تاريخ العملات السورية
التاريخ النقدي لأي بلد من البلدان هو جزء وثيق الاتصال وقوي الأواصر بأجزاء التاريخ الأخرى ، تنعكس فيه بصورة جلية العوامل المختلفة التي تتفاعل في هذا التاريخ العام، سواء كانت تلك العوامل اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، بل وتنعكس فيه كذلك العوامل الروحية التي تسود المجتمع. إن فهم هذا التاريخ النقدي يقتضي أن نعطي فكرة سريعة عن الاتجاه العام للتطور في سوريا، لكي ندرك بعد ذلك مدى تأثيره على التطور النقدي ، ومدى تأثير هذا الأخير في التطور العام.
فيما يلي استعراض مراحل تطور النقد السوري خلال المراحل المتتالية من التاريخ السوري:
- النقد السوري خلال الوجود العثماني
كانت سورية حتى الحرب العالمية الأولى جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وكان النقد المتداول فيها هو النقد العثماني.
كانت قاعدة النقد في الإمبراطورية هي قاعدة المعدنين حتى عام 1888إلا أنه بعد هذا التاريخ أصبحت القاعدة الذهبية هي أساس النقد، وجعل من الليرة العثمانية الذهبية وحدة البلاد النقدية وهي تساوي أربعة دولارات ذهبية وسنتيناً بما يعادل أربعين سنتيناً وتقسم إلى مئة قرش ذهبي وتزن 7 غرامات و216 مليغراماً من عيار 0.9165
ووجد إلى جانب وحدة النقد الأساسية هذه نقود مساعدة مصنوعة من معادن رخيصة كانت تستخدم في تأدية المدفوعات الصغيرة، كما استخدم في التداول ليرات ذهبية إنكليزية وفرنسية…
أما النقد الورقي التركي فكان التعامل محدوداً جداً، وكان امتياز إصدار هذا النقد الورقي ممنوحاً للبنك الإمبراطوري العثماني، وكان النقد المصدر مغطى بالذهب بنسبة 200% تقريباُ.. وهو قابل للاسترداد بالذهب، إلا أن التعامل به كان قليلاً لاعتياد الشعب التعامل بالذهب…..
وفي أثناء الحرب العالمية الأولى أبطلت تركيا التعامل بالذهب، و أوقفت صرف النقود الورقية التركية بالذهب، وفرضت النقود الورقية بشكل إلزامي…
وعندما رفض البنك العثماني إقراض الحكومة التركية في فترة الحرب العالمية قامت بسبعة إصدارات متوالية كان أولها فقط مستنداً إلى تغطية ذهبية، والباقي إلى سندات على الخزينة الألمانية والنمساوية….إلى أن هذا الإصدار غير المستند على تغطية قوية. أدى إلى تدهور القيمة الشرائية للنقود الورقية التركية مما جعل الأفراد يتهربون من التعامل بها ويتمسكون بالذهب مما زاد في قيمته في أقاليم الإمبراطورية ومنها سورية … وهكذا… وجدت في تلك الفترة أنواع متعددة من النقود في التداول (ليرات ذهبية عثمانية- ليرات ذهبية إنكليزية- ليرات ذهبية فرنسية وليرات ورقية تركية)
وإثر دخول قوات الحلفاء سورية عام 1918 بطل التعامل بالنقود التركية وحل محلها الجنيه المصري الذي كان قد أعطي صفة التعامل الإجباري مع السماح بتداول النقود الذهبية.
- النقد السوري في فترة الإنتداب الفرنسي
بقي الجنيه المصري في الساحل السوري عملة البلاد الفعلية، أما داخل سورية فكان التعامل يقتصر على النقود الذهبية وخاصة الليرة العثمانية، وذلك لقلة اعتياد سكان الداخل التعامل بالنقود الورقية.
وقد استمر الجنيه المصري في التداول حتى 31 آذار عام 1920 حين وضعت سورية تحت الانتداب الفرنسي، وأصدر مكانه نقداً سورياً – لبنانياً مرتكزاً على الفرنك الفرنسي، وأعطى امتياز الإصدار " بنك سورية" الذي أخذ يصدر أوراقه اعتباراً من أيار عام 1920.
وقد حققت فرنسا من عملية إصدار النقد السوري وسحب الجنيه المصري من التداول أمرين على غاية من الأهمية في تلك الفترة .
1- أصبح بإمكان السلطات الفرنسية تمويل جيوشها في سورية، وذلك أن بقاء الجنيه المصري في التداول يعني قيام السلطات الفرنسية بشراء الجنيه المصري بالجنيهات الإسترلينية أو الذهب... الأمر الذي يؤدي إلى نقصان احتياطها من الذهب أو الإسترليني ويؤثر على سعر الصرف الفرنك في أسواق صرف العملات ..
2- أتاح سحب الجنيه المصري من التداول وإبطال التعامل به واستبداله بالليرات السورية لفرنسا كمية وافرة من النقد المصري المسحوب من التداول حيث زاد في موجداتها من القطع الأجنبي ومكنها من تسديد مدفوعاتها مع منطقة الإسترليني .
ولتنفيذ هذه الغاية كلفت البنوك وصناديق الجيش بمبادلة العملة السورية اللبنانية الجديدة بالعملة المصرية الملغاة، وحددت أمداً لهذه المبادلة.
وهذا الأمد يبدأ من 2 نيسان علم 1920 ولمدة ثلاثة أشهر مددت بعد ذلك شهراً رابعاً....
جعل قرار 31 آذار عام 1920 الليرة السورية – اللبنانية الوحدة النقدية في البلاد، ويتكون غطاء هذه العملة من الفرنكات الفرنسية بصورة تغلب على عناصر التغطية الأخرى.
وجعلت الليرات قابلة للاسترداد لحاملها شيكاً على باريس بمعدل عشرين (فرنك فرنسي)، وقسمت بموجب القرار إلى مئة قرش كما خضع النقد السوري الجديد للتداول الإجباري ولعدم قابلية الصرف بالذهب، لأن الفرنك الفرنسي نفسه كان خاضعاً للتعامل الإجباري أما في المنطقة الشرقية فإن حكومة الملك فيصل أصدرت في نيسان 1920 قانوناً يضع نظامها النقدي ويجعل الدينار الوحدة النقدية وكان هذا الدينار مبنياً على قاعدة الذهب وترك العملة المصرية في التداول متمتعة بقوتها الإبرائية بمعدل 125 قرشاً سورياًُ لكل جنيه مصري ....
ولكن أمد حكومة فيصل لم يطل ، فقد تلقت من الجنرال غورو إنذاراً في 14/ تموز – عام 1920 يطالب فيه بإدخال بعض التعديلات في السياسة السورية الداخلية ومنها: قبول النقد الذي يصدره المصرف السوري وأعقب هذا الإنذار احتلال داخل سورية من قبل الجيش الفرنسي على أثر معركة ميسلون يوم 24/ تموز 1920 فكان أول ما صنعه جيش الاحتلال إصدار قرار في آب عام 1920 أعلن به التعامل بأوراق البنك السوري.
حيث قرر سحب العملة المصرية من التداول على غرار ما جرى في المنطقة الغربية….
-اتفاقية كانون الثاني عام 1924:
عقد في كانون الثاني سنة 1924 اتفاق بين الحكومات السورية ولبنان من جهة، والسلطات الفرنسية من جهة أخرى.
إذ لم يكن من الطبيعي أن يبقى النظام النقدي في سورية ولبنان قائماً على أساس الاستقرار بين قرارين صادرين عن المفوض السامي الفرنسي ولم يكن من المقبول أن يعطى حق الإصدار لمصرف أجنبي بقرار من الاحتلال وممثله الأجنبي دون أخذ موافقة الحكومات المحلية…
ولذلك بدأت المفاوضات تحت إشراف المفوض السامي بين الحكومات السورية وبنك سورية….
وأدت هذه المفاوضات في 23 كانون الثاني سنة 1924 إلى توقيع اتفاقية نقدية اعترفت الحكومات المحلية بموجبها بالنقد السوري – اللبناني، وأقرت منح امتياز الإصدار لبنك سورية الذي أصبح اسمه (( بنك سورية ولبنان)) وذلك لمدة 15 سنة تبتدئ من اول نيسان سنة 1924 فأقرت بذلك الوضع النقدي الراهن الذي أنشأه قرار المفوض السامي عام 1920 ولا حاجة لأن نؤكد هنا أن الاتفاقية عقدت تحت ضغط السلطات النقدية ورغم المعارضة الشديدة التي أبداها الشعب وممثلوه في مجلس الاتحاد ولا عجب في ذلك فالحكومات التي وقعت الاتفاق حكومات قائمة بمشيئة الانتداب….
اتفاقية شباط سنة 1938:
بدأت المفاوضات مع حكومتي سورية ولبنان من أجل تجديد اتفاقية 1924 قبل انتهاء أجلها في 31 آذار 1939 بعامين.
وتمخض عن هذه المفاوضات عقد اتفاق مع الحكومة اللبنانية في 29 أيار سنة 1937… جدد بموجبها امتياز الإصدار في لبنان لبنك سورية ولبنان لمدة 35 سنة اعتباراً من أول نيسان 1939.
أما الاتفاق مع الجانب السوري فقد سار بطيئاً، واصطدم بعدة صعوبات إلا أنهم أخيراً وصلوا إلى مشروع اتفاق في 25 شباط عام 1938…
غير أنه لم يعرض على المجلس النيابي السوري بسبب تعطيل الحياة الدستورية من قبل سلطات الانتداب في 8 تموز عام 1938، وحل محل الحكم النيابي حكومة مديرين تملك السلطة التنفيذية ، وتمارس السلطات التشريعية عن طريق إصدار مراسيم اشتراعية يصدقها المفوض السامي، وفي 29 آذار عام 1939 أي قبل انتهاء أجل اتفاقية عام 1924 بيومين أصدر المفوض السامي الفرنسي قراراً بتعديل مفعول هذه الاتفاقية حتى 3 آذار من سنة 1964، ثم أصدرت حكومة المديرين في 9 أيلول عام 1939 مرسوماً أقرت اتفاقية 25 شباط ونظام المصرف الأساسي الملحق بها، وأرجأت موعد سريان الاتفاقية من 1 نيسان عام 1939 إلى 1 كانون الثاني عام 1940.
- أسرار النظام النقدي السوري بين اتفاقيتي 1924 و1938:
حدد سعر الليرة السورية – اللبنانية في الاتفاقيتين الآنف ذكرهما بين الحكومتين السورية واللبنانية وبين بنك سورية ولبنان وبالنسبة للفرنك الفرنسي على أساس أن كل ليرة تساوي (20 فرنك)، وكان البنك يتدخل في السوق النقدية بائعاً ومشترياً ليرات سورية مقابل الفرنك بهذا السعر…..
- عناصر التغطية في اتفاقية 1924:
نصت المادة الثامنة من اتفاقية 1924 على أن تكون التغطية مقابل الليرات الصادرة على الشكل التالي:
1- ذهب أو التزامات حكومات أجنبية قابلة للتحويل بالذهب.
2- أوراق تجارية أجنبية أو محلية ، لا يزيد استحقاقها عن 90 يوماً، وأن تحمل الأوراق التجارية الأجنبية توقيعين مقبولين، أما الأوراق المحلية فيجب أن تحمل ثلاثة تواقيع مقبولة على الأقل.
3- تغطية إلزامية بشكل ودائع بالفرنكات الفرنسية موضوعة تحت الطلب في حساب لدى الخزينة الفرنسية، ولكن لاتزيد عن ثلث النقد الصادر، وتدفع الخزينة الفرنسية عليها فائدة لا تقل عن 1.5 %.
4- تغطية اختيارية بالفرنكات توضع تحت الطلب في حساب بنك سورية ولبنان لدى الخزينة المذكورة، يدفع عليها فائدة لا تقل عن تلك التي تدفع على الودائع الفرنسية الخاصة ويجب أل تتجاوز هذه التغطية بالإضافة إلى التغطية بشكل أوراق تجارية 22% من النقد الصادر.
5- سندات على الحكومة الفرنسية أو سندات بكفالتها، ويجب ألا يزيد استحقاقها عن سنتين، كما يجب أن تودع لدى مصرف فرنسا.
- عناصر التغطية في اتفاقية 1938:
حددت اتفاقية عام 1938 عناصر التغطية بشكل أوضح من الاتفاقية السابقة، فقسمت هذه العناصر إلى قسمين: عناصر إجبارية _ عناصر اختيارية.
تتألف العناصر الإجبارية للتغطية من:
1. الذهب بنسبة ابتدائية مقدارها 10% ترتفع تدريجياً إلى 30%.
2. وديعة إجبارية بالفرنكات الفرنسية ، توضع هذه الوديعة في الصندوق المركزي للخزينة الفرنسية في باريس، ويستوفى عنها فائدة لا تقل عن 1.75 % سنوياً، وقد اشترطت الاتفاقية أن تكون نسبة هذه الوديعة 25 إلى 26 % من مجموع الأوراق المتداولة…
3. سلفة دون فائدة للحكومات السورية بقيمة 250000 ليرة سورية.
أما عناصر التغطية الاختيارية فتتألف من:
1- سندات على الحكومة الفرنسية وبكفالتها: تودع هذه السندات في بنك فرنسا، ويشترط أن تكون مدتها خمس سنوات على الأكثر وأن يكون 25% منها لمدة سنتين،ثم سمح للبنك موجب قرار صدر عام 1941 إيداعها في دمشق أو بيروت.
2- أسناد أو كمبيالات تجارية، تحمل ثلاثة تواقيع لا يتجاوز أجلها 90يوماً على ألا تتعدى قيمتها الإجمالية 12% من النقد المتداول ، ثم رفعت هذه النسبة إلى 25% بموجب قرار المفوض السامي تاريخ 4 أيلول 1939.
3- سلفة يمنحها بنك سورية للحكومة السورية لتنفيذ المشاريع العمرانية التي تنوي الدولة القيام بها… لا تتجاوز 1250000 ليرة سورية، ويدفع عليها فائدة قيمتها 4%….
4- ودائع لحين الطلب بالفرنكات الفرنسية، وتودع في الصندوق المركزي للخزينة الفرنسية، ويستوفى عنها فائدة قيمتها لاتقل عن تلك الفائدة التي يدفعها بنك فرنسا لأصحاب الودائع لحين الطلب….
خصائص التغطية في اتفاقيتي 1924 و1938:
يلاحظ مما سبق أن اتفاقية 1924 هي التي كانت سائدة خلال معظم فترة ما بين الحربين، وأن هذه الاتفاقية جعلت الجزء الكبير من التغطية بشكل موجودات الفرنك الفرنسي……
ولا ريب بأن هذه الاتفاقية نصت على وجود ذهب أو أوراق أجنبية قابلة للتحويل إلى ذهب إلى التغطية، إلا أنها لم تحدد نسبة دنيا لهذه الموجودات.
لذلك كان بإمكان بنك سورية ولبنان ألا يضيع ذهباً أو أوراقاً أجنبية قابلة للصرف على التغطية، وعلى كل لم تتجاوز نسبة وسطي الذهب خلال مدة هذه الاتفاقية 4% من التغطية..
وقد كانت اتفاقية عام 1924 والاتفاقية التي أعقبتها جزءاً من قاعدة الصرف بالفرنك الفرنسي التي فرضت على سورية، والتي كان غرضها الأساسي هو الاقتصاد في استعمال الذهب بالتغطية…
وتختلف اتفاقية عام 1938 و اتفاقية 1924 عن بعضهما إضافة لما سبق بالأمور التالية:
فهي لم تضع حداً أعلى للتداول النقدي على حين حددت اتفاقية 1924 الحد الأقصى للتداول بـ 25 مليون ليرة سورية- لبنانية… قد فصلت ولو اسمياً بين الليرة السورية والليرة اللبنانية…
وأخضعت بنك سورية ولبنان للضريبة، بينما كان معفياً منها بموجب الاتفاقية السابقة.
ونصت الاتفاقية الجديدة على أن يعود الربح الناتج من الارتفاع في قيمة التغطية الذهبية إلى حكومتي سورية ولبنان، ونصت كذلك على اقتسام الأرباح العادية للتغطية بين البنك والحكومات المذكورة.
- النقد السوري خلال الحرب العالمية الثانية
من الواضح تماماً أن الحرب العالمية الثانية قد تركت آثاراً واسعة ومتعددة الاتجاهات، وفيما إذا كان يعنينا هنا هو آثارها على النظام النقدي العالمي فإننا نبين أن هذه الحرب التي شملت فرنسا وأحاقت بها انعكست على المستعمرات فرنسية ومنها سورية على شكل تأثيرات اقتصادية وسياسية.
وانطلاقاً من تبعية سورية ولبنان لفرنسا فقد تم انتقال المركز الرئيسي لمصرف سورية ولبنان من باريس إلى بيروت وقام المفوض السامي لفرنسا تعديل اتفاقية عام 1938 بموجب قرارات ومراسيم أصدرها عن طريق مجلس المديرين وتناولت هذه القرارات والمراسيم موضوع عناصر التغطية النقدية.
ولقد استهدفت التعديلات المنوه عنها فيما استهدفته تمكين مصرف سورية ولبنان تلبية حاجات جيوش الاحتلال من الأوراق النقدية اللازمة.
وهكذا زيدت كمية الأسناد التجارية الداخلة في التغطية إلى 25% من حجم الكتلة النقدية المتداولة وأصبحت جميع قروض المصرف للدولة داخلة في التغطية.
وهنا فإن كل التدابير المشار إليها رمت إلى تسهيل عمليات الإصدار دون أن يضطر المصرف إلى تحقيق تغطية الإصدار بواسطة الفرنكات أو العملات الأخرى، إذ أصبح بإمكانه استخدام الوسائل الأخرى المتوفرة لديه.
من جهة أخرى وبعد أن احتلت جيوش الحلفاء سورية ولبنان شهدت البلاد إنفاقاً كبيراً بين النقد الإسترليني والدولار لتلبية حاجات هذه الجيوش من المنتجات والسلع المحلية، وإذ كانت الجيوش البريطانية مضطرة وقتها.وهي ترابط في سورية إلى جزء كبير من نفقاتها بالليرات السورية فإنها عمدت إلى بيع الليرات الإسترلينية إلى مكتب القطع، وحصلت مقابلها على الليرات السورية، وكان مكتب القطع يحول الليرات الإسترلينية وشتى أنواع العملات المتحصلة لديه إلى الخزينة المركزية لفرنسا الحرة ليحل محلها فرنكات فرنسية، حيث بلغت نسبة الفرنكات الفرنسية في التغطية 98% من النقد المتداول، كما بلغ مقدار النقد الصادر بهذا الشكل 800 مليون ليرة سورية استولت فرنسا على ما يقابلها من القطع الذي دفع مقابل الإنتاج السوري.
ونتيجة لاتفاقية آذار من عام 1941 بين الحكومتين الفرنسية والبريطانية حدد سعر صرف عملتي البلدين عن بعضهما البعض وقد لحظ المتعاقدان إمكانية سريان مفعول الاتفاق على كل أرض تابعة "لمجلس الدفاع عن الإمبراطورية الفرنسية" وكل أرض سوف تتبع.
وبعد احتلال سورية من قبل الحلفاء حدد معدل الليرة الإسترلينية بـ 883.125 قرشاً سورياً.
سببت نفقات الجيوش الحليفة تضخماً كبيراً في أرقام التداول والودائع المصرفية ويقدر مصرف سورية ولبنان في تقرير مجلس الإدارة عن أعوام 1941-1945 أن 8/7 هذا التضخم متأتية من الكميات الضخمة من الليرات السورية التي كانت تطلبها الجيوش الحليفة من مكتب القطع لقاء تسليمه العملات الأجنبية.
ومن الجدير بالذكر أن نفقات الجيوش في البلاد التي سببت ازدياد التداول لم تكن توافقها إمكانية الاستيراد من الخارج ولذلك فإن الأسعار أخذت في الارتفاع المستمر، وبدأت أثار التضخم النقدي تظهر في البلاد.
فلم يكن بعدئذ من فتح الطريق أمام رؤوس الأموال المحلية لتنزح إلى خارج البلاد وتخفف الوطأة عن السوق المحلية.
وبناء على ذلك صدر قرار يسمح بذلك،مما أدى إلى تخفيف التضخم النقدي إذ خرج من البلاد ما يقرب من 400 مليون ليرة سورية من الليرات السورية خلال ثلاث سنوات.
- مراحل الإستقلال النقدي في سورية
اتفاق كانون الثاني 1944:
اعتبر أكثر الباحثين السوريين الاتفاق المالي العقود بين سورية ولبنان وبريطانيا وفرنسا في 25 كانون الثاني من عام 1944 مرحلة هامة في تاريخ النظام النقدي السوري، ففي هذا التاريخ جرى اتفاق بين فرنسا وإنكلترا تبعه اتفاق مماثل بين سورية ولبنان وفرنسا وقع في دمشق في التاسع من شهر شباط من عام 1944.
وقد نصّ اتفاق دمشق على ما يأتي:
1- يبقى معدل الليرة السورية بالنسبة للإسترليني على ما كان عليه أي 883 قرشاً سورياً للجنيه الإسترليني الواحد.
ولما كان الاتفاق البريطاني الفرنسي الجديد قد عدل سعر التعادل بين عملتي البلدين وجعله 200 فرنك للإسترلينية الواحدة بدلاً من 176.625 (فرنك فرنسي) حسب اتفاق آذار عام 1941 فإن تعادل الفرنك مع الليرة السورية أصبح 22.65 فرنك لليرة السورية الواحدة.
2- تستمر حرية شراء الليرة الإسترلينية بالنسبة لسكان سورية ولبنان ولا تتوقف دون استشارة حكومة البلدين بصورة مسبقة..
3- لا يعدل صرف الليرة السورية بالنسبة للإسترليني قبل استشارة الحكومتين السورية واللبنانية، وبعد اتفاق دمشق أعطت السلطات الفرنسية تأكيدات بإعادة التغطية الذهبية إلى مصرف سورية ولبنان.
وتعهد بإثبات قيمة موجودات مصرف سورية ولبنان، وذلك بتأدية الفروق في حالة تدني قيمة الفرنك بالنسبة للجنيه الإسترليني.
أي إن الحكومات الفرنسية تزيد في مقدار موجودات المصرف من الفرنك بشكل يجعل هذه الفرنكات تحافظ بصورة دائمة ومستمرة على قيمتها بالنسبة للجنيه الإسترليني.
وزيادة هذه الموجودات ومقدارها في المصرف من الفرنكات الفرنسية جعلتها تحافظ على القيمة الفعلية للفرنك، ولمواجهة الخوف من تدني قيمته أمام قيمة الجنيه الإسترليني.
نفاذ اتفاقية كانون الثاني 1944:
نفذت فرنسا التعهدات التي قطعتها في اتفاقية كانون الثاني عام 1944 عندما خفضت قيمة الفرنك الفرنسي في 25 كانون الأول من عام 1945.
فزادت كمية الفرنكات الموضوعة في تغطية النقد السوري أي إنها دفعت في حساب التغطية فروق تخفيض الفرنك هذا على المستوى الرسمي.
أما على المستوى الشعبي فقد استمر الأفراد في تحويل موجوداتهم من الليرات السورية إلى ليرات إسترلينية.
وقد أقلق هذا الموضوع فرنسا خاصة وأن سورية أوشكت على نيل استقلالها السياسي، فوجهت مذكرة إلى الحكومة السورية في آذار 1946 تقرر فيها إلغاء حرية شراء الإسترليني، وإلغاء ضمان التعادل مع الليرة الإسترلينية، ورفض تقديم التعويضات الناجمة عن تخفيض الفرنك الفرنسي.
وفي كانون الأول عام 1946 وجهت فرنسا مذكرة جديدة لسورية ألغت بموجبها اتفاق عام 1944، وأنهت ارتباط الليرة السورية بالجنيه الإسترليني.
وأعادت الليرة السورية إلى حظيرة الفرنك بصورة غير مباشرة. لأن عناصر التغطية كانت بالفرنك الفرنسي لهذا بادرت الحكومتان السورية واللبنانية منذ عام 1947 إلى التفاوض مع فرنسا لحل أزمة النقد.
اتفاق شباط 1949:
دخلت سورية ولبنان مفاوضات مع فرنسا لبحث استقلال الليرة السورية – اللبنانية وتصفية الديون مع فرنسا واستمرت هذه المفاوضات حتى كانون الثاني من عام 1948، وعندما أجرت فرنسا تخفيضاً على عملتها فوافق لبنان على الاتفاق مع فرنسا ولكن رفضت سورية ذلك وهذا كان يعني الانفصال بين الوحدة التي كانت بين النقد السوري واللبناني.
وهكذا تركت سورية منطقة الفرنك في شهر كانون الثاني من عام 1949، وعدّلت من سعر صرف الليرة بالفرنكات مما اضطر فرنسا لعقد اتفاق في 8 شباط 1949 مع سورية يؤكد انفصال الليرة السورية عن الفرنك الفرنسي.
وكان من نتائج الانفصال بين الليرة السورية والليرة اللبنانية أن اتخذ كل قطر إجراءات خاصة به لتنظيم اقتصاده ونقده. فقد اتجه لبنان إلى نظام الحرية الاقتصادية لاعتماده على التجارة الخارجية والصادرات غير المنظورة، بينما اتجهت سورية إلى نظام الحماية الجمركية لحماية الصناعة المحلية الناشئة. وكان انفصال الوحدة النقدية بين سورية ولبنان بداية الطريق لانفصال الوحدة الاقتصادية بين القطرين.
وطبقت سورية أنظمة الرقابة على النقد الأجنبي في تعاملها مع لبنان اعتباراً من شهر 14 آذار من عام 1950. وفي شهر شباط 1948 صدر المرسوم التشريعي رقم 92 الذي أُحدث بموجبه مكتب القطع وهو مؤسسة عامة سورية، ولقد أُلغي هذا المرسوم بالمرسوم التشريعي رقم 208 تاريخ 21/4/1952 الذي أنشأ مكتب القطع الحالي.
سياسة القطع بين اتفاقيتي 1944 واتفاقية 1949
1- تمكنت سورية بناء على اتفاقية 1944 من تخليص نقدها من تبعية الفرنك الفرنسي وهو نقد ضعيف، ورَبْط ليرتها بالليرة الإسترلينية وهي نقد متين.
ولكن سورية لم تكن قادرة على اتباع سياسة قطع مستقلة ما بين 1944 ونهاية كانون الثاني 1948.
2- نتيجة خروج سورية من منطقة الفرنك أصبح بإمكانها اتباع سياسة قطع مستقلة أي أصبحت الحكومة السورية وحدها فقط التي تحدد سياسة القطع التي يجب اتباعها.
وأصبح لديها سلطة (وهي مكتب القطع، الذي كان تابعاً لوزارة المالية في ذلك الوقت وهو الآن تابع لوزارة الاقتصاد) ترسم وتنفذ هذه السياسة.
3- خفض الفرنك في السادس والعشرين من كانون الثاني 1948 وخفض أيضاً في 17 تشرين الأول من السنة نفسها.
وبما أن موجودات سورية من الفرنك لم تكن مضمونة بالنسبة لنقد ثابت حين حصل هذان التخفيضان لذلك نتج عنهما انخفاض معتبر في قيمة هذه الموجودات وخاصة التغطية النقدية التي كان أغلبها بشكل أرصدة بالفرنك…
ولكي تغطي النقص في التغطية أصدرت الحكومة السورية سندات عن الخزينة بلغت قيمتها في نهاية 1948 مبلغ 104.2 مليون ليرة سورية.
ولقد شكل هذا الإصدار نقصاً لقواعد التغطية المنصوص عنها في اتفاقية عام 1938 وأدى ذلك إلى إصدار قانون نقدي جديد في شهر آذار من سنة 1950.
- يتبع في المشاركة التالية صور العملات السورية المتداولة منذ الوجود العثماني -