التحقيق التاريخي لمولد خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم

هذا التحقيق التاريخي ليوم مولد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، لا يفهم منه مطلقا أنا نؤيد الاحتفال بمولده كما يحدث كل عام في بعض البلاد الإسلامية مثل مصر وتشاد وغيرهما ممن جعل هذه المناسبة مثل أعياد الفطر والأضحى، وزيادة، فهي بدعة محضة أنكرها العلماء المحققون والأدلة على ذلك كثيرة لا مجال لعرضها في هذا المقام، ويكفي أنها لم تظهر للوجود إلا على يد أخبث الناس وهم العبيديون ذوو الأصول اليهودية والمشهورين بالفاطميين، وذلك خداعا وتزلفا منهم لأهل مصر بعد أن احتلوا بلادهم سنة 358هـ.

ولكن الذي يعنينا في هذا المقام، التحقيق التاريخي ليوم مولده - صلى الله عليه وسلم -، ليعلم الناس خاصة من يحتفل ببدعة المولد أنهم يحتفلون باليوم الخطأ، بل يحتفلون من حيث لا يدرون بيوم وفاته - صلى الله عليه وسلم -، حيث أنه من المجمع عليه أن وفاته - صلى الله عليه وسلم - كانت يوم 12 ربيع الأول سنة 11 هـ، أما مولده ففيه أقوال كثيرة، يجب معرفة الراجح منها، وهذا هو دور التحقيق التاريخي للمسألة.

اعلم أن مسألة مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - تدور حول ثلاث نقاط، واحدة محل اتفاق، واثنتان عليهما الخلاف يدور.

الأولى: اليوم الذي ولد فيه وهو الاثنين بلا خلاف بين أهل العلم، وذلك لثبوت الحديث في ذلك، ففي صحيح مسلم من حديث أبي قتادة - رضي الله عنه -، أن أعرابيا قال: يا رسول الله ما تقول في صوم يوم الاثنين؟ فقال: ((ذاك يوم ولدت فيه وأنزل عليه فيه)) وهو جزء من حديث طويل أخرجه مسلم في كتاب الصيام ـ باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر تحت رقم 197، كما أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وكذلك البيهقي في السنن الكبرى، وقد خرق هذا الإجماع الشيعة كعادتهم، فذهبوا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد ولد يوم الجمعة، ولا اعتبار لهذا الخلاف الشيعي، إذ هم في الأصل مخالفون لأهل السنة في الأصول والفروع.

الثانية والثالثة: في الشهر وفي أي أيامه؛ أما الشهر فإجماع العلماء والمؤرخين على أنه - صلى الله عليه وسلم - قد ولد في شهر ربيع الأول، ولم يخرق هذا الإجماع إلا الزبير بن بكار فذهب إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - قد ولد في شهر رمضان، وقد استدل على قوله بأنه - صلى الله عليه وسلم - قد أوحي إليه في رمضان بلا خلاف، وذلك على رأس أربعين سنة من عمره فيكون مولده في رمضان.

أما في أي أيام شهر ربيع الأول فهذه أكثر النقاط التي اختلف فيها أهل العلم، وذلك على أقوال عديدة، كالآتي:
(1) أنه - صلى الله عليه وسلم - ولد لليلتين خلتا منه. وهو قول ابن عبد البر وأبي معشر.

(2) أنه - صلى الله عليه وسلم - ولد لثمان خلون منه. وهو قول مالك والزهري وابن حزم والحافظ محمد بن موسى الخوارزمي، وجزم به ورجحه الحافظ أبو الخطاب بن دحيه في كتابه الشهير (التنوير في مولد البشير النذير) وأيضا هو قول الفلكيين وأصحاب التواريخ، وقد حققه من المعاصرين محمد الخضري بك في نور اليقين، ومحمود باشا الفلكي أشهر علماء الفلك في أوائل القرن العشرين وبيَّن الأدلة الفلكية على استحالة أن يكون يوم الاثنين موافقا ليوم الثاني عشر من ربيع الأول، وهو المشهور المتداول بين الناس.

(3) أنه - صلى الله عليه وسلم - ولد لعشر خلون منه وهو قول ابن عساكر والباقر والشعبي.

(4) أنه - صلى الله عليه وسلم - ولد لثنتي عشرة خلت منه وقد نص عليه ابن إسحاق في السيرة وهو المشهور عند الجمهور بسبب نص ابن إسحاق عليه وهو المعول عليه في السيرة عند الناس.

(5) أنه - صلى الله عليه وسلم - ولد لسبعة عشر خلت منه، وهو قول الشيعة ولا دليل عليه.

(6) أنه - صلى الله عليه وسلم - ولد لثمان بقين منه. وهو مروي عن ابن حزم والأصح ما روي عنه أولاً.

وللسهيلي ترجيح فلكي لطيف بنى عليه المعاصرون في تحديد يوم المولد، حيث قال: إن مولده - عليه الصلاة والسلام - كان في العشرين من نيسان (أبريل) وهذا من أعدل الزمان والفصول، وكان الطالع (يعني النجم) لعشرين درجة من الجدي، وكان المشترى وزحل مقتربين في ثلاث درج من العقرب، وهي درجة وسط السماء، وكان موافقا من البروج الحمل، وكان ذلك عند طلوع القمر أول الليل.

وعلى هذا فإن الراجح في مسألة يوم مولده - صلى الله عليه وسلم -.
أنه يوم 8 ربيع الأول (ليلة التاسع) من عام الفيل الموافق 20 أبريل سنة 570 ميلادي.

ـــــــــــــــــــ
المراجع:
(1) البداية والنهاية.
(2) صفة الصفوة.
(3) الروض الأنف.
(4) دلائل النبوة.
(5) تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي.
(6) الكامل في التاريخ.
(7) جوامع السيرة لابن حزم.
(8) نور اليقين.