لماذا نخاف من النقد ؟؟
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد عليه الصلاة والسلام .. وبعد:
أولاً ماهو النقد ؟؟
المعنى الأول: تمييز الجيد من الرديء من الدراهم والدنانير والنقود، فأنت تقول: نقدت الدراهم وانتقدتها إذا ميزت جيدها من رديئها، وأخرجت زيفها، ولذلك قال الشاعر:
الموتُ نـقَّاد على كفـه دراهمُ يختارُ منها الثمينَ
فهذا معنى للنقد: اختيار الجيد، وتمييز الزائف.
المعنى الثاني: العيب والتجريح، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "الناس إن نقدتهم نقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك"، يعني إن عبتهم عابوك، وإن سكت عنهم عابوك -أيضًا- فلا سلامة منهم.
وعلى كل حال، فالمعنى الأول الذي هو تمييز الطيب من الخبيث، والحسن من القبيح، والمزيف من الحقيقي؛ هو الذي ينطبق على المفهوم الشرعي للنقد.
فالنقد في الشرع يعني: معرفة الخطأ والصواب، ويعني: الثناء على الخير ومدحه، وذم الشر ونقده، سواء أكان هذا الخير أو الشر في شخص.
أما المعنى الثاني للنقد -الذي هو: الثلب، والعيب، والتجريح- فهذا هو الغالب على أهل هذا الزمان، الذين يعدّون النقد -كما أسلفنا- صورة من صور العداوة، والبغضاء، والتشهير، والتأليب على الشخص المنتقد، أو على الجهة المنتقدة، ولذلك لا يقبلون النقد؛ لأنهم يعدّونه نوعًا من التنقص.
- وكذلك هم لا ينتقدون إنسانًا إلا إذا أبغضوه، وحاربوه، فهم ينتقدونه؛ لأنهم يسعون إلى إسقاطه، لا لأنهم يسعون إلى معرفة الحق من الباطل، بل همهم جمع المثالب، وحشد المعايب. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه: "لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة"(2)، فاللعان: هو الذي لا يعرف من الناس إلا موضع العيب، فكلما ذُكر عنده شخص عابه.
حكم هذا النوع من النقد:
لا شك أن النقد بهذا المعنى محرم؛ لأنه نوع من الغيبة، والله عز وجل يقول: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) [الحجرات:12]، وفي صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما الغيبة؟" قالوا: "الله ورسوله أعلم"، فقال: "ذكرك أخاك بما يكره"، قيل: "أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟"، قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتَّه"(8).
:: مواقف الناس من النقد ::
الإنسان بطبيعته يحب المدح ويكره الذم، وقد قـال أبو ذر رضي الله عنه: "قيل يا رسول الله، أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"تلك عاجل بشرى المؤمن"(25).
وما دام أن الخطأ لابد منه، فإن قبول النقد من الكمال البشري. وإذا كان النقص مركبًا فيه وهو جزء من طبيعته، فمن الكمال أن يعرف هذا النقص، ويعمل على تلافيه.
وما أجمل أن يقول الإنسان: أنا أخطأت، وأسأل الله أن يغفر لي ويتوب علي، لكن كون الإنسان يقع في الخطأ ثم يقول: هذا أمر لا أرى فيه شيئًا؛ لأن فلانًا في القرن السابع قال كذا، وفلانًا في القرن العاشر قال كذا، والعالم المعاصر قال كذا وكذا..!! فيبحث عن الخطأ ليحوله إلى صواب، فهذا مسلك غير مقبول.
::أسباب الخوف من النقد::
أولاً: نجد كثيرًا من الناس يخافون من النقد؛ لأنهم يعدّون النقد نوعًا من التنقص، والبحث عن العيوب، وأنه لا يصدر إلا من حاسد، أو حاقد، وهذا المفهوم يجب تغييره، وأن يفهم الناس أن الذي ينتقدك هو من يحبك؛ لأن صديقك من صدَقك لا من صدَّقك.
ثانيًا: ومنهم من يخاف من النقد لأن بيته من زجاج، فهو يحارب النقد البناء، تجنبًا للفضيحة، وسترًا على الهفوات والجرائم التي ارتكبها، سواء أكان هذا النقد في ذاته أو في جرائمه، أو على استغلاله لموقعه ومنصبه، أو هزائم جر الأمة إليها.
:: أهمية النقد ::
أولاً: النقد مهم لكشف الأخطاء وسرعة علاجها:
فالنقد مطلب إنساني لمواجهة الانحرافات والأخطاء
.ثانيًا: النقد مشاركة من الجميع في الإصلاح:
بحيث يصبح كل فرد في المجتمع له دوره ومجاله، ولا يغدو الناس مجرد قطعان تساق، وهي لا تفكر ولا تعي
ثالثًا: النقد احتفاظ بإنسانية الإنسان:
حيث يتأمل وينظر ويعمل عقله.
رابعًا: النقد مرآة تكشف عيوب النفس:
كما أن من جوانب أهمية النقد أنه يجلي للإنسان وللأمة، وللجماعة وللدولة صفة نفسها وصورتها.
:: أنواع النقد ::
الأول/ النقد العام:
هو نقد المظاهر المنحرفة دون تخصيص، ودون أن نسمي أحدًا.
فتقول - مثلاً-: من الناس من يفعل كذا، ما بال أقوام يفعلون كذا؟، وفي القرآن كثير من هذا، ومن ذلك قوله تعالى: )وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا(
الثاني/ النقد الخاص:
وهو نقد الأشخاص، ولسنا نعني بالأشخاص الأفراد، فقد يكون الشخص المراد عبارة عن شخص معنوي -دولة، أو جماعة، أو مؤسسة-، وقد يكون فردًا بعينه.
أ/ نقد الذات:
وهذا ما يسمى بالنقد الذاتي، فيكتشف خطأه بنفسه، ويحاسب نفسه بنفسه. والنقد الذاتي مهم جدًّا؛ لأنه دليل على شجاعة الإنسان، وتحرره من عبوديته لنفسه.
ب/ نقد الغير:
يعني أن يكون النقد من جهة أخرى، سواء أكان النقد سرًّا أم علانية.
ويجب على الجميع تهيئة الفرص للنقد. وينبغي أن تتاح الفرصة للنقد البناء الصحيح الهادف بالوسيلة الصحيحة، وبالأسلوب المناسب، وبعيدًا عن أساليب الجرح، أو التنقص، أو سوء الظن، أو غير ذلك.
*خطورة غياب النقد:
إذا غاب النقد فإن البديل عن النقد الصحيح هو المديح!
وكثيرون يكيلون المديح بلا حساب، وهذا الإطراء يغر الإنسان ويغريه بأن يصر على الخطأ، كما أنه يخدع الأمة ويزوِّر الحقائق.
فقد رأى رجلاً يمدح أخاه، فقال صلى الله عليه وسلم: "ويلك قطعت عنق أخيك "
وفي حديث آخر قال النبي صلى الله عليه وسلم: "احثوا في وجوه المداحين التراب"
- فنهى عن المبالغة في المديح والإطراء؛ لأن الإطراء لا يزيد الإنسان إلا إصرارًا على ما هو عليه،
ولكن يُمدح الإنسانُ بقدر، تشجيعًا له على صواب صدر منه، واعترافًا بفضل له؛ لكن لا ينبغي أن يكون هذا دأبًا وديدنًا، كما هو الواقع اليوم في عالم الإسلام .
وللحديث بقية ..
:: فمن أراد الإستزادة .. فلينظر في مقالات أ. سلمان العودة ::
__________________