منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 5 من 5

العرض المتطور

  1. #1

    "حروف الجبّ" بين موجة الغضب و التشفير السياسي/ محمد الشحات محمد

    "حروف الجبّ" بين موجة الغضب و التشفير السياسي

    محمد الشحات محمد




    تكشف الأدبيات السياسية الحديثة أنه لم يعد للأوهام و أحاديث الصمت وجودٌ ، و إنما التركيز و الترميز و اليقظة .. ، و لأن الأدبيات السياسية لم تعد ألسنةً في الجدران ، فإنه أصبح على الأديب المبدع أن يكونَ مُلماًّ بمجريات الأمور ، و خصوصاً ذلك الأديب الذي يستخدم الإعلام البديل (النشر عبر الشبكة العنكبوتية) لما يتميز به هذا الإعلام من سرعة انتشار ، وقوة تأثير ، و مشاركة الجميع في تناول ماينشر عبر الشبكة العنكبوتية .. ، و لا يخفى أنّ المبدع الحقيقي هو مَنْ يستطيع التعبير بحنكة عن أحداث الواقع المجتمعي ، والربط بين هذه الأحداث و بين ما كان في الماضي ، و كيفية تحقيق الأحلام المستقبلية ، و لا يكون ذلك إلاّ بنشر أجهزة الاستشعار حول عرش الإبداع لإنتاج عمل أدبي على صفحاتٍ تتسم برصانة الحرف و طواعية المفردة و عُمْق التصوير و إيجاد الحلول غير المألوفة لأهم القضايا و أكثرها لمْساً للشعور الإنساني و الفكر القومي


    و تزداد أهميةُ العمل الأدبي بزيادة قدرة المبدع على غرس العلاقات الدلالية و الإيحائية بما يشبع الخبرات ، و يُفغّل كافة المجالات لإرسال أشعّة الأمل للمجتمعات برسم أهدافها نبضاً من الكلمات ،


    و بهذه الكلمات يتسنى للعالم تحويل التصوّرات الذهنية إلى أثرٍ واقعيٍّ يُمكنهُ التغلّب على التحديات و حماية الممتلكات من أي اغتصابٍ أو تطبيقٍ غير صحيح في ضوء الحقوق و المواثيق ، و من خلال كشف الجرائم و مرتكبيها ، و مخاطبة الثقافات المختلفة


    و من أهمّ ما يُميز المبدعين الحقيقيين قُدْرتهم على إعادة تشكيل وجه الحياة بلغةٍ رصينةٍ و صورٍ خلاّبة و معانٍ سامية ، و عفويةِ إلهامٍ ، و عقلنةِ المشاعر ، وسُرعةِ قراءةِ المستقبل


    و في قراءة لمجموعة "حروف الجُبّ" للشاعر المهندس محمود فرحان حمادي يُطالعنا عنوان هذه المجموعة الشعرية بموجةٍ من الغضب و "التشفير" لعدة سياسات متفرّقة ،


    فهو إذ يضغط على المجتمع الدّولي للوقوف على أسرار الجُبّ الذي أعلن عنه العنوان ، يُشير إلى أنّ الحروف لا تنال تعريفها إلاّ بإضافتها لهذا الجبّ ، و كأنّ عنوان هذه المجموعة –من خلال مبدعها- يؤكّد أنَ تقاسم تحرير قصائده و اعتقالها و انطلاقة حروفه لم يأتِ من فراغٍ ، و إنما نتجَ هذا التقاسم عن سياسة العصا و الجزرة التي تنتهج الوعود و العسْكرة ، مماّ يستدعي التعمّق في القراءة و ترقّب اضطراد النفس الشعري حتى الخاتمة/ الرسالة المَرْجوّة من هذا الإصدار "حروف الجب"


    و تتسم هذه المجموعة الشعرية بالتزامها باللغة العربية الفصحي والعروض الموسيقي ، والتدفق و البلاغة المُلْفتة ، مِمّا ينم عن شاعرية فذة تُشدُّ إليها رحال الذائقة التي ترنو للإبداع الأصيل ، كما تتسم مجموعة "حروف الجُب" بدقّة الوصف ، ورفض الاحتلال بشتّى صوره ، والدعوة للوفاق القومي مع الإقرار بأنّ القصيد يحْيا في صراعٍ مستمرٍ مع الحكمة التي تُصبح جمالاً مختلفاً عندما يترجمها الشعر جهاداً بالفكر و القلم ، وتستدعي "حروف الجب" أمكنة اللقيا مع المحبوبة و الذكريات التي حاول المُحتلّ الغاشم تدميرها بإنزال ستائر الرماد على المسرح الدموي ، و فسفرة الجثث للأجواء ،


    و تُعلن أيضاً هذه المجموعة الخروج على قوانين التشتّت الطائفي ، و تدعو إلى إدماج الجميع تحت لواء قصائد الإخوانيات ، و التي يجد فيها الشاعر محمود فرحان حمّادي ضالته ليبثّ مُحبيه مِن إخوة الإبداع ما يلْقاه ، و يسْرد آلامَ وطنه/ العراق ، و ما أصابه إثْر الاحتلال في عام 2003 وحتى الآن رغم إعلان أمريكا –زيفاً- أن قواتها القتالية انسحبت ، و ما بقي منها إلاّ لمساعدة القوات العراقية لاستعادة الأمن!


    و حول العنصرية التي يستخدمها الاحتلال رغم شعارات الحريّة التي يتشدّق بها تدور ساقية حروف هذه المجموعة بنكهةٍ خاصة لتروي أفدنةَ التمرّد على الوضْع الراهن في ظلّ غياب الأمن و الوعْي ، و تكشف ألاعيب بعض الدول المجاورة التي ترفض استقرار العراق ، ودوماً تحاول التدخل في شئونه الداخلية بإشاعة الفوضى و الفرقة بين أبناء البلد الواحد ، كما تُشيد هذه المجموعة الشعرية بقوة المقاومة و حقها حتى ينال العراقُ حرّيته و استقلاله ، و في هذا الصدد يذكر الشاعر عدة أماكن و مدن و قرى عُرفتْ ببسالة أهلها في الدفاع عنها ، كما يذكر أيام "الرشيد" و عصور الازدهار ، و تتداخل الذات الشاعرة مع القصيد ذاته عند محمود فرحان حمادي ...


    يقول في "مقتولةً يا عين المَها" :-



    وأنا والشعرُ سيّان
    فإن مات قصيدي
    فأنا مَن تدفنونْ
    فبماذا أُطرب الأسماعَ منكم
    وأُسلّي عطرَ هذا الجمع
    والأفكارُ باتت في غيابات السجونْ



    و في هذه القصيدة يتخذ من الشعر القصصي و سيلة اتصال بينه و بين مُحبيه ، ويشرحُ أنه كان قد غاب عن المدينة شهراً في سفر ، و عاد ليجدَ الصور المقلوبة و أدخنة الاحتلال تغطي السحابات!


    يقول :-


    جئتُه أمسِ وقد فارقته شهرًا
    لكي أكتبَ شعرًا في ابتسامات العيون
    فإذا عينُ المها مقتولةٌ
    وإذا الجسرُ حزين




    و على مدار مجموعة "حروف الجب" تتنوّع أغراض القصائد و أشكالها التصويرية ، بينما يربط بينها سهْمٌ إبداعيٌّ و احد ، يغزله الخيط الأسلوبي بشاعريةٍ مُتدفقة ،


    و مابين الشكل العمودي للقصيدة و التفعيلي تأتي الومضة كمقذوفٍ يُغير مسارات الأحلام الزائفة ، و يُوجِّهُها نحو العدل بعد ارتدائها ثوب الثورة الهادئة و العزف بحروفٍ شامخةٍ رغم الطلل النازف حنيناً إلى الماضي المجيد ، و يرنو شاعرنا إلى مستقبلٍ يكون لحرفه فيه شأنٌ مُستحقٌّ ، و مكانةٌ تليقُ بأصالته ..



    في قصيدة "طلل" نقرأُ سهماً له ثلاثة أسنّة مُدببة ، أمّا الأول ، فهو مُوجّهٌ لتعرية جرائم القوات الغازية ، و الثاني لتحريك المياه الراكدة في عروقِ الإخوّةِ العربية و الإسلامية و الإنسانية الدولية ، بينما يكون الثالث إعلاناً لقوة المقاومة و قُدْسيتها


    يستهلُّ القصيدةُ بخبرٍ مُقدّمٍ على المبتدأ "واهمٌ" ، و جاء هذا الخبر المُقدم على هيئة اسم فاعل ، أما المبتدأ فهو الجملة التي تبدأ بالاسم الموصول "مَنْ قال ..." ، و ما هذا القول الذي جعل صاحبه في نظر شاعرنا واهماً .. ، إنه النهي عن الكتابة حول الطّلل ..!


    و لدى الشاعر براهينه عى وجود هذا الطلل ، و الذي أصرَّ شاعرنا أن يأتي به نكرةً ، و غير مُعرّف رغم أنه عنوان القصيدة/ السهم و جوهر الهدف ، و خاتمته الداعية إلى رسالة التعمير و إعادة البناء



    و أول هذه البراهين هو ذبْح الشعر على الطلل الذي خلّفة الاحتلال الغاشم لأرض العراق الحبيب ، و تدميره لكلّ الأبنية عدا روح المقاومة ، و التي لم يستطع زيف الاحتلال النيلَ من حقّها الشرعيّ في التحرير ، و تحقيق الأمن القومي


    لقد دمّر عدوان الاحتلال الأبنية ، و حتى الصخور استوتْ قمَمُها بقاعدتها ، و لم يعد هناك مجالٌ لقصيدات الغزل الموصولةِ بالتراث ..!


    دمّرتْ أحلامُ الاحتلال في السيطرة - و لو بتصريحاتٍ زائفة أطلق عليها اسم الحداثة - دمّرت كل علاقات التواصل بين الأزمنة (ماضيها وحاضرها ومستقبلها) من ناحية الشكل ، و في ظل هذا الطلل ، و أتلال الرماد و الجثث يأتي التبجّح لِيسمّي هذا الانقطاع/الانفصال جمالاً ..!


    أيّ جمالٍ في هذا العرشِ المُدمّرة أركانه ، و تاهتْ حوله عقول السلاطين الدولية؟!


    و أي حداثةٍ تلك التي غطتْ بجهلها و حربها الضروس على الحرب التي قامت بين قبيلتي عبسٍ و ذبيانٍ ، واستمرت أربعين سنة بسبب سباق بين فرسين (داحس و الغبراء)؟!


    و قدْ استخدم الشاعر هنا لفظة "ألغى" بمعنى غطّـْى غطاءً شديداً للدلالة على أن جهالة هذه الحرب و القائمين عليها أكبر بكثير من حرب الفرسين داحس و الغبراء ..


    إن في الحرب على العراق عودةٌ للجهالة ، و تعطيل العقل الإنساني ، و تفريغ لشحنات ازدواجية المعايير ، و قلْب للموازين/ القوانين الموروثة ، و التي كفلتها وثائق حقوق الإنسان الدولية .. يقول شاعرنا :-



    وَجَمالٌ لِلْحَداثَهْ
    نَوَّرَ الحَرْفَ وَأَلْغى
    عَصْرَ ذُبْيانٍ، وَعَبْسٍ
    وَقوانيْنَ الورَاثَهْ
    وَبَنى عَرْشَ قَصيْدٍ
    حَوْلَهُ تاهَتْ سَلاطيْنُ الدّولْ




    و يعودُ شاعرنا ليؤكّدَ هذا الخبر المُقدّم في قوله "واهمٌ" لأن هذا الخبر من أهم الأنباء و أجْدرها بالتحليل و إيجاد الحلّ السريع .. ، و إذا كان في أول القصيدة كان المبتدأ المؤخر هو الاسم الموصول "مَنْ" ، فإن شاعرنا عند إعادة نشر الخبر و توكيده يجعل المبتدأ ضميراً مُستتراً تقديره "أنتَ" ، ليفصح عنه بقوله "ياصاحبي" للتقريب و الدعوة للعقلانية في تقييم الأمور ، واتخاذ الحلّ/الموقف المناسب ..


    يقول محمود فرحان حمّادي :-


    "واهِمٌ يا صاحِبي إنَّ بِلادي
    أَصْبَحَتْ في جَبَروْتِ المُعْتَدي
    مَحْضَ رَمادِ
    مابِها غَيْرُ بَقايا لِطَلَلْ"



    و في هذا الجزء يحذف علامات الترقيم ، و يدخل مباشرةً "إن بلادي .." حتى لا تكون هذه العلامات حائلاً بين الشاعر و صاحبه/ المتلقى بشتى أنواعه .. ،


    و يؤكد الشاعر للمرة الثالثة أن ماتبقى سوى "بقايا أطلال" ، و هذه البقايا إنما هي مانجحت فيه المقاومة لتمنع المحتلّ الغاصب من استكمال مآربه في القضاء نهائياًّ عن البطولات ، و رجال نُصرةِ الحقِّ ،



    و كما جاءت حروف القصيدة/ السهم "طلل" ، فقد أكدت قصيدة "حروف الجب" هذه الرسالة ، و تفاصيل/ براهين أُخرى للطلل الذي خلّفه هذا الاحتلال .. يقول في مطلع "حروف الجب" :-



    على جدران أحلام الطغات .... دفنت بمعولي وجهَ الحياةِ



    و بالتدقيق بين هذا البيت الذي يستهل به قصيدته العمودية "حروف الجب" و استهلال قصيدته التفعيلية الومضة "طلل" يُمكننا ملاحظة التقديم و التأخير في استهلال القصيدتين ، فهو إذْ قدّم في الأولى الخبر ، فقد قدّم في الثانية شبه الجملة من الجار و المجرور "على جدران .." ، و هكذا ، فهو يبدأ بماهية الخبر ، ثمّ يأتي ، بالتفاصيل ، و لعلّ عمل شاعرنا "محمود فرحان حمّادي" بالصحافة أكسبه هذه الحرفية في شدّ القارئ ، و كذلك نجد إصراره على تعرية وشجب الاحتلال الطاغي ، فهو إذ يعتبر مآرب هذا الاحتلال أحلاماً ، فهو يؤكّد أن مَنْ يتستر عليه واهمٌ لأنه هناك المقاومة و الصمود ، و عدم الاستسلام


    و الشاعر إذْ يدعو إلى تحريك المياه في العروق ، هو أيضاً يُعلن عن هذه المقاومة "و دفنتُ بمعولي وجْه الحياةِ" .. ، مِمّأ يؤكد اعتزازه بنفسه و هذا المِعول الذي يدفن به وجه الحياة ، و هذه الحياة إن كانتْ للمحتلّ فسيدفنها ، و إن كانتْ له مقابل التستر على العدوّ ، فسيدفنها أيضاً لأجل إتمام مايؤمن به ، و هو تحقيق العدل و الحرية و البناء في أرض العراق المجيد


    و بالتدقيق أيضاً بين كل قصائد المجموعة -وكما هو واضح سلفاً- نجد حرص الشاعر على استمالة الشعور الوطني ، و استدعائه للتفكير ، و استخدامه للبراهين عندما يُدخل العام في الخاص سواء كانتْ القصيدة مديحاً أو رثاءً أو حتى تتميز بالشمولية الترميزية غير الهلامية ، و أرى كذلك أن تخصّصه في الهندسة المدنية قد ساعده على البرهان التخيّلي ، و التشييد للمعاني بألفاظ رصينة ، و تصميم حديثٍ ، و تفكيرٍ يُناسب مساحة الموضوع .. ، كما نلاحظ في هذه المجموعة تكرار عدد من الألفاظ بعينها ، مِماَّ تعدّ قاموساً لغوياًّ لهذه المجموعة الشعرية "حروف الجبّ" و لمبدعها الشاعر العراقي العروبي و المهندس الصحفي محمود فرحان حمّادي



    أماّ عن أهم الموضوعات/ المضامين التي تناولتها هذه المجموعة ، فهي تتلخص في الآتي:



    (يتبع)

  2. #2

    رد: "حروف الجبّ" بين موجة الغضب و التشفير السياسي/ محمد الشحات محمد

    (تابع)

    أماّ عن أهم الموضوعات/ المضامين التي تناولتها هذه المجموعة ، فهي تتلخص في الآتي:
    (1) الدعوة للقيم السامية كالوحدة و التسامح و الإيثار ، وعدم ازراء الرموز الدينية
    تُفصح هذه المجموعة عنْ اتفاق اشعب العراقي و رموزه على الوحدة و التسامح بعيداً عماّ أعلنته بعض وسائل الإعلام ، و فردتْ مساحات لوجود تناحر بين الطوائف الدينية ، وقامت بالتعتيم على العلاقات الطبيعية بين هذه الطوائف سواء الإنسانية و الجوار أو المصاهرة ، هذا فضلاً عن كونهم أبناء بلدٍ واحدٍ ، و مصابهم واحد ، و آلامهم مشتركة ، و لاخلاف بينهم ، و هل الخلاف بين هذه الطوائف في واقع الحال أشد من الخلاف بين الشرائع؟ و هل معايشة أصحاب هذه الطوائف أصعب من التعايش بين معتنقي شرائع مختلفة؟ و أليس الإسلام دين التسامح والمعاملة و قبول الآخر؟
    إنّ أبناء العراق بكل طوائفهم كشفوا النقاب عن زيف الشائعات و ألاعيب ساسة التفريق الذين يريدون أن يضمنوا لأنفسهم دوراً إقليمياًّ واقتصادياًّ على حساب حضارة العراق ، و أزاهير الإبداعات ، و تفتيت الوحدة بين أبناء هذا البلد ، وكذلك إجهاض وحدة العراق مع البلاد العاملة بالتسامح الديني والصبر للنهوض بالإنسان داخل هذه البلاد
    لقد آن الأوانُ أن يظهر ممثلوا الأوقاف المختلفة (سنّة ، شيعة ، .. وغيرها) في وسائل الإعلام ، وعلى منابر المساجد ، وفي حلقات الدروس بالمدارس والجامعات و الملتقيات ليُعلنوا أنهم أشقاء ، و ما اختلاف الطوائف إلاّ كاختلافٍ إداري أو نقابيّ لأبناء البلد الواحد ، و الجدير بهم التماسك ضدّ الغزاة .. يصف "حمادي" حاله في قصيدة طلعة الأسد:-
    شوقٌ قطعتُ له في حرقةٍ كبدي
    ورحت أكتبُ ما تملي عليَّ يدي

    و بتُّ ليلي و الأنا على مضضٍ
    أسامر النجمَ و الأشواق في كمدِ
    و من حاله الخاص يُوجّه دعوته للعموم حتى يُبيّن أن في التماسك والصبر والعمل الجاد نجاحاً يمحو ما أثاره الاحتلال من تدمير ، كما يمحو الموج زبد البحر ، و فقاعات الهواء .. يقول:-
    هذا التتار غزا بغداد ثانيةً
    فضجّت الأرضُ مماّ حل بالولد
    لكنّما الصبر و البأساء إن جمعا
    ففيهما الموج يُخفي رغوة الزبدِ
    لقد اختار شاعرنا هنا حرف الرويّ هو الـ "دال" و جعل حركته مكسورة لتناسب الكمد المخزون و الانكسار الذي يُريده الغازي التتاريّ الجديد ، وهو يُسقطُ على الاحتلال الذي قادته أمريكا في عام 2003 ، و إن كانت جيوش التتار في السابق تسترتْ –زيفاً- بالصليب ، فإنّ هذا التتار الثاني جعلها حرباً دينية ، وبِمُسمّى الحرب ضدّ الإرهاب !
    و الشاعر لا تهمّه المسميات بقدر اهتمامه بالعمل والنتائج ، و أهم الأعمال العودة لله ، و غصلاح مافسد ، واستعادة القوة التي عرفتها الساحات عن الجيش الإسلامي الذي لا يحاربُ إلاّ بالحق ، ويرفض احتلال أراضيه ، و يستثمر شاعرنا شهر رمضان ليكتبَ في استقباله ، و مُذكّراً أنه شهر الانتصارات ، وتلك الانتصارات التي تُمثّلها غزوة بدر ، وعين جالوت ، وحطّين ، و ختامها حرب العاشر من رمضان على أرض سيناء المصرية ، و كانت هذه الانتصارات مع الصوم و العبادة و التوبة .. يقول في قصيدة "رمضان وافى" :-
    قُمْ حييّ شهراً نورُهُ وضاّءُ
    بجلاله عمّ الوجود سناءُ
    و حتى يصل إلى ختام القصيدة بقوله :
    رمضان فيكَ خصّ عباده
    بالخير إن هم للحقيقة جاءوا
    في توبةٍ و تضرّعٍ و ندامةٍ
    إذْ ذاك يُسعدُ مذنبٌ خطاّءُ
    و يظلّ جيش المسلمين على المدى
    تخشاهُ في ساحاتها الأعداء
    و في هذه الأبيات يُحسن الشاعر استهلال قصيدته وخاتمتها ، و يُعطّر القلب بنفحات الشهر الكريم ، و قدْ برع في استخدام فعل الأمر "قُمْ" في أول القصيدة ، و إلحاقه عبر الجار والمجرور بجلال الشهر ، حتى اختتم بالإشارة إلى انتصارات رمضان و قوة جيش المسلمين المُكتسبة من العمل/ قُم ، والتمسك بالتعاليم الشرعية .. ، وهل بعد ذلك قوة؟
    و في ظلّ القوة يكون التسامح و الوحدة و عدم ازراء رموز الشرائع السماوية ، و منْ هذا المنطلق و حول الرسوم المسيئة للرسول الكريم "محمد" صلوات الله وسلامه عليه يردّ الشاعر محمود حمادي بقوله في قصيدة "حاشا أبا الزهراء" :-
    فإلام نبغي من عدانا عزةً
    والعزُّ ثوبٌ خاطه الإسلامُ
    يا أيها المبعوثُ فينا رحمةً
    كلت بوصفك سيدي الأحلامُ
    والمدحُ الافيك يُصبحُ جثةً
    تمشي على أوصالها الأقدامُ
    قد خصك الله العظيم بشرعةٍ
    ولَّت بها الأوثانُ والأصنامُ

    و في قصيدة "العرش" يدعو إلى وحدة الصف ، ولمّ الأشلاء ، ويؤكد أنه بالإيثار و التسامح سيكون البناء على أسسٍ من الأخلاق و الإبداع .. يقول:-
    فدعوا التنابز بالعيوب فإننا
    قلبٌ يظلُّ لأهله توّاقا
    لمّوا الصفوف و وحّدوا أشلاءكم
    سنعيدُ بالإيثارِ حلو تسامحٍ
    نبني به للمبدعين عراقا
    و يظهرُ جلياًّ مدى تأثّر الشاعر بالموروث الديني ، و في هذه الأبيات يتأثر بقوله تعالى "و يؤثرون على أنفسهم ، ولو كان بهم خصاصة"
    و بقوله تعالى " ولا تنابزوا بالألقاب"
    و في دعوته لصلاح مجتمعه كله و تشبيهه للمجتمع بأنه قلبٌ يتأثر بالحديث الشريف "ألا في الجسد مضغة ، إذا صلحتْ صلح الجسدُ كلّه ، وإذا فسدتْ فسد الجسد كله ، ألاَ و هي القلب"
    (2) شعر الإخوانيات وطرْح القضية الوطنية على مختلف الأغراض
    اعتاد الشاعر محمود فرحان حمادي ، و كما تُفصح قصائد مجموعتة الشعرية "حروف الجب" على مشاركة إخوانه و محبيه فيما يمرّ به و يعاني منْ جرّاء سقوط بلاده تحت سيطرة الاحتلال الغاشم ، و يأمل في بثِّ إخوانه مايلقاه أنْ يجد منهم العون و المساعدة للتخلص من هذا الاحتلال الغاشم ، وكذلك يأمل في طرح قضية بلاده على المجتمع الإنساني و كلّ المعنيين بالحقوق والمواثيق الدولية ، و فوق كل ذلك إيماناً و عملاً بالحديث الشريف "ترى المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كثل الجسد الواحد .. إذا اشتكى منه عضو تدَاعى له سائر الجسدِ بالسهر والحمّى" ، وكما يطلبُ الشاعر من إخوةِ الإنسانية الوقوف بجانبه ، فهو أيضاً يقف بجانبهم عند الأزمات .. ، فها هو يقفُ مؤازراً أخيه الشاعر د.سمير العمري ، ويهديه قصيدته "دعاء القلب" التي
    يستهلّهاُ الشاعر محمود فرحان حمادي بالدعاء له ، ثم يؤكد على مكانة د.العمري الشعرية .. يقول حمادي:-
    سألتُ الله أن يُبقيك ذُخرا
    و أن يسقي عداكَ السمَّ مُراَّ
    سألتُ الله أن يُبقيك فينا
    فنسمع منكَ آداباً وشعرا
    و في البيت الثاني يُكرّر -توكيداً- أنه يسألُ الله عزّ وجل نصرة أخيه وبقائه ، مماّ يُبيّن مدى إخلاص شاعرنا في نصرة أخيه .. ، ويؤكّد على الإتيان بلفظة "شعرا" رغم أن الشعر ضمن الآداب ، و لفظة الآداب ذُكرت قبلها ، ولكن شاعرنا أراد أن يُظهر الشعر مُستقلاًّ تكريماً لكوْنِ صديقه الشاعر في الأصل !
    و في قصيدة يُهديها "محمود حماّدي" إلى صديقه الشاعر ماجد الغامدي بعنوان "عذرية النطق" يقول حماّدي :-
    دَعْني أَبُثُّكَ ما نَلْقاهُ مِنْ عَنَتٍ
    وَمِنْ ضَياعٍ، وَمِنْ ذُلٍّ، وَإِلْحادِ
    نَحْنُ الضَّحيَّةُ والجَلادُ أَرَّقَنا
    ما أَقْبَحَ العيْشَ في أَحْضانِ جلادِ
    سَبْعٌ عِجافٌ شَرِبْنا مِنْ مَرارَتِها
    ذُلاً تَجاذَبّنا في لَيْلِها الصّادي
    هذي بِشارَةُ خيْرٍ مِنْ مَحَبَّتِكُمْ
    وافَتْ مُهَفْهَفَةً في خيْرِ أَبْرادِ
    عُذْريَّةَ النُّطْقِ مِنْ أَمْجادِ دَوْحَتِكُمْ
    تَزْهو رُؤاها بِأَحْلامِ ابنِ عبَّادِ


    و ينتظر دوماً من الإخوةِ مؤازرته في هذه القضية القومية/ قضية تحرير العراق
    يستهلُّ قصيدة "أخا الندى" بقوله:-
    أترقبُ الكلمات على أفواهكم
    لأصوغ منها بلسماً لجراحي
    و يظلُّ يبثّ الأصدقاء ما يعانيه ، و يستخدم كلمة "أشكو" أيضاً بمعنى "أبثُّ" في قوله:
    فأبيتُ أشكو الطالعاتِ لواعجي
    بمتاهةٍ بعدتْ عن الأفراحِ
    و تُبين نبضات هذه القصيدة حنينه للأحبة والوطن ، ويُبدي الشاعر شوقه للفرات و أيام الصبا!
    (يتبع)


  3. #3

    رد: "حروف الجبّ" بين موجة الغضب و التشفير السياسي/ محمد الشحات محمد

    (تابع)
    و في قصيدته "نعم الرحيل" التي كتبها في رثاء الشهيد "فلاح" يرفضُ الشاعر أن يحسبُ بقصيدته راثياً لهذا الشيخ ، و إنما يؤكد أنه جاءَ يُزجي الفخر للأجيال التي مشتْ في جنازته ، وخصوصاً أولئك الأبرار ، مماّ يؤكد مكانة الشيخ فَلاَح ، و غرس سبب هذه المكانة في نفوس وقلوب الأجيال ، و يُبيّنُ شاعرنا "حمّادي" أن المكانة الحقيقية لذوي الأخلاق ، وذلك بتكرار عبارة "ياطيب الأخلاق" في القصيدة ... يقول:-
    ما جئتُ في شعري لبابك راثياً
    بل جئتُ أُزجي الفخر للأبرار
    و في المديح كذلك يُحافظ "محمود فرحان حمادي" على العلاقة بين الممدوح و الرسالة المَرْجوَّة من كتابة القصيد ..
    يقول في قصيدة "أبكار المعاني" ، والمُهداة إلى درويش البغدادي :-
    إليك تحيّةً من قلب صبٍّ
    تُضاهي أعينَ الغيدِ الحسانِ
    إليك خريدةً عصماءَ جاءت
    مضمّخةً بأثواب الحنانِ
    لستار الأنامِ عرفتُ عبدًا
    يُشارُ إليه دومًا بالبنانِ
    وفي نظم القريضِ تراه شيخًا
    جليلاً ما له في الشعر ثانِ
    يُعطّرُ مسمعَ الدنيا بشعرٍ
    له سجد (المعرّي)و(ابن هاني)
    يصوغُ الشعرَ في نسقٍ فريدٍ
    لنا يحلو كحبّات الجُمانِ
    و لأن درويش البغدادي كان شاعراً ، فقد أتقن شاعرنا "محمود حمادي" في اختيار الألفاظ ، واستدعى من رموز الشعر أبا العلاء المعري و ابن هانئ ، و إنْ كان يبدو التعبير غير سليم في قوله "له سجد المعرّي وابن هاني" لأن السجود لايكون لشعرٍ أولشاعرٍ مهما كانت الجودة ، و إنما فكّ هذه الإشكالية يكمنُ في أن المعري وابن هاني عندما سمعا شعر البغدادي سجدا لله خشوعاً لأنهم وجدوا مَنْ هو أعرفُ منهما بقدْر الشعر الذي وهبه الله إياه .. ، و على غرار قصةِ موسى عندما سجد السّحرة أمامه ، فلقد كان سجودهم خشوعاً لله لأنهم عرفوا أن ما أتى به موسى هو من عند الله ، و كذلك فلقد بيّن الله عز وجل لموسى أنه هناك مَنْ هو أعرفُ منه بأمورٍ لايعرفها موسى ، وقد كان الأمر لموسى بمصاحبة هذا الرجل الصالح "الخضر"

    (3) محاربة الجهل و امتداد الصراع بين الميليشيات
    تؤكد مجموعة "حروف الجب" للشاعر محمود فرحان حمادي على محاربة الجهل الذي يساعد الاحتلال ، و يجعل من أرض العراق تربة خصبة للصراع بين الميليشيات التي جاءت مع الاحتلال ، و منها من تدرّب في الدول المجاورة لتنفيذ أجندات خارجية فوضوية ، و من الجهلِ التي تُحاربه "حروف الجبّ" هو هذا الخلط بين المقاومة العراقية ، و عمليات التفجيرات المتكالبة على العراق .. ،
    و هنا تثارُ عدة أسئلة لتفسير أسباب امتداد الصراع ..
    - هل المقاومة العراقية تقتل مواطناً عراقياً؟ لا يكون ذلك إلاّ من قبل الميليشيات التي جاءات على دبابات الاحتلال ، و هل القنابل اللاصقة و الأسلحة الكاتمة للصوت التي تمّ تحريزها في مواقع التفجيرات صُنعت في العراق؟ لقد أكد الأمن العراقي أنها كان مكتوباً عليها باللغة الإيرانية .. ، و هل انتهى الاحتلال الأمريكي؟ من المؤكد أن دولة العراق مازالت تخضع للسيطرة الأمريكية ، وبحكم خضوعها للبند السابع .. ، و هل للموساد الإسرائيلي دورٌ في امتداد الصراع ونشر الفوضى؟ تشهدُ بذلك عمليات السرقات للآثار العراقية بمجرد دخول القوات الأمريكية واحتلالها للعراق ، وكذلك تشهد الاحتفاليات التي مازال الموساد يقيمها تحت حماية الطائرات ، وبحضور رجال الأعمال الإسرائيليين ، و هل من المعقول أن تقبل إسرائيل أن تعود العراق إلى ماكانت عليه كقوة استراتيجية عربية في المنطقة؟ وهل أي اتفاقيات تعقدها حكومات العراق يُمكن الاعتماد علي مصداقيتها وهي في ظل الاحتلال والضعف؟ و متى ينتهي الاحتلال؟ و هل تأكّد للجميع أن أمريكا مُحتلة للعراق كما أشارت الأمم المتحدة ، وليست مُحرّرة للعراق كما تتضمن كتب التعليم الحالية؟
    و أخيراً .. لماذا يتم القبض على المواطن من محافظات شمال العراق ويُطلق عليه "الإرهابي" ، و من يتم القبض عليه من الجنوب العراقي يُطلق عليه "المطلوب"؟
    كلّها أسئلةٌ دارتْ بذاكرتي ، و أنا كنتُ أتصفح هذه المجموعة الشعرية ، و توقّفتُ كثيراً عند قول الشاعر "محمود فرحان حمادي" في قصيدة "المعاني الحسان جياع":-
    سادةُ الحرفِ في المنافي عبيدٌ
    والبهاليلُ في الحداء رعاعُ

    و قوله :
    غارقٌ في الصراعِ بيتُ قصيدي
    ليت شعري متى يكفُّ الصراع
    و تقريريته الشعرية:-
    و أفقنا على انتشار الصباحِ
    بجراحٍ قدْ ضُمّدت بجراح
    و استفهامه التعجبي في:-
    كيف يحلو بمربع الذلّ عيشٌ
    لكبيرٍ يبغي النفوس كبيرا؟
    و حتى الحكمة التي لفّها الشعر في :-
    قُلّبٌ أوجه الحياة ، فَوَجهٌ
    يتحدّى ، وأوجهٌ كالحيارى
    و يمتدُّ بثّ الحال لأصدقائه حتى في قصيد الرثاء التي يُهديها إلى الشهداء
    يقول في قصيدة "شهيد العلم" التي يهديها إلى الشيخ الدكتور عبدالجليل الفهداوي مُحارباً الجهل:-
    إذا ما سالت الوديان غيثاً
    فمناّ الغدرُ عن جهلٍ يُسالُ
    و يبدو أن الحزن هنا أثّر على موسيقى الشطر الثاني من البيت الذي يقول فيه :-
    فلاسيف لسعد في حمانا
    ولا الأذان يرفعه بلالُ
    (4) الاعتزاز بالوطن و الشعر و ضمير القلم
    يعتزّ الشاعر "محمود فرحان حماّدي" بأنه مواطنٌ عراقيّ ، كما يعتزّ بعروبته و شعره ، و يجعل من حرفه سلاحاً حراًّ ، و إعلاماً نقياًّ .. يقول واصفاً بغداد ودجلة والفرات في قصيدة "وهو حرفي" :-
    ذاك حصني إذا عدتني خطوبٌ
    سامقٌ مالنا سواهُ بديل
    فيه بغداد معلمٌ لقلوبٍ
    عنْ هداها مر المدى لا تميل
    قلعةٌ شيد إرثها باتئادٍ
    فهضابٌ مبسوطةٌ وسهولُ
    وجبالٌ بتيهها شامخاتٌ
    كلّ صقعٍ من حولهن ضئيل
    ويستمرُّ في الوصف حتى يصل إلى روعة التشبيه في قوله :
    بلدةٌ يعشقُ الخلودُ مُناها
    فحفيفي في وجنتيها طويل
    و يا للشموخ في قوله:-
    غيمة الحير إن تخطت رباها
    فلها البدر عائدٌ والجميل
    و يقول في قصيدة "توسّدوا الحرف" :-
    أصالةُ الحرف يبقى سرُّها غرداً
    بما يسطره في زهوه القلم
    و حتى يقول:-
    يظلّ جذلان في ترنيمه قلمٌ
    تحلو بألوانه الأشواقُ و الحكم
    و يُبيّنُ هنا الشاعر محمود حمادي أن للإبداع أصالةً لاينالها إلاّ مَنْ وهبهم الله هذا الإبداع ، وليس واقع المتسلقين واللصوص إلاّ كزيف اغتصاب الحقوق ، والرفعة جمراً- على أكتاف المبدعين الحقيقيين
    و شاعرنا يصف حال مرضى القلوب و فاقدي الضمير الذين انتشروا ، وخصوصاً بعد النشر الألكتروني ليسرقوا إبداعات الآخرين ، وينسبونها –زوراً- لأنفسهم و العياذ بالله ..
    إنها رسالة الإبداع في مواجهة هذه الظواهر القبيحة ، وتعرية كل مَنْ تُسوّل له نفسه لمصّ دماء الإبداعات التي خرجت من شرايين المبدعين ، و هنا يُعلنُ الشاعر عن ضمير القلم ، و يرفع شعار "الكلمة أمانة و الموهبة رسالة"
    و إذا كانت كل القضايا الناجحة دوماً تبدأ بعدد من العقبات ، وكل جديد مُحارب حتى يُصبح قديماً ، وفي الآونة الأخيرة اتخذتْ العقبات أسلوباً غير إنساني أو ديني ، وهو سرقات مجهودات الآخرين أو محاولة تشويهها حتى وصل الأمر إلى الموهبة ..!! ولكن بالإخلاص لهذه الموهبة يكون النجاح ، و بالاعتزاز بالشعر في ضوء الضمير يكون للقلم مكانته التي كرّمه الله بها في القرآن الكريم

    (يتبع)



  4. #4

    رد: "حروف الجبّ" بين موجة الغضب و التشفير السياسي/ محمد الشحات محمد

    (تابع)






    و حول حروف الإبداع و دورها في مناهضة الاحتلال و الجناة يقول في قصيدة "حروف الجب":-

    يؤرّق أحرفي الابداعُ حتـى
    تمازج لونها بـدم الجنـاة
    وتهفو كـلُّ أفئـدة الرزايـا
    لضوء قد سكبت به دواتـي




    و في قصيدة "شامة الأقطار" يتغنّى ببغداد ، ويشير إلى خمور الشعر الحلال ، و يفتخرُ بحيّ "الجولان" أكثر أحياء مدينة الفلوجة الصابرة صموداً أمام المحنة .. ، وشاعرنا "محمود فرحان حمادي" أحد رموز الإبداع في مدينة الفلوجة ، و صاحب الامتياز و رئيس تحرير مجلة "روافد" التي تصدر عن المجمع الثقافي و الأدبي بالفلوجة ... يقول:-
    يا شامةَ الأقطار تلك قلوبنا
    تهوى "الرشيدَ" وتعشقُ "الخيّاما"
    تهوى "الرصافة" إذ يهبُّ نسيمها
    وتذوب في "الكرخ" العزيز هياما
    فتحية للرافدين نصوغها
    ولماء "دجلة" و"الفرات" سلاما

    و حول استعداد شاعرنا للجهاد في سبيل تحرير الأرض يقول في قصيدة "وتبقى الأروع":-

    أرضٌ يطيرُ القلبُ نحـو ربوعهـا
    غَرِدًا إذا داعي الجهادِ بهـا دعـا
    يمّمت شطرَ الحسنِ فـي جنباتهـا
    ولثمتُ روضًا في الديار، ومَربعـا
    وظلّلت ملآنَ الفؤاد مـن الهـوى
    وبخافقـي كـلّ الحنيـنِ تجمّعـا
    إنْ غاب مجدُ الأمس عن أسحـاره
    والعزُّ عن تلـك الخمائـلِ ضُيّعـا
    فرياضُـه جذلـى تظـلُّ، ووجهـهُ
    يبقى برُغـمِ الحادثـاتِ الأروعـا




    و هو يُجاهد بالفكر و القلم لكي تنالَ أرض العراق ، وكل أرضِ العروبة حرّيّتها و استقلالها ، و تصبحُ عبارة "أرض ذات سيادة" أمْراً ملموساً في الواقع .
    و حول صورة المستقبل رغم استمرار الاحتلال يرى الشاعر محمود حمادي أن المستقبل زاهرٌ ، وسوف تعود العراق إلى ماضيها .. يقول في "خيال حائر":-
    ضحكةُ الأمسِ بميلاد الغدِ
    صبغت بالشفق الدامي يدي
    وتوالت في خيالي صورةٌ
    في زواياها جمالُ المشهدِ









    ويؤكد الشاعر محمود فرحان حماّدي أنه ابن الفلوجة ، وابن العراق ، وابن أرض الأولياء ، وابن الحرف الثائر ، والقلم الحر .. يقول في قصيدة "بلدةٌ ضمّ ثراها الأولياء"
    يا خنازيرُ هنا فلوجةٌ
    بلدةٌ ضمَّ ثراها الأولياءَ
    بلدةٌ هام بها عشّاقُها
    والملايينُ لها ماتت فداءَ
    ويلَكم من جند سوءٍ غرّكم
    جهلُكمْ فينا فجئتمْ أُجراءَ
    في ربى نزال كانت صولةٌ
    وعلى الجولان أرخصنا الدماءَ

    و يستمر في قصيده الثوري حتى يصل إلى قمّة الفخر بالنصر بقوله :
    يومَ جيشُ الكفرِ ولّى هاربًا
    إذ كشفنا عن مخازيه الغطاءَ
    يطلبُ النجدةَ من أسيادِهِ
    ويرى في أمِّ عينيهِ الفناءَ
    ضحك المجدُ لنا في نصره
    وكسانا الدّهرُ حمدًا وثناءَ

    والشاعر هنا إذْ يُذكّر بأن هذه الأرض الطاهرة ضمّ ثراها الأولياء ، يُذكِّرُ أيضاً بما قامتْ به هذه الأرض من بطولاتٍ في وجه العدوِّ و كبّدته من الخسائر والقتلى ما جعله يُحاولُ إخفاء عار هزيمته ، مثلما حاول إخفاء عار تعديه على الأطفال والشيوخ ليلاً .. لكنْ هيهات ، فهذي أرض الصمود ، وما أرخص دماء الأعداء إذا حلّوا بها ..
    و هاهو في قصيدة "فدى لعينيكِ" يُعلنُ فخراً أن العراقَ هي بلدُ الأحرار منذ مطلع التاريخ ، وسوفَ تظلّ في جهادها ، ويتسلمُ الأبناء راية الجهاد حتى ينال العراق حريّته الحقيقية ، وتتحقق أحلام الأمة .. يقول حمادي:-
    غدًا نُحقِّق آمالاً لها سُكبت
    هذي الدماء وديست دونها الرتبُ
    حتى نرى شعبَنا الجبارَ ممتطيًا
    جيادَ مَن للعلا أشبالُهم ركبوا
    (5) الحبّ يُميتُ الحساد ، وَ يُحيي الأمل ، ويُجدّدُ الإصرار على النقاء
    الحب لم يعد مناجاة أو تراتيل ، وإنما هو مثل قطف الزهرة من بين فكيِّ الشوك ، و بهذه المبادأة والجهد يمكننا أن نستطعم عطراً في زمن الحب الأروع ، ويظل الحب دوماً كاشفاً لأسرار الكون و ماهية الخلق ، و مازال الحب يمنحنا الثقة ، فتحملنا آيات التصديق على اجنحة الأمل .. ، و ما زالت حروف النور تدفعنا نحو مساحة شاسعة من الرقي ، ولكن مع انتشار الخلاعة تمتد أيادٍ خفية قد تتحور وتتكاثر وتتغلغل وتسكن كل الكائنات ، وبينما تُحاول بعض الثقافات السيطرة على ثقافاتٍ أخرى تظلُّ القصيدة هى مركز الدائرة التى تعنى بالقضايا العامة ، و هموم الوطن
    و في محموعة "حروف الجب" للشاعر الصديق محمود فرحان حماّدي يسمو الحبُّ ، و يجدّدُ العلاقات الإنسانية ، والروابط الوطنية ، ويؤكّد الإصرار على المُضيّ في طريق الحريةِ ، و نصرةِ الحقوق ، و يُميتُ الحسّادَ ، و يُحيي الأمل في العيشِ بكرامة و نقاء ... يقول حماّدي في ختام قصيدة "عذرية النطق" والمهداة إلى ماجد الغامدي :-

    إليْكَ يا ابْنَ الكِرامِ الصيْدِ وارِفَةٌ
    جَذْلى تَحِيَّتُنا في صوْتِها الشَّادي
    تَطوفُ في رَبْعِكَ المأنوسِ بَهْجَتُها
    حبٍّا يَمُوتُ بِهِ كيْدٌ لِحُسّادِ




    و لم يغفل محمود حماّدي الحبَّ بين الرجل والمرأة ، وإنما جعله وسيلةً للاتحاد بين الجنسين لإنجاب ذرية الأحرار و الأبطال ، والمرأة المحبوبة صارتْ هي الوطن ، وهي التي تُشاركه مواجعه ، و أهم مواجعه الآنية هي الحرب العظمى على الاحتلال الغاشم .. يقول في قصيدة "تيهي على مهج القلوب" :-
    أهواك ضحكة مـولـع
    بالحب في عيـن الحبيبِ
    تيهي بكـلِّ مـواجعي
    تيهي بلحن العندليـبِ
    و يقول في قصيد "باق غرامك" :-
    باقٍ غرامُكَ في قلبي وفي كبدي
    يا خيرَ مَن صافحتهُ في الأنام يدي
    باقٍ غرامك يا روضًا تعشّقهُ
    مني الفؤاد برغم الأهلِ والولدِ
    باقٍ كما كنت جذلانًا ومبتسمًا
    وفارسًا سطَّرَ الأمجادَ للبلدِ
    باقٍ غرامك في أمسٍ يؤرقني
    حبَّا وفي حاضرٍ أصبو له وغدِ





    و في قصيد "حماّدي" يكون العشقُ لتلك الحسناء مُنطلقاً مِماّ تمَثِّله هذه الحسناء من آيات بطولةٍ و نصر ، فهاهي تُمثّل دمشق في قوله من قصيدة "حنين خفى يادمشق" :-



    بِقَلْبِي مِنْ صَداكِ العَذْبِ خَفْقُ
    يُذَكِّرُنِي جَمالَكِ يا دِمَشْقُ
    تَرِقُّ جَوانِحي طَرَبًا، وَتَحْنُو
    صَباباتِي إلَيْكِ، وَلا يَرِقُّ
    فَجِئْتُ رِياضَكِ الغَنَّاءَ صَبًّا
    يَعُجُّ بِجَنْبِهِ المَكْلُومِ شَوْقُ
    وَيَسْبِقُهُ إلى اللقْيا حَنِيْنٌ
    تَجذَّرَ فِيْهِ - يا حَسْناءُ - عِشْقُ




    و قد تكون بلاد الشام أو النقب ، أو حتى أقصى المغرب .. ، فكلّ أرض العرب معشوقته ، كما تسكنُ فيه محافظات العراق .. يقول في قصيدة "فدى لعينيك" مُعْلناً قوة العراق و عروبته الحرّة :-
    يبقى (العراق) بهياً في عروبته
    (تِطوانُ) أختٌ له و(الشامُ) و(النقبُ)
    لو ضيم (مغربُنا الأقصى) بنائبةٍ
    وافته (بغداد) في خطواتها الغضبُ
    و بهذه الأبياتّ أختتم هذه الرحلة بين أزاهير "حروف الجب" الشامخة، و تحية لكل الأحرار ، و مبدع هذه المجموعة الشاعر محمود فرحان حماّدي

    (تمت بحمد الله وتوفيقه)

    من كتاب "مَوْسقة الغضب .. " الجزء الثاني

    .......... مع خالص تقديري .............

  5. #5

    رد: "حروف الجبّ" بين موجة الغضب و التشفير السياسي/ محمد الشحات محمد

    و تزداد أهميةُ العمل الأدبي بزيادة قدرة المبدع على غرس العلاقات الدلالية و الإيحائية بما يشبع الخبرات ، و يُفغّل كافة المجالات لإرسال أشعّة الأمل للمجتمعات برسم أهدافها نبضاً من الكلمات ،


    و بهذه الكلمات يتسنى للعالم تحويل التصوّرات الذهنية إلى أثرٍ واقعيٍّ يُمكنهُ التغلّب على التحديات و حماية الممتلكات من أي اغتصابٍ أو تطبيقٍ غير صحيح في ضوء الحقوق و المواثيق ، و من خلال كشف الجرائم و مرتكبيها ، و مخاطبة الثقافات المختلفة



    و من أهمّ ما يُميز المبدعين الحقيقيين قُدْرتهم على إعادة تشكيل وجه الحياة بلغةٍ رصينةٍ و صورٍ خلاّبة و معانٍ سامية ، و عفويةِ إلهامٍ ، و عقلنةِ المشاعر ، وسُرعةِ قراءةِ المستقبل


    و في قراءة لمجموعة "حروف الجُبّ" للشاعر المهندس محمود فرحان حمادي يُطالعنا عنوان هذه المجموعة الشعرية بموجةٍ من الغضب و "التشفير" لعدة سياسات متفرّقة ،


    فهو إذ يضغط على المجتمع الدّولي للوقوف على أسرار الجُبّ الذي أعلن عنه العنوان ، يُشير إلى أنّ الحروف لا تنال تعريفها إلاّ بإضافتها لهذا الجبّ ، و كأنّ عنوان هذه المجموعة –من خلال مبدعها- يؤكّد أنَ تقاسم تحرير قصائده و اعتقالها و انطلاقة حروفه لم يأتِ من فراغٍ ، و إنما نتجَ هذا التقاسم عن سياسة العصا و الجزرة التي تنتهج الوعود و العسْكرة ، مماّ يستدعي التعمّق في القراءة و ترقّب اضطراد النفس الشعري حتى الخاتمة/ الرسالة المَرْجوّة من هذا الإصدار "حروف الجب"
    حقيقة اهنؤك لايراد دراسة لأديب نحترمه ونجله وهو من أعضاء الفرسان الذين مازلنا ننتظرهم بفارغ الصبر نتمنى علكي تذكيره بأننا بانتظاره.
    تشرفت بدراستك حقيقة وتثبيت
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

المواضيع المتشابهه

  1. الصدمة الكهروشاعرية في ديوان "آلام و أحلام"/ محمد الشحات محمد
    بواسطة محمد الشحات محمد في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 09-11-2010, 05:38 AM
  2. قراءة نقدية في "صقيع أراه"/ محمد الشحات محمد
    بواسطة محمد الشحات محمد في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 08-08-2010, 04:28 AM
  3. قراءة نقدية في رائية "عيون عبلة"/ محمد الشحات محمد
    بواسطة محمد الشحات محمد في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-07-2010, 08:43 AM
  4. "مخلوع في زمن الحب" / دراسة محمد الشحات محمد
    بواسطة أحمد السرساوي في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 04-26-2010, 12:51 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •