التدخل السعودي في الأزمة السورية
د.غازي حسين


تتعرض سورية منذ أكثر من خمس سنوات إلى حرب كونية يشترك فيها إرهابيون من حوالي مئة دولةومدعومة من قوى إقليمية عربية وغير عربية ودولية.. حيث وجهت السعودية بالدولارات والفكر الوهابي التكفيري وما يسمى بالجهاديين وبالجهاد... الذي تبنته أيضاً جماعات الإخوان المسلمين إلى سورية لسفك دم السوريين من مسلمين ومسيحيين وتدمير منجزات الدولة وتغيير توجهاتها السياسية.
استغلت السعودية وقطر والولايات المتحدة الأمريكية والمخابرات الأجنبية ما سمي بالربيع العربي ووجهوا المجموعات التكفيرية المسلحة إلى سورية والعراق وليبيا واليمن، لتدمير الدول الوطنية وتفتيتها، وإقامة دويلات على أسس طائفية ومذهبية وعرقية لتبرير الاعتراف بيهودية الدولة، كأكبر غيتو يهودي استعماري وعنصري وإرهابي في قلب الوطن العربي.
وعملت السعودية وقطر والإمارات العربية بدولاراتهم المسمومة وتبعية الأمين العام للجامعة العربية لهم على إفشال الحل السياسي إلى اليوم، وذلك بإفشال مهمة مبعوث الجامعة العربية اللواء الدابي ومهمة المبعوثين الدوليين كوفي أنان والجنرال مود، والاستمرار بتدريب المرتزقة وإرسالهم إلى سورية، وإرسال السلاح والعتاد والأموال لهم لإضعاف الجيش العربي السوري، وقضيتنا المركزية فلسطين، وكسر إرادة القيادة السورية، وتشكيل حكومة تابعة للسعودية وللولايات المتحدة الأمريكية لتوقيع اتفاق إذعان على غرار اتفاقات الإذعان في كمب ديفيد و17 أيار وأوسلو ووادي عربة وتوقيع الحل الصهيوني لقضية فلسطين وإنهاء الصراع العربي ـ الصهيوني، وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.
كشفت المؤامرة الخارجية على سورية نفاق دول الخليج والدول الغربية الذين يعملون على الإطاحة بالدول الوطنية وتفتيت بلداننا العربية وتدمير ثرواتها ومنجزاتها بشعارات مضللة وكاذبة وباسم الحرية والديمقراطية وما سُمي بالربيع العربي.
إن ما يجري في سورية اليوم منذ أكثر من أربع سنوات هو أخطر أنواع الإرهاب وذروة الإرهاب الدولي لأنه يستغل التطرف الديني والمجموعات االتكفيرية من أجل القتل والذبح والتدمير للوصول إلى السلطة لخدمة أجندات إقليمية وغربية وصهيونية.
وأصبحت قضية مكافحة الإرهاب قضية وطنية وإقليمية وعالمية. ويعتبر الإرهاب التكفيري والصهيوني من أخطر أشكال الإرهاب التي تضرب الشعوب والدول في البلدان العربية والإسلامية ومنجزاتها وجيوشها.
ويشكل الإرهاب التكفيري والإرهاب الصهيوني وجهان لعملة واحدة، وإن أكثر من 99% من ضحاياهما من العرب والمسلمين.
وأصبح الإرهاب ظاهرة عالمية تديرها الولايات المتحدة وبقية الدول الغربية والصهيونية العالمية والمملكة السعودية وإمارة قطروأردوغان.
التدخل وانتهاك القانون الدولي:
يقود التدخل الخارجي المسلح إلى زعزعة الأمن والاستقرار وينشر القتل والخراب والدمار والمآسيوالويلات والعذابات الإنسانية، ويعتبر مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول من القواعد الأساسية الملزمة في القانون الدولي. وتنص المادتان الأولى والثانية من ميثاق الأمم المتحدة على تحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وتضمّن إعلان الأمم المتحدة حول مبادئ القانون الدولي على أنه لا يحق لأية دولة أو مجموعة من الدول أن تتدخل في الشؤون الداخلية والخارجية للدول الأخرى بشكل مباشر أو غير مباشر، ويعتبر التدخل الخارجي (المسلح) غير شرعي وينتهك المبادئ الأساسية للقانون الدولي. ويعني ذلك أنه لا يجوز لدولة أو لمجموعة من الدول أن تدعم النشاطات المسلحة التي تعمل على تغيير النظام في دولة من الدول، أي الإطاحة بالنظام فيها بالقوة العسكرية كما فعلت أمريكا في غرنادا وأفغانستان والعراق وليبيا، وكما تحاول السعودية وقطر والإمارات والمملكة الهاشمية عمله في سورية عن طريق المجموعات التكفيرية الإرهابية المسلحة التي ترسلها.
وترسَّخ هذا المبدأ الهام في جميع المنظمات الإقليمية والدولية وفي مؤتمر هلسنكي في أوروبا للأمن الجماعي، واعتقد الداعمون للتدخل العسكري في سورية وعلى رأسهم الإمبريالية الأمريكية وأتباعها من آل سعود وثاني ونهيان والملك الهاشمي وإسرائيل أن المرحلة ملائمة لإضعاف محور الممانعة والمقاومة من خلال التدخل العسكريفي سورية على غرار ما فعل الناتو في ليبيا بناءً على طلب من الأمين العام لجامعة الدول العربية، ووافقت إدارة أوباما وفرنسا وبريطانيا على مشروع قرارفي مجلس الأمن يتيح التدخل العسكري في سورية، إلاَّ أن الفيتو المزدوج الروسي الصيني في 19 تموز 2012 أحبط المؤامرة الخطيرة على سورية داخل مجلس الأمن.
إن المحنة التيتمر بها سورية، والصراع فيها وعليها، والحرب الكونية التي يشارك فيها الشقيق والعدو الغربي والصهيوني والجار التركي تهدف إلى تحقيق مصالح ومخططات هذه الأطراف وجعل مملكة آل سعود القائد للمنطقة، وإقامة شراكة أمنية بينها وبين العدو الإسرائيلي للقضاء على حركات المقاومة وتصفية قضية فلسطين.
تأسيس المملكة لخدمة المصالح البريطانية والصهيونية:
تأسست مملكةآل سعود في أعقاب انهيار الإمبراطورية العثمانية على يد بريطانيا الاستعمارية لخدمة مصالحها ومصالح الصهيونية العالمية بفتح أبواب فلسطين للهجرة اليهودية وتأسيس إسرائيل فيها وإقامة شراكة أمنية معها ضد حركات المقاومة والوحدة العربية والأنظمة الوطنية، فاكتسبت تأسيسها وحمايتها ضمن استراتيجية بريطانيا الاستعمارية سابقاً، وضمن الاستراتيجية الشاملة للإمبريالية الأمريكية فيما بعد.
وكانت مهمتها السياسية المساعدة في إعطاء فلسطين لليهود، والاقتصادية في تأمين استمرار تدفق النفط بالكميات والأسعار التي تحددها واشنطن، وتوظيف أموال النفط في البنوك الأمريكية والأوروبية التي يديرها اليهود، وشراء كميات هائلة من الأسلحة التي تبقى في صناديقها أو توظف في الأعمال القذرة للمخابرات السعودية والأمريكية ومنها الحرب العدوانية على الشعب اليمني الشقيق.
واستغلت الولايات المتحدة الأمريكية سيطرة ملوك آل سعود على الأماكن الإسلامية المقدسة والفكر الوهابي لصناعة إسلام أمريكي وتأسيس طالبان والقاعدة لإخراج الجيش السوفيتي من أفغانستان بالشباب العربي والمسلم وبأموال السعودية وبإشراف المخابرات المركزية.
وشكلت داعش والنصرة لتدمير الدول والجيوش العربية الكبيرة وفي مقدمتها الجيش العربي السوري والعراقي والمصري والجزائري كي تقود السعودية النظام العربي الرسمي وجامعة الدول العربية لخدمة المصالح الأمريكية والصهيونية لقاء استمرارهم في حماية مملكة آل سعود من شعبها، ومن نفسها المشبعة بالعقلية الجاهلية والفكر التكفيري الوهابي والمرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالاستراتيجيتين الأمريكية والصهيونية السعودية وتصفية قضية فلسطين..
ونجحت مملكة آل سعود شراء صمت الولايات المتحدة وبقية الدول الغربية بأموال النفط على دورها في تأسيس وتمويل المجموعات التكفيرية الإرهابية المسلحة التي تعيث في سورية والعراق قتلاً وذبحاً وتدميراً وفساداً لإقامة دولة الخلافة الإسلامية.
كان الثمن التاريخي الذي قدمته أسرة آل سعود هو بيع فلسطين لليهود خطوة خطوة وشقفة شقفة إلى أن وصل الوطن العربي إلى التدخل العسكري السعودي في سورية والحرب السعودية على اليمن وإدانة المقاومة الفلسطينية واللبنانية ونعتها بالإرهاب، وإضعاف محور المقاومة والممانعة لتولي السعودية قيادة النظام العربي وتمرير الحل الإسرائيلي لفلسطين.
السعودية ودعم المجموعات التكفيرية:
أدى سكوت الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي على التدخل السعودي العسكري في البحرين عام 2011 إلى تصعيد تدخلها العسكري في سورية والطلب من الإدارة الأمريكية بشن الحرب على سورية واستعدادها لدفع تكاليفها مهما بلغت من أموال الشعب السعودي.
وقامت السعودية بتخفيض أسعار النفط والغاز استجابة لطلب الإدارة الأمريكية لمعاقبة موسكو وطهران على دعمهما للشعب والدولة السورية.
تتطلب مكافحة الإرهاب العمل بأقصى سرعة لوضع حد للإرهاب التكفيري الذي تدعمه السعودية وقطر وتركيا والعدو الصهيوني.
إن الدعم السعودي والقطري المستمر منذ سنوات طويلة للتنظيمات التكفيرية الإرهابية والتي لا تزال تنشر القتل والخراب والدمار في سورية أدى إلى استيلاد تنظيمات جديدة من القاعدة ومنها داعش والنصرة، وذلك لنشرهما للأيديولوجيات المتطرفة والأفكار الظلامية.
ولا يزال النظامان السعودي والقطري الراعيان والممولان للإرهاب في العالم من خلال تأسيس ودعم مؤسسات خيرية مزعومة لنشر الأفكار الوهابية والإخونجية التي تتسم بالقسوة والتعصب والكراهية. وكانت السعودية قد استولدت في الثمانينات من القرن الماضي طالبان والقاعدة في باكستان وأفغانستان، حيث لا يزال البلدان يعانيان من الوحش الذي أوجده الفكر والمال الوهابي.
وأدت جرائم ووحشية المجموعات التكفيرية، وجز الرؤوس من الوريد إلى الوريد، واغتصاب القاصرات والنساء والغلمان، وتدمير وسرقة المنشآت العامة والخاصة، ومحطات وخطوط الكهرباء والنفط والغاز إلى حمل السوريين في مناطق ساخنة متعددة إلى مغادرة منازلهم، ولجأوا إلى دول الجوار والدول الأوروبية أو نزحوا داخل سورية إلى المناطق التي تسيطر عليها الدولة.
تعد الأيديولوجية السلفية الوهابية عاملاً أساسياً في إعادة إنتاج ظاهرة التكفير المعاصرة.
وربطت هذه الأيديولوجية الدين بالسياسة والمال النفطي، والتبعية لأمريكا وإرضاء إسرائيل والصهيونية العالمية، وارتبط التحالف الوثيق بين المملكة السعودية والاستعمار البريطاني والإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية والرجعية العربية لمواجهة حقوق ومصالح شعوب المنطقة وجميع الشعوب في العالم.
تأسيس ائتلاف عالمي لمكافحة الإرهاب التكفيري:
وشكلت السعودية العديد من الجماعات التكفيرية المتشددة في البلدان العربية والإسلامية للقيام بعمليات إرهابية في المجتمعات كافة.
وتستغل الولايات المتحدة الأمريكية مكافحة الإرهاب لتحقيق مصالحها المعادية لحقوق ومصالح جميع الشعوب في العالم.
إن العالم اليوم بحاجة إلى ائتلاف عالمي لمكافحة الإرهاب التكفيري وليس للتحالف الدولي الذي شكلته أمريكا والسعودية لمحاربة داعش شكلياً واستعراضياً، واستغلال إرهاب داعش والنصرة لتحقيق مصالحهما وليس للقضاء عليه.
إن منطقة الشرق الأوسط وأوروبا والعالم بحاجة اليوم إلى ائتلاف عالمي من النخب الفكرية والثقافية ومنظمات المجتمع المدني لمكافحة الإرهاب واقتلاعه من جذوره، وفي مقدمته الإرهاب التكفيري والإرهاب الصهيوني. وتمتلك هذه الجهات التي تشكل هذا الائتلاف الجديد الأرضية الثقافية والفكرية والمجتمعية لاجتثاثه من الجذور، كما تفعل سورية وإيران وحزب الله في مواجهة الإرهاب التكفيري والصهيوني. وثبت بجلاء في الأزمة السورية أن الفكر الوهابي التكفيري ينشر الإرهاب ويشوه صورة الإسلام الصحيح ونجح التكفيريون بتشويه مفهوم الجهاد وفسروه بأنه القتل والذبح والتدمير للوصول إلى السلطة ودولة الخلافة والتنازل عن عروبة فلسطين.
وتستغل الولايات المتحدة بعض الحركات التكفيرية لتأجيج الصراعات والحروب الأهلية في العالم لخدمة مصالحها ومصالح إسرائيل.
السعودية وعرقلة الحل السياسي في سورية:
وعرقلت السعودية وقطر ودول الجوار بالتعاون مع الدول الغربية الحل السياسي في سورية لاستنزاف المزيد من الدماء السورية ومتابعة التدمير الممنهج لمؤسسات الدولة والجيش واستمرار معاناة الشعب السوري اقتصادياً واجتماعياً، وحقق الجيشان السوري والعراقي انتصارات استراتيجية في مواجهة الإرهاب التكفيري.
إن حل الأزمة السورية سياسي من خلال عقد المصالحات والحوار السوري ـ السوري وبقيادة الدولة السورية، وبعيداً عن أي شكل من أشكال التدخل الخارجي، واستناداً إلى القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي.
إن بطولات الجيش العربي السوري، وتلاحم الجيش والشعب والقيادة، ودعم حلفاء سورية الاستراتيجيين، وفي مقدمتهم إيران وروسيا وحزب الله والصين وبقية دول مجموعة بريكس، ودعم التيارات الوطنية والقومية واليسارية والإسلام المقاوم، انعكس وينعكس إيجاباً على الوضعين السياسي والميداني، وكذلك المصالحات التي تمت وتتم في مناطق سورية متعددة، وسيقود إلى الحوار السوري ـ السوري والحل السياسي وإنهاء الأزمة والبدء بعملية إعادة الاعمار الشاملة.
ساهمت بطولات وتضحيات الجيش العربي السوري، وصمود سورية في كشف حقيقة ما سُمي بالربيع العربي، الذي جلب الكوارث والويلات، وتدمير الاقتصادات والفوضى في العديد من البلدان العربية.
إن من الواجب علينا الوقوف بجانب الجيش العربي السوري، وبجانب التلاحم المتين بين الجيش والشعب والقيادة، فالحفاظ على سورية شعباً وأرضاً وجيشاً ونهجاً هو واجب وطني وقومي ويساري وإنساني وواجب جميع الأحرار في العالم، وذلك في مواجهة المجموعات التكفيرية الإرهابية المسلحة والإرهاب الصهيوني.