حلقات التحالف البغيض بين فلول نظام حسني مبارك، بدأت تتكشَّف..
عندما كنا نقول أن الفلول الحقيقيين للنظام المصري البائد، ليسوا هم أولئك البلطجية وبقايا الوصوليين ممن اختبأوا واختفوا بعد سقوط سيدهم، ليتحركوا مثل خفافيش الليل في عتمة الليل، بل هم أولئك القائمون على أكبر وأهم مؤسستين لم يمسَّهما سوء بعد سقوط مؤسسة الرئاسة، ومؤسسة مباحث أمن الدولة، ومؤسسة الحزب الوطني، ومؤسسة البرلمان السابق، وهما "المؤسسة العسكرية"، و"المؤسسة القضائية"..
عندما كنا نقول ذلك، كان الكثيرون يعتبروننا نبالغ..
لكن الحقيقة بدأت تتكشف للعيان..
المؤسسة العسكرية ممثلة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، تتحالف مع أعلى سلطة قضائية ممثلة في المحكمة الدستورية، وفي وقت حرج للغاية سبق الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة بيوم واحد فقط، لحل المؤسسة التشريعية – رغم كل مثالبها ومآخذنا عليها آداءً وتركيبةً – لجعل الرئيس القادم الذي كان متوقعا أنه لن يكون "الفَلَل" أحمد شفيق، يتحرك بجناحٍ واحد فيما جناحه الثاني مكسور، وذلك كي يكون عاجزا عن إيجاد مؤسسة تشريعية ترفده بقراراتها، وتحصل حكومته على الثقة منها، أو كي يكون مضطرا للتعامل مع "المجلس العسكري" باعتباره هو "السلطة التشريعية" البديلة، إلى حين صياغة الدستور الجديد والاستفتاء عليه، وانتخاب مجلسِ شعبٍ جديد..
ولأن أقل من أسبوعين في مكتب رئيس الجمهورية كانت كافية لتثبت للرئيس الجديد أنه بدون مؤسسة تشريعية، سيكون مجرد دمية بيد المجلس العسكري الذي سوف يعرقل كلَّ مهماته، سواء ما كان منها متعلقا بسلطاته التنفيذية المباشرة، أو ما كان منها متعلقا بتشكيل الحكومة، أو ما كان منها متعلقا باحتياجاته التشريعية الرافدة، تمهيدا لإظهاره أمام الشعب المصري بمظهر الفاشل والعاجز، فإن الرئيس قرَّر – على ما بدا من قراره الجريء للوهلة الأولى – أن يكون أداة لاستكمال الثورة، أو للعمل على استكمالها على الأقل، بدل أن يكون أداة لإجهاضِ مسيرتها، فاختار صُناعَها من حلفاء ميدان التحرير على حساب جنرالات البزنس والأعمال في ميدان العباسية..
فالأمر الذي كان يجب أن يحصل في ميدان التحرير قبل "11/2/2011"، ممثلا في الإعلان عن تأسيس "مجلسٍ لقيادةِ الثورةِ" يحل محل مؤسسات نظام مبارك التنفيذية والأمنية والتشريعية، بدل المجلس العسكري، وعن تأسيس "محكمةٍ ثورية" تحل محل المحكمة الدستورية والمحكمة الإدارية.. إلخ، بدل القائمين على المؤسسة القضائية..
إن هذا الأمر الذي كان يجب أن يحصل مطلع 2011، بدأ يأخذ شكله الذي يتناسب مع طبيعة المرحلة على ما يبدو..
إن تحدي الرئيس لقرارات المحكمة الدستورية، بقراره التاريخي المتمثل في إلغاء قرارها الذي قضى بحل مجلس الشعب، ودعوة المجلس من ثمَّ إلى الانعقاد دونما أيِّ اعترافٍ بمشروعية قرار المحكمة الدستورية، لا يصح النظر إليه – كما يروج لذلك أولئك الذين ما يزالون لم يفهموا أن الثورة المصرية لم تُسْتَكْمَل منذ أن تمَّ الإبقاء على رؤوس المؤسستين العسكرية والقضائية يتحكمون في مسيرة الثورة – باعتباره تكريسا لعرفِ تحدِّي أحكام القضاء والخروج عليها من قبل مؤسسة الرئاسة، بل باعتباره إعادة ترتيب للعلاقة بين الثورة وبقايا القائمين على مؤسسات النظام القديم..
إن معظم الذين يحذرون من هذا العرف الذي يخشون من تكريسه، هم أنفسهم من كانوا يلوذون بالصمت المطبق عندما كانت سلطة مبارك تخرج جهارا نهارا على قرارات المحاكم العليا في مصر سواء كانت "دستورية" أو "إدارية"، دون أن ينبسوا ببنت شفة..
"محمد مرسي" – إن صدق حَدسنا – يحاول أن يفي بوعده في استكمال مسي
رة الثورة..
فبعد أن حرص الفلول الحقيقيون على أن يجعلوه رئيسا أعرج يضطر إلى اللجوء إليهم أو إلى أن يتخبط، ها هو يتحداهم ويعيد تجبير رجله المكسورة بإعادة البرلمات كمؤسسة تشريعية، كي لا يجد نفسه مضطرا للرجوع إلى المجلس العسكري، فيما يتعلق بتشكيل الحكومة ومنحها الثقة، أو فيما يتعلق برفد سلطاته التنفيذية بالقوانين والتشريعات..
بكلِّ تأكيد لن يسكتَ الفلول على هذا التحدي..
فهل أن مرسي وكل من انتخبوه وراهنوا عليه، يعتبرون أنفسهم قد بدأوا بالفعل مسيرة استكمال الثورة..
أم هي مجرد زوبعة في الفنجان المصري المضطرب؟!