياه الأمطار،وتعليق الدراسة حفاظا على الأرواح .. وحفظ الأرواح مقدم على ما سواه .
ويبقى أمر ساعات الدراسة الضائعة،وعلى الوزارة أن تبحث عن وسيلة لتعويضها.
القضية الثانية : "مناسب وطنية" .. هنا أتفق تماما مع الدكتور "العيسى" وسبق لي أن كتبت عن ذلك تحت عنوان : (العالم الدراسي : بين التعليق والتمديد).
وترحمت على زمن كانت الإجازة فيه لا تتجاوز ثمانية أيام،في السنة كلها .. كما ذكر الأستاذ عبد العزيز الربيع :
(كانت السنة الدراسية اثني عشر شهرا إلا ثمانية أيام. وهذه الثمانية من أيام هي إجازة العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى. وليس هناك أي إجازات أخرى){ ص 118 (ذكريات طفل وديع)}
لم يبق لكم في ذمتي إلا "كلام في التعليم .. بين وزيرين" ... وفي رواية .. بين ثلاثة وزراء!!
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.