القمح في ذاكرة حوران


حديث التراث
بقلم( محمد فتحي المقداد)*




يعتبر القمح هو المحصول الرئيسي الذي تنتجه حواران التي تعتبر سلة غذاء وصمّام أمان للبلاد غذائياً, حيث تعمتد على زراعته على مياه الأمطار( الزراعة البعليّة) في معظم نواحي حوران, ما عدا قسم قليل من أراضيها مروية, ويعتبر قمح حوران من الأصناف الممتازة في صناعة المعجنات والحلويات لقساوة لبّه, وهو معدذ للتصدير, وقد قيل قديماً:" حوران أهراءات روما". أي خزان ومستودع الغذاء, لما تختزن فيها من الخيرات والخصب والنماء.

طقوس الموسم :
يتأخر حصاد القمح إلى منتصف الصيف حتى تصفّر كامل النبتة, ويصبح كالذهب المتلألئ الذي تتباهى به العروس الجميلة, وتمتد فترات الحصاد كثيراً إلى ما بداية تشارين, وذلك في سني الخير.
و البيادر هي الميدان الثاني بعد الحقول والأراضي التي تستهلك كثيراً من الجهد لاستخراج حبة القمح.
بالطبع كان الفلاّحون يبيعون قسماً من إنتاجهم للتجار لسداد حاجياتهم المعيشية ويحتفظون بحاجتهم للمونة تكفيهم ايام السنة حتى يحين الموسم الجديد.
و الذي يهمنا هنا هو القمح المعدّ للأكل والطعام:
- في الصيف حيث الدفء والشمس تقوم النساء بعملية تصويل
( الصّويل) أي تنقية القمح من الشوائب بواسطة المياه, وهذه العملية تحتاج للفزعة و المعونة من الأهل والجيران والأقارب, بعد هذه العملية ينشر القمح المُصَوّل على أسطح المنازل المجبوسة بالطين الأحمر والملساء يأخذ منظرها بالقلب لجماله. وذلك من أجل تجفيف القمح للحفاظ عليه خوفاً من فساده لأن فترة التحزين في الكواير وهي مفرد كوارة , حاضنة كبيرة مصنوعة من الطين بشكل مستطيل ترتفع للأعلى لها فتحة من الأعلى وفتحة من الأسفل التي ينزل منها القمح بمجرد فتحها.
بعد تنزيل الصويل عن الأسطح تاتي مرحلة السرّب و هو التنظيف بواسطة اليد وهي عملية متعبة ومضنية لأنها بالحاجة للجولس الطويل ولعدة أيام.
والغرفة التي تكون بها الكوارة, ويخزن بها القمح وباقي الحبوب, يسمى بيت الخَرِجْ أو المونة.
عندما يحتاجون للطحين يفتحون باب الكوارة ويستخرجون حاجتهم يعبئونها في أكياس القنب والخيش ويأخذونها على ظهر الحمير للمطحنة التي كانت تدار بالرحى قبل ظهور محركات الديزل.
ومن القمح يكون الخبز وكافة أنواع المعجنات والحلويات بأنواعها المختلفة والكثيرة. ومن ذلك :

الفريكة: يجنون القمح الأخضر عندما تمتلئ سنابله ويشوونه بالنار, بعد ذلك يجمعون السنابل المشوية المحروقة القشور الخارجية, ويقومون بفركها وتحضيرها لاستخراج حبات القمح الجميلة بلونها الأخضر الموشح بالسواد, ويجرشونها حتى تصبح حبيبات كالبرغل, وأكلة الفريكة مرغوبة جداً وخاصة في المناسبات, ويضربون المثل في ذلك بقولهم: ( ديك وفريك ) أي أنها وجبة معتبرة لضيوف أعزاء.

البرغل: يقومون بسلق القمح أولاً حتى ينضج ويطيب بواسطة أواني كبيرة جداً معدة لمثل تلك الأعمال تصطف على موقد, توقد فيه الجَلّة و الحطب, وهذه المرحلة يسمونها سليقة, وهي مرغوبة للأكل ساخنة ومنهم من يرش عليها قليلاً من السكر, وفي غير هذه المواسم يسقلون للأطفال الصغار حتى تنمو الأسنان الأولى في أفواههم, وهو طقس متعارف عليه يأخذ طابعاً احتفالياً , ويوزعون السليقة على الجيران في الحارة, وبعد مرحلة السلق للقمح ينشر على أسطح المنازل المجبوسة بالطين الأحمر حتى يجف جيداً وتخرج الرطوبة و بعد ذلك يخضع القمح الذي أصبح سليقة لعملية سرب وتنظيفة بدقة وتحضيره للمرحلة القادمة التي يصبح فيها برغل بعد جرشه.
والبرغل المجروش على نوعين الخشن وهو البرغل الذي يصلح للطبيخ والناعم قليلاً وهو الرفيعة والتي تستخدم من أجل الكباب المحشية, ويعتبر البرغل هو الطعام الرئيسي للفلاحين فيما مضى وقد قالوا عنه : ( البرغل مسامير الرُّكَبْ )* أي يعطي الطاقة والقوة للجسم وهناك بعض الناس من فضلوا الأرز على البرغل, وقد قالوا في ذلك: ( العز للرز والبرغل يشنق حالو)* رغم أن لكل نوع منهما مذاقه الخاص, ومن البرغل انبثقت مجموعة من الطبخات والأكلات وهي :

المجدّرة
أكلة شعبية منتشرة على نطاق واسع ويطلقون عليها مسامير الركب لأنها تمد الجسم بالقوة , وهي مكونة من البرغل والعدس الأحمر الصحيح, حيث يطبخان غي آنية واحدة وبعد النضج تفرد في غناء واسع ويوضع على وجهها البصل المقلي بزيت الزيتون الأصليز

المليحي
وهو وجبة رئيسية وخاصة في كافة مناسبات أهل حوران, والمنسف الحوراني مشهور, وهو رمز الكرم و الضيافة العربية الأصيلة, والمليحي هو طبيخ البرغل المطبوخ بمرق اللحم بعد ذلك يوضع في المناسف( أواني نحاسية واسعة) بعد دعكه حتى يتجانس ويفرد على كامل المنسف , ومن ثم يوضع على وجهه قطع وكردايش اللحم الناضج والكبة المقلية والمرق من لبن الجميد( الكثي) وأخيراً يصب السمن العربي والمسخن جداً حتى يصدر له صوت( الطشطشة) .

الكشك : برغل يطبخ حتى ينضج ثم يوضع فوقه اللبن الرائب وذلك لعدة وجبات وعدة أيام, ويمزجونه حتى يتجانس مع الملح, وفي كل يوم يخلط حتى يتشرب البرغل اللبن, بعد ذلك يكون جاهزاً للتجفيف في الشمس بعد أن يضعونه على شكل قطع كأقراص وذلك حتى تذهب رطوبته ويصبح جافاً, بعد ذلك يفركونه, يجعلون منه قسماً خشناً مخصص للفطائر , وقسم يطحنونه حتى يصبح كالطحين ويطبخ كالشوربة, وخاصة في أيام الشتاء .



أنواع الخبز

- خبز فرن التنور وهو الرغيف السميك قليلاً وقطرة ما بين 30-40سم, بينما هناك النوع الآخر والأقل شيوعاً

- خبز الشراك الرقيق الذي يتماثل مع الورق في رقته البعض يطلق عليه اسم الرقاق, وهذا الذي شائعاً في بيتنا.


- الطراميز قديماً وقبل أجيالنا كان الفلاحون يأكلون خبز الشعير والذي يطلقون عليه طراميز وذلك في سني القحط والجفاف التي لها التأثير الكبير على حياتهم التي صبغت بالقسوة.

- القراص( خبز العيد) وبالطبع لخبز العيد الذي ننتظره بفارغ الصبر مذاق وطعم خاص ولا يصنع هذا النوع إلا في الأعياد كعيدي الفطر والأضحى حيث يوزع على الأهل والجيران والأصدقاء, وهذا متبع كعادة حيث كل البيوت لا بد لها أن تخبز لتقوم بإرسال مجموعة من الأرغفة ومعها علب الراحة للأرحام وهي فرصة للتواصل فيما بين الأهل, ولكن هناك بعض البيوت لا تصنع خبز العيد, وذلك عندما يكون الحزن قد حل بديارهم بسبب وفاة أحد أفراد العائلة فمن باب الحداد عليه لا يخبزون القراص والذي هو في نوعيته يختلف عن الخبز المعتاد في الأيام العادية من حيث مواد الأولية التي تضاف للطحين كحبة البركة والسمسم و الشومر و اليانسون, وبعد تقطيع العجين يطبع على قالب خاص فيه نقوش ويدهن قليلاً بالزيت ومن ثم يوضع في الفرن لتقلعه الخبازة بواسطة تلك القطعة الحديدية المعقوفة الرأس وتسمى المقلاع, وبعد أن تخرج الخبز تكون هناك امرأة أخرى تدهن الخبزبزيت الزيتون الأصلي وتنسقه

أنواع المعجنات الشعبية: وكلها من ناتجة أصلاً عن مادة القمح, ومن الخير أن تكون هذه في نفس السياق حتى تعمّ الفائدة.

- فطاير الكشك : من الأطعمة الشعبية والمحببة على نطاق واسع في حوران هي فطائر الكشك, والمادة الرئيسية هو الكشك, والذي هو عبارة عن برغل يطبخ وبعد نضجه يوضع فوقه اللبن الرائب عليه لعدة أيام حتى يمتزج ويتشرب اللبن ويملح بشكل جيد, وبعد ذلك يجعل على شكل أقراص أو كتل صغيرة, ويجعل تحت الشمس حتى يجف لعدة أيام, بعد ذلك يفرك حتى يكون قطعاً صغير بحجم حبة الحمص, وعندما يريدون صنع الفطائر ينقع في الليل بالماء حتى الصباح ويفرم معه البصل و البندورة ومن ثم تخبز وبعد ذلك يدهن وجهها بالسمن العربي أو زيت الزيتون البلدي.

- فطائر القرع مع اللبنة : القرع وه ثمرة اليقطين تفرم ويوضع معها البصل وكرات اللبنة بعد أن تفتت ومن ثم تخبز وبعد ذلك تدهن بالسمن العربي أو زيت الزيتون البلدي.

- فطائر الخبيزة و المرار: المُرّار نبات موسمي في بداية الربيع و كذلك الخبيزة, بعد تنظيفهما من الشوائب والفرم مع البصل ومن ثم تخبز وبعد ذلك تدهن بالسمن العربي أو زيت الزيتون.

- فطائر العكوب : العكوب هو كذلك نبات موسمي من النباتات البرية و يجنى من الحقول بواسطة آلة حادة تسمى العبوة وهو عبارة عن سوق مثل الجذور ينمو في باطن الأرض بشكل طولي, وله شوك كأوراق ممتدة بشكل طولي, بعد استخراجه ينظف من ألأشواك ويأخذ الساق الأبيض, ويفرم ويطبخ مع البصل والبهارات ومن ثم يوضع داخل أرغفة العجين تمهيداً لخبزه في الفرن أو على الصاج, وبعد ذلك تدهن بالسمن البلدي أو زيت الزيتون وحسب الرغبة.

- المسافن حيث بعد أن يرق العجين يوضع بداخلها السكر الجاف مع السمن العربي أو زيت الزيتون وتطوى عليه أطراف العجين حتى تصبح مغلقة وتخبز بعد ذلك .

- اللزاقيات وهي من الأكلات الحورانية حيث تصنع على الصاج بعد أن يعجن الطحين ويكون رخواً أقرب إلى اللزوجة ومن ثم يصب على الصاج ويملس باليد قليلاً ومن ثم تقلعه ليبقى طرياً ومن ثم يوضع في الصينية فوق بعضه ويصب السمن العربي على كل واحدة ومن ثم السكر لتصبح طيبة المذاق.

- المحشوك: نبات الكرّاث بعد أن ينظف ويفرم وتوضع عليه البهارات والملح وتكون العجينة جاهزة التي تمزج مع الكراث, ثم ترق , وتوضع في الفرن حتى تنضج.

- قرص مطابق : تعجن قطع صغيرة من العجين الجاهز بالسمن العربي والسكر, ومن ثم تفرد وتوضع على رقاقة من العجين واسعة ومن ثم ترص عليها القطع الصغيرة المعجونة بالسمن والسكر ويوضع فوقها رقاقة عجين أخرى حتى تصبح مغلقة كالفطيرة, ومن ثم تدخل فرن التنور حتى تنضج وكانت تعتبر كالحلوى بالنسبة لمن يتذوقها .

- بُرقاقه: من الأكلات النادرة المحببة للكثير من الناس و تزال مرغبة عند الكثير, وهي عبارة عن عجين يرق ويجعل في طنجرة نحاس طبقة في الأرض, ويوضع الزيت عليها مع الدجاج أو الزغاليل صغار الحمام بعد توضيبها بالبهارات والملح ويوضع طبقة أخرى من العجين ثم يوضع عليها البصل و البطاطا مع البهارات ويصب عليها الزيت ثم تغلق بطبقة من العجين ثم توضع طبقة الدجاج ثم تغلق بطبقة من عجين ويوضع عليها الزيت والبصل و البطاطا ثم توضع فوقها طبقة عجين أخيرة, وتوضع الطنجرة في الفرن حتى تنضج بشكل وتأكل بعد أن تفرغ من طنجرتها وتقسم بالسكين أو تقطع باليد.

- الزلابية : طحين يعجن ويكون رخواً قيليلاً, ويمزج مع البيض ويغمسون نبتة العكّوب بالمزيج, وتوضع في المقلى, حتى تحمّر وهي من الأكلات اللذيذة الموسمية فقط في أيام الربيع.

- المعيسة: من المأكولات الشعبية اللذيذة في بيئة حوران, وهي تعتبر من الحلويات, وتتكون من خبز الفرن ( الطابون) الساخن يفتت على شكل قطع, ثم يضعون عليه السمن العربي ويعجن بالسمن مع السكر, حتى يصبح متجانساً, ثم يقدم للأكل, وهي مأكولات الصباح.
- الحلاوة الحمرا: طحين يقلب مع السمن العربي حتى يتحمّر ثم يصب عليه الماء مع السكر, ويطبخ قليلاً حتى يتماسك قليلاً ويوضع في الصحون يوضع على وجهه الجوز الناعم المقلي بالسمن, وهي تعتبر من الحلويات الشعبية.
-------------- انتهى
بصرى الشام 25-10-2011