أسماك القرش
كائنات تميل الى العزلة
ترجمة: علا ابراهيم صادق
يعود تاريخ أحافير سمك القرش الى اكثر من 300 مليون عام قبل وجود الديناصورات، وبقيت سلالات قليلة من القرش محتفظة بالصفات الجسمانية الاساسية التي توارثتها لاكثر من 150 مليون عام.
ويعزي العلماء طول أعمار اسماك القرش الى التطورات الفسيولوجية التي تمر بها هذه الكائنات التي تتمتع بصفات خاصة تتيح لها فعالية عالية سواء في الحصول على غذائها والبقاء على قيد الحياة.
ويوجد اكثر من 400 سلالة مختلفة من اسماك القرش، وهي تتنوع في الاشكال والأحجام. لكن 50% منها يبلغ طولها أقل من متر. وتتميز معظم اسماك القرش بهياكل غضروفية. والغضروف قوي كالعظام لكنه أقل كثافة منها، ما يجعل اسماك القرش خفيفة الوزن، كما انها لا تغوص في أعماق المحيط، ولا تحتاج الى أكياس هوائية كباقي الاسماك.
كما تتميز اسماك القرش بملمس فريد، وليس لديها حراشف كبيرة كما هو الحال عند الاسماك العظمية، ولكن لديها حراشف صغيرة على هيئة نتوء سني يوفر لسمك القرش الحماية، كما ان النتوءات تخفف من شدة التيارات المائية.
وكباقي الاسماك، يتنفس القرش الاكسجين الذائب في الماء، حيث يدخل الماء من الفم ويمر عبر الخياشيم ومن ثم يطرد من شقوق خيشومية طولية توجد خلف الرأس. وخياشيم سمك القرش غير مغطاة مثل باقي الاسماك.
ولدى بعض اسماك القرش مضخة خيشومية، وهي عبارة عن مجموعة من العضلات التي تساعدها على عملية التنفس، فضلاً عن قدرتها على جمع الاكسجين وهي في وضع ثابت ومستقر.
والمعروف ان معظم الاسماك العظمية لديها أكياس هوائية خاصة تساعدها على السباحة بسهولة، وعندما تتنفس تنقل جزءاً من الاكسجين الى تلك الاكياس الهوائية، مما يزيد من قابلية الطفو لديها، وعندما ترغب في الغوص الى الأعماق فإنها تطرد بعض الاكسجين من أكياسها الهوائية مما يقلل من قابليتها للطفو.
زعانف
تمتلك اسماك القرش مجموعتين من الزعانف على الجانبين. وتستطيع وضع تلك الزعانف في زاويتين مختلفتين لتغير تيار الماء المار من خلالهما. ولديهما ايضا واحد أو اثنان من الزعانف الظهرية العمودية، او زعنف عمودي اسفل الجسم. وتعمل تلك الزعانف مثل الاجنحة على حفظ التوازن عند التحرك.
ويعطي هذا النسق الزعنفي لسمك القرش القدرة المذهلة على المناورة، الى جانب السباحة بسرعة كبيرة والوقوف فجأة والتحرك السريع في كل الاتجاهات. ما يجعل القرش الاكثر فعالية في الصيد، والأسرع في السيطرة على فريسته. وفي أغلب الاحيان لا تعرف فريسة سمك القرش كيف تمت مهاجمتها.
واحد من الاسباب الرئيسية التي تجعل من سمك القرش مفترساً ماهراً هو حواسه المتناغمة. ووجدت البحوث ان سمك القرش لديه حواس تتسم بالحدة والقوة وتعتمد على بعضها البعض. واذا تم استبعاد واحدة منها فإن ذلك قد يسبب جزءاً من إعاقته في الصيد والافتراس.
ويعتبر أنف القرش واحداً من أبرز معالم رأسه. وعندما يتحرك سمك القرش فإن الماء يجري من خلال فتحات انفه الموجودة على جانبي مقدمة رأسه، حيث يدخل الماء الى القنوات الأنفية باتجاه جلده المغطى بخلايا حسية. وتقوم الخلايا الحسية بالكشف عن رائحة الدماء في الماء، على سبيل المثال يستطيع سمك القرش الابيض الكشف عن وجود قطرة دم واحدة في حوض ماء مقاسه كمقاس الأحواض المستخدمة في الألعاب الاولمبية. ناهيك عن ان معظم اسماك القرش لديها القدرة على الكشف عن وجود دماء ورائحة كائن حي من بعد أميال.
ولدى سمك القرش ايضا حاسة سمع حادة، وقدرة فائقة على اصدار اصوات ذات ترددات منخفضة اقل من نطاق قدرة الانسان. ويستطيع القرش التقاط الاصوات على بعد أميال عديدة، فضلاً عن التعرف إلى اصوات الفرائس المتألمة أو المجروحة.
ويختلف مدى إبصار اسماك القرش من سلالات الى اخرى. وليس لأسماك القرش، الاقل قوة التي تتواجد بالقرب من سطح المحيط، مدى بصري حاد. بينما لأسماك القرش التي تتواجد في قاع المحيط عيون كبيرة تساعدها على الرؤية في الظلام.
وتعتمد الكثير من أسماك القرش بدرجة كبيرة على حاسة التذوق. وتقوم بعضة أولية لاختبار مذاق الفريسة قبل ان تلتهمها. ولدى القرش حاسة كهربائية، حيث توجد تجمعات صغيرة لخلايا حسية كهربائية تتصل بمسام الجلد عن طريق قنوات هلامية. وما يزال العلماء غير مدركين تماماً طبيعة ووظيفة هذه الخلايا. بيد انهم يعلمون انها تجعل سمك القرش يحس بالمجالات الكهربائية الضعيفة التي تولدها الكائنات الحية. ويعتبر مجال هذه الحاسة الكهربائية محدوداً، اي يحس به القرش على بعد بضعة أقدام، لكنها كافية لتلمس الاسماك وباقي الفرائس التي تختفي في قعر المحيطات.
الخط الجانبي
الخط الجانبي عبارة عن مجموعة من القنوات التي توجد أسفل الجلد مباشرة على طول جانبي جسم سمكة القرش من الرأس الى الذيل. ويدخل الماء من مسامات الجلد ويسير في هاتين القناتين وتوجد داخلها شعيرات موجودة على نتوء متصلة بخلايا حسية. فعندما يحدث أمر بالقرب من سمك القرش فإن الماء يجري عبر الخط الجانبي الى الخلف “منطقة ما قبل الذيل” مما ينشط الخلايا الحسية، محذراً القرش لوجود فريسة أو حيوان مفترس في المنطقة. لذلك فإن تضافر كل هذه الحواس مع بعضها البعض يجعل من سمك القرش حيواناً مفترساً لا مثيل له.
ويمكن القول إن السلاح الحقيقي الوحيد الذي يمتلكه سمك القرش هو فمه، حيث يعتبر عضواً يتلاءم فسيولوجيا مع طبيعة القرش وقوته العالية، ويتناسب تماما مع وظيفته، ولديه عنصران يجعلان من فمه الاقوى والأكثر افتراساً، وهما الاسنان وعظام الفك.
وتشبه أسنان القرش الى حد كبير أسنان الحيوانات البرية المفترسة، حيث تتصف بالحدة اللازمة لتقطيع اللحوم، فضلاً عن تنوعها.
ولدى عدد من سلالات أسماك القرش، مثل قرش الجوبلين وقرش نمر الرمال أسنان رفيعة وطويلة مناسبة لاصطياد الاسماك الصغيرة، فعلى الفور يقتل القرش فريسته بعضة واحدة ويبتلعها دفعة واحدة.
أما اسماك القرش التي تبحث عن فريسة كبيرة فإنها تكون بحاجة الى استراتيجية مختلفة، حيث تقوم بتمزيق فريستها وتقطيع لحمها، وسمك القرش الابيض يعتبر من ضمن هذه المجموعة ويمتلك اسناناً مسننة تعمل كالسكين.
وتتصل أسنان القرش بالفك عن طريق نسيج لين، وتتساقط بشكل مستمر، لكن ما يميزها هو انها تتجدد ويحل محل الاسنان المتساقطة اخرى اكثر قوة وحدة. وبالنسبة لسمك القرش الابيض فإن اسنانه تترتب في شكل صفوف متراصة.
وفي السنوات الاخيرة كشف العلماء عن معلومات جديدة عن سمك القرش ومتعلقة بعلم وظائف اعضائه. في حين ما زال الغموض يخيم على الحياة اليومية التي يعيشها القرش. في ما يواجه العلماء صعوبة في دراسة سلالات القرش نظراً لهجرتها المستمرة والسريعة الى مسافات بعيدة أو في أعماق البحار.
وتعد أسماك القرش من الحيوانات المنعزلة نظراً لانها تبقى لفترات زمنية طويلة بعيدة عن غيرها. لكنها تبتعد عن حياة الانعزال في حالة التزاوج، وتعتمد اسماك القرش على عنصر المفاجأة عند الصيد والافتراس في كثير من الاحيان.
خطر الانقراض
على الرغم من المهارات التي يمتلكها سمك القرش وتجعل منه الاكثر مهارة وقوة في الصيد والانقضاض على الفريسة، فإن بعضها مهدد بالانقراض نظراً للنشاط البشري الذي يحدث في المحيطات. واهم ما يشكل تهديداً على اسماك القرش هو الصيد الزائد لها أو الصيد العشوائي. وفي عدد من بلدان العالم يزداد الطلب على اسماك القرش من اجل الحصول على لحومها أو جلودها أو غضاريفها التي تستخدم في صناعة الادوية. وتُباع منتجات اسماك القرش بأسعار مرتفعة. لهذه الاسباب يقبل الصيادون على اصطيادها.