منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1

    إرادة التحدّي ... ( قصة قصيرة)*



    إرادة التحدّي ..


    قصة قصيرة
    بقلم ( محمد فتحي المقداد)*


    صُورٌ تحتلّ واجهات الغرف من بيوتنا, وقد احتلّت قلوب مُحبّيها قَبْلاً, زعماءٌ في مقدمة الرّكب أحبّتهم الجماهير فالتفّتْ حولهم, وأيقنتْ بقدرتهم على قيادة المرحلة من حياة الأمة, وذلك بعد أن أسلمَت قَيادها لهم, واستغرقت في استلهام صفاتهم والتي أضحت مع مرور الزمن قد اكتست بصبغة صوفية فيها شيء من الروحانية, والتي تتكئ على كثير من العقلانية المرتكزة على اطلاع تام بطبيعة المرحلة الوَهم, بعد أن استجرّت خطاباتهم المتكررة و المكرورة في مناسبات امتدّت على كثير من أيام السنة.
    الأمة انقسمت لأمم كثيرة كلٌّ منها اعتنق صورة زعيم أحبّه, فحفظ كل دقائق حياته اعتباراً من تسريحة شعره وعطره وربطة عنقه وشاربه ولون بدلته ولمعة حذائه وأزرار قميصه ونومه و صحوه المبكّر وساعات دوامه في المكتب السياسي الذي يعمل على حلّ مشاكل الناس, بحيث أصبح مكتباً لحلّ الخلافات الكثيرة بين مختلف الأعضاء, ومكتب تشغيل للبطالة المتفشية وتكديسها بدلاً عن الشارع والعمل الحر في مكاتب ودوائر الدولة, ويعتبر ذلك إنجازاً لا يقلّ عن تحرير فلسطين بالنسبة لهذا الحزب أو ذاك, في احتلال مراكز الدولة واقتسام نفوذها حسب الكوتا المتعارف عليها شفاهيّة. و كلّ شخص طبع صورة زعيمه في عقله وقلبه و روحه يتغنى بكلماته وخطاباته المتكررة..
    تمرّ الأيام و الجماهير تتطاحن على لقمة الخبز, وقد أنفقوا جُلّ نضالهم لحل مشكلة الازدحام على باب الفرن, والعمل على الاصطفاف بالدّور على باب المؤسسة الاستهلاكية, و مثل هذه القضايا تناقش على صعيد المكتب السياسي لكلّ حزب على حِدَة, وأصبح هناك من الأدبيات في هذا المجال تتناقلها جماهير كل حزب على أنها إنجازات كبيرة وعظيمة قد ضحوا وناضلوا من أجلها.
    بعد انتهاء حصة الدرس الثاني, رنّ الجرس إيذاناً ببدء الفرصة الأولى, خرج الطلاّب من صفوفهم باتجاهات مختلفة, فريق توجه للحمامات, وآخر للبوفيه, وآخر يركض و يلهو مع أصحابه.
    جمال اتّجه إلى رُكْنٍ منزوٍ خلف المدرسة, وقد أشعل سيجارة و التحق به خالد وأكرم ومعاذ, هذه الثُلّة من الأصدقاء هادئة متجانسة, أشعل كل منهم سيجارة إلاّ معاذ فإنه مقتنع بالضرر الناجم عن التدخين, ولذلك لم يقربه منذ فترة طويلة.
    يلتقون كل فرصة لتجاذب أطراف الحديث, و التشكّي من بعض المدرسين القساة وينتقدون المهملين منهم, ويمتدحون من يتعب معهم من أجل شرح وتبسيط الأفكار.
    لكنّ اليوم اتخذ منحىً آخر, بعد أن أكّد جمال أن والده قد أسماه على اسم زعيمه المحبوب " جمال عبد الناصر" تيمناً به, و الذي يعتبره بحق أنه زعيم الأمة العربية وينسب إليه أيام العزة وقوة العرب, ويترحم على أيامه كلّما دخل غرفة الضيوف حيث يتوقف دقيقة و هو صامت , ويسرح بخياله حتى يستعرض ما يستطيع تذكرّه من انجازاته. ومن شدّة حبه له, فقد اختار والدي أيام شبابه لقب " أبو جمال", و ما إن تزوّج حيث تأخر في مشروعه لأسباب لازلتُ أجهل جُلّها, حيث كنتُ بِكْرِه فما إن نزلتُ من بطن أمي, عمّت الفرحة على الجميع, وعجّت الزغاريد من بيتنا تعلن للحارة أن جمالاً قد أتى, حتى تكتمل فرحة والدي بفرحة أهل حارتنا له, وقد تحقق حلمه في ذريته, و فوراً لقبني ب "أبو خالد" , ضحك الأصدقاء , و قالوا : أهلا أبو خالد, لماذا لم تخبرنا بلقبك من قبل ؟.
    أمّا خالد, فقال: لقد حدّثتني أمي أن والدي كان مناضلاً في صفوف الحزب الشيوعي ومن شدّة إيمانه بقائده التاريخي" خالد بكداش" فقد أخبرها بأنه اتخذ قراره بتسميتي خالد, لأنه كان مسجوناً, وقد قدمتُ لهذه الدنيا ولم أعرف وجه أبي إلاّ من خلال صورته التي تحتل واجهة غرفتنا, إلى جانب صورة الزعيم المؤسس والذي تربع على قمة هرم الحزب منذ التأسيس حتى وفاته, ومن ثم أورث الحزب لزوجته وبعد وفاتها أورثته لابنهما, رغم الانشقاقات العديدة عن الحزب الأم, وانفضاض رفاق الدرب إلى درب آخر, ولكنه بقي ممسكاً بتلابيب القيادة.
    بينما أكرم حدّثهم بأن والده كان ممن أحبّ بجنون " أكرم الحوراني" الذي كان يرى فيه القائد الجريء و المُخلّص, وعلى اعتبار أنني أصغر الأبناء في عائلتنا, فقد أطلق اسم أكرم عليّ في فترة تلاشي فيها الكثير من الخوف, حتى لا ينقطع ذكر الحوراني من ذاكرة أبي على الأقلّ, بصراحة لم يكن أبي يعلق صورة للزعيم في البيت رغم حديثه في كل فترة عنه, و قد اختار اسمي أكرم تيمناً, و في إحدى المرات تناولت كتاباً من مكتبة أبي, وما إن فتحته حتى وقعت عيناي على صورة بالأسود والأبيض بحجم الكف, تأملتها باهتمام بالغ, ولم أتبين من هو صاحبها, حتى خلتها لأعمامي أو أخوالي أيام شبابهم, وفي هذه الأثناء دخل والدي فرفعت الصورة في وجهه الذي تهلل لها, وسألته عنها وما هو سرها أنها مخبأة في بطون الكتب؟ حاول التملّص بداية, والتمويه بأن ذاكرته لا تسعفه في تذكر صاحبها, و أمام إلحاحي و إصراري, ولمّا لم يكن بدٌّ من الإجابة, فأوصاني بعدم التحدث عن سرّها لأحد, لأنه مجرد حيازتها جريمة, ممكن أن تكلّف ممن تضبط معه حياته, ويصبح في عِداد كان, بعد أن تنسب له تهمة اليمين العفن والرجعية.
    الحمد لله في بيتنا لا توجد أية صورة لأن الصور والتصوير حرام, هذا ما قاله معاذ وتلا عليهم الآيات والأحاديث النبوية التي حفظها عن والده بتحريم الصور بشتى أنواعها , وأكدّ حفظها بعد أن قرأ كُتيّباً متخصصاً في هذا الموضوع, ولا زلت أذكر يوم أن أخرج والدي كلّ ما لديه من صور إلى جانب البيت وأضرم بها النار وهو قد أطلق رصاصة الرحمة على جزء من تاريخه وتاريخنا, حيث أنني نسيت شكلي في صغري الذي كان موثقاً في الصور التي لقيت حتفها على يدي أبي بعدما أطلق لحيته ولازم الجامع وقراءة الكتب الدينية.
    أطفؤوا سجائرهم و توجهوا مهرولين لقاعة الدرس, عندما رن الجرس الكهربائي وهو الإنذار لبداية حصة جديدة, والويل والثبور لمن يتأخر أو يتهاون, فالإدارة صارمة في تطبيق النظام, في الفرصة الثانية لم يلتقوا حيث أن المدرس تأخر حتى ينهي فقرة مهمة في الرياضيات, و انتهت الربع ساعة وهي وقت الفرصة, ولم يخرج مدرس الرياضيات إلا حين دخول مدرس التاريخ للحصة الخامسة.
    عند انصرافهم في نهاية الدوام, توقفوا قليلاً عند باب المدرسة وعقدوا العزم على إتمام مناقشة موضوعهم على الأنترنت مساءً, وذلك من خلال غرف الدردشة.في الثامنة التأم شملهم, و اتخذ حديثهم في هذا المساء طابع الجدية ويبدو أنهم وجدوا أنفسهم على مفترق طرق, جدير بهم أن يشاركوا مناقشة ما كان من حياتهم و مستقبلهم, وأين سيكون طريقهم من طريق آبائهم.
    وكثرت الطروحات والنقاشات, وأخيراً استنتجوا بالإجماع, أنهم لا يمكن أن يكونوا صورة عن آبائهم التي تخلّت عن حريتها لصالح زعيم اعتقدوا أنه الأوحد و الأجدر, بينما ألقوا على عاتقه كل مشاكلهم, والتي لم يُحلّ منها أي شيء, وأخيراً توصل الآباء لنهاية الطريق فوجدوها مسدودة, وقد استولى عليهم اليأس و الإحباط, وكانت معزوفة الاستعمار و الصهيونية والرجعية والإمبريالية, هي التي سدت الطريق, حتى الخلافات الزوجية اعتقدوا أن مرجعها هذه الإيقونات التي أصبحت مشجباً لكل مشاكلنا, فإذا تزاحمنا على باب الفرن فالسبب يعود للاستعمار, وإذا لم يتقدم الدور في مكتب تشغيل البطالة منذ سنوات فله المبرر نفسه.
    حلقة مفرغة أصبحت مدار حياتنا, وهي آخر كلمة قالها جمال أبو خالد...
    آباؤنا فشلوا.. هذا ما قاله خالد ..
    يا شباب نحن الذين سنغير وجه التاريخ.. قال أكرم.
    لما تركت الأمة درب ربها وابتعدت عن طريق الله, سلّط الله علينا الأعداء.. ختم معاذ السهرة..
    باي .. باي.. شباب.. إلى اللقاء غداً في الفرصة الأولى.. الآن الساعة الحادية عشر بحق أن ثلاث ساعات أرهقتنا. تصبحون على خير, وأغلق كل منهم حاسوبه.

    ----------------------- انتهى

    بصرى الشام
    الأربعاء 22 \ 8 \ 2012 م

  2. #2
    قصة بطعم المقال..
    مرور سريع وتحية
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
    قصة بطعم المقال..
    مرور سريع وتحية

    تحياتي لك استاذة ريمة ..
    سعدت بمرورك

المواضيع المتشابهه

  1. إرادة الأسرى تهزم سياسات الاحتلال العنصرية
    بواسطة غسان مصطفى الشامي في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 09-17-2015, 03:37 AM
  2. إرادة القوة: محاولة لقلب كل القيم - فريدريك نيتشه
    بواسطة جريح فلسطين في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-05-2014, 11:41 AM
  3. إرادة التحدّي ..
    بواسطة محمد فتحي المقداد في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 09-02-2012, 05:07 PM
  4. التحدّي الإبداعي
    بواسطة أسماء سمارة في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 12-25-2010, 09:25 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •