حوارات: حوار مع رئيس الجمعية الدولية للطب 

--------------------------------------------------------------------------------




المسيري: أمريكا تسعى لتقويض الديموقراطية في بلادنا
* المؤسسة العلمانية تتعمد مع إسرائيل تجاهل كتبي
* الغرب ينظر إلى العالم على أنه مادة لا تحكمها معايير
* عرفت طريقي إلى الله من خلال الإنسان


دائما ما ُيتهم المثقفون العرب بأنهم يخاطبون أنفسهم فيما يكتبون أو يألفون حتى ولو كان ما يكتبونه موجهاً إلى الآخر الغربي.. لكن الأمر بالنسبة للمفكر الإسلامي الدكتور عبد الوهاب المسيري يبدو مختلفًا تمامًا.. فالمسيري الذي درس الفكر والأدب الغربي وحاز فيه على أرفع الدرجات العلمية يشكو مر الشكوى من أن الغرب يرفض أن يحاوره ولا حتى أن يدير خلافاً فكرياً معه، مع أن كثيرًا من أعماله تترجم إلى الإنجليزية.. ربما لأن المسيري لا يبدو منبهراً أو حتى معجباً بالفكر الغربي، بجناحيه الرأسمالي والماركسي، بل إنه وجه ضربات نقدية موجعة لهذا الفكر، فاضحاً جذوره النفعية والاستغلالية وسمته المادي المعادي لكل ما هو إنساني.
الحوار مع المسيري لا يأخذ طابعًا فكريًا جامدًا،؛ فالرجل يبدو مشتبكاً بقوة مع واقعه، سواء أكان الأمر متعلقًا بالهجمة الأمريكية والصهيونية على المنطقة، أو يتصل بتفاعلات الحياة السياسية في مصر، ولذا فهذا الحوار هو حوار مع الباحث والمفكر والسياسي والأديب عبد الوهاب المسيري.
فماذا دار فيه؟

** الإسلام اليوم: من وجهة نظركم.. من أي زاوية كان إسهام موسوعتكم (اليهود واليهودية والصهيونية) في النهضة المعرفية المطلوب تحقيقها لمواجهة التحديات التي تحاصر العرب والمسلمين؟
- ما يهمني هو أن فكري تتم مناقشته من قبل المفكرين الآخرين، وقد أرسلت رسائل لعدد من المراكز البحثية داخل وخارج العالم الاسلامي لأستطلع رأيهم في كتاباتي حتى يكون هناك تراكم معرفي يؤدي إلى المزيد من التقدم؛ لأنه لا فائدة من موسوعة تكتب في عشرات السنين ثم توضع على أرفف المكتبات دون أن تثير نقاشاً وخلافاً فكرياً وإضافات جديدة.
وللأسف فإن المؤسسة العلمية العلمانية تتجاهل أعمالي وكتاباتي تماماً، فعلى سبيل المثال أحد كتبي وهو (اللغة والمجائز) نفد من الأسواق في تسعة شهور، وجاري طباعته للمرة الثانية وكتبت عنه الصحافة، ولكن لم يحظ بكتابات أكاديمية رصينة حوله تؤدي للتراكم المعرفي المطلوب للنهوض الحضاري المنشود.
لكن المؤسسة العلمية العلمانية آثرت الصمت تجاه كتبي تماماً، كما فعل الإسرائيليون الذين لا يشيرون لأعمالي لا من قريب ولا من بعيد، على الرغم من أنني تعمدت أن أنشر كتاب "المفاهيم الأساسية " باللغة الإنجليزية في جريدة (الأهرام ويكلي) إلا أنهم لزموا الصمت تماماً.
** الإسلام اليوم: يتساءل الكثيرون: لماذا نرى الدكتور المسيري دائماً مبتسماً ومتفائلاً على الرغم من المآسي التي يعيشها المسلمون؟ ومن أين يأتي بهذه الثقة في حتمية زوال إسرائيل؟
- أنا اشعر بالتفاؤل دائماً لأنني أؤمن بأن ما نراه اليوم من عوامل إحباط هو حالة مؤقتة. أما الثقة بحتمية زوال إسرائيل فسببها ثقتي بإنسانية الإنسان الذي فُطر على رفض الظلم والسعي لإحقاق الحق ولو طال الزمان، فالحرب بيننا وبين المشروع الصهيوني سجال، والنصر في النهاية لنا إن شاء الله تعالى الذي وعد بإحقاق الحق وإزهاق الباطل مهما علا هذا الباطل وطغى وتجبر.
** الإسلام اليوم: هل الإدارة الأمريكية جادة بالفعل في نشر الديموقراطية في المنطقة؟!
- أمريكا ذاتها لا تقدم نموذجاً ديموقراطياً ناصعاً؛ فقد شهدت ست رؤساء ولكنهم جميعاً إما من الحزب الجمهوري أو الحزب الديموقراطي، ولم تشهد الولايات المتحدة الأمريكية أي رئيس من أي حزب ثالث، وجميع المحاولات التي بُذلت عبر التاريخ السياسي الأمريكي لإنجاح مرشح من حزب آخر أخفقت، مع ما شاب عدد من هذه الانتخابات من شوائب.
ومن الحقائق المؤكدة أن التدخل الامريكي في جميع بقاع الأرض كان لإجهاض الديموقراطية وليس نشرها، ووصل الأمر إلى إعطاء الإدارات الأمريكية المتعاقبة بعض الدول في العالم الثالث الضوء الأخضر لتزوير الانتخابات، والمشهد الفلسطيني ليس عنا ببعيد حين فازت حماس في انتخابات شهد العالم كله بما في ذلك أحد رؤساء أمريكا السابقين بأنها كانت نزيهة، ولكن الإدارة الأمريكية فرضت عليها الحصار المالي، ولم تعترف بها وتآمرت من أجل الإطاحة بها.
** الإسلام اليوم: لماذا عادت ظاهرة الاستعمار العسكري من جديد باحتلال العراق وأفغانستان بعد أن تخلصنا من المستعمر الأوروبي منتصف القرن الماضي بعد جهاد طويل ودامٍ؟
- احتلال أراضي الدول الأخرى ونهب ثرواتها خاصة إذا كانت هذه الثروات ترتكز على النفط المطلوب لإدارة الآلة الصناعية الغربية جزء أصيل من الرؤية الغربية، فمنذ منتصف القرن التاسع عشر بلورت المنظومة الحضارية الغربية رؤيتها للعالم وللآخر وللذات، وتنطلق هذه الرؤية من أن العالم في جوهره مادة، وأن ما يحكمها هو قانون الحركة المادية، وأن ما هو غير مادي ليس بجوهري، ولا يمكن أن يُؤخذ في الاعتبار حينما ندير شؤون دنينا دنيانا ومجتمعنا، بمعنى أنه لا يوجد معايير إنسانية أو أخلاقية أو دينية تحكم حركة الإنسان والدول.
وفي هذا الإطار تحركت جيوش أوروبا ثم الولايات المتحدة، واقتسمت العالم فيما بينها، وحوّلته إلى مناطق نفوذ، وفرضت رؤيتها على العالم بأسره، وهذه الرؤية يمكن أن نلخص سماتها الأساسية في أن الصراع هو أساس العلاقة بين الدول، وبين الدولة والفرد، وبين الإنسان وأخيه الإنسان، أي أن ما ساد هو رؤية ميكافيللي وهوبز للإنسان (الإنسان ذئب لأخيه الإنسان)، وهي ذاتها الرؤية التي طورها داروين عالم الأحياء المعروف واستفاد منها كارل ماركس، وتسيطر هذه الرؤية حالياً على العلاقات الدولية والإنسانية، وعلى اقتصاديات السوق، سواء على المستوى المحلي أو المستوى العالمي.
** الإسلام اليوم: باعتقادك، ما هو الإطار الفلسفي الذي يحكم الرؤية الغربية؟
- الذي يحكم الرؤية الغربية هو فكرة الدولة القومية التي تركز كل السلطات في يدها حتى يمكنها تجنيد كل عناصر المجتمع في خدمتها، وحتى يمكنها أن تصوغ المواطن حسب قوالب محددة تضمن ولاءه الكامل، الأمر الذي أدى إلى إضعاف المجتمع المدني وتهميشه، إلى جانب سيادة الفكر القومي المتطرف (الشوفيني)، وهو فكر ليس له مرجعية إنسانية أو أخلاقية.
والانتماء القومي في هذا الإطار يعطي صاحبه حقوقاً مطلقة، فلو قرر أعضاء قومية ما أو عرق ما أن من حقهم ضم هذه الأراضي أو طرد هذا الشعب أو حتى إبادته (كما جري في أمريكا الشمالية وفي ألمانيا النازية وإسرائيل الصهيونية) فهو حق لا يمكن لأحد أن يعترض عليه، وهو حكم لا يمكن استئنافه، وهذا الإطار الفكري والمرجعي أفرز فكراً عنصرياً كريهاً قسم العالم إلى عالم غربي متقدم وعالم غير غربي متخلف.
ومما زاد من حدة الصراع وشراهة الدول الاستعمارية أن التقدم رُبط بمعدلات الإنتاج والاستهلاك، وهذا أمر منطقي في الإطار المادي المنفصل عن القيم الإنسانية والأخلاقية، بخاصة أن الافتراض الذي ساد هو أن المصادر الطبيعية لا تنفد، وفي هذا الإطار نسيت قيم إنسانية أساسية مثل: العدل والمساواة والتوازن والطمأنينة والحفاظ على البيئة.
هذا هو الإطار العام للمنظومة الحضارية الغربية التي يتحرك العالم بأسره - عن وعي أو عن غير وعي - من خلالها، وقد أدى ذلك إلى بروز محاولات هامة للتصدي للمنظومة الحضارية الغربية تمثلت في حركات التحرر الوطني، التي واجهت الاستعمار، وحاربت قواته حتى استقلت كل الدول المستعمرة، وصفيت كل الجيوب الاستيطانية (باستثناء إسرائيل) لكن الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة عاد مرة أخرى للاستعمار تحت دعاوى نشر الديموقراطية وإقامة الشرق الأوسط الجديد، أي في ثوب جديد لتحقيق أطماعه.
** الإسلام اليوم: مررتم بتحولات فكرية من الشك إلى اليقين، ومن المادية إلى الإيمان، فكيف تم هذا التحول؟ وما هي ملامح رؤيتكم الحالية؟

- حين تأملت حياتي ككل وجدت أن أهم ما فيها هو اكتشافي أن الحياة الإنسانية مركبة ومفعمة بالأسرار والثنائيات والتنوع، وليست أحادية، وأن الإنسان كائن فريد في العالم الطبيعي المادي، فهو جسد من طين ونفخة من روح الله سبحانه وتعالى.
ونتيجة هذا التأمل أدركت أن النموذج المادي عاجز عن تفسير سلوك الإنسان وعواطفه ودوافعه، إلى أن عرج بي فهمي للإنسان "الرباني" إلى الإيمان بالله وبدلاً من الوصول إلى الإنسان من خلال الله، وصلت إلى الله من خلال الإنسان، ولا يزال هذا هو أساس إيماني الديني وهو ما أسميه "الإنسانية الإسلامية" التي تنطلق من رفض الواحدية المادية والتي تصر على ثنائية الإنسان والطبيعة المادة، وتصعد منها إلى ثنائية الخالق والمخلوق.
ولم يحدث التحول الكامل من الرؤية المادية الواحدية إلى هذه الثنائية إلاّ في أوائل الثمانينيات، أي أن عملية مقاومة الإيمان من جانبي دامت لما يزيد على ربع قرن، وبالتدريج تحول الإيمان إلى رؤية شاملة للكون، وإطار للإجابة عن كل التساؤلات والمرجعيات بحيث يصبح العالم بلا معنى ولا مركز بدون الرؤية الإيمانية الإسلامية.
وبعد تحولي الفكري أصبحت أرفض كل ما هو غير إنساني، فأرفض عبادة الطبيعة أو التكنولوجيا أو العقل أو العاطفة أو المثالية الخالصة أو الروحية الخالصة، فهذه كلها مكونات متكاملة متناقضة؛ لأن الإنسان هذا الكائن الفريد يقع في نقطة تلاقي بين كل هذه العناصر، وذلك في سياق فهمي لقوله تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) [الحجر:28-29]. ** الإسلام اليوم: هل لك أن تعطينا فكرة سريعة عن خصائص مشروعكم الفكري؟
- مشروعي له بعد إنساني عام اكتسب التوجه الرباني بعد انتقالي إلى رحابة الإيمان، وقد تبدى هذا التوجه في كل مراحل مشروعي الحضاري الفكري سواء حين كتبت عن الصهيونية أو عن الأدب أو قصص الأطفال، وقد تآكل النموذج المادي في فكري لحساب النموذج الإنساني عبر الحكمة القائلة: "من عرف نفسه عرف ربه"، وأيقنت أن الدين نموذج معرفي متكامل وليس مجرد جزء له أهميته في حد ذاته، وأدركت أن المكون الديني ليس مجرد قشرة وإنما هو من جذور كيان الإنسان وهويته، كما بدأت أشعر أن الدين ذو فعالية في الواقع المادي الذي نحياه وليس فقط جزءاً مغلقاً من عالم الغيب أي أن الدين أصبح تدريجياً في تصوري جزءاً من الكيان الإنساني وليس منفصلاً عنه.

**الإسلام اليوم: هناك عدد من المفكرين يرفضون مصطلح "الغزو الفكري" فما رأيكم في هذا المصطلح؟
- الغزو الفكري موجود وقائم بالفعل، ويمارسه الغرب ضد باقي الشعوب فالحضارة الغربية التي هي حضارة الديسكو والهامبورجر هدفها اللذة، في مقابل الحضارة الاسلامية التي تتميز بالخصوصية، والحضارة الأمريكية لا تغزونا نحن فقط بل تغزو الغرب أيضاً، ففي داخل الولايات المتحدة هناك تنوع حضاري عظيم فيما بين المناطق المختلفة داخل أمريكا، ولكن هذا التنوع الحضاري يتآكل لصالح نمط واحد، وهذا النمط يريد أن ينتشر إلى باقي مناطق العالم، وهذا النمط الأمريكي من سماته أنه غير حضاري؛ لأنه يقوّض الثقافات واللغات الأخرى حتى اللغة الإنجليزية ذاتها يجري تدميرها، لذلك فهذا النمط الحضاري مدمر لأي نوع من الخصوصيات الثقافية؛ لأنه يدخل تحت مسمى العلمانية الشاملة. ** الإسلام اليوم: كان لكم دور بارز في توجيه ضربات نقدية قاصمة للنموذج المعرفي الغربي العلماني، فما تعليقك على من ينادون اليوم بعلمنة العالم الإسلامي بحجة تحقيق النهضة؟
- نموذج العلمانية الشاملة يفصل الحياة والسلوك الإنساني عن القيم والدين، وهذا النموذج يهدف إلى تحويل العالم كله إلى مجرد أدوات مادية بدون غاية أو مآل و يفقد الحياة معناها ويحولها إلى تعبير دهري دنيوي، وفهم هذه العلمانية وتحليلها ومعرفة قدرتها على اختراق حياة المسلمين في صيغة الاستهلاك وفي صيغة تفريغ الظاهرة الإسلامية من مضامينها ضرورة للتصدي لها وتجنب مخاطرها.
والذين يطالبون بعلمنة العالم الاسلامي لا يدركون أن الإسلام والتوحيد والوحي والشريعة هي الموجهة للإنسان وللمجتمع وللحياة كلها، ولا يمكن فصل الحياة والإنسان والمجتمع والدولة عن استلهام تعاليم الإسلام، فالمرجعية الإسلامية هي الإطار الذي يرجع إليه المسلم ويرجع إليه المجتمع والدولة (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)[النساء: من الآية59].
والعلمانية الشاملة تشكل تهديداً خطيراً للإيمان الديني، ومن ثم فإذا كانت الحركة الإسلامية المعاصرة تستهدف بشكل رئيس الحفاظ على بقاء الإسلام حياً في حياة الناس فإن جزءاً من صراعها وجدلها لابد أن يكون مع العلمانية الشاملة.
** الإسلام اليوم: ما الذي دعا الدكتور عبد الوهاب المسيرى إلى الانضمام لحزب الوسط بالرغم من أنك قضيت شطراً كبيراً من عمرك باحثاً أكاديمياً بعيداً عن الحياة السياسية والعمل السياسى العام؟
- في صباي دخلت الإخوان المسلمين ثم دخلت حزب (حدتو) بعض الوقت وسُجنت، ولي تراث سياسي، وسافرت الولايات المتحدة للدراسة، ثم عدت فى الحقبة الناصرية، وما بعدها ولم تكن هذه الفترة فترة حياة حزبية فى مصر، ثم انشغلت فى الموسوعة، ولم أفق منها إلاّ في عام 2001 و2002، ثم مررت بمرحلة مرض، وأصبح لدي الآن المقدرة على التحرك، فوجدت أن حزب الوسط لديه مقدرة على تقديم برنامج ملائم لى كفرد وللوطن وللجميع.
** الإسلام اليوم: شعار (الإسلام هو الحل) الذي يتبناه البعض في مصر يتعرض لكثير من الانتقادات من التيارات العلمانية.. فكيف ترى هذا الشعار؟
- الماركسيون كان شعارهم "يا عمال العالم اتحدوا"، فالشعارات اختزالية تلخص الفكرة ولا يمكن محاسبة أحد على الشعارات، وعندما قامت ثورة يوليو عام 1952 اتخذت شعارًا هو "الاتحاد والنظام والعمل"، والشعارات لها القدرة على التعبئة وبالتالي يجب أن تكون اختزالية والمفترض أن تتم محاسبة أصحاب الشعار على برنامجهم وليس على الشعار.

** الإسلام اليوم: من وجهة نظرك، لماذا يرفض النظام استيعاب التيار الإسلامي داخل البنية السياسية المصرية؟
- لأنه يعتقد أن التيار الإسلامي وغيره من التيارات بديل له، وهو لا يريد بديلاً
.

أجرى الحوار: علي عليوة/ الإسلام اليوم

د. حبيب:
لدينا برنامج شامل للحكم يراعي أوضاع المرأة والأقباط


بعد نجاحها في الانتخابات التشريعية المصرية عام 2005 وفوزها بثمانية وثمانين مقعدا في مجلس الشعب، تصاعد الجدل مجددا حول جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر ودورها على الساحة المصرية والإقليمية، مما دعا الجماعة إلى طرح برنامج لحزب تسعى من خلاله إلى إضفاء الشرعية على نشاطها المحظور، وطرح نفسها كأحد البدائل السياسية في الساحة السياسية المصرية .





محيط ـ شريف عبد المنعم


شبكة الأخبار العربية "محيط" التقت الدكتور محمد حبيب النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين في حوار حول برنامج هذا الحزب الذي ثار حوله الكثير من اللغط وتحفظ عليه بعض رموز الجماعة، وعلاقة الإخوان بأجهزة الدولة وعلاقتهم بالتيارات الأخرى في المجتمع، ورؤيتهم لأزمة معبر رفح الأخيرة، وغيرها من القضايا المختلفة.


محيط : لماذا توقف الكلام مؤخرا عن حزب الإخوان، وهل تسبب طرح برنامج الحزب في حدوث انشقاقات داخل الحركة فعلا ؟
أولا الحديث كله يدور حول البرنامج وليس الحزب، لأن الحديث حينما يتناول حزبا فإنه يتناول برنامج ومؤسسين وعضوية وتقدم للجنة شؤون الأحزاب، لكن كلامنا نحن مقتصر على برنامج الحزب، وهذا البرنامج نهدف من ورائه تعريف الرأي العام والنخبة بأفكارنا ورؤانا وأطروحاتنا حول القضايا المجتمعية المختلفة، فضلا عن القضايا السياسية والأوضاع الأخرى.


والحديث لم يتوقف ولكننا بعثنا لحوالي خمسين شخصا من النخبة ووصلتنا ردود من بعضهم، فضلا عما قيل في وسائل الإعلام عن الموضوع، وقمنا بتجميع كل هذا وفرزه وتصفحه من عدة محاور ومسارات، ثم عقدنا جلستي عمل مع النخبة ولا تزال هناك جلسات أخرى.


وقد توصلنا بشكل مبدئي إلى أن البرنامج يجب أن يكون أكثر تركيزا وتماسكا بحذف المكرر والأشياء التي لا لزوم لها ولن يتعدى 40 أو 50 صفحة ثم ستكون هناك ملاحق للقضايا المجتمعية المختلفة كالاقتصاد والمرأة والمشكلات العامة والصناعة والطاقة والزراعة وغيرها، بحيث يعبر عن رؤية الجماعة لتلك القضايا بتفصيلاتها، وسيراعى قضايا البطالة والفقر الذي يشمل السواد العريض من الشعب في النسخة الثانية من البرنامج، لأننا حريصون على أن تستعيد الطبقة الوسطى وضعها بعد أن تعرضت للتآكل .


وأؤكد أنه لم تحدث انشقاقات داخل الجماعة لأننا حريصون على استطلاع كافة وجهات النظر ونشعر أن تعدد الآراء يثري الفكر ويُنضج الرؤى حول القضايا المختلفة وفي النهاية يُحسم الأمر عن طريق الشورى.


محيط : تؤكد جماعة الإخوان على عدم وجود حوار مع الأمريكان والغرب بينما هناك لقاءات تتم بين نواب من الإخوان مع ممثلي هذه الدول، فما الهدف منها؟
هناك قواعد بروتوكولية نلتزم بها وهي تقتضي أن تتخاطب الرئاسة مع الرئاسة والخارجية مع الخارجية وهكذا ومؤسسات المجتمع المدني مع نظيراتها والمجالس النيابية تخاطب مثيلاتها، ونحن نؤسس لهذه المبدأ من ناحية، ونؤكد على أننا منفتحين على مراكز الأبحاث ومنظمات المجتمع المدني والأكاديميين على مستوى الغرب كله حتى أمريكا.


أما إذا أراد أحد من الإدارة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي الحديث معنا فلا بد أن يكون بعلم الخارجية المصرية، ولابد أن يكون معلوما هنا للكافة أن القضايا التي يتم الحوار حولها تكون في العلن، وخلاصة القول أنه لا يوجد حوار مع الإدارة الأمريكية وإنما الحوارات بين الأعضاء البرلمانيين.

معبر رفح.. ودور مصر

محيط : اتهمت جهات حكومية الإخوان بالمزايدة على موقف الدولة الرسمي من قضية غزة وحماس، فهل تتوقع صداما جديدا مع النظام بسبب هذا الموقف؟
نحن نعتبر أن القضية الفلسطينية هي قضية العروبة والإسلام واهتمامنا بها قديم قدم القضية والجماعة، وكان لنا مجاهدون على أرض فلسطين في أربعينيات القرن الماضي، والإمام الشهيد حسن البنا ذاته قضى شهيدا من أجل القضية الفلسطينية.


كما أننا في مواجهة شعب يتعرض لمحنة قاسية وظروف صعبة منذ سنوات طويلة ويعاني من الحصار.. شعب اُحتلت أرضه ودُنست مقدساته ويتعرض لعمليات تصفية وإبادة بشكل شبه يومي، وفي الثمانية أشهر الأخيرة تعرض لحصار رهيب فلا يوجد عنده غذاء أو وقود أو دواء أو كهرباء .

والفلسطينيون الذين اقتحموا معبر رفح فعلوا ذلك اضطرارا لأنه المنفذ الوحيد الذي يطلون منه على العالم، فضلا عن الأمل المعقود على مصر وشعبها والدور الذي يجب أن تقوم به مصر كقاطرة ليس في هذه القضية وحسب وإنما في كل القضايا الأخرى، وقد ثمنا على قرار الرئيس مبارك بإتاحة الفرصة لأهل القطاع لكي يتزودوا بما يحتاجونه.


ونحن نقول أن الأمن القومي المصري أمر نحافظ عليه جميعا وننظر إليه بعين الاعتبار ولكنه لا يتعارض مع دور مصر في مساعدة أهل القطاع، أما التجاوزات التي حدثت فإننا نرفضها جميعا وعلى السلطة الفلسطينية أن تضبط أي تجاوزات أو خروقات على الحدود، كما يجب أن يبحث الجميع عن وسيلة لفك الحصار، أو أن يظل المعبر مفتوحا ولكن مع ضبط حركة الدخول والخروج، لأننا نرفض رفضا قاطعا مسألة توطين الفلسطينيين في سيناء لأنها أرض مصرية صميمة، وإن كان هناك سيناريو من الصهاينة لتحقيق هذا المخطط فإنه أمر مرفوض منا ومن الفلسطينيين أيضا .







شعار الاخوان
محيط : لماذا فشلت وساطتكم بين حماس ومصر وفتح حول فتح المعابر؟
نحن حريصون على وحدة التراب المصري ووحدة الشعب الفلسطيني وإقرار شرعية أبومازن جنبا إلى جنب مع شرعية حكومة هنية والمجلس التشريعي، وحريصون على العودة إلى طاولة الحوار ودون أي شروط مسبقة، وثمنا على دعوة الرئيس مبارك للحوار، وأكدنا لـنبيل شعث حينما زارنا ضرورة أن تستجيب الأطراف إلي الدعوة دون شروط مسبقة .


ونحن نعتبر حماس كيانا مستقلا له وضعيته وهي صاحبة القرار فيما يعن لهم، وأقدر على تفهم مشكلاتهم، وإذا استشارونا فإننا نشير عليهم ولكنهم أصحاب القرار النهائي .


ولا ننسى أن اللوبي الصهيوني موجود في معظم الدول وفي مصر موجود بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو حريص على تسميم وتعكير سماء العلاقة بين مصر وحماس وبين الشعبين المصري والفلسطيني.


خلافات داخلية

محيط : هناك خلافات بين جيل الوسط والكبار في قيادة الإخوان، تظهرها أجهزة الإعلام وتدعمها أطراف رسمية.. هل تتوقع انقلابا من الداخل؟
من المستحيل أن تختزل الجماعة في فرد وهذا لو حدث سيكون كارثة عليها، والجماعة بها تنوع وتباين سواء على مستوى الأجيال أو الأفكار والأطروحات فضلا عن المشاعر فهناك المتحمس وهناك الرزين وهكذا.. ونقول دائما أن المناقشة تتم داخل مؤسسات الجماعة، ويتاح لكل صاحب فكرة ورأي ومشروع أن يدلى برأيه لأقصى مدى ويتم الحوار حوله، وإن كان متماشيا مع مصلحة الجماعة وسياستها ومصلحة الإسلام والوطن يتم اعتماده.


ولا يمكن أن يحدث انقلاب داخلي بالجماعة لأنها دعوة إلى الله وليست من أجل مصلحة أو منصب، كما أن من يدخل الجماعة يكون على علم بأنه يتعرض للسجن والاعتقال، وكلما يرقى في المواقع كلما زاد التضييق عليه وملاحقته.

محيط : لماذا توقفت مظاهرات الإخوان داخل الجامعات في الأحداث الكبرى، وهل ذلك له علاقة بإحالة بعض رموزها إلى المحاكم العسكرية؟

التظاهر وسيلة وليس غاية، فلا يمكن أن نقوم بعمل تظاهرة من أجل التظاهر فقط بقدر ما إذا كان هناك هدف أو قضية أو رؤية نريد طرحها على الرأي العام بخصوص هذه القضية أو تلك، وكل الأمور تبحث وإن كان هناك ثمة ضرورة للتظاهرة فإنها تقوم، ولم نتأثر إطلاقا بالمحاكمات العسكرية.


قوانين مرفوضة


محيط : وافق مجلس الشورى مؤخرا على مشروع قانون لمنع التظاهر في دور العبادة، وتستعد الدولة لإصدار مشروع قانون مكافحة الإرهاب.. ما هي رؤيتكم لهذه القوانين؟
بالنسبة لمنع التظاهر بدور العبادة فإننا نعتبره مشروع قانون ظالم ويستهدف إسكات أي صوت معارض وقمع أي احتكاك سواء ضد ما يحدث في مصر أو على مستوى العالم العربي.


من ناحية أخرى فإن المسجد ليس للصلاة فقط، وإنما هو أيضا للذكر والعلم ومناقشة قضايا الإسلام والمسلمين، وبالتالي فهذا القانون غير دستوري وغير شرعي، إضافة إلى أنه ليس هناك أماكن أخرى للتظاهر والاحتجاجات .

ومثل هذا الأمر المادة 179 من الدستور الخاصة بمكافحة الإرهاب وما سيتمخض عنها من قانون يجعل شئون الدولة في يد الأجهزة الأمنية ووضع الوطن كله في دائرة الاشتباه، وهذا سيؤدي إلى مزيد من انتهاكات حقوق الإنسان وبالتالي مزيد من التوتر والاحتقان وتعرض المجتمع للانفجار .

محيط : وهل تتوقعون أن تزداد المواجهة مع أجهزة الدولة إذا صدر قانون مكافحة الإرهاب؟
المواجهة قائمة بالفعل شئنا أم أبينا فمن غير وجود هذا القانون تُشكل لنا المحاكم العسكرية ويتم التضييق علينا وملاحقتنا ومحاولة مصادرة أموالنا كأفراد، وهناك أحكام قضائية تصدر لصالحنا يضرب بها عرض الحائط، ونقول أننا لن نتوقف عن الحراك السياسي والمجتمعي حتى لو كلفنا ذلك مزيد من الاعتقالات والإحالة إلى المحاكم العسكرية .


التيارات الأخرى والديموقراطية

محيط : الأقباط غاضبون من الإخوان, والليبراليون لا يفضلون وجود تيار ديني واليسار يرفض التعامل معكم.. مع من تتحاورون في المجتمع؟
هناك أزمة اجتماعية موجودة داخل الشعب المصري، والقمع لا يوجه للإخوان وحدهم، وإنما يوجه لجميع التيارات المعارضة، وهناك من يحاول تسميم العلاقة بيننا وبين الأقباط، ونحن حريصون على مشاركة الإخوة الأقباط في العملية السياسية وأن يكون لهم حضور في النقابات والمجالس النيابية والمنظمات المدنية.


ونحن نتواصل مع كافة التيارات من أجل مصر، ونعتقد أن قضية الإصلاح تحتاج إلى تكاتف كل القوى وتضافر الجهد، وإذا استطعنا أن نستعيد حرية هذا الشعب سيختار هو البرنامج الذي يريده.


محيط : البعض يتهمكم بازدواجية التوجه في قضية الديموقرطية وغيابها في ممارساتكم الداخلية، فما هي الديموقراطية التي تسعون لتطبيقها في مجتمع متعدد الطوائف والتوجهات السياسية؟
على العكس، فنحن نمارس الديموقراطية داخل الجماعة على أعلى مستوى وكل المستويات عندنا بالانتخاب حتى القيادات، ولا يمكن أن نصادر على رأي، والحوار يتم داخل مؤسسات الجماعة وفي النهاية الشورى تحسم الأمر، ونصوت على القرارات وننحاز للأغلبية ولو كانت بفارق صوت واحد .




أوضاع مأساوية للفلسطينيين
ومنهجنا يقوم على العمل وسط الجماهير وتقويتها والارتقاء بها بحيث تكون قادرة على المشاركة، لأن قوة الرأي العام الضمانة الوحيدة لأي ديموقراطية، وهب التي ستجلب الإخوان أو غيرهم وهي التي ستحاسب أي سلطة إذا تجاوزت أو انحرفت.


انتخابات المحليات

محيط : ماذا ستفعل الحركة في انتخابات المحليات المقررة في ابريل 2008، وهل هناك إمكانية للتحالف مع أي حزب لخوضها؟
نحن حريصون على المشاركة في الانتخابات بشكل عام، فهذا هو الأصل عندنا ولكن يتقرر في كل انتخابات ما يتقرر بحسب الظروف الراهنة. والأساس عندنا أن نشارك الآخرين على مستويات متعددة، وإذا كان هناك أماكن يوجد لحزب ما تميز فيها نتركها له، وإن لم يكن فإننا نطرقها، وهناك مواقع نشترك فيها مع الآخرين بنفس الكفاءة وهنا تتم المناقشة والحوار والبحث فيها بشكل مباشر.



محيط : شعار "الإسلام هو الحل" أصبح ممنوعا بقوة الدستور، فماذا سيفعل الإخوان في أي انتخابات مقبلة، ولماذا الإصرار على أنكم الممثل السياسي للإسلام في مجتمع متدين بطبعه؟
كل شيء يدرس في وقته، وعموما فهذا الشعار هو عبارة عن مفهوم يعني أن الإسلام نظام شامل وأن الإسلام كل يتجزأ، ومثلما هو دين فهو حضارة وبالتالي فهو لا يتصادم مع الدستور في مادته الثانية التي تقول أن الإسلام هو دين الدولة والمصدر الرئيسي للتشريع وبالتالي فإن هذا الشعار والمفهوم ينسجم مع الدستور، ولكل حال حديث بمشيئة الله .

وأقول في النهاية إننا جماعة من المسلمين ولسنا جماعة المسلمين وحيثما تتعدد الآراء تتعدد الجماعات، ونحن نعتبر أنفسنا فصيلا سياسيا له جذوره وامتداده على الساحة كلها .





مشاركة: حوارات: حوار مع فهمي هويدي

--------------------------------------------------------------------------------

الكاتب الصحفي والمحلل السياسي المصري لـ«السبيل»:
فهمي هويدي: أحذر من ضرب سوريا بعد القمة
تاريخ النشر : 01/04/2008 - 12:00 ص



حوار: همام عبد المعبود

اتهم الكاتب الصحفي والمحلل السياسي المصري فهمي هويدي الولايات المتحدة و«إسرائيل» بالسعي لإفشال القمة العربية المقبلة، المقررة في دمشق، مشيرًا إلى أنهما يعملان دائمًا على تكريس الانقسام بين الدول العربية لضمان استمرار مصالحهما.
وقال فهمي هويدي في حوار خاص مع صحيفة «السبيل»: الأمة العربية أمام لوبي أمريكي صهيوني يضغط ليشق الصف العربي، وللأسف هذا ما يحدث بالفعل، فالانشقاق يزداد، ولا تبدو في الأفق أية حلول قريبة لمشاكلنا.
وحذر هويدي من أن يؤدي فشل القمة إلى عزل سوريا عربيًا، وبالتالي وقوفها وحيدة في مواجهة أي مخطط أمريكي صهيوني، قد يصل إلى حد ضربها عسكريًا، كمحاولة لاستفزازها والاستفادة من الصمت العربي المخزي.
مزيد من التفاصيل في نص الحوار:
السبيل: كيف ترى الانقسام العربي قبل قمة دمشق؟
- هذا الانقسام تكريس لواقع نجحت في خلقه الولايات المتحدة الأمريكية و«إسرائيل»، حيث يسعى الطرفان إلى شق الصف العربي بكل ما لديهم من قوة، لضمان استمرار مصالحهما في المنطقة.
ولابد أن يعرف العرب جيدًا أن السياسة الأصلية للأمريكيين هي التفريق بين الشعوب العربية، وفق القاعدة الشهيرة «فرق تسد»، وذلك لما يعود عليها بالنفع، خاصة مع استمرار احتلالها للعراق، واستمرار احتلال فلسطين، مع سيطرتها الدائمة على نفط الخليج العربي.
كل هذه الأمور تجعلنا أمام لوبي أمريكي صهيوني، يضغط ليشق الصف العربي، وللأسف هذا ما يحدث بالفعل، فالانشقاق يزداد ولا توجد أية حلول لمشاكلنا قريبًا.
السبيل: بمناسبة الحديث عن الدور الأمريكي.. كيف تراه في اعتذار لبنان وعدم مشاركة الزعماء من مصر والسعودية في القمة؟
- الجميع يعلم أن الاعتذار جاء بضغط أمريكي لا محالة، وأذكر بأن مسئولا أمريكيا، أعتقد أنه تشيني أو رايس، سبق القمة بأيام عديدة، وقال لابد لجميع الدول العربية أن تتروى في قرار المشاركة في القمة من عدمها، وها هي لبنان تعتذر، والسعودية ترفض حضورها على مستوى الملك، وبالتالي مصر تشارك على مستوى وزير الشئون القانونية مفيد شهاب.
كل هذا ولا شك يصب في اتجاه واحد، ألا وهو المصلحة الأمريكية، والضغط الأمريكي على القادة العرب الذين لا يترددون في تنفيذ هذه المطالب، ولن أضيف جديدا إذا قلت إن أمريكا دائمًا ترفع شعار التقسيم هو الحل في المنطقة العربية، وتسعى بكل قوة لإفشال جامعة الدول العربية، لأنها تريد دائمًا أن تتعامل مع كل دولة على حدة وليس مع تجمعات أو وحدات.
السبيل: ماذا عن نتائج القمة المرتقبة.. كيف تقرأها؟
- لن يكون هناك أية نتائج إيجابية، ستكون هناك نتائج سلبية، نعم لكن إيجابية صعب، وخاصة في ظل هذا الانقسام الشديد بين القادة العرب، وفي ظل التدخل الأمريكي الذي لا يتورع عن أن يضغط ليستمر الجدال العربي حول أمور هامشية، فيما تستمر أزماتنا الحقيقية دون حل.
وأنا شخصيًا أرجو ألا يؤدي استمرار الخلاف العربي إلى اشتباك بين العواصم العربية، فلك أن تعلم أنه للمرة الأولى يحدث انقسام بين السعودية وسوريا، تعودنا أن نسمع عن خلافات مصرية سعودية لكن خلافات سعودية سورية لم تحدث من قبل.
وهو ما يكرس الدور الأمريكي في شق الصف العربي كما قلت مسبقًا، لأن أمريكا تشترط عدم عداء «إسرائيل»، وبالتالي من يتعاون مع «إسرائيل» فهو معتدل، ومن يرفض يدخل في دائرة العداء ولا يمكن التعامل معه.. هذا ما تكرسه أمريكا وما يطبقه القادة العرب للأسف.
السبيل: كيف تفسر عدم مشاركة مصر والسعودية على مستوى الرئيس والملك، واقتصارهما على وزير دولة من مصر ومندوب السعودية في الجامعة العربية فقط؟
- كما قلت هناك دور أمريكي في ذلك، لكني أرى أن الدور السعودي هو من سيؤثر على نتائج القمة، أما الدور المصري فهو للأسف في تراجع مستمر، ولم يعد لمصر أي دور قوي فيما يخص القضايا العربية.
أما فيما يخص السعودية؛ فسوريا من البداية كانت تعلم بعدم حضورها بدليل أنها أرسلت الدعوة إلى رئيس الهلال الأحمر السعودي، مما ردت عليه السعودية برفض حضور الملك والمشاركة عبر مندوبها في الجامعة العربية فقط، أي أن الأمور كانت واضحة من البداية بأن هناك خلافات بينية بين دمشق والرياض، ولكنها الآن تأصلت وزادت وبات من الصعب حلها، لكن مما لا شك فيه أن الخلاف حول قضية لبنان ليس مبررًَا لأن يمتنع العاهل السعودي عن حضور القمة العربية.
السبيل: وماذا عن سوريا بعد القمة؟
- بالطبع سيزداد الضغط الأمريكي على سوريا، بعدما خسرت طرفا عربيا مهما كالسعودية، وبالتالي ربما يكون لخروجها عن الإطار العربي، ووقوفها وحيدة في وجه أمريكا و«إسرائيل» ربما يؤدي لضربة عسكرية استفزازية إسرائيلية مستفيدة من الصمت العربي، وكالعادة لن يحدث أي رد فعل عربي.
وبالتالي فإنني أحذر من أن الانقسام العربي ستكون نتيجته احتلال سوريا أو توجيه ضربات عسكرية أمريكية إسرائيلية ضدها.
السبيل: وماذا عن القضية الفلسطينية في أجندة القمة؟
- لن يكون هناك أسوأ مما هو عليه، لكني أعتقد أن اليمن ستسعى لإدراج اتفاق صنعاء على أجندة القمة، وستحاول أن تجمع خالد مشعل المقيم في سوريا وعددا من قادة فتح على مائدة مفاوضات واحدة, لكني لا أرى أن يكون لهذا نتيجة جيدة في ظل تبعية السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس لأمريكا، وبالتالي هي سترفض أي حوار مع حماس، وبالتالي أي دور عربي في هذا الاتجاه سيفشل تمامًا.



رئيس الجمعية الدولية للطب النفسي : تعليم اللغة الأجنبية للأطفال يقلل من فرص إفراز مبتكرين
حوار: مي محمود


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
د. أحمد عكاشة د. أحمد عكاشة رئيس الجمعية الدولية للطب النفسي كان أحد ضيوف مؤتمر "لغة الطفل العربي في عصر العولمة" الذي عقد تحت رعاية الجامعة العربية مؤخراً، التقيناه على هامش المؤتمر وكان لنا معه هذا الحوار:

ما أهمية اللغة في حياة الإنسان؟
اللغة هي أحد مكونات الحضارة الإنسانية، كما أن المفردات الجديدة تلهم أنماطاً جديدة من التفكير، والوثيقة الدولية للحقوق اللغوية أكدت أن اللغة ليست أداة للاتصال فقط؛ بل هي مصدر أساسي لذاتية الثقافة لذلك دعت إلى العناية باللغة الأم واستخدامها في النشاط الثقافي والتعليمي.
ما علاقة اللغة بالهوية؟
اللغة هي أحد مكونات الهوية الواحدة فمثلا اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية في "أمريكا" و"إنجلترا" و"أسكتلندا" و"إيرلندا"؛ ولأن الهوية مشتركة فإنها تضفي طابعها الخاص على اللغة الأصل، فإذا تحدث أي فرد من هذه البلاد نستطيع أن نعرف جنسيته عن طريق اللهجة. ونفس الوضع في اللهجات العربية، حيث يستطيع المستمع تحديد الهوية الوطنية؛ وذلك لأن الهوية تعتمد على اللغة أكثر من أي شيء آخر.
كيف تتكون الحصيلة اللغوية للطفل؟
هناك أخطاء تقع فيها كثير من الأمهات، فهن يؤنثن المذكر ويذكرن المؤنث كنوع من التدليل، وهذا يؤثر في استقبال الطفل للمفردات؛ وذلك لأن الحصيلة اللغوية للطفل تتكون منذ الشهور الأولى وهناك الخلايا العصبية المسؤولة عن الحواس الخمس، وهذه الخلايا تزيد أو تقل حسب ما يتلقى الطفل في الشهور الأولى؛ لذلك يجب على الأم أن تتحدث مع طفلها كأنها تتحدث مع كبير ناضج حتى يستطيع استقبال اللغة واستيعابها، بالإضافة إلى أن رياض الأطفال تصر على تعليمه القراءة والكتابة، وهذا من أخطر ما يتعرض له الطفل؛ لأن المفروض في هذه السن أن يتعلم المهارات كالتفاعل الاجتماعي، واحترام الغير وهذه المهارات تزيد من تكوين خلايا صحية لإرسال اللغة.
ما أثر تعليم اللغات الأجنبية على لغة الطفل؟
في العشرين سنة الماضية نتيجة انخفاض مستوى التعليم أصبح كل أب وأم لديهم القدرة المالية أن يلحقوا أبناءهم بالمدارس الأجنبية فيتعلمون اللغات المختلفة على حساب اللغة العربية، ويصبح الطفل في تشتت فكر ينجح في الامتحانات ولكنه غير قادر على الابتكار؛ لأن الابتكار يعتمد على اللغة والفكر، وكلما كان متوحداً في منظومة ونسيج واحد كانت هناك القدرة على التجديد والإبداع والتحديث.
هل أثرت فوضى اللغة عندنا على قدرتنا على التمييز والتذوق؟
نعم أثرت فوضى اللغة في قدرتنا على التذوق الجمالي والأدبي فأصبحنا لا نميز بين القبيح والجميل؛ بل وأصبح تذوق الجمال مقصوراً على فئة خاصة.
ما دور وسائل الإعلام في تشكيل لغة الطفل؟
الإعلام له تأثير كبير على اللغة فالأفلام والأغاني فيها إسفاف لغوي شديد، والشباب والفتيات يحاكون نجوم في السينما والرياضة والفن مع أنه ليس لديهم أي مخزون لغوى، كما أن كل فضائية عربية تتحدث بلغة عامية فصحى، وليست العربية الفصحى مما تسبب في انتشار الفوضى اللغوية، ثم هذه الساعات الطويلة للمشاهدة تؤثر على نمو الأطفال لأن مشاهدة التلفاز ساعات طويلة يقلل من إفراز هرمون النمو ويقلل من استقبال اللغة.
ما أثر انعدام اللغة الموحدة في المجتمع العربي؟
في ظل انعدام اللغة الموحدة أصبح المجتمع بلا ثوابت وبلا اتساق، وهذه الفوضى في اللغة التي نعيشها في العالم العربي مليئة بالأخطار التي تؤثر سلباً على تطور الشخصية وتماسكها، فانعدام الوضوح في اللغة ينتج عنه تشوش في التفكير.
أخيراً ما عوامل نهضة الأمة العربية وعلاقة ذلك باللغة؟
إن نهضة الأمة العربية تعتمد إلى حد كبير على قدرتنا على التواصل بلغة موحدة ومحاربة فوضى اللغة، وفترة الطفولة هي فترة الاستقبال الأولى التي تضع الأساس لبناء الفكر والهوية واللغة على نفس الدرجة.


حوارات: حوار مع رئيس الجمعية الدولية للطب
نقل نايف ذوابه