هل نحن بحاجة إلى تيار ثالث؟!
بقلم:سري سمّوربرنامجان يقودهما فصيلان، أو تتصدرهما حركتان اثنتان، أو قوتان هما الأكبر، والأكثر تنافسا، والأوسع انتشارا، فهما يكادان يطمسان ما سواهما من قوى وفصائل وحركات وأحزاب، أو جعلها هامشية بحكم قدرتهما على التأثير والتأطير والتجييش والاستقطاب الأفقي والعمودي.حركة فتح وحركة حماس خصمان لدودان، وقد وقع بينهما وجرى حولهما ما يجوز وما لا يجوز...كلتاهما قدمتا الشهداء والجرحى، من القادة والجند، والسجون الإسرائيلية غالبية معتقليها وأسراها من فتح أو حماس، وكلتاهما خاضتا غمار الانتخابات النقابية والطلابية والبرلمانية، ولا يخفى على أحد حدة المنافسة، التي ملخصها إما فتح أولا وحماس ثانيا في النتائج أو العكس، حتى لو كانت الكتل والقوائم المترشحة بالعشرات، فلا نتيجة متوقعة إلا هذه الثنائية.والفصائل والقوى والحركات والأحزاب الأخرى ظلت إما تدور في فلكهما، أو تحاول اتخاذ موقف (خاص) بعيدا عنهما، ربما عن قناعة أيديولوجية أو سياسية، أو لربما رغبة في التميز وعدم الذوبان، أو ربما لتحقيق مكاسب عند تحديد المواقف وحسمها!ولكن، ومع أن هناك ما يشبه الإجماع على أن فتح وحماس اقترفتا أخطاء وخطايا، وصراعهما الشرس أضر بالقضية الفلسطينية كثيرا، مع ذلك لم يفلح أي حزب/حركة/فصيل/تجمع آخر في أن يحل مكان أي منهما أو أن يكون قطبا أو تيارا ثالثا ينافسهما ولو قليلا.بل ظلت القوى الأخرى مهما صعدت وصارعت تحتل مركز(بيضة القبان) كحد أقصى لطموحها السياسي والميداني.ما بين الفينة والأخرى تصعد دعوات مكتومة أو صريحة تنادي بضرورة وجود تيار ثالث، وتعلن همسا أو صراحة أن ثنائية الاستقطاب الفتحاوي-الحمساوي في الشارع بل المجتمع الفلسطيني ضرره أكثر من نفعه.ولكن كل هذه الأصوات وإن أردفتها محاولات تبوء بالفشل وتنتهي سريعا، لتطل الراية الصفراء ومنافستها الخضراء فوق المشهد بفخر أو بنشوة انتصار غير معلنة على تلك المحاولات أو الدعوات، وتعلن صراحة أو ضمنا أمام الملأ أن قضية فلسطين لها جناحان تطير بهما.ولكنّ الجناحين في خصام مبين ويضمران لبعضهما شيئا لا يمكن أن نصفه بالخير، وتسود حالة من عدم الثقة في علاقتهما ببعض.فهل الحل بوجود تيار ثالث منافس؟أم بطرح وجوه وشخصيات من خارج الإطار السياسي المبني على حالة نضالية تراكمية كي تشكل البديل عن القطبية الثنائية؟الجواب برأيي أن هذا جُرِّب فعلا(القوى البديلة والشخصيات البديلة) ولم يفلح في كسر الثنائية (فتح-حماس)...كما أنني أرى صراحة أن التيار الثالث خرافة لا محل لها من المعادلة السياسية الفلسطينية، وكل محاولة من هذا القبيل مضيعة للوقت والجهد.أما إذا كان من يزعم أنه يريد أن يكون بديلا لأحدهما أو كليهما أو تيارا منافسا (ثالثا) فقط بهدف اكتساب مغانم وإبرام صفقات، فهذا لا مكان له في موضوع حديثنا، وهو سينتهي ويذوب ويتلاشى فرحا بما حصل عليه من فتات سياسي!والأولى هو العمل على إصلاح التيارين، وتقويمهما، والحد من آثار أخطائهما، بدل التفكير الحالم أو الطامح ببديل عنهما...وهذا ليس استسلاما للواقع بقدر ما هو نظرة إلى طبيعة المجتمع والقضية والإقليم وما وراءه...والأهم فهم العدو الصهيوني.ولن أناقش في حديثي محاولات إيجاد طريق/تيار/فصيل ثالث وفق خط زمني بقدر استعراض عام، قد تظهر عليه العشوائية، ولكنها في النهاية تجعل الصورة واضحة لا لبس فيها، لمن ما زال يحلم أو يرى إمكانية وجود هذا التيار أو (الشخص)!وربما أنا بهذه النتيجة التي أضعها سلفا أدخل نفسي في نوع من المغامرة، بل المقامرة؛ لأن الشعب الفلسطيني لطالما فاجأ المراقبين والمنظرين والمحلليين والكتّاب والصحافيين والأعداء والأصدقاء والسياسيين من شتى ألوانهم ومشاربهم، فيما ينتج ويخرج من ظواهر وحالات كانت قبيل خروجها الفاقع تعتبر أوهاما أو أحلام يقظة.وهذا صحيح وهو ينطبق على فتح وحماس، فكل منهما ظهرت وصعدت في ظروف لم يكن غالبية المراقبين يتوقعون فيها هذا التحول الدراماتيكي.ولكن التحول عنهما، والانفضاض من حولهما في المدى المنظور إما أن يكون استنساخا وتكرارا لهما، وهذا تغيير في الاسم لا المحتوى، في العرض لا الجوهر...وهو ليس محل حديثنا.فهل قدر شعبنا هو هذه الثنائية القطبية(فتح-حماس) ؟وهذا سؤال يطرحه أكثر من طرف، والغريب أن بعضا من جمهور الفصيلين الكبيرين يطرحه أيضا!نعم؛ فالظرف الحالي من قضيتنا الفلسطينية يجعل هذه الثنائية هي السائدة والمطلوب تصحيح وتعديل المسار وليس السعي إلى محاولة إيجاد ما يسمى تيارا ثالثا، وعلى كل حال فإن التجارب تعطيك النتائج، وإعادة التجريب تعرفون بما توصف عادة!وربما هناك أسئلة أكثر وجاهة:هل نحن بحاجة إلى تيار ثالث أصلا؟وما السبب؟أليس الأولى توحيد وتجميع القوى المبعثرة ذات الروابط المشتركة من غير الثنائي، بدل محاولة يائسة لمنافسة الثنائي؟وسأستعرض بمشيئة الله تعالى، في مقالات قادمة المواضيع التالية:--المبادرة الوطنية الفلسطينية ود.مصطفى البرغوثي.-الحركات الإسلامية من غير الإخوان؛ الجهاد وحزب التحرير كمثال.-فكرة قدرة شخصيات ذات خلفية أكاديمية أو نشاط في الحقل العام على منافسة الاستقطاب الثنائي.-ما الذي يجعل الثنائية مستمرة، وما ميزات القطبين(فتح-حماس) ؟-هل إسرائيل مرتاحة إلى هذه الحالة من الاستقطاب الثنائي.-ما مستقبل العلاقة بين القطبين، وهل وضعهما مرتبط بالإقليم دعما أو منعا كما يقال؟-أي فكرة أخرى تستوجب النقاش والبحث في هذا السياق.،،،،،،،،،،،،،الخميس 30 صفر الخير 1440هـ ، 8/11/2018ممن قلم:سري عبد الفتاح سمّور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين