سلوكيات

الحب في الله




يدعونا سمح إسلامنا إلى الحب و التآلف المتبادل و أن يحب المسلم أخاه حباً خالصاً ـ لوجه الله سبحانه و تعالى ـ خاليا من كل غرض دنيوي . و هذا شرط دوام المحبة و التآلف . لأن المحبة بغرض من الأغراض تزول بمجرد زوال هذا الغرض .

و ما أكثر المحبة الممزوجة بالأغراض في زمننا هذا . فهذا يسأل عنك اليوم ليطلب منك غداً ! و ذلك يهاتفك الآن ليكلفك في قابل الأيام .

و قد تجد أناسا ً و ذوى أرحام قد قطعت بينهم وشائج الود و عرى المودة ربما لتوافه الأمور و صغائرها لم تعالج في وقتها المناسب و لم تحسم أبعادها فنمت الضغائن و استشرت و ربما ورثت لقادم الأجيال .

تجد أمثال هؤلاء لا يجتمعون إلا في حالات المصيبة من وفاة أو مرض و غالبا ما تكون هذه التجمعات قد فرضتها قهرية الظروف و ليست لله و لكن لإثبات الحضور و حتى لا يقال فلان حضر و أخر لم يحضر و يعلم الله من له الثواب و من لم يؤجر منهم رغم مشقات السفر و تكلفته من وقت و مال .

أما من قامت علاقاتهم على حب الله و وطدها الإيثار بديلا عن الأثرة و لم تربطهم بالدرجة الأولى الأغراض المادية و المصالح الدنيوية . مع أنه لا يوجد شرعاً ما يمنع إقامة هذه العلاقات و لكن تقام على أساس الحب في الله و ليس على أسس أخرى من الاستغلال و أخذ غير الحق بسيف الحياء فهذا هو الذي نهى عنه الشرع و لم يحله الدين .

و قد علمنا رسولنا الحبيب أن الله سبحانه و تعالى يقول يوم القيامة " أين المتحابون بجلالي " أي عظمة الله " . اليوم أظلهم في ظلي " أي أجعلهم في حمايتي " يوم لا ظل إلا ظلي . أي لا أمن من يوم الهول و الأهوال ـ يوم تدنوا الشمس من الرؤوس و يغلى مخ الكافر ـ إلا في جوار الله سبحانه وتعالى .

و ربط رسولنا الكريم دخول الجنة بالحب في الله بعد الإيمان فقال " و الذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا و لا تؤمنوا حتى تحابوا . ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم " . أي أن بداية الخير و بوابة الإيمان ـ الذي هو الطريق الوحيد للجنة ـ إفشاء السلام . و على النقيض تجد الخصام ـ الذي هو مقابل إفشاء السلام ـ هو بداية الطريق للتباغض الذي يورد المهالك .

كما علمنا رسولنا الكريم عن رب العزة سبحانه و تعالى أنه قال " المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون و الشهداء " و أيضا علمنا نبينا أنه " من أحب أخاً له فليخبره أنه يحبه "

نخلص إلى إن ديننا دين الحب و التفاهم و التعاون و التآلف و الترابط و كلها مقومات تؤدى إلى خيري الدنيا و الآخرة . يؤدى ذلك إلى العمل الذي هو الفيصل في تحديد قيمة الأمم فالأمة العاملة الناهضة يقوى اقتصادها و تنهض بمشروعاتها و تتوسع استثماراتها و ينعكس ذلك على مستوى معيشة أفرادها ولا شك أننا أصبحنا اليوم في عالم ليس لمتكاسل فيه مكان و لابد من أن تبحث عن مصالحك و نحن أولى بذلك من أية أمة من الأمم و كما كنا منارة للأمم و نهلوا من علومنا في وقت كانت الأمم الأخرى تموج في الظلمات فنحن قادرون بعزيمتنا أن ننهض و نقود لأننا نملك دستور لا تملكه أمة أخرى و ديننا يحثنا على العمل و النهوض و الريادة .

فلابد لنا من التمسك بهذه المقومات التي تؤدى إلى خير الدنيا للبشرية جميعا و ليس لأمتنا فقط .

و قد أمرنا بذلك في كثير من الآيات القرآنية وحثنا رسولنا الكريم في كثير الأحاديث النبوية كما في قول الله تعالى " و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون " و قول الرسول عليه السلام " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه " .

أما الكراهية و الوشاية و النميمة و الغل و الحسد فليست إلا مقومات للانهيار و الفشل و التخلف و النزول عن ركب التقدم . نسأل الله سبحانه و تعالى أن يحببنا في الخير و عمله وأن يؤلف بين قلوبنا و أن يشفى أمراض صدورنا و قلوبنا و أن ينزع الغل و الحسد منها انه ولى ذلك و القادر عليه و هو الهادي و المستعان .