مـُثـْقـَلٌ بالصَّمـْت ِ

تـَ
عَالـَيْ،حفيفُ الوردِّ يَهمِسُ للندى=بأوراقــِنا أبكى الصباح َ وأسعدا
أتـَنـْسَيْنَ في بيَّارةِ النـَّجم ِ لوزة ً =تـَصِدُّ بأنياب الشتاءِ مَنْ اعتدى؟
دُخَانُ الأماني ملَّ حرقَ مشاعري.=بقيثار مَنْ أشكو وعودي تجمَّدا؟
إذا اختل في شدوِّ الغريزةِ موطنٌ=فلن يـَضْبـِطـَ التـَّهْجـِيْنُ طيرا تـَهَوَّدا
5ـسبيلي فضائيُّ الطـِّباع ِ،تبعثرتْ=عليه طباشيرٌ ،وعلمٌ تبددا
كـَأنَّ انحباسَ الآه ِ يَعْصِرُ غيمة ً=بصدري،فيعلوه الضَّجيْجُ تـَنَهُّدا
تآكلَ همسي من جِياع ِ هواجسي=وديوانُ لحمي بالأضاحي ترددا
ومن أيِّ مصباح ٍ أسيرُ،عروبتي=أراها بزيتِ العلم لِلِّدفْءِ موقدا
بجنبي عـُواءُ الذنب ِ يطفو كأنـَّه =غبارُ المعاصي بالضمير تـَمدْدا
10ـ وتـَبدو بأعصابي المِهارُ ،وتختفي=جنودٌ ، ونبضي بالعراء ِتجلـَّدا
فهذي بحطين ٍ ، وتلك أميَّة ٌ=وهارونُ بالمحصولِ مُزنا توعَّدا
نزفتُ اليتامى يابنة الشعر فاحفظي=رمادُ القوافي من ضلوعي تولَّدا
أعيدي لثوب ِالشعر ِعيدا وصبية ً=وأغرودة ًتبدو على الثغر موعدا
أيا أرضُ في كـَفِّي الصقيعُ، وبيدري=عفيفُ الصبايا،والمناجلُ لا يدا
15ـ أهاجرُ عن شوق ،ٍ إليك ، وأحتمي=بتاريخِك المزروع ِ في تربةِ الهدى
وتسرحُ في نهريـِك غزلانُ ريشتي=فأرسِمُ أطفالا تعانقُ مولدا
ألا فارتعيْ بالنـُّور ليلي مـُقـَيـَّدٌ=بمنطاد ِ هَمٍّ يذرعُ السُّهْدَ مـَقـْصِدا
فـُلولُ الكرى تـَمـْتـَصُّ أهدابَ حـَيرتي=وتأتي بأنقاض ِ العيون ِلترصدا
وكيف يـَفـُضُّ البدرُ خِدرَ غـَمامةٍ=إذا قامَ من حِضْن ِالكوابيس ِمـُجْهَدَا؟
20ـ سـُؤالي بضوضاء الإجاباتِ عالقٌ=أنومٌ ؟وملحُ الكبرياء توقـَّدا ؟؟
إلى عثرة ِ التـَّقسيم ِ شرقي مسافرٌ=وغربي بناب ِ الرِّيْح ِ باتَ مهددا
وفي جسدي قابيلُ وارى جريمة ً=وأعلن: يا للثأر مني، وأزبدا
تنوسُ على دربِ انكساري قبيلة ٌ=وخطوي بـِسَلـْسَال ِ الحدود ِ تقيـَّدا
فأقسمتُ إنَّ الضعفَ للنفس آفة ٌ=وإنَّ اقتلاعَ الدَّاءِ يستوجبُ المـُدى
25ـ إذا الليلُ لم يَغـْسِلْ سنابكـَه الفتى=بماء ِالهدى، فالضوء لن ينشرَ الغدا
هنالكَ صَلصَالٌ، تـَمَلـْمَلَ فاستوى =ببابلَ فكرا أيقـظَ الطينَ معهدا
تهادى كتاباً، دفـَّتاهُ رسالة ٌ=ومـِرساتــُه غارٌ ببحر تهجـَّدا
وآياتــُه في مِعطفِ الدهر ِ عـُرْوَة ٌ=لشمس تـَخيط الرملَ للسلم مُنـْتـَدى
30ـ وقامتْ بملءِ العزم ِ للفخرِ أمة ًٌ=بمحرابـِها الإنسانُ قلبا تأبجدا
أراقبُ عَبْرَ الشمس أرجوحة َ الضحى=عليها ظباءُالبال ِمااغزوزلتْ سُدى
عصا الغابِ شقـَّتـْها بمنهاج فتيةٍ=رجالٌ بَنَوا للشهبِ مقصورةَ َالمدى
يذوبُ ارتجافُ الظنِّ في صلواتِهم=وفي كفِّهم بات الدعاءُ مُوَحَّدا
أما عانقتْ بالعلم راياتُ فكرهِم =صحارى،وكان الجهلُ فيها المُسيـَّدا؟
35ـ بطعم ِانغماس البـِشـْربالمزن أعشبتْ=نفوسٌ لها يجني التضامن ُ سـُؤدَدا
يرىالبحرُمجدافَ الخلاص بطارق ٍ=يـُُثـِيْرُ بحرفِ النَّارِ ما يـُفـْحِمُ الرَّدى
يُرَقـِّعُ أشلاءَ المحيط ِ بنورس ٍ=عليه جـَناحُ الكون ِ يـَخـْفـِقُ مسجدا
وينهضُ صوتٌ مارأىالغربُ فاتحا=سوىالعُرْب ِعدلا، في دساتيرهم شدا
تمطـَّى زكامُ الطَّيْشِ فوق رؤوسِنا=وأسدلَ أشباحَا ينوءُ بها الصدى
40ـ ودبـَّتْ بأطرافِ النفوس ِ خطيئة ٌ=وكلُّ فريق ٍ عـَشـْوَ غابتـِه حدا
أصيلي هشيمُ القدس يخبو هلالـُه=وعيدي عراقٌ بالضباب ِ تلبَّدا
وفي مُنتدى الأمجاد حِبرٌ مجففٌ=أراهُ، وسيفٌ بالزخارف أغمدا
وخلف انتشار الجُرح ِ ضاعتْ هُويتي=وشاخت عزاءً، يجعلُ الصَّبْرَ مُقعدا
كسرتُ قوانينَ الدُّمُوْع ِ تـَيـَمـُّنـَا ً=بطفلٍ رَعَتـُهُ الضادُ، فاختال فرقدا
أميطوا عن الزوراء بوما فإنـَّها=خميلة ُ آمال ٍٍ يـَقـِيْلُ بها الندى
إذا انزاح عن صَدرِ الجياع رغيفـُهم =تـَحـَدُّوا بقمحِ ِالذات ِ صاعا وسيِّدا
47ـ أيا بَحرُ للطغيان ِسـِيْقـَتْ مراكبي=أمَا آنَ للأيتام ِ أنْ تتوحدا؟؟؟
ـــــــــــــــ

الرؤية النقدية:
القصيدة على البحر الطويل.
العنوان يشي بألم يحدو الشاعر..وصمت يحرقه...نستشفها من كلمة مثقلٌ.
ابتدأت كما عادة القصائد التي نألفها بالتصريع وتوحد القافية بين الشطرين.
يبدأ شاعرنا أبياته بهذا البيت:
تـَعَالـَيْ،حفيفُ الوردِّ يَهمِسُ للندى=بأوراقــِنا أبكى الصباح َ وأسعدا
إنه يطلب أنس النفس ولوعة الحرمان..إنه يبكي كل صباح على حاله وينادي من يسعده؟
يخاطب في البيت الثاني ربما أنثى..ويشكوا لها نفسه يكملها في الثالث ..وعمره يشكو السنين فهل من سامع للنداء؟
في الرابع والخامس غربة مشاعره ..ووحدتها...وفي الرابع يشكو كيف سرقت مهنته عمره وسني شبابه...
وتستمر الأبيات في شرح مشاعره تجاه مواد يدرسها بنفسه الأبية المحبة لأمته وتاريخها وعلمها وومشاعلها المعرفية
ليختم بالأبيات العشرة الأخيرة حسرة في داخله عما جرى لواقعه المؤلم.
نلمس موضوعا مشاعره غاية في الإخلاص والمحبة والرقة والصدق...وتبوح الأبيات بطريقة تمس مشاعر معظم من يقرأها..لأنها تمسك حبلا نحسبه واهيا وهو من القوة مايجعلنا نقرأ ونحن مشدودين له تماما وبكل الأبيات مهما طالت.
لغة القصيدة:لغة قوية سهلة ممتنعة لا تستعصي على القارئ-سلسه ومريح’ في تدرج النص وكشف خفاياه النفسية.
الصور والبلاغة
يختار الشاعر ألفاظا قوية ذات دلاله عميقة تؤدي المعنى بمهارة ..وحتى لو لم تسعف القارئ لمعرفة المعنى تماما فالصورة البيانية للنص أو البيت تساعد القارئ على إتمامها خالصة وأن المعنى قريب من المتلقي وهذا ماعهدناه في شعره.
وربما أخذنا عليه عدم إفراده وفي آخر القصيدة حقلا لتوضيح ماخفي من معاني الألفاظ وماأقلها.
تحوي القصيدة مستوى عالٍ من البلاغة وخاصة الصور المحلقة والتي تثبت قوة وجذور قوية لشاعر يعرف طريقه لقلب القارئ وعقله, غنية وكثيرة حتى نحار أيها أجمل أو أدت مافي مخيلة الشاعر من رؤى .
مثال:
10ـ وتـَبدو بأعصابي المِهارُ ،وتختفي=جنودٌ ، ونبضي بالعراء ِتجلـَّدا
وآياتــُه في مِعطفِ الدهر ِ عـُرْوَة ٌ=لشمس تـَخيط الرملَ للسلم مُنـْتـَدى
20ـ سـُؤالي بضوضاء الإجاباتِ عالقٌ=أنومٌ ؟وملحُ الكبرياء توقـَّدا ؟؟
ومثال ذلك كثير في قصائد شاعرنا الكبير ...تدل على إبداع متأصل وفيض معاني تزدحم في مخيلة غنية معطاءة ومشاعر قمة في الحساسية مرهفة ومتجاوبة طيعة مع قلمه الواثق.

المعاني:

تحمل قصائد شاعرنا كقاسم مشترك مهارته في مزج ألمه بقضاياها عامة وهنا نجد مهارة تتجاوب مع شعراء في العصور العباسية وخاصة البحتري كمثال وليس متشابه ...فقد وصل شعراؤنا حديثا إلى الفاظ سهلة غير متعبة في الإلقاء,
صور مستحدثه رهينة واقعها..وقد وجدت فعلا أن ماقدمه شعراؤنا في عصرنا الحدبث سبق بأشواط كبيرة ماقدمه الشعراء العرب ومضرب المثل.
من خفة في القصيدة وسهولة تناول مع معاني متدرجه لتوصل المتلقي لما يبغي الشاعر وإن كان هذا شيء متعارف عليه في ذاك الزمان فهو في زماننا غدا مهارة قليلة..فالشاعر بشكل عام تفهمه من أوائل أبياته أو من عنوان نصه.
لكنه استطاع أن يرسم لوحة فعلا تخصه كبصمة ومقدرة فائقه قل من استطاع الوصول إليها.
نعطي أمثله ولا مقارنة حقيقة ولكن لمزيد من الإقناع
القاسم المشترك كخفة الوزن سهولة القصيدة في التناول:
الشقيقة فاللوى فالأجرع ( اليحر الكامل)

بَينَ الشّقِيقَةِ ، فاللّوى، فالأجْرَعِ، دِمَنٌ حُبِسْنَ على الرّياحِ الأرْبَعِ
فَكَأنّمَا ضَمِنَتْ مَعَالِمُهَا الّذي ضَمِنَتْهُ أحْشَاءُ المُحِبّ الموجَعِ
لَوْ أنّ أنْوَاءَ السّحابِ تُطِيعُني لَشَفى الرّبيعُ غَليلَ تِلْكَ الأرْبُعِ
مَا أحْسَنَ الأيّامَ، ِإِلاَّ أنّهَا يا صاحِبيّ، إذا مَضَتْ لمْ تَرْجِعِ
كانوا جَميعاً، ثمّ فَرّق بَيْنهُمْ بَينٌ كَتَقْوِيضِ الجَهام المُقلِعِ
مِن وَاقِفٍ في الهَجْرِ ليسَ بِوَاقِفٍ، وَمُوَدِّعٍ بالبَيْنِ غَيرِ مُوَدِّعِ
وَوَرَاءَهُمْ صُعَدَاءُ أنْفاسٍ، إذا ذُكِرَ الفِرَاقُ أقَمْنَ عُوجَ الأضْلُعِ
أمّا الثّغورُ، فقَدْ غَدَوْنَ عَوَاصِماً لِثُغورِ رَأيٍ، كالجِبالِ الشُّرّعِ
مَدّتْ وِلايَةُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمّدٍ سُوراً على ذَاكَ الفَضَاءِ البَلْقَعِ

نرى كيف كان شعراؤنا قديما ترجح لديهم كفة التملق أو المديح لبلاط الخلافة ..بينما في عصرنا الحالي تغلب عليه الحسرة لمجد تاه وغاب ...بصرف النظر عن فيض الشعر الوجداني والذي اتخمنا به.
وربما وجدنا شاعرنا ولا تشابه أقرب إلى أبي تمام في طريقة طرحه للغرض الشعري:
السَّيْفُ أَصْدَقُ أَنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ

السَّيْفُ أَصْدَقُ أَنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ
بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ
والعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَة ً بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافي السَّبْعَة ِ الشُّهُبِ
أَيْنَ الروايَة ُ بَلْ أَيْنَ النُّجُومُ وَمَا صَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فيها ومنْ كَذِبِ
تخرُّصاً وأحاديثاً ملفَّقة ً لَيْسَتْ بِنَبْعٍ إِذَا عُدَّتْ ولاغَرَبِ
عجائباً زعموا الأيَّامَ مُجْفلة ً عَنْهُنَّ في صَفَرِ الأَصْفَار أَوْ رَجَبِ
وخَوَّفُوا الناسَ مِنْ دَهْيَاءَ مُظْلِمَة ٍ إذا بدا الكوكبُ الغربيُّ ذو الذَّنبِ
وصيَّروا الأبرجَ العُلْيا مُرتَّبة ً مَا كَانَ مُنْقَلِباً أَوْ غيْرَ مُنْقَلِبِ
يقضون بالأمر عنها وهي غافلة ما دار في فلك منها وفي قُطُبِ
لو بيَّنت قطّ أمراً قبل موقعه لم تُخْفِ ماحلَّ بالأوثان والصلُبِ

ماعسانا أن نقول نهاية؟
شاعرنا لا يشبه الا الشاعر محمد إبراهيم الحريري ذو الريشة المخملية السابحة في حب ربها تقطر ورعا وتقى.
شاعرنا يحق لنا أن نقول عنه
الشاعر الحريري الكبير ذو الأبيات المخملية...
فما عسانا نلقبه؟ ملك الشعر؟ أم شلاله؟ أم شاعر المحبة والتقى؟
أخيرا أرجو أن أكون قد وفقت
رؤيه الكاتبة
ريمه الخاني