---------------------------------------------------------------------------------------------------
في غزة إنجاز رغم الحصار
بقلم: ماجد الزبدة
معلومات صادمة ذلك هو المصطلح الذي أطلقه العديد من المحللين والكتاب الفلسطينيين خلال جولتهم على المرافق الأمنية في مدينة غزة، وجاءت تلك الجولة التي نظمتها وزارة الداخلية قبل أيام بهدف إطلاع فئة الكتاب والمحللين على جهود الوزارة لخدمة مليوني فلسطيني محاصرين في قطاع غزة.
ربما الأشد صدمة بالنسبة للزائرين لم يكن حجم الإنجازات الكبير بل قلة الإمكانات المرصودة والتي أذهلت العقول وهي تتساءل لا إراديا كيف لمركز شرطة مدنية يتلقى موازنة لا تتجاوز الخمسين دولاراً كل خمسين يوماً أن يقدم خدمات أمنية وشرطية لحي يسكنه مئات الألوف من المواطنين، بل كيف لجهاز شرطة لا يتجاوز تعداد أفراده الثمانية آلاف محرومين من حقوقهم المالية أن يسهر على راحة مليوني فلسطيني في قطاع غزة دون أن يصيبه ترهل إداري أو أمني.
لم أكن أتخيل يوماً أن جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة لا يمتلك سوى سيارة إطفاء واحدة تحتوي على سلم هيدروليكي، رغم أن مدينة غزة وحدها تعج بمئات الأبراج السكنية الشاهقة، وكم تمنيت أن تقوم السلطة الفلسطينية التي هرعت لإرسال طواقم إطفاء فلسطينية لمساندة الاحتلال في حيفا قبل أيام، أن تبادر إلى إرسال سيارات إطفاء إلى غزة، لعلها تسهم في إطفاء حريق يشتعل في شقة هنا أو مصنع هناك، لكن الأمر لم يقف عند مشاركة السلطة الفلسطينية في حصار غزة، بل جاوزه إلى الشقيقة الكبرى التي تمنع ومنذ سنوات إدخال سيارات إطفاء تحتاجها غزة، رغم نجاح إحدى قوافل الإغاثة في إحضار سيارتي إطفاء إلى أرض مصر بهدف إدخالها لغزة، لكن إصرار الشقيقة الكبرى على تشديد الحصار حال دون ذلك.
المفاجأة التي أذهلتني هو ما سمعته على لسان ماهر أبو صبحة وكيل وزارة الداخلية للشق المدني الذي حدثنا عن طلب قدمته داخلية رام الله بعد أحداث الانقسام سنة 2007م إلى وزير الداخلية آنذاك سعيد صيام تشكو خلاله النقص الحاد في جوازات السفر بالضفة المحتلة فما كان من الرجل إلا أن أمر بإرسال خمسة آلاف جواز سفر هي نصف الكمية التي كانت موجودة في غزة آنذاك، وللأسف فقد أساءت السلطة الفلسطينية في رام الله رد الجميل حين اتخذت قرارا ساري المفعول إلى يومنا هذا بحرمان الآلاف من سكان غزة لأسباب سياسية من الحصول على جوازات السفر في وقت نفدت فيه جوازات السفر من داخلية غزة منذ سنوات.
ورغم ما سمعناه وشاهدناه من نقص حاد في الموارد والإمكانات لكن ما رأيناه من إنجازات كان مدعاة للفخر والاعتزاز، فالحصول على بطاقات الهوية أو شهادات الميلاد أصبح لا يتجاوز الدقائق المعدودة بعد أن كان يتطلب الأيام والأسابيع قبل سنوات، وما شاهدناه وسمعناه من النزلاء في سجون غزة أشعرنا بفرح كبير ونحن نرى السجون قد أصبحت مراكز تأهيل وإصلاح حيث يتم فيها الاهتمام بالترفيه عن النزلاء وعقد الدورات التدريبية وإلقاء المحاضرات التثقيفية ومعالجة المرضى بشكل متواصل، كما يتم تنفيذ المشاريع التنموية والتي من بينها مشروع رسم المصحف بيد النزلاء وهو المشروع الذي قارب على الانتهاء.
غزة رغم شح إمكاناتها وشدة حصارها تصر على الحفر في الصخر لتحقيق الإنجازات وعدم الانكسار أمام محاصريها، الأمر الذي دفع عزام الأحمد مسئول ملف المصالحة مع حماس إلى الإقرار في تسريبه الصوتي الأخير بخطأ حكومة الحمد لله وحركة فتح حين رفضت بسط سيطرتها على غزة بعد اتفاق الشاطئ عام 2014م في اعتراف واضح بفشل الحصار والمحاصِرين.