كيف تدخل امريكا العراق من الشباك بعد طردها من الباب ؟



اذا عرفت عدوك كسبت نصف الحرب ، من هذه البديهية يجب ان نضع كافة الاحتمالات والاساليب التي تستخدمها امريكا للعودة الى العراق بعد طردها منه في عام 2011 . ولنتذكر قبل ذلك حقيقة اساسية وهي ان امريكا ليست مقهى للثرثرة تقال فيه الكلمات وتقدم الوعود ثم تدفن في مقابر النسيان ، ولا هي جمعية خيرية تقدم الاف الجنود ضحايا لغزو العراق وتتحمل اكثر من ترليوني دولار اي اكثر من تكاليف حرب فيتنام بعشرات المرات ، ثم تنسحب من اجل عيون الديمقراطية في العراق ، امريكا اخطر وحش ظهر على الكرة الارضية بنهمه وقسوته وتجرده من القيم الانسانية وهي في الواقع شركة كبرى تسحق الملايين حتى وهي في ذروة مكاسبها فكيف تكون شراستها وهي تواجه احتمال فناءها الابدي ؟

تذكروا ما سبق كي تفهموا مدى اصرار امريكا على البقاء في العراق وتنفيذ خطتها الاصلية وهي تقسيمه وتقاسمه ، ولا تكرروا خطايا عناصر العملية السياسية الاميين وانصاف الاميين والساقطين في وحل الخيانة والفساد بافتراض ان امريكا تفكر مثلنا فوقعوا في فخها المميت . اذا وضعنا هذه الحقيقة امامنا ونحن نتقدم بحذر على ارض العراق فاننا بدأنا المسار الصحيح : اعرف عدوك قبل معرفة السلاح وقبل جمع المال وقبل تأسيس القواعد ، فكل ما سبق يعتمد على معرفتك للعدو بصواب فلنعرف كيف تفكر امريكا الان تجاه العراق وهي المجروحة المهزومة المعرضة للانهيار الداخلي ؟

1-لان امريكا هزمت عسكريا على المستوى الستراتيجي وليس العسكري الصرف ، ولانها تواجه اخطر ازمة تمويل للحرب تجعلها لا تملك الحد الادنى من الموارد لدعم حرب طويلة فانها ابتكرت خطة لم تعد سرية وهي (الجيوش الخاصة ) خارجيا وخصخصة الجيش الامريكي داخليا . ما معنى هذا ؟

أ-بدأت خطة خصخصة الجيش الامريكي بعملية معروفة في عام 1990 عندما بدأت تعد العدة لشن العدوان الثلاثيني على العراق ، فهي كانت تواجه حالة قلة التطوع في الجيش لان نظام امريكا يقوم على التطوع وليس الخدمة الاجبارية ، رغم وجود مغريات مادية كثيرة ، فابتكرت خطة (جيش المرتزقة ) الذي يضم الاف الاشخاص الذين لا يحملون الجنسية الامريكية وانما يسعون للحصول عليها او الحصول على البطاقة الخضراء اي الاقامة في امريكا ، فاشترطت امريكا عليهم التطوع في الجيش الامريكي مقابل وعد بمنحهم الجنسية بعد انتهاء الحرب .

وبالفعل تشكلت الوية من المرتزقة بلغ عددها اكثر من 120الف جندي وقعوا عقودا تنص على موافقة المتطوع على دفنه في مكان قتله وليس في امريكا لجعل عدد القتلى الامريكيين قليلا ، وتوضع لتمييزهم عن الجندي الرسمي اشارة في ملابسه العسكرية . هؤلاء كانوا القوة المقاتلة الاساسية التي قاتلت العراق ومنها قتل عدد كبير جدا غير معروف ولكنه لم يحسب ضمن العدد الكلي لخسائر امريكا . تلك كانت البداية .

ب- عندما بدأت امريكا الاعداد لغزو العراق ساد رأي في المؤسسة العسكرية الامريكية بان العدد المطلوب لغزو العراق يجب ان لا يتعدى ال170 الف جندي رسمي وكان رامزفيلد هو من فرض ذلك رغم ان القادة العسكريين حذروا من ان هذا العدد غير كاف ابدا . والسبب الذي لم يعرفه القادة العسكريين هو ان رامزفيلد يعرف البديل الذي يغطي النقص في عدد القوات .

فمن جهة توقعت امريكا ان المعارضة العراقية كانت صادقة بادعاءها بانها تملك انصارا كثر ومنهم عسكريون في الجيش العراقي وهؤلاء يمكنهم المساهمة بدور فعال داخل العراق . ومن جهة ثانية كان رامز فيلد ومن معه من المحافظين الجدد يريدون اكمال عملية تدمير النظام والدولة كي تطلق موجات فوضى هلاكة تدمر العراق وتسوقه الى التقسيم ، فنقص عدد القوات كان اذن جزء من خطة تقسيم العراق وليس خطأ في التقدير . ومن جهة ثالثة وكي تكمل امريكا مهمة تدمير العراق كان لابد من قوى اخرى غير الجيش تقوم بهذا الدور وهي (الشركات الامنية الخاصة ) التي قامت وتقوم بدور قسم من الجيش مثل الحراسات والحمايات والخدمات والاغتيالات والقتال في المعارك ... الخ ، وبلغ عدد افراد الشكات الامنية في العراق اكثر من 120 الف جندي متقاعد او مرتزق .

ج- عندما ادركت امريكا ان كل اعداد جيشها والشركات الامنية (حوالي نصف مليون امريكي ومرتزق ) وجيش الحكومة العميلة ( مليون محسوب على الجيش والاجهزة الامنية ) وميليشياتها غير كاف لجأت المخابرات الامريكية الى خطة اخرى وهي انشاء الصحوات ، فبعد ان فشلت في سحق المقاومة التي كانت تتقدم بسرعة هائلة رغم التفوق الامريكي ، دفعت اطراف معينة حسبت على المقاومة للقيام باعمال خطيرة تتنافى مع الهدف النبيل للمقاومة وهو تحرير العراق ، مثل الاعتداء على شيوخ العشائر والناس العاديين وتكفير طوائف ...الخ ، وهكذا وجد المبرر الشكلي لردة بعض من حسب على المقاومة بالاضافة لوجود اطراف كانت تنتطر فرصة ما لضرب الثورة ، والصحوات كانت نوع من انواع المرتزقة الذين يخدمون هدف القوات الغازية حالهم مثل حال من تطوع لنيل الجنسية !

2- بهذه الخطوات نجحت امريكا في احداث شرخ في صفوف المقاومة مكنها من تحقيق تقدم تحت غطاء (ضرب القاعدة) بينما الحقيقة ان من ضرب كانت كافة الفصائل المقاتلة ضد الاحتلال . تراجعت المقاومة في عامي 2005 و2006 نتيجة تلك الخطة الامريكية القائمة على استخدام جيوش خاصة . والسؤال الان هل تطبق امريكا الان نفس الخطة ؟ واذا كان الجواب نعم كيف ذلك ؟

أ – المخابرات الاسرائيلية ولسبب اشد من اسباب امريكا وهو نقص السكان ونقص الموارد لمواجهة العرب لجأت قبل امريكا الى فكرة استخدام عرب ضد عرب ، وعندما فشلت امريكا في قهر المقاومة العراقية مع ان انتصارها سيكون اكبر ضربة لعوامل التفكك العربي وستقدم الدعم الفعال للمقاومة الفلسطينية التي استسلمت او كادت ، فانتصار المقاومة في العراق انقلاب ستراتيجي خطير جدا من وجهة نظر صهيونية .

ولهذا ولتعويض نقص السكان والموارد ولتجنب خسارة صهاينة في حروب مع العرب وضعت خطط تفصيلية لانشاء خطوط مائلة داخل المقاومة العراقية والقوى الوطنية والاسلامية العراقية والعربية الهدف منها استخدامها في ظرف معين لتحويل الثورة والانتفاضة الى حرب اهلية من خلال تبني توجهات متطرفة تسعى الى جعل اكثر ان لم يكن كل اطراف المقاومة تسعى للانفراد بالحكم والسيطرة وتخوين او تكفير بعضها للبعض الاخر .

ب- وبما ان اسرائيل مثل امريكا اعدت منذ عقود عناصر واشخاص صهاينة الهوية والجنسية لكنهم تدربوا لغويا وعقائديا ليكونوا مثل ايلي كوهين الذي اخترق النظام في سوريا بتظاهره بانه سوري مهاجر ووصل الى مستوى القيادات العسكرية بشكل خاص الى ان كشف بالصدفة ، فان خطتها الاساسية كانت التدمير المنظم لكافة الاقطار العربية من داخلها وباياد عربية تتظاهر بالوطنية والاسلاموية وتزايد على الاخرين وتتصدر كافة مشاهد الصراع .

3 - ان ما اسمته هيلاري ب(الربيع العربي) قدم لنا صورة انموذجية للخطة المخابراتية الامريكية والصهيونية فمن تصدر الانتفاضة في مصر وركز الاعلام الغربي عليه كان اما عبارة عن مجاميع من الشباب الوطني القليل الخبرة والضعيف الحصانة بسبب قلة الخبرة او انفار وكتل اعدتها المخابرات الامريكية والاسرائيلية فكان طبيعيا ان تسود الفوضى وتتحول الانتفاضة الى كارثة حقيقية وفقا لما تم تخطيطه . وهذه الخطة وصلت العراق طبعا محمولة على شعارات متطرفة تدعمها امكانات هائلة مادية واعلامية وعسكرية . والنتيجة هي اختراق مباشر للانتفاضة العراقية ب(جيوش خاصة ) سرية قبل ان تتحول الانتفاضة الى ثورة مسلحة .

بعد هذه الملاحظات الضرورية يمكن التعامل بطريقة صحيحة مع ما نراه الان في العراق ، فامريكا اطلقت كافة (جيوشها الخاصة) في العراق لاختراق الانتفاضة ومن ثم حرف الثورة وتحويلها الى كارثة ابشع من الكارثة السورية فتصدى البعث لتلك الخطة وافشلها بفضل صبر القيادة وحكمتها وبعد نظرها ، والهدف الامريكي – الصهيوني – الايراني الاساس الان هو تدمير الثورة بتشويه سمعتها اولا ثم باستخدام (الجيوش الخاصة) لتصفية الثوار الحقيقيين وفرض تبني موقف غريب هو التحالف مع الجميع لمقاتلة الجيوش الخاصة !

وغرابة هذا الموقف تكمن في ان المطلوب الان من وجهة نظر اطراف عديدة محسوبة على الثورة هو التصالح مع من جاء بهم الاحتلال (لمواجهة الارهاب) مع ان الارهاب هو صناعة امريكية ايرانية ، فجيوش امريكا واسرائيل وايران الخاصة محكومة بان تبدو متناقضة وتتقاتل فيما بينها ، فمن دون الفوضى لا يمكن تشويه الصور وقلب الحقائق وارباك الناس ومن ثم تجريد الثوار الحقيقيين من الدعم الشعبي وهو شرط بقاء ثورتهم . والجيوش الخاصة هدفها النهائي هو تدمير امل العراق وهو بقاء فصائل جهادية تقاتل من اجل تحرير العراق واعادة الامن والامان للمواطنين كافة وقبل اي هدف اخر ، لهذا فاذا ضربت هذه الفصائل واضعفت فان امل التحرير يخبو وتتقدم بدلا عنه بدائل صهيوامريكية وفي مقدمتها الاقاليم والتي تعني التقسيم الحتمي .

عندما تنجح امريكا بواسطة الجيوش الخاصة في اضعاف الفصائل والقوى الوطنية الجامعة لكل العراقيين فانها تكون قد عادت من شباك الجيوش الخاصة التي قاتلت الثوار وشعب العراق بدل مقاتلة اعداءهما الحقيقيين وفي مقدمتهم امريكا وايران .

ما هو خيارنا لمنع ذلك السيناريو ؟

1-الخيار الامثل هو وعي كيفية تفكير وتحرك العدو الصهيوامريكي ، ثم تفكيك خطوات ومواقف الجيوش الخاصة ومعرفة الهدف الذي تسعى اليه وتجنب الوقوع في فخاخها خصوصا جر الفصائل والقوى الوطنية الى معارك مهلكة لكوادرها ولامكانياتها التي يفترض انها مكرسة للتحرير .

2-وقبل هذا وذاك فان تعبئة وتوعية الجماهير باهداف ما يجري ضرورة قصوى ففي ظل اختلال موازين القوى العسكرية والمالية لصالح الاعداء لابد من التعويض بالمزيد من الالتصاق بالجماهير والتعبير عن تطلعاتها الستراتيجية اي التحرير والخلاص النهائي وليس الحلول الوقتية العابرة .

3-ومن الضروري جدا الانتباه الى ان على الفصائل الوطنية والاسلامية ان لا تقع في فخ الاصطفاف مع العدو الاصلي لمواجهة جيوشه الخاصة ! فذلك خيار ساذج وخطير جدا بنفس الوقت ، ويجب ترك الفخار يكسر بعضه البعض الاخر دوت تلويث يدنا .

4-واخيرا وليس اخرا من الضروري اعادة محاولة اقناع الفصائل والثوار الاخرين بما تقدم وتحقيق تنسيق فعال لمواجهة الخطر الكبير الذي يهدد الثورة وكل الثوار .

صلاح المختار