أقسام النفاق
تفريغ خطبة لفضيلة الشيخ الدكتور / أبي حمزة عبد الرحيم الطحان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ،
ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو
المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً .
الحمد لله رب العالمين ، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً
مستقيما ، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير ،
اللهم الحمد كله ولك الملك كله ، وبيدك الخير كله ، وإليك يرجع
الأمر كله أنت رب الطيبين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم { فما من
دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها
كل في كتاب مبين } .
{ يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالقٍ غير الله
يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون } .
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين
فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً
صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته ،
ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم
الدين .
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها
زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء. واتقوا الله الذي تسائلون به
والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } ،
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموت . ن إلا وأنتم
مسلمون }
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم
أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً
عظيماً }
أما بعد : معشر الأخوة المؤمنين أفضل بقاع الأرض وأحبها إلى
الله جل وعلا المساجد كيف لا وهي بيوته وفيها نوره وهداه وقد
نعت الله الذين يعمرونها بأنهم رجال ووصفهم بأربع خصال لا
تلهيهم البيوع والتجارات من طاعة رب الأرض والسماوات
يعبدون الله ويعظمونه ويصلون له ويسبحونه يشفاقون على عباد
الله ويحسنون إليهم ، ويبذلون ما في وسعهم استعداد للقاء ربهم{
في بيوت
أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال
رجالٌ لا تلهيهم
تجارٌة ولا بيع. عن ذكر الله وإقامِ الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون
يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار } ، وكنا نتدارس إخواتي الكرام
الصفة الرابعة من صفات هؤلاء الرجال العظام ألا وهي خوفهم
من ذي الجلال والأكرام يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار
وقد مر معنا تعريف الخوف وبيان منزلته في شريعة الله جل
وعلا وثمرات الخوف التي يحصلها الخائفون في العاجل والآجل
وكنا نتدارس الأمر الرابع من مباحث الخوف في أسباب خوف
المكلفين من رب العالمين وقلت إن الأسباب مهما كثرت وتعددت
وتنوعت يمكن أن ترد إلى ثلاثة أسباب :
أولهما : إجلال الله وتعظيمه .
وثانيهما : خشية العبد من ربه من أجل تفريطه في حقه وجنبه
سواء كان ذلك التفريط يتعلق بالتقصير في المأمورات أو بارتكاب
المنهيات المحظورات .
وقد تقدم الكلام إخواتي الكرام على هذين السببين في المواعظ
الماضية وشرعنا في مدارسة السبب الثالث من أسباب خوف
المكلفين من رب العالمين ألا وهو الخوف من سوء الخاتمة وقلت
إن أسباب سوء الخاتمة كثيرة أيضاً ويمكن أ، ترد إلى سببين اثنين
.
أولهما : الأمن على الإيمان من الذهاب والفقدان فما أحد أمن على
إيمانه أ، يسلبه إلا سلبه عند موته نسأل الله أن يثبت الإيمان في
قلوبنا وأن يحسن ختامنا وأن يجعل خير أيامنا يوم لقاه إنه أرحم
الراحمين وأكرم الأكرمين وقد مر الكلام إخواتي الكرام على هذا
السبب مفصلا بأدلته .
السبب الثاني : من أسباب سوء الخاتمة : هو اغترار المكلفين في
الحالة الحاضرة والعجب بما يصدر عنهم من طاعات ناقصة
قاصرة والغفلة عما في المكلفين والمكلفات من بليات مهلكات
وقلت إن هذه البليات تتنوع إلى ثلاثة أنواع :
أولهما النفاق ، وثانيهما البدعة ، وثالثها الحرص على الدنيا
والركون إليها وقد
شرعنا أيضا في مدارسة الأمر الأول من هذه الأمور الثلاثة ألا
وهو النفاق وبينت
وجه كون النفاق مسبباً لسوء الخاتمة باتفاق وقد كان في عزمي
كما ذكرت في الموعظة الماضية أن أتكلم عن كل سبب من هذه
الأسباب الثلاثة في موعظة كاملة ولكن قدر الله وما شاء فعل فما
انتهينا من مدارسة السبب الأول فيما يتعلق بالأمر الثاني من
أسباب سوء الخاتمة ووصلنا عند أقسام النفاق ولذلك أريد أن أبدأ
في هذه الموعظة من حيث وقفنا في الموعظة الماضية
__________________
إخواتي
الكرام إذا كان النفاق كما تقدم معنا هو اختلاف السر والعلن
والمدخل والمخرج واختلاف الظاهر والباطن فإن النفاق ينقسم إلى
قسمين اثنين باتفاق أئمتنا الكرام وقد ثبت هذا في سنن الترمذي
في كتاب الإيمان نر باب صفة المنافق عن إمام المسلمين وسيدهم
في زمنه أبي سعيد الحسن البصري عليه رحمة الله ورضوانه أنه
قال كما في سنن الترمذي في المكان المشار إليه النفاق نَِفاَقان
نفاق التكذيب ونفاق العمل
فالنفاق ينقسم إلى قسمين اثنين نفاق أكبر وهو نفاق التكذيب
ونفاق أصغر وهو نفاق العمل و
هذاموضوع موعظتنا في هذه الموعظة المباركة ونسأل الله أن
يحفظنا من النفاق بقسميه وأن يجعلنا من المؤمنين إنه أرحم
الراحمين وأكرم الأكرمين إخواتي الكرام ،أما النفاق الأكبر وهو
نفاق التكذيب فهذا هو المخرج من ملة الاسلام وهذا هو الموجب
لصاحبه الخلود في النيران ومحله القلب والجنان بحيث ينطق
الإنسان بالإيمان عن طريق اللسان لكنه يبطن في قلبه الجحود
والكفران ويدخل في هذا النفاق أعني النفاق الأكبر نفاق التكذيب
يدخل فيه أيضا اعتقاد الإنسان لما يناقض أصل الإيمان فمن وجد
في قلبه شئ يناقض أصل الإيمان كما يتصف بذلك أهل التباب
والخسران فهذا من المنافقين النفاق الأكبر ونفاقه نفاق تكذيب
وليس له في الإسلام نصيب وهو من المخلدين في نار جهنم يوم
الدين هذا الذي يدخل في هذا النفاق أيضا كما قلت أن يقوم في
قلب الإنسان شرر يناقض أصل الإيمان كما لو اعتقد الإنسان أنه
لا يجب عليه أن يصدق النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخبر ولا
يجب عليه أن يطيعه فيما أمر ولا يجب عليه أن يطيعه فيما عنه
نهى وزجر وحذر فمن قام هذا في قلبه وجعل النبي عليه الصلاة
والسلام واحدا من الأنام كلامه قابل للحق وللبطلان من جعل هذا
النبي عليه الصلاة والسلام فلا شك في نفاقه وإن شهد بلسانه لاإله
إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام ويدخل في هذا
النفاق أعني النفاق الأكبر حصول المسرة للإنسان وحصول الفرح
6
في قلبه عند خذلان المؤمنين وانكسارهم في هذه الحياة وعند
انتصار الكافرين وتقدمهم في هذه الحياة خذل المسلمون فشلوا في
موقعه في أي أمر من الأمور طار فرحا . تقدم الكافرون طار
فرحا هذا من علامة النفاق الأكبر وليس له حظ في الاسلام
ويدخل في هذا أيضا نقيض هذه الصفة أن تظهر على الإنسان
المسارة إذا انتصر المسلمون وأن تظهر عليه المسارة إذا انكسر
الكافرون فكل هذا من علامات النفاق الأكبر وهو كما قلت مخرج
لصاحبه من ملة الاسلام ومخلد له في أسفل دركات النيران وقد
أخبرنا الله جل وعلا عن المنافقين في السورة التي سماها باسمهم
في سورة المنافقون أنهم يتمنون انفضاض المسلمين عن النبي
الأمين عليه الصلاة السلام وأنهم يدعون العزة لأنفسهم ولا
يريدونها لعباد الله الصالحين . { هم الذين يقولون لا تنفقوا على
من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض
ولكن المنافقين لا يفقهون ، يقولون لئن رجعنا إلى المدينة
ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن.
المنافقين لا يعلمون } فهكذا كل من اتصف بشيء من هذه
الصفات هو خارج من دين رب الأرض والسماوات وقد جاء هذا
مقررا في كثير من الآيات المحكمات ففي سورة النساء يقول رب
الأرض والسماء { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل
إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد
أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا
قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين
يصدون عنك صدوداً } إلى أخر الآيات التي سأقرأها عليهم بعد
بيان سبب نزولها
روى الإمام الطبري في تفسيره وبن المنذر في
تفسيره وإسحاق بن راهويه بسند صحيح من الإمام الشعبي والأثر
رواه أيضاً ابن المنذر في تفسيره وكذا الإمام الطبري في تفسيره
وابن أبي حاتم في تفسيره ورواه عبد بن حميد عن أبي هريرة
رضي الله عنهم أجمعين والأثر رواه أيضاً الإمام الطبري في
تفسيره عن الربيع بن أنس ، ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره وابن
مردوية في تفسيره عن أبي الأسود الدؤلي ورواه وصححه في
تفسيره عن ضمرة ابن حبيب وهو من أئمة التابعين توفي سنة
ثلاثين ومائة للهجرة ، حديثه مخرج في الكتب الأربعة ثقة عدل ،
إمام رضا هؤلاء خمسة من التابعين أن كلام الشعبي ومجاهد
والربيع بن أنس وأبو الأسود الدؤلي وحمزة بن حبيب الزبيدي
رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين أنهم ، لو وقعت خصومة بين
بعض المنافقين في زمن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام مع
بعض اليهود الملعونين فأراد اليهودي من المنافق أن يذهب في
رفع قضيتها و الأحتكام إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وهو يعلم
علم اليقين أن نبينا عليه الصلاة والسلام يحكم بالحق المبين ولا
يأخذ عليه رشوة والمنافق يريد من هذا اليهودي الذهاب إلى حكام
اليهود لأنهم يأخذون الرشوة وينحرفون عن الحكم بالحق وهذا
الأثر كما قلت عن خمسة من التابعين وروي متصلا عن صحابي
8
رضي الله عنه لكن بسند ضعيف رواه الإمام الكلبي في تفسيره
عن أبي صالح عن بن عباس رضي الله عنهم أجمعين وهكذا
الإمام الكلبي قال الإمام بن حجر في فتح الباري في الحزء
الخامس صفحة سبع وثلاثين وهذا الأثر المتصل المرفوع من هذا
الصحابي عبد الله بن عباس رضوان الله عليهم أجمعين وإن كان
ضعيفا فيشهر له أثر مجاهد ومن معه من الآثار المتقدمة عن
أئمتنا الطيبين من التابعين رضوان الله عليهم أجمعين وخلاصة
أثر عبد الله بن عباس وكما قلت يتقوى بالمراسيل المتقدمة أنه
عندما اختصم هذان المنافق واليهودي ذهب في نهاية الأمر
إلىالنبي عليه الصلاة والسلام فقض بأن الحق لليهودي فلما خرجا
من عند نبينا عليه الصلاة والسلام قال المنافق لليهودي لا أقبل
بحكم النبي عليه الصلاة والسلام تعال لنعرض حكومتنا وقضيتنا
على أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه فوافق اليهودي وذهب معه
وبعد أن عرضت عليه القضية قال اليهودي يا أبكر ذهبنا إلى
النبي عليه الصلاة والسلام فقضي بأن الحق فما كان من أبي بكر
رضوان الله عليه إلا أن قال ما كان لابن أبي قحافة أن يقضي في
مسألة قضي فيها رسول الله صلي الله عليه وسلم الحكم ما قضي
به النبي عليه الصلاة والسلام فذهبا إلى سيدنا عمر رضوان الله
عليهم أجمعين إلى الفاروق رضي الله عنه وأرضاه فعرضا عليه
القضية فقال اليهودي يا أمير المؤمنين يا عمر رضوان الله عليهم
أجمعين لا تعجل ذهبنا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقضي بأن
9
الحق لي ثم ذهبنا إلى أبي بكر رضي الله عنه فأمتنع عن القضاء
في هذه المسألة لأن النبي عليه الصلاة والسلام قضى فيها فقال
عمر رضي الله عنه وأرضاه ثاني الخلفاء الراشدين للمنافق أحقيق
ما يقوله اليهودي قال نعم قال فانتظرا ثم دخل إلى بيته وخرج
وبيده سيفه فضرب المنافق وقطع رقبته وقال هذا حكمي فيمن لم
يقبل بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب اليهودي مسرعا
إلى النبي صلي الله عليه وسلم وقال يا رسول الله إن عمر قتل
صاحبي ولولا أنني شردت لقتلني فأنزل الله جل وعلا مقرراً فعل
عمر وأن ذلك المنافق كافر لا حظ له في الإسلام :أ(َلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65))
فكل من قدم رأيه على حكم رسول الله عليه الصلاة والسلام
وكل من رأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخذ من قوله
ويترك وأن طاعته ليست واجبة فيما يخبر وفيما يأمر وفيما ينهى
عنه ويزجر فلا شك في نفاقه ولا شك في كفره ولا شك في سوء
خاتمته ولا شك في تخليده في نار جهنم يقول الإمام بن القيم عليه
رحمة الله جل وعلا في كتابه مدارج السالكين في الجزء الأول
صفحة خمس وعشرين وثلاثمائة ص 325 ( هل كان في عصر
وهل كان r أحد يقدم رأيه وقياسه على قول النبي r النبي
في زمنه عليه الصلاة والسلام وبين الصحابة الكرام أح.د يقدم
ذوقه ووجده على كلام النبي عليه الصلاة والسلام وهل كان في
زمنه ووجد في الصحابة من يقدم عقله وسياسته على شريعة
ثم قال إن الله صان أعينهم وأكرم وجوههم من أن ترى r النبي
من هذا شاكلة ثم قال ولقد حكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه
في قضيته بالسيف وقال هذا r فيمن لم يقبل بحكم رسول الله
حمي فيمن لم يقبل حكم النبي عليه الصلاة والسلام .
نعم إخوتي الكرام : إن هذه الأمور ملحقة للإنسان بالمنافقين إذا
اعتقد ما يناقض أصل الإيمان من أن النبي عليه الصلاة والسلام
لا تجب طاعته وأنه لا مانع من الركون إلى الكفار ولا مانع من
الأخذ بقوانينهم وأنظمتهم وضلالهم ، وإذا بعد ذلك انتصر
المؤمنون كأنه يستاء وإذا تقدم الكافرون يفرح أي نفاق بعد هذا
النفاق وأي كفر أشنع من هذا الكفر والله جل وعلا يقول ف سورة
محمد عليه الصلاة والسلام :
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21)فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) محمد: 25
، نعم الذين يقومون على حكم الله جل وعلا حكم العبيد فلا شك
فلا شك في نفاقهم وخروجهم من دين الله المجيد وهؤلاء ينطبق
عليهم ما ينطبق على المنافقين في العصر الأول ، { وإذا قيل لهم
لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * إلا إنهم هم
المفسدون ولكن لا يشعرون } ،
نعم : قد أفسدوا في الأرض باسم صلاحها ، قد بدلوا أحكامه
بنظام ، فالنظام هو ما شرعه الرحمن جل وعلا وكل من رأى
وكل من اعتقد وكل من مال في قلبه إلى نظام آخر ورآه أنه
واجب الطاعة ولا حرج ولا ضير عليه في الأخذ به والاحتكام
إليه فلا شك في نفاقه ، النفاق الأكبر الذي يخرجه من ملة الإسلام
ويوجب له الخلود في النيران ، إحدى الكلام : الإمام بن القيم
عليه رحمة الله بعد أن أورد مقالته السابقة قال : فلو رأى عمر
بن الخطاب رضي الله عنه زماننا ويقصد به الزمان الذي عاش
فيه وهو القرن الثامن للهجرة وقد توفي سنة واحد وخمسين
وسبعمائة للهجرة 751 ه رحمة الله ورضوانه عليه ، كيف لو
رأى أيامنا وعصرنا الذي نعيش فيه دعاة ضلالة على أبواب
جهنم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا من أجابهم قذفوه في نار جهنم
، ضلالات ما أكثرها ، يروج لها ويضلل العباد نحوها ، ماذا
يقول عمر رضي الله عنه لو أدرك زماننا إخوتي الكرام ولا
يشكلن عليكم أن بعض هؤلاء المنافقين الذي يرون عدم وجوب
طاعة نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام في جميع شئون الحياة لا
يشكلن عليكم أن بعض هؤلاء المنافقين يفعلون أحياناً بعض
الخيرات ويقومون ببعض شعائر الإسلام لا يشكله عليكم هذا أبداً
وقد كنت ألمحت وأشرت في الموعظة السابقة إلى شيء من ذلك
وبينت أنه إذا حصل من المنافق بعض شعائر الإسلام لا يعني أنه
ليس من المنافقين وقررت هذا بأحاديث في الموعظة الماضية
والله يؤيد دينه بالرجل الفاجر وبالأقوام الأشرار وبمن لا خلاق
لهم عند الله جل وعلا ، وإذا كان أكثر منافقي هذه الأمة القراء
فكيف سيكون إذا البلاء فيمن عداهم إن النسبة أكبر وأكبر إخوتي
الكرام ، إذا قام بعض الناس ببعض شعائر الإسلام وهكذا وجد له
خيرات وإحسان ثم بعد ذلك اعتقد في قلبه تلك الضلالات والآثام
فلا يرى وجوب طاعة نبينا عليه الصلاة والسلام في جميع
الأمور ويرى أن خيره كخبر غيره فلا شك في كفره ونفاقه وإن
و صام وصلىإلى قبلتنا وحج واعتمر وزعم أنه مسلم وقد أشار نبينا
إلى هذا وأخبرنا أنه يخشى علينا من هذا الصنف اللعين الذي يظهر
الإيمان لكن يأتي بما ينقضه في قلبه على التمام فليس له عند الله
وزن ولا اعتبار لكن يحصل به الاغترار في هذه الحياة من قبل
بعض الناس الذين لا يعون حقائق الأموركما أشار نبينا
وأخبرنا أنه يخشى على أمته من هذا الصنف الذين يظهرون
الإيمان ويبطنون النفاق ويبطنون الكفر هذا حال المنافقين النفاق
الأكبر
--------------------------------------------------------------------------------
ثبت في مسند البزار ومعجم الطبراني الكبير والإسناد
رجاله موثقون كما قال الإمام الهيثمي في المجمع وقال الإمام
المنذري في الترغيب والترهيب إسناده لا بأس به ، والحديث من
رواية عمران بن حصين رضي الله عنهما والحديث رواه الإمام
أحمد أيضاً والبزار وأبو يعلى عن عمر بن الخطاب رضي الله
عنهم أجمعين وإسناد الحديث أيضاً لا بأس به وهو في درجة
الحسن ، ورواه الطبراني في معجمه الأوسط والصغير من رواية
علي. رضي الله عنهم أجمعين ، لكن في الإسناد في رواية على
الحارث الأعور وهو ضعيف كما قرر أئمتنا الكرام ، أما حديث
عمران وحديث عمر رضي الله عنهما فكما قلت صحيحان وهما
يشهدان لحديث علي. ولفظ الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام
: [ إني أخاف عليكم إني أخشى عليكم ] وفي رواية [ أخوف ما
أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان ] منافق لكنه ينتمي إلى
الإسلام ويقرأ القرآن ويرى بعد ذلك في قلبه عدم وجوب طاعة
النبي عليه الصلاة والسلام وي.ح.كِّم أنظمة الكفر ويحتكم إليه ، [
إنما أخشى عليكم إني أخاف عليكم ، أخوف ما أخاف عليكم كل
منافق عليم اللسان ] والحديث كما قلت إخوتي الكرام في مسند
البزار ومعجم الطبراني الكبير بسندٍ رجاله موثقون والحديث في
درجة الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنهما وهو في
مسند الإمام أحمد ومسند البزار ومسند أبى يعلى من رواية عمر
ابن الخطاب رضي الله عنه ورواه الطبراني في معجمه الأوسط
والصغير من رواية علي. رضي الله عنهم أجمعين بهذا اللفظ وأما
الرواية فمروية عن عقبة بن عامر رضي الله عنه في المسند
مسند الإمام أحمد ومسند البزار ومعجم الطبراني الكبير ورواها
الإمام بن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله وإسناد الحديث
حسن عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال : [ إنما أخاف عليكم
اثنتين هلاك أمتي في اثنتين في الكتاب وفي اللبن ، قالوا يا
ما بال الكتاب ؟ قال يقرأه المنافقون فيجادلون به r رسول الله
الذين آمنوا قالوا وما بال اللبن ؟ قال يحبون اللبن فيتركون
الجمعة والجماعات ويندون : أي يذهب مع ماشيته إلى البادية
تعلقاً بعض الدنيا ومتاعها وشرب اللبن منها فيترك الجماعات
ويترك الجمع وبعد ذلك يكون من أهل البادية [ إنما أخشى عليكم
اثنتين إني أخاف عليكم من اثنتين هلاك أمتي في اثنتين في
الكتاب وفي اللبن ] وكأن النبي عليه الصلاة والسلام يريد أن
يقول لنا في هذا الحديث هلاك أمتي في الشبهات والشهوات ، أما
الشبهات هذا منافق عليم اللسان قرأ القرآن ثم جاء بعد ذلك ينقض
الإسلام باسم الإسلام منافق عليم اللسان قرأن القرآن وجادل به
الذين آمنوا ، وأما أولئك عامة رعاع ركنوا إلى الشهوات وآثروا
الملذات في هذه الحياة على طاعة رب الأرض والسماوات ، وهل
البلاء إلا من الشهوات والشبهات ومرض الشبهات أشنع من
مرض الشهوات بكثير
نعم إخوتي الكرام : إن الإنسان إذا كان منافقاً عليم اللسان يقرأ
القرآن ويجادل عباد الرحمن كما هو موجود في هذه الأيام تبرر
الرذائل من قبل من وصفوا بأنهم منافقون وفي لسانهم علم بالقرآن
وقد خشى علينا نبينا عليه الصلاة والسلام كما قلت إخوتي الكرام
من هذا الصنف خشية عظيمة وزادت خشيته من هذا الصنف
على خشيته من الدجال اللعين ، ففي مسند الإمام أحمد وصححه
مسلم والسنن الأربعة من حديث النواس ابن سمعان رضي الله
عندما ذكر الدجال وخاف منه الصحابة رضى الله عنهم وأرضاهم
أمره وظنوه أنه في طائفة من النخل قال عليه ا لصلاة والسلام
غير الدجال أخوفني عليكم من الدجال من هؤلاء وضحهم نبينا
عليه الصلاة والسلام كما في مسند الإمام أحمد بسندٍ جيد من
رواية أبي ذرٍ رضي الله عنهم أجمعين قالوا من يا رسول الله
عليه الصلاة والسلام ؟ قال الأئمة المضلون منافق عليم اللسان ،
هذا يفسد في الإسلام ما لا يفسده الدجال بين الأنام منافق عليم
اللسان [غير الدجال أخوفني عليكم من الدجال الأئمة المضلون ]
إخوتي الكرام وهذا الصنف السافل وجد في العصر الأول
وحذاري حذاري أن يقل إنسان إنه لا يوجد في عصرنا من هذا
الصنف ، والله الذي لا إله إلا هو لو نجى المصلون دعك عن
غيرهم لو نجا المصلون الذين يصومون النهار ويقومون الليل من
النفاق الأكبر فهنيئاً لهم ونسأل الله جل وعلا أن يحفظنا من النفاق
والمنافقين إذا نجا الخيار والأخيار من هذا النفاق فهنيئاً لهم عند
العزيز الغفار ، هذا الأمر كان موجوداً في العصر الأول في زمن
نبينا عليه الصلاة والسلام وهو أعظم آيات الله تمشي على
الأرض ومع ذلك وجد هذا النفاق في ذلك العصر الذي عاش في
نبينا عليه الصلاة والسلام فكم نسبة هذا النفاق في العصور
المظلمة التي ستكون بعده نسأل الله العافية والسلامة بفضله
ورحمته ، ثبت في صحيح البخاري عن الأسود بن يزيد رضي
الله عنه وأرضاه وهو من أئمة التابعين الكبار توفي سنة خمس
وسبعين للهجرة 75 ه ، حديثه في الكتب الستة ، عابد قانت
صوام قوام ( عندما احتضر رضي الله عنه اشتد جزعه وبكاؤه
فقيل له حسن ظنك بربك ،، قال والله لو أتيت بكتاب فيه مغفرة
من الله لي لكان جديراً بي أن أبكي وأخاف قيل لم َقال حياءمن
الله عز وجل ) أحدنا إذا قصر مع أخيه تقصيراً يسيراً واعتذر
إليه وغفر له أخوه يستحي من أن يراه فكيف ونحن نخطئ في
الليل والنهار لو جاءني صك بالمغفرة لاستحييت من لقاء الله جل
وعلا ، فكيف وأنا أخوض بما أخوض فيه ؟ يقول الأسود ابن
يزيد كنا مع عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه في المسجد فجاء
حذيفة بن اليمان رضي الله عن الصحابة أجمعين فوقف على
رأسنا وسلم ثم قال ( لقد أنزل النفاق على قوم كانوا خيراً منكم )
والحديث في صحيح البخاري لقد أنزل النفاق : يعني كان هذا
موجود فيهم على قوم كانوا خيراً منكم فقلنا له انظر ما تقول إن
الله يقول في كتابه
{ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا }
قال ( فنظر عبد الله بن مسعود فتبسم ثم مضى حذيفة بن اليمان
رضي الله عنهم أجمعين ، فجلس في ناحية من المسجد ، فلما قام
عبد الله بن مسعود رضوان الله عليهم أجمعين وتفرق عنه
أصحابه يقول الأسود بن يزيد رماني حذيفة ابن اليمان بالحصباء
: أي أرسل إليه ورجمه بشيء من الحجارة الصغار من أجل أن
ينتبه إليه ليأتي إليه يقول رماني بالحصباء فأتيته فقال أما رأيت
إلى ضحك عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه وقد علم صحة ما
أقول ، نعم لقد نزل النفاق على قوم كانوا خيراً منكم ثم تابوا فتاب
الله عليهم ومن تاب تاب الله عليه ومن لم يتب فحاله على نفاقه
وفي ضلاله ، والله يقول في كتابه في سورة الفاضحة ، براءة ،
التوبة { وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة
مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم
يردون إلى عذابٍ عظيم } قد ثبت في مسند الإمام أحمد وصححه
مسلم ومسند أبي داود الطيالسي من رواية حذيفة بن اليمان رضي
الله عنهما قال [ في أصحابي اثنا عشر منافقاً لا يدخلون الجنة ولا
يرون ريحها حتى يلج الجمل في سم الخياط ] ، والحديث في
صحيح مسلم في أصحابي [اثنا عشر منافقاً لا يدخلون الجنة ولا
يجدون ريحها حتى يلج الجمل في سم الخياط ] فكيف سيكون حال
من بعدهم ؟ إن النفاق بعد العصر الأول أخبث من النفاق في
العصر الأول كما يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنهم أجمعين
، والأثر في صحيح البخاري يقول المنافقون اليوم شر منهم على عهد رسول الله
قالوا لم َ؟قال كانوا يومئذ يسرون وهم اليوم يجهرون ، نعم إن الذي يظهر الإيمان في هذه الأيام ثم يأتي بما
ينقض به إيمانه عن طريق الكلام الباطل الذي يلوكه بلسانه ، إن
هذا إظهار للنفاق وقد كان المنافقون في العصر الأول يكتمون
نفاقهم وهو في قلوبهم والله فضحهم فهو يعلم السر وأخفى ، وأما
المنافقون في هذا العصر فيظهرون نفاقهم على ألسنتهم ويتهجمون
على دين الله صباح مساء وهم مع ذلك يزعمون أنهم يقرءون
القرآن وأنهم بعد ذلك يقومون بشعائر الإسلام لكنهم ينقضون دين
، إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي
المنافقون في زمن النبي عليه الصلاة والسلام يسرون نفاقهم
والمنافقون في أزماننا يظهرون نفاقهم .
عباد الله من اتصف بهذا النفاق فكما قلت فلا شك في خروجه من
الملة ولا شك في سوء خاتمته وخلوده في نار جهنم والله جل
وعلا يقول في كتابه { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار
ولن تجد لهم نصيرا } مقعدهم في جهنم تحت مقاعد الكفار
والسبب في ذلك أنهم كانوا يستهزءون بالمؤمنين ويخادعون الله
وأولياءه { وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون } وقد أُثِر. عن
العبد الصالح بن جريج وهو عبد العزيز بن عبد الملك بن جريج
توفي سنة خمسين ومائة للهجرة 150 ه ، حديثه في الكتب
الستة ، من الأئمة الصالحين الربانيين في هذه الأمة يقول هذا
العبد الصالح كما في تفسير الطبري وابن المنذر بسند صحيح في
تفسير قول الله جل وعلا { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44) (الحجر: 44
} في نار جهنم { لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم }
يقول أبواب جهنم ودركاتها جهنم وهي الطبقة الأولى فيها ولظى
والحطمة والسعير وسعر والجحيم فيها أبو جهل والهاوية وفيها
المنافقون { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم
نصيرا } هذا النفاق الأول ، وهو النفاق الأكبر وهو نفاق التكذيب
نسأل الله أن يسلمنا منه بفضله ورحمته إنه أرحم الرحمين وأكرم
الأكرمين
وأما النفاق الثاني
فلا شك أننا نخوض فيه ونحنداخله وهو يحيط بنا من جميع جهاتنا لكن من سلم من النفاق
الأول فليحمد الله ، وأما النفاق الثاني وهو النفاق الأصغر محله
الأعمال كما أن النفاق الأكبر محله القلوب ، وأما النفاق الأصغر
محله الأعمال ، كان يريد الإنسان بعلمه وعمله غير وجه ربه
وهو الرياء دون أن يأتي بما يناقض الإيمان وكأن يريد العلم
لوجه الله ولكنه لا يطلبه من خبر الله لا يطلبه من مشكاة رسول
الله عليه الصلاة والسلام ولا يعمل على حسب أمر الله ،إنما يدخل
عقله واجتهاده وأقيسته أو ذوقه وكشفه ووجده كما ابتليت الأمة
الإسلامية بصنفين في هذا الأمر بعلماء الكلام وتنطعهم العقلي
وبالمخرفين من الصوفية وتنطعهم الذوقي الكشفي ، وكنت ذكرت
إخوتي الكرام ضمن مباحث النبوة على نبينا صلوات الله وسلامه
أن الأدلة مهما تعددت وتنوعت تنقسم إلى قسمين لا ثالث لهما ،
دليل معتبر شرعي أخذ به سلفنا الكرام ، ودليل مردود متبدع
مذموم عول عليه المتأخرون أهل الشطط في هذه الأمة ، أما
الدليل الأول وهو المعتبر له قسمان أيضاً دليل الشرع من كتاب
وسنة ودليل الفطرة السليمة الصحيحة المستقيمة فهذا دليل سلفي
دليل شرعي كان أئمتنا يقولون عليه ويأخذون به ، وأما الدليل
المبتدع المذموم فله قسمان تعمق عقلي ووجد بعد ذلك ذوقي يجده
الإنسان في نفسه مع انه يرى يجب أن نطيع النبي عليه الصلاة
والسلام فيما أمر ويجب أن نطيعه وأن ننتهي عما نهانا عنه
وحذر ويجب أن نصدقه فيما أخبر لكنه يدخل كشفه وهوسه
ووجده وذوقه كما أن ذاك يدخل تنطعه العقي في الأدلة أربعة ،
دليل الشرع من كتاب وسنة ، دليل الفطرة المستقيمة ، ودليل
العقل المتعمق فيه ، دليل الكشف والذوق والوجد ورضي الله عن
أئمة الصوفية وذوقه كما أن الذين يعرضون ما يقع في قلوبهم
على شرع ربهم كحال أبي سليمان الداراني وغيره عندما كان
يقول إنه لتقع في قلبي النكته من نكت القوم أي الإشارة من
إشاراتهم وذوق من أذواقهم فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين من
الكتاب والسنة على أن ما وقع في قلبي حق شرعي وهذا من فتح
الله على وليس هذا من أراجيف الشيطان وتسويلاته ووسوسته
هؤلاء نفاق أصغر نفاق عمل يريد بعمله وجه ربه يريد بالعلم
وجه الله لكن لا يطلبه من خيره لا يعمل على حسب أمر الله
يدخل العقل مع أنه كما قلت لا يأتي بما ينقض الإسلام يدخل
الذوق يدخل الكشف ، فكل هذا كما قلت من النفاق الأصغر من
نفاق العمل وإذا كثر هذا النفاق في صاحبة نقد يخرج من إيمانه
عند موته ولذلك يلقى الله ملتحقاً بالصنف الأول ولو قدر أنه لم
يختم له عل الكفر فأمره موكول إلى الله عز وجل ، ونسأل الله أن
يحسن ختامنا
ويدخل في هذا النوع من النفاق ما قرر أئمتنا كما
في مجموع الفتاوى في الجزء السابع للإمام بن تيمية وهكذا قرره
في الجزء الثامن والعشرين في صفحة خمس وثلاثين وأربعمائة
435 ه وما بعدها يقول يدخل في هذا النفاق عدم الجهاد في
سبيل الله وأن يكذب الإنسان في قوله إذا حدث وأن يخلف وعده
إذا وعد وأن يفجر في المخاصمة إذا خاصم ، كل هذا يدخل في
النفاق لكنه كما قلت نفاق العمل ليس بنفاق التكذيب والكفر وقد
هذا ، ففي مسند الإمام أحمد والكتب الستة إلا سنن بن ماجة
قرر نبينا من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما
يقول قال سمعت النبي : [ أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً
ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى
يدعها ، إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا
خاصم فجر ] إن الفجور عند المخاصمة والكلام البذيء هذا
ليس من خصال المؤمنين فإذا خاصمت تكلم بكلام شرعي تعطي
الإنسان ما يستحقه من كلام وأنا أعجب في الألقاب والأوصاف
أين العفة في اللسان وأين مراقبة الرحمن في الكلام أليست
الخصومة من صفات المنافقين أليس الفجور في الخصومة من
صفات المنافقين ؟ وإذا خالفته في مسألة كأنه يعلم ما في قلبك
وكأنه يعلم مصيرك ويصور الأحكام بعد ذلك عليك وكأنه هو
الذي خلقك وستؤول إليه ، رفقاً بنفسك أيها الضال رفقاً بنفسك
أيها المخرف إذا خاصمت فقل الحق ونسأل الله أن يرزقنا كلمة
الحق في الرضا وفي الغضب وأن يلزمنا الحق والصواب في
جميع أمورنا ، فإذا خاصمت فلا تفجر من خصال المنافقين ، [
إذا خاصم فجر ] ، هكذا وردت الأحاديث بذلك ، ففي مسند الإمام
أحمد والصحيحين وسنن الترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة
قال : [ آية المنافق ثلاث إذا حدث r رضي الله عنه أن النبي
كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان ] والحديث رواه الإمام
النسائي بسند صحيح عن عبد الله ابن مسعود موقوفاً عليه من
قوله وهو مرفوع أيضاً من قول نبينا عليه الصلاة والسلام في
الرواية المتقدمة التي ذكرتها ، هذا كله كما قلت من نفاق العمل ،
أن يقول الإنسان مع وفي مجالسته لأصحابه كلاماً إذا خرج عنهم
قال بخلافه هذا هو النفاق وقد ثبت في صحيح البخاري في كتاب
الأحكام باباً يشير فيه إلى هذه القضية فقال ( باب ثناء السلطان
وإذا خرج قال بخلاف ذلك وثناء السلطان : أي ثناء الناس وثناء
الرعية عليه وهو من إضافة المصدر إلى المفعول ولا يحتمل
الكلام إلا هذا ( باب ثناء السلطان ) أي ثناء الناس على السلطان
إذا اجتمعوا به وإذا خرج هذا المثنى والمادح قال بخلاف ذلك
والأثر في صحيح البخاري ورواه الإمام أحمد في مسنده أنه قيل
لعبد الله ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين إنا ندخل على السلطان
فنقول كلاماً وإذا خرجنا قلنا غيره قال كنا نعد هذا نفاقاً على عهد
إذا قابلت السلطان فالواجب عليك أن تتقي الرحمن
وأن تؤدي النصيحة له ولعباد الله وأما إذا دخلت عليه مدحته وإذ
خرجت بعد ذلك من عنده ذممته ووقعت في عرضه أي ديانة
تتصف بها أيها الإنسان عندما تقدم بهذا المسلك الذي لا يرضاه
، كل هذا كما r الرحمن كنا نعد هذا نفاقاً على عهد رسول الله
قلت من نفاق العمل ومن نفاق العمل أن يتحجج الإنسان بأنه قرأ
القرآن وأنه أعلم عباد الرحمن وأنه وأنه … ومن طلب العلم لله
كسره ومن طلب العلم بعد ذلك للجدال والدعوى أهلكه في الدنيا
وفي الآخرة ، وإذا طلب العلم لله كسره وجعله خاشعاً قانتاً مخبتاً
أنه بعد أن تفتح البلاد وينتشر الإسلام r منيباً وقد أخبرنا نبينا
فيها سيظهر أقوام أسأل الله ألا نكون ممن عناهم نبينا عليه الصلاة
والسلام فاستمع لهذا الحديث وإسناد الحديث حسن والحديث رواه
الإمام أحمد ورواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير وأبو يعلى
أن العباس بن عبد المطلب عم نبينا على نبينا وآله وصحبه
صلوات الله وسلامه ، وإسناد الحديث فيه موسى بن عبيد كما قال
الإمام الهيثمي في المجمع فيه ضعف ، والحديث رواه الطبراني
في معجمه الكبير عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما ،
والأثر الثالث حسنه الحافظ المنذري إسناده في الترغيب
والترهيب فقال إسناده حسن إن شاء الله وليس في الإسناد إلا هند
بنت الحارث الخيثمية وهي تابعية وثقها بن حبان وقال ابن حجر
في التقريب إنها مقبولة ولذلك قال الهيثمي في المجمع وجميع
رجاله ثقات إثبات إلا هند وقال لم أقف على جرح ولا تعديل فيها
، وكما قلت إخوتي الكرام وثقها ابن حبان وحكم عليها الحافظ ابن
حجر بأنها مقبولة والإمام المنذري في الترغيب والترهيب ، يقول
عن إسناد الحديث حسن إن شاء الله من رواية عمر والعباس
قال : [ وعبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين أن النبي قال:
يظهر الإسلام حتى تختلف التجار في البحر وحتى تخوص الخيل
في سبيل الله فيظهر أقوام يقرءون القرآن فيقولون قد قرأنا القرآن
إلى r فمن أقرأ منا ومن أعلم منا ومن أفقه منا ثم التفت النبي
أصحابه فقال هل ترون في أولئك من خير قالوا الله ورسوله أعلم
على نبينا صلوات الله وسلامه قال أولئك منكم من هذه الأمة
وأولئك هم وقودالنار ]
من أعلم منا من أفقه منا من أقرأ منا قرأ ليتحجج ولتظهر
مكانته في هذه الحياة وليس عنده خشية من رب الأرض
والسماوات
أم سلمى
استعراض الملف الشخصي
رسالة خاصة إلى : أم سلمى
مراسلة : أم سلمى
البحث عن كافة مشاركات : أم سلمى
إضافة أم سلمى إلى قائمة الصداقة
#9 أمس, 10:35 PM
أم سلمى
مديرة الشئون الادارية
إخوتي الكرام : هذا نفاق العمل كما قلت لا يمكن أن تخلو منه
لكن لابد من محاسبة النفس ما بين الحين والحين ، يا عبد الله
لا يمكن أن تكون من المؤمنين الصادقين وبريئاً من خصال
المنافقين إلا كان قلبك خالصاً لرب العالمين سليماً على عباد الله
الموحدين المؤمنين ، أمَِنك. عباد الله على الدوام فالمسلم من
سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمؤمن من أمنه الناس على
دمائهم وأعراضهم وأموالهم ، والغش ينافي الإيمان ويجعل
الغش من المنافقين اللئام وقد ثبت في مسند الإمام أحمد
وصحيح مسلم والسنن الأربعة إلا سنن النسائي ، والحديث في
منتقى الإمام بن الجارود ومستدرك الحاكم ، الحديث رواه
الطحاوي في مشكل الآثار والبيهقي في السنن الكبرى عن أبي
قال : [ من غش فليس مني r هريرة رضي الله عنه أن النبي
من غشنا فليس منا ، ليس منا من غش ]، لا يجتمع إيمان مع
غش وإذا كنت تغش عباد الله جل وعلا وتضمر لهم في قلبك
العداوة والبغضاء والسوء فاعلم أنه عندك خصلة من خصال
المنافقين ولا يتنزه الإنسان من ذلك إلا إذا جعل قلبه خالصاً لرب
العالمين سليماً نحو عباد الله المؤمنين وإذا اتصفت بذلك وكل
من يتصف بهذا فهنيئاً لك ، ثبت في مسند الإمام أحمد بسندٍ
صحيح على شرط الشيخين كما نص على ذلك الإمام الهيثمي
والمنذري والعراقي في تخريج أحاديث الإحياء من رواية أنس
ابن مالك رضي الله عنه ، والحديث رواه البزار ، أيضاً أن
قال لأصحابه وهم جلوس مع رسول الله[ يطلع عليكم من
هذا الفج : طرفين بين جبلين ، [ يطلع عليكم رجل من أهل
الجنة ، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من الماء وقد أمسك
نعليه بشيء له ثم دخل مسجد النبي عليه الصلاة والسلام
وجلس معه ومع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين
وفي اليوم الثاني قال النبي عليه الصلاة والسلام يطلع عليكم
رجل من أهل الجنة فطلع الرجل الأنصاري التقدم تنطف لحيته
بالصفة المتقدمة وفي اليوم الثالث كذلك ] ، ثبت في رواية
البزار أن الذي طلع هو سعد وإذا كان من الأنصار فتحمل هذه
الرواية على أنه سعد ابن معاذ وسيأتينا أيضاً في رواية أنه سعد
ابن مالك فهو في الرواية الثانية كما سأوضح فهو سعد ابن أبي
وقاص ، وأما في هذه الرواية فقد صرح بأنه من الأنصار ، قال
أنس ابن مالك ( فقام عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهم
أجمعين إلى هذا الأنصاري وقال له حصل بين والدي ملاحاه
خصومة وقد أقسمت ألا أبيت عنده وألا أكون عنده ثلاثة أيام
فإن شئت أن تضيفني فعلت وإنما أراد بهذا الكلام أن يتوصل إلى
ما يفعله هذا الإنسان ثم سيخبره بحقيقة الأمر وليس ذلك من
باب الكذب إذا بين بعد ذلك في نهاية الأمر ، إنما أراد أن يتوصل
إلى مقصود تولى بهذا الكلام ثم وضع حقيقة كلامه فقال له هذا
الأنصاري ) ، نعم رضي الله عنهم أجمعين ( يقول فذهبت إلى
بيته فوضع فراشه بجوار فراشي فنام ورأيته إذا تعار من الليل
يسبح الله ويحمده ويكبره سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله
والله أكبر وما كان يفعل غير هذا حتى إذا صار قبيل الفجر قام
وذهب بعد ذلك إلى مسجد النبي عليه الصلاة والسلام فلما مضت
الأيام الثلاثة وكدت أن أحتقر عمله قلت يا عبد الله ماذا تفعل قال
هو ما رأيت فقال عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهم أجمعين ما
من ثلاثة أيام ما بين والدي وبيني ملاحاه ولكن أخبرنا النبي
بأنك من أهل الجنة فأردت أن أعلم ما تفعل لأعمله ، قال هو ما
رأيت ) يقول فلما قفيت ووليت ناداني فقال أخبرك ليس في قلبي
غش لأحد من عباد الله ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه
) لا غش ولا حسد ، ( فقال عبد الله ابن عمرو ابن العاص
رضي الله عنهم أجمعين بهذه بلغت وهي التي لا نطيق ليس في
قلبه غش لمسلم ولا حسد على خير أعطاه الله إياه ، هذا من
سلامة الإيمان وصدق الإنسان في إيمانه ، فهنيئاً له عند خاتمته
، والحديث إخوتي الكرام رواه الإمام البيهقي والبزار مختصراً
وسمى الرجل بأنه سعد ابن مالك وهو سعد ابن أبي وقاص
رضي الله عنهم أجمعين ، وفي رواية البيهقي تفصيل لحال هذا
الرجل يقول عبد الله ابن عمرو ابن رضي الله عنهم أجمعين قال
إذا كان قبيل الفجر استيقظ الرجل وصلى وذهب إلى مسجد النبي
عليه الصلاة والسلام فصلى ثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة
بعد الفاتحة بسورة من المفصل لا من طواله ولا من قصاره
والمفصل يبتدأ من سورة ( ق ) إلى نهاية القرآن ، يقول وكان
إذا جلس يدعو بعد التشهد بثلاث دعوات فيقول اللهم آتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، اللهم اكفنا ما
أهمنا من أمر دنيانا وآخرتنا ، اللهم إلى أسألك الخير كله وأعوذ
بك من الشر كله يفعل هذا فلما انقضت هذه الأيام سأله عن فعله
فقال هو ما رأيت ثم قال له لا أحد في قلبي غشاً ولا حسداً لأحد
من عباد الله على خير أعطاه الله إياه .
إخوتي الكرام : من اتصف بذلك فليس في قلبه غش ولا حسد فقد
برأ من نفاق العمل أسأل الله جل وعلا أن يبرأنا من النفاق وأن
يجعل أعمالنا صالحة ولوجهه خالصاً وأن يحسن ختامنا وأن
يجعل خير أيامنا يوم لقاه ونسأله أن يسلمنا ويسلم الخلق منا إنه
أرحم الرحمين وأكرم الأكرمين
أقول هذا القول واستغفر الله .
--------------------------------------------------------------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله وخير خلق
الله أجمعين ، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء
والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا وأرض اللهم عن الصحابة الطيبين
وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .
عباد الله : من تأمل حالنا يرى تغاير سرنا من علننا فيما يتعلق
مع ربنا وفيما يتعلق مع بعضنا وهذا لا شك يوجب فينا النفاق ،
وإذا كان كذلك فينبغي أن نخشى من الله عز وجل وأن نخافه وأن
نجاهد أنفسنا وأن نقلع عن الصفات الذميمة التي فينا وأن نستعد
اليوم الذي تشخص فيه الأبصار وتتقلب فيه القلوب في تلك الدار
إذا كان هذا فينا وهو موجود فينبغي أن يعظم خوفنا من ربنا جل
وعلا كما نعت الله بذلك عباده الطيبين لكن الذي يتأمل أحوالنا
أيضاً ، تأملا آخر ثانياً يرى أننا في غفلة لاهون مع تقصيرنا في
حق ربنا جل وعلا ومع عدم حسن صلتنا مع بعضنا فنحن في
الأمرين مقصرون ومع ذلك غافلون لاهون وقد أشار معاذ ابن
جبل رضي الله عنه وأرضاه إلى ما سيقع في هذه الأمة ونسأل
الله أن يحسن ختامنا وأن يلطف بنا وأن يحسن أحوالنا إنه أرحم
الراحمين وأكرم الأكرمين ، فقال كما في مسند الدارمي يقول
معاذ ابن جبل رضي الله عنه وأرضاه ( سيبلى القرآن في صدور
أقوام كما يبلى الثوب فيتهافث يقرؤونه فلا يجدون له لذة ولا
شهوة يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب أعمالهم كلها طمع
لا يخالطها خوف ، إن قصروا قالوا سنبلغ ، وإن أساءوا قالوا
سيغفر لنا إنا لا نشرك بالله شيئاً ) .
نعم هذا حال المغرورين المعتوهين في الأمم السابقة وهو حال
المنافقين في هذه الأمة ، {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (لأعراف: 169
، هذا حالنا مع ربنا جل وعلا نقرأ كلامه بلا شهوة ولا لذة ثم بعد
ذلك أعمالنا كلها طمع ليس فيها خوف وإذا قصرنا نقول سنبلغ ،
وإذا أسأنا نقول سيغفر لنا وكأن النار خلقت للصحابة ولم تخلق لنا
حتى اشتد خوفهم من ربهم جل وعلا وحصل الأمن فينا ونسأل
الله أن يلهمنا رشدنا ، وأما تغاير الأحوال والسر والعلن فيما بيننا
فحدث ولا حرج إذا اجتمعت مع الناس مدحوك وإذا غبت عنهم
بألسنة حدادٍ سلقوك إخوان العلانية وأعداء السر ولكثرة صلات
الناس ببعضهم كان أئمتنا يقولون إذا سمعت بصديق صدقه فلا
تصدقه ، نعم رحل الأخوان الكرام وبقى الخوان الذي لا يخشى
الرحمن ، زمان كل حبٍ فيه خَب. وطعم الخيلِّ خَلُّ لو ي.ذاق ، لهم
سوق بضاعتُه نفاق ، فنافق فالنفاق له نفاق ، قيل للحسن البصري
رضي الله ورضوانه عليه يزعمون أنه لا نفاق في البصرة قال
سبحان الله لوا نعدم المنافقون لاستوحشتم الطرقات ولو كان
للمنافقين أذناب لما استطعتم أن تدخلوا الأسواق ، النفاق انعدم هذه
أحد التابع بعضنا وتلك صلتنا بربنا ووالله لا أقول هذا تعييراً
لواحد بعينه وما أعلمه من نفس أضعاف أضعاف ما أعلمه من
غيري إنما لابد إخوتي من النصح والتناصح ونحن نقول هذا وهو
واقع فينا ولا ينجو منه أحد عباد الله وعلى غيره عبد الله الإنسان
على نفسه بصيرة وما تعلمه من نفسك أضعاف أضعاف ما تعلمه
من غيرك فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، أسأل الله
برحمته التي وسعت كل شيء أن يلهمنا رشدنا وأن يغفر ذنوبنا
وأن يستر عيوبنا وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي
الآخرة وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يجعل خير أيامنا يوم لقاه
إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين ، اللهم صلَّ على نبينا محمد
وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا ، اللهم إنا
نسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة ونعوذ بك
من كل شرٍ أحاط به علمك في الدنيا والآخرة ، اللهم صلِّ على
نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً ،
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ،
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا ، اللهم ارحمهم كما رب . ونا صغارا ،
اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا ، اللهم أحسن إلى من
أحسن إلينا ، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء
والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا ، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان
المبارك ، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه ، اللهم اغفر للمؤمنين
والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعاء
والحمد لله رب العالمين ، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع
الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا ، أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم
{ والعصر* إن الإنسان لفي خسرٍ * إلا الذين آمنوا وعملوا
الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر* } .