مسلسل الزيزفون
صراع بين الجانبين المادي والروحي... وانتصار حرية التفكير


عُرض في الآونة الأخيرة مسلسل /الزيزفون/.. ولفت انتباه المشاهدين اسم المسلسل الغريب، الذي ينقل لنا صورة هذا النبات، المتميز برائحته الساحرة وجاذبيته الفائقة، مما يجعلنا نتعلق به لا سيما أنه لا يظهر إلا في فصل واحد... ويختفي ثانيةً...
لم تكن خطوط المعالجة الدرامية للمسلسل جديدةً، أو غير مطروقة سابقاً، إذ يدور أغلبها حول الفساد الأخلاقي الدائر ضمن السرقة والظلم والتهريب والخداع الإنساني والانتقام من الظالم.. من الطرف الآخر، الذي سلب كل شيء بوجود طرف خفي، يحرك الأحداث ويتلاعب، بخطوط الحبكة الدرامية، التي تتمحور حول تطور حركة الشخصيات وتنامي الأحداث واشتباكها مع الشخصيات الرئيسية، لاسيما عائلة «أبو سعيد» وعائلة «أبو الوليد» وشخصية أدهم، الشخصية الوهمية أو الصورية التي تدخل في حياة العائلتين، لينتقم منهما على طريقته، إذ يفتعل الأحداث ويفاقمها.. ليصل إلى النتائج التي تودي جميعها إلى دمار محتم.. أبو سعيد شخصية معقدة متناقضة مركبة، وهو محامٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍ متقاعد، استغل الثقافة والقانون بأشياء غير قانونية لمصلحته الخاصة، وحاول استغلال كلّ من حوله، جسد دوره الفنان القدير سليم صبري، وفي الوقت نفسه كان أباً متسلطاً متحكماً بمصير عائلته، يجبرهم على التمسك برأيه والالتزام بما يقوله، ويتدخل حتى بمصيرهم العاطفي، فيجبر ابنه الأكبر سعيد على الزواج من ابنة صديقه ويحرمه من هيفا حبيبته ابنة أبي الوليد، يعيش سعيد غريباً مع زوجته سميرة، وهي شخصية بسيطة مثالية تحب عائلتها وتحاول أن تحافظ على بيتها جسدت دورها الفنانة / لينا حوارنة/ رغم صغر مساحة الدور إلا أنه ترك حيزاً في المسلسل عامةً وعند المشاهدين، يلاحق سعيد هاجس حبه لهيفا، التي في البداية توافق أن تكون صديقةً مخلصةً له محاولاً إقناعها وإقناع المشاهدين بهذا الحب، يتضح في النهاية أنها الخاسر الوحيد، لأنه يحب ثروتها ولا يحبها لشخصها، وبقيت هيفا إلى النهاية واهمةً تعيش سراب الحب، الذي انتظرته وعانت كثيراً من أجله، واستطاعت الفنانة /واحة الراهب/ تجسيد الدور بتلقائية وعفوية وإقناع، وإزاء الطمع المادي استطاع سعيد أن يقنعها بالزواج.. لتكتشف في نهاية المسلسل أنه يريد ثروتها... تشترك شخصيات كثيرة هامشية وثانوية ويكون له دور أساسي في تحريك منحى الأحداث..
وفي المقابل.. هناك تيار آخر تيار الرومانسية والشفافية جسّده الفنان /ماهر صليبي/ بدور فنان رومانسي حالم بالتغيير، وعودة الأصالة يقع بحب ميادة ابنة أبي سعيد الفتاة الجميلة المتعلمة، التي تسعى وراء التغيير لكن التغيير المادي وحب التملك والمال، فيراودها حلم العمل الميداني بالمشاريع السكنية والاستثمارات، فتتزوج من الدكتور الذي يملك المال لتحقيق رغباتها وتنصاع لرغبة أبيها،... وقد تألقت الفنانة جيني إسبر بهذا الدور، هذه الخطوط العريضة للمسلسل الذي تتابعت فيه الأحداث وراء الشخصية الخفية أدهم، فيوقع ميادة بفخ الطلاق، ويعلم والد هيفا بزواجها السري فيموت، ويشرك أولاد أبي سعيد بعملية تهريب، يموت أحدهم ويصاب سعيد بشلل نصفي...
وفي النهاية يموت أبو سعيد بعد أن يعلمه أدهم بشخصيته الحقيقية... لكن المعالجة الدرامية للمشاهد لم تغفل دور الأمن، فغدت المطاردة والملاحقة من عناصر الأمن مستمرةً بالخفاء إلى أن اتضحت بشكل ملموس في نهاية المسلسل، وعندما يُسدل الستار في الحلقة الأخيرة يُلقى القبض على أدهم وتُكشف الأوراق، تسقط الأقنعة ويعود كل شيء على حاله... وينتصر التيار الروحي الذي جسده «مروان صليبي» بحبه لدمشق وحاراتها وياسمينها وعراقتها ومقاهيها... بحبه للشفافية والنقاء والحب الحقيقي، الذي لا تطاله المصالح.. فيلتقي ريمة الفتاة الشفافة... وها قد رأينا في المسلسل الحب والفراق وحالات صراع بين الجانبين المادي والروحي... وربما تكون خطوط المعالجة الدرامية مبالغاً بها بسرد الأحداث وتعاقبها وحركة الشخصيات السريعة، و قد تكررت في مسلسلات كثيرة.. لكن الجديد في المسلسل هو التركيز على التيار الرومانسي والجانب الروحي والحب الحقيقي.. حب الأصالة والعراقة والنقاء، وحرية الرأي في التفكير والاختيار الصحيح.. بلغت حلقات المسلسل سبع عشرة حلقةً، وشارك فيه عدد كبير من الفنانين مثل «نبيلة نابلسي - عبد الحكيم قطيفان- واحة الراهب - جيني إسبر - سليم صبري - أناهيد فياض - مروان صليبي» وهو من سيناريو وحوار وديع اسمندر وإخراج أنيسة عساف داغر، وما يلفت الانتباه ويشد المتلقيين هو التنقل بالإخراج، إذ انتقلت الكاميرا في تصوير المشاهد من دمشق القديمة، حاراتها .. بيوتها - ياسمينها - مقاهيها إلى الحياة العامة فيها.. كما تم تصوير مشاهد في محافظة اللاذقية ترصد حركة أمواج البحر وتتلازم مع الحالة النفسية للأبطال، واتخاذهم القرارات الهامة، وأضفت المشاهد الرائعة التي صوّرت لدمشق من الأعلى من جبل قاسيون، ملمحاً خاصاً إذ تظهر الأضواء المتلألئة، وتومىء بالجانب الروحي، وتتداخل مع انفعالات الأشخاص وضمن مسار الحبكة... يضاف هذا العمل الدرامي إلى الأعمال الدرامية السابقة، التي عملت على إلقاء الضوء على المشكلات الدائرة بالمحيط، ونقل صورة من الواقع إلى الشاشة الصغيرة... فتحيةً لكل من يعمل بالمجال الدرامي... ويعمل على تطويره.. وتشاركنا في الحديث عن المسلسل الفنانة /لينا حوارنة/ التي تقول عن دورها فيه:
«جسدت شخصية المرأة المظلومة، التي تحب زوجها وعائلتها وترعى أولادها، لكن زوجها يمثل الأنموذج السيىء للرجل، الذي لا يقنع بالواقع ويتطلع نحو الأعلى عن طريق الآخرين، ويطمع بالحصول على المال عن طريقهم ومن خلالهم وبالأحرى بعلاقته بالحبيبة المفتعلة /هيفا/.. وأعتقد أن هذا الدور يحمل الطابع الإنساني لأنه يمثل حال كثيرات من النساء المظلومات في المجتمع...»


مِلدة شويكاني