منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1

    في رمضان: حال العرب مقلق ولا يسر

    في رمضان: حال العرب مقلق ولا يسر
    -الجزء الثاني-
    بقلم:سري سمور
    تحدثت في الجزء الأول عن حال العرب مع القضية الفلسطينية ،وسأتحدث في هذا الجزء عن الأمر/ العامل الثاني الظاهر في الخطر على العرب وأحد معالم الفشل التي يحيونها.
    ثانيا:التشرذم وخطر تقسيمات جديدة
    لطالما قيل بأن الحدود بين أقطار العرب مصطنعة أوجدها المستعمر وهذا ما تعلمه العرب في مدارسهم؛ بأننا أمة واحدة ولا حد يباعدنا ولا دين يفرقنا ، ولكن ويا للعجب فقد كان هناك حرص على الحفاظ على هذه الحدود المصطنعة التي خطها قلم المستعمر على خريطتنا،في تناقض واضح بين ما نتشدق به وبين ما نمارسه في الواقع ؛ ورغم ذلك كان يمكن ان يكون الحال مقبولا إلى حد ما إذا بقيت القسمة الاستعمارية القديمة،من باب أهون الضررين،وإذ بنا اليوم أمام تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ من جديد ؛ففي العراق وطن الأنبياء ومهد الحضارة ومنبع التاريخ؛نرى حالة انفصال سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي لمنطقة الشمال وهناك دولة على الأرض حتى لو لم يتم الاعتراف بها بشكل فعلي وهناك التقسيمات الطائفية في المناطق الأخرى،وحين تتحدث عن العراق تتحدث عن أحد أهم أقطار العرب بما يمتلكه من مقدرات بشرية وثروات ومياه وتاريخ وحضارة وموقع استراتيجي.
    والسودان الذي لطالما فاخرنا بأنه سلة غذاء العرب والأفارقة،وأكبر أقطار العرب مساحة(حوالي 2.5 مليون كم2) فقد بات على أبواب التقسيم ؛فالجنوب يستعد للانفصال النهائي،ودارفور حالها معروف ،وكردفان دورها آت.
    ويبدو أن فرحتنا باليمن السعيد الموحد لن تطول؛فهذا البلد الهام مهدد بنهاية مأساوية وتمزقات مؤلمة،ليس فقط على أساس الشمال والجنوب،بل هناك مخاطر انفصال حضرموت وصعدة وغيرها من المناطق والمحافظات.
    وقبالة سواحل اليمن،الذي غادرته السعادة إلى أجل لا يعلمه إلا الله،هناك الصومال الذي يشتق من اسمه مصطلح الصوملة الذي يشير إلى ما يشبه حال عبس وذبيان أو بكر وتغلب في مرحلة ما قبل الإسلام.
    ومصير الصومال ليس بعيدا عن باقي أقطار العرب،خاصة وأن الهوية المعرّفة بالمواطن القاطن في بعض أقطار العرب ارتدت إلى مرحلة ما قبل نشوء الدولة ككيان سياسي واجتماعي يجمع سكانه وطن ينتمون إليه ويحملون هويته؛فمثلا لم يعد العراقي عراقيا كما كان قبل سنوات بل أصبح سنيا أو شيعيا أو كرديا أو تركمانيا أو آشوريا أو أيزيديا...إلخ وليست بقية بلاد العرب بمفازة من هذا المصير البائس والمستقبل المظلم إذا لم يتم تدارك الوضع أفقيا وعاموديا ،ورسميا وشعبيا ونخبويا.
    أما عن أسباب هذا التشرذم الذي يهدد بتحويل الوطن العربي إلى فتات تتنازعه الطوائف والإثنيات فهي كثيرة ،ولا ينبغي قصرها على المؤامرات والتدخلات الخارجية ومكر الماسونية والصهيونية العالمية؛لأنه من الطبيعي أن يكيد هؤلاء للأمة كيدا،وأن يمكروا مكرا،ولكن نجاحهم الذي أزعم أنهم مذهولون من نسبته العالية ،فهو عائد إلى أسباب وعوامل ذاتية منها:-
    1- عدم الحكمة في التعامل مع غير العرب في البلاد العربية خاصة أولئك الذين يقيمون بأقاليم ومناطق جغرافية خاصة بهم،بمعنى أنهم يشكلون أغلبية فيها،مما تركهم فريسة لقوى غربية وصهيونية عبأتهم وحشدتهم ضد الدولة المركزية وضد العرق العربي نفسه؛لاسيما أنه كان ثمة إساءات أو نوع من التهميش لهم في بعض الأوقات؛فالدولة العربية لم تبق معهم علاقة قائمة على القواسم المشتركة المتعددة كالدين والمصير والتاريخ المشترك،بل لم تستطع إيجاد ثقافة ناسفة لفكرة الصفاء والتميز القومي أو العرقي لأنه ،وكما نعلم، فإن الأعراق والقوميات قد تمازجت مع بعضها على مرّ الزمن بفعل الحروب والهجرات والتعامل الإنساني اليومي،وليس ثمة عرق صاف؛فانعدام الحكمة والتخطيط وأيضا العدل في التعاطي مع هؤلاء أدى بهذه الأقاليم إلى أن تفكر بالانفصال عن الدولة المركزية بدعم وتشجيع من الغرب وإسرائيل التي موّلت علنا بعض الانفصاليين بالمال والسلاح ونفخت في نار الفتنة القومية.
    2- لقد تراجع المشروع القومي،والذي كان هشا منذ البداية بسبب الحرب الشرسة من قوى الاستعمار الغربي التي تقوم سياستها على النظرية المشهورة «فرق تسد» وكذلك بسبب عدم بناء إجراءات تراكمية تجعل الوحدة أمرا ضروريا لا فكاك منه بالنسبة للأقطار العربية، وليس مجرد مشاعر وجدانية نابعة من الانفعال الشعبي مع الشعارات القومية،بل من باب المصالح المشتركة والعلاقات المتشابكة؛كان بالإمكان إنشاء نظام تعليمي موحد ومناهج مشتركة،ومن ثم بناء نظم اقتصادية ومناطق سوق حرة كما فعل الأوروبيون،إلا أن هذا لم يحدث إلا ارتجالا أو بشكل موسمي استعراضي.
    3- طبيعة وسلوك النظام السياسي العربي الذي لم يتورع عن استخدام التعبئة القبلية أو الجهوية والقطرية لتثبيت أركانه وإحكام سيطرته على مكونات الدولة والوطن،فانقلب السحر على الساحر،وهذا ينسحب على البدعة الجديدة القديمة القائمة على فلسفة تقديم المصلحة القطرية على نظيرتها الوطنية والقومية،والنتيجة الماثلة أمامنا أن الدولة القطرية باتت مهددة بالتمزق وانفصال أجزاء منها وهي إجمالا تعيش حالة تراجع ملموسة انعكست على 300مليون إنسان هم سكان البلاد العربية.
    قبل نحو عقدين من الزمن كان ثمة أمل بإيجاد تكتلات عربية اقتصادية قابلة للتطور مع الزمن لتشكل كتلة واحدة منسجمة سياسيا وموحدة بشكل عام في بنيتها العسكرية؛فقد كان لدينا ثلاث اتحادات عربية؛اتحاد المغرب العربي وضم المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا،ومجلس التعاون العربي وضم مصر والعراق والأردن واليمن،ومجلس التعاون الخليجي بدوله الست وهو أقدم من سابقيه ويشمل السعودية والإمارات والكويت وعمان وقطر والبحرين.
    لكن اجتياح العراق للكويت قضى تلقائيا على مجلس التعاون العربي حيث انقسم العرب آنذاك على أنفسهم بل وأحضرت القوات الأطلسية وبغطاء رسمي عربي إلى المياه والأراضي العربية وكان ما كان.
    إتحاد المغرب العربي بقي منه الهيكل والصورة؛حيث أن ليبيا توجهت نحو إفريقيا لأسباب عدة منها عدم وقوف العرب معها بمن فيهم شركاؤها في الاتحاد إبان الحصار الذي فرض عليها بعكس الحال لدى دول الإفريقية،كذلك هنالك خلافات قديمة جديدة بين المغرب والجزائر بخصوص الصحراء الغربية ووقوف الجزائر مع جبهة البوليساريو.
    وأما مجلس التعاون الخليجي فقد حقق نجاحات واضحة،بلا شك،إلا أنها تظل دون المستوى المطلوب والأمل المعقود مقارنة مع قدم المجلس وطبيعة الروابط والأواصر بين أعضاءه،كما ان أقطار المجلس تعتمد على الولايات المتحدة الأمريكية في مسألة الحماية العسكرية،ولم يحسم مجلس التعاون الخليجي أمره بشأن ضم اليمن المهدد بالتمزق وهي خطوة لو تمت ستضرب عصفورين بحجر واحد؛حماية اليمن من التفتت وتقوية بلدان الخليج بالشعب اليمني الفتي الذي سيغير في الميزان الديموغرافي المختل حاليا في الخليج.
    كما أن الخلافات السياسية بين دول الخليج الخاملة منها والنشطة يضع العديد من علامات الاستفهام حول مستقبل تطور المجلس، ولا ننسى ان المجلس وحتى اللحظة فشل في مشروع توحيد العملة وهو أمر لو نجح لكان النجاح الأكبر في مسيرة المجلس منذ إنشائه.
    أما البنية الاجتماعية في الخليج ففيها مشكلات متعددة منها مسألة البدون، ووجود نسبة كبيرة من الأجانب خاصة الآسيويين والهنود؛ومؤخرا قرع مسئولون وخبراء خليجيون نواقيس الخطر تحذيرا من هذه المشكلة المقلقة.
    يضاف إلى ذلك التباس وارتباك العلاقات بين دول الخليج وكل من العراق وإيران؛ فقد دعم الخليجيون صدام ضد إيران ثم ناصبوه العداء بعد غزو الكويت وهم في تعاملهم مع إيران في حيرة وتردد مردهما عدم تقديم المصالح الخليجية على الضغوط الخارجية لا سيما الأمريكية؛فأمريكا دمرت العراق بالمال العربي قبل عشرين عاما، وهي تسعى اليوم لتكرار السيناريو مع إيران،إلا أن أي نزاع مسلح سيكون الخاسر فيه هو الطرف العربي بنفطه وماله ومجتمعه وبيئته وحتى مناخه.
    ولم يعد خافيا إضافة إلى ما ورد أعلاه مخططات تقسيم وتمزيق ما تبقى من بلدان العرب؛ولا يجوز مطلقا الاستهانة بهذا الأمر واعتباره من المستحيلات،فكثيرون لم يتوقعوا أن يغدو حال العراق إلى ما آل إليه اليوم.
    فهنالك مخطط لتقسيم مصر بين المسلمين والأقباط والنوبيين،ولتقسيم بلدان شمال إفريقيا بين العرب والأمازيغ؛أما لبنان فالحامي هو الله، لأن الوضع فيه على فوهة برميل بارود يحتاج لشرارة كي ينفجر، كما لا يستبعد الغرب سوريا من مخططات التقسيم والتمزيق.
    إن الحديث عن هذه المخططات لم يعد فقط محفوظا في الأدراج المغلقة بأقفال ذات أرقام سرية لا يعرفها إلا أفراد قليلون من دهاقنة السياسة والإجرام،بل يجري التصريح بها علنا أحيانا قليلة،والتلميح بها في أحايين كثيرة.
    إن التقسيم الحالي الذي نشأ في مرحلة ما بعد ضعف وتفكك السلطنة العثمانية والتمدد الاستعماري الأوروبي تسبب في ضعفنا وإخفاقنا،وانعكس على الجيل أو الجيلين اللذين ترعرعا في ظله،فكيف سيكون الحال بعد خطط التمزيق الجديدة التي بدأت تأخذ طريقها إلى التنفيذ في غير مكان؟إنه أمر مفزع حقا....ولا يبتعد هذا وغيره من عوامل إخفاقنا كعرب عن طبيعة النظم السياسية وسلوكيات المعارضة وهو ما سآتي عليه في الجزء الثالث بمشيئة الله تعالى..يتبع.
    ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
    الثلاثاء 21 رمضان/1431هــ، 31/8/2010م
    من قلم/سري سمور-جنين-فلسطين-أم الشوف-حيفا

  2. #2
    في رمضان: حال العرب مقلق ولا يسر/ج3
    سأبدأ بقوى المعارضة حيث أنني وعلى غير المألوف لن ألقي بكامل المسئولية على النظم والأحزاب والأسر الحاكمة،رغم قناعتي أنها لو صلحت لصلح الحال،ولكن هناك قناعة أخرى ،أو حقيقة موازية تقول بأن النظم الحاكمة هي نتاج تفاعلات وبنى اجتماعية وثقافية،وإلا لما صمدت كل هذه العقود رغم التغيرات الدولية العاصفة.
    فقوى المعارضة التي تعيب على النظم عدم التغيير ،هي الأخرى تعاني من التكلس والتجميد في أطرها القيادية وبرامجها الجامدة،مع الاستبعاد التام لفكرة التجديد في الأشخاص والأدوات،كما أنها لا تقنع الجماهير بخطابها وأسلوبها وأهدافها؛وفوق هذا فهي منقسمة على ذاتها وعلى خلاف مع بعضها،ويمكن أن نقول بأنه خلاف وعداء أشد من الخلاف مع النظم الحاكمة،وأن قوى المعارضة منفردة تفضل التفاهم مع الأنظمة بل التحالف البراغماتي معها على أن تتوحد على برنامج مشترك،مما يزهّد الناس فيها ويجعلهم ضمنا يقبلون بنظمهم على اعتبار أنهم ألفوا ظلمها واعتادوا جورها،ولا يريدون البدء من الصفر في مسيرة الظلم والاستبداد والفساد!
    أما النظم الحاكمة فهي تعاني من مرحلة ما بعد ما بعد التكلس والتجميد والهرم؛فليس ثمة حراك حقيقي أو تجدد أو تجديد وكأن الزمن توقف عند هذه النظم،وهي تستعين بقواها الأمنية وأجهزتها الإعلامية وما بحوزتها من ثروات ومقدرات من أجل البقاء والاستمرار في السيطرة والحكم، لا من أجل التنمية والتطوير والبناء الحقيقي،حتى بات حلم الكثير من الشباب العرب مغادرة بلدانهم؛فحين يركب شاب قارب الموت ويبيع نفسه لعصابات تهريب البشر آملا في الوصول إلى مدينة أوروبية ليعمل نادلا في مطعم أو في بار أو في تنظيف دورات المياه في أحد الفنادق، مع أنه قد يكون حاملا لشهادة جامعية أو أن لديه حرفة مهنية يتقنها،وهو من بلد يعوم على بحر من النفط أو الغاز أو المياه الجوفية العذبة الغزيرة،فإن هذا مؤشر بل دليل قاطع على فشل الأنظمة في توفير الحياة الكريمة لمواطنيها؛و أحيانا تبرر الأنظمة فشلها في سوء وضع الناس بالحديث عن ارتفاع نسبة المواليد وزيادة عدد السكان ، وهذه حجة لها لا عليها ؛بدليل مقدرة الصين على حل مشكلة 400مليون فقير أكثر (أكثر من سكان الوطن العربي بمئة مليون)في غضون عشرين عاما،ولأن الزيادة السكانية لم تعد ضمن وصف الانفجار السكاني حيث أن سن الزواج لدى الذكور والإناث قد تأخر لأسباب عدة؛وتلجأ الأنظمة أحيانا إلى أساليب الترقيع وإعطاء الحقن المهدئة للمشاكل التي وجدت وستجد نفسها يوما ما في مواجهتها دفعة واحدة.
    لماذا تنفق الأنظمة على التسلح مليارات الدولارات سنويا؟هي تقول بأن السلام خيارها الاستراتيجي مع إسرائيل، وهي لن تحارب بعضها،على الأقل في المرحلة الحالية،أما الإرهاب المزعوم فهو لا يحارب بنوعية وكمية السلاح الذي تبتاعه من الغرب؛وبديهة فإن التسلح وما ينفق عليه يكون على حساب القطاعات الأخرى من بنى تحتية وتعليم وصحة.
    إن الاستبداد السياسي في العالم العربي داء لم يجد حتى الآن دواء أو أن حال الدواء كحال السؤال الشهير «من يعلق الجرس»،والنظم الحاكمة ومنظروها من بعض الكتاب والإعلاميين يقولون بأن أوروبا انتظرت قرنين أو أكثر حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن من نظم سياسية أو ما عرف بالعقد الاجتماعي (جان جاك روسو) تسودها الديمقراطية وتداول السلطة.
    هذا صحيح، ولكن بالطريقة التي تدار فيها الأمور هنا فإننا لو انتظرنا ألفا سنة فلن نصل إلى معشار ما وصلت إليه أوروبا؛أما القول بأن لكل مجتمع خصوصياته وثقافته وما يصح في أوروبا لا يصح للعرب؛فهذا أيضا صحيح مئة بالمئة؛ولكن نحن كأمة عربية إسلامية ثقافتها ومعتقدها ضد الاستبداد والبغي والظلم والتسلط،ومع الشورى والعدل والنصوص في هذا كثيرة ومتنوعة:-
    «وأمرهم شورى بينهم» ،«اذهب إلى فرعون إنه طغى» ،«وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل» ،بلبل طلب الله سبحانه وتعالى من سيد الخلق محمد،صلى الله عليه وسلم، أن يشاور أصحابه (وشاورهم في الأمر) وهو المؤيّد بوحي السماء،فهذه النصوص وكثير غيرها تدحض فكرة أفضلية الآخر علينا في مجال الحرية والشورى،كما أن فكرة كون جيناتنا تحبذ الاستبداد سخيفة ولا تستحق النقاش.
    ثم لماذا يسمح لنا باستيراد قوانين بعينها من أوروبا، وأن نلبس مثل الأوروبيين وان نتعلم بلغتهم،وأن نقلدهم في الأطعمة و الأشربة؛ولكن حين يأتي الأمر لمسألة الديمقراطية والشفافية وتوزيع الثروة يتم تشغيل أسطوانة خصوصيتنا والتغني بموال ثقافتنا الخاصة وعزف لحن المؤامرة على هذه الثقافة؟...سؤال برسم الإجابة.
    أما الانتخابات التي تجري في العديد من البلاد العربية فقد زادت الطين بلة،وعززت من دعاة نظرية ضرورة أن تحكم الشعوب بالحاكم بأمره المستبد، بدون ديموقراطية ولو حتى شكلية،لأن الاستبداد قد دخل في مسامات حياة الناس ولم يعد يقتصر على النظام السياسي.
    إن وجود مستبد طاغ كزعيم كوريا الشمالية «كيم إل سونغ» شعبه معدم ويعاني أصناف الحرمان،فيماهو يكدّس السلاح ويطور قدراته النووية كان سيرضي الجماهير العربية ،إلى حد ما،ما دام يقف في وجه الإمبريالية؛ولكن الحال لدينا هو استبداد داخلي وظلم للعباد والتسبب في بؤسهم وفرارهم،بحيث أصبحت بلادنا طاردة لشبابها،يرافقه خضوع للخارج وهو ما سآتي عليه في الجزء الرابع بإذن الله تبارك وتعالى...يتبع
    سري سمور

  3. #3
    -الجزء الرابع -
    بقلم:سري سمور
    أواصل الحديث عن محاور فشل العرب وخيباتهم،وإخفاقاتهم في مسائل وقضايا هامة متنوعة؛فقد تحدثت في الجزء الأول عن إخفاق العرب في التعاطي مع القضية الفلسطينية،وتحدثت في الجزء الثاني عن مخاطر تقسيم جديد ينتظر بلادنا العربية،وفي الجزء الثالث تحدثت عن النظام السياسي العربي واستبداده وتكلّسه وفشل المعارضة لهذا النظام.
    في هذا الجزء(الرابع) سأتناول مسألتين أخريين،لا تقلان أهمية عما سبقهما وعما سيليهما،مع ارتباط كل المحاور والمسائل مع بعضها:-
    رابعا:التبعية والارتباك في التعامل مع الخارج:-
    إبان الحرب الباردة انقسم العرب بين واشنطن وموسكو ولم يتورع بعض العرب في استحضار الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ليس انصياعا لها كما يجب، بل كرمال عيون واشنطن؛وشنّت الحرب على الإلحاد والماركسية سليلة وحليفة الصهيونية،وآخرون رأوا في الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الاشتراكية حليفا للعرب،والحقيقة أن موسكو وواشنطن كانتا على خلاف في كل شيء إلا في موضوع دعم إسرائيل والحفاظ على وجودها فوق الأرض الفلسطينية وهذا طبعا ليس في صالح العرب،أليس كذلك؟!
    وبعد انتهاء الحرب الباردة يمم العرب وجوههم شطر واشنطن وتعززت ثقافة الاستهلاك والفردية والنظرة الرأسمالية للحياة في بلاد العرب أكثر من ذي قبل؛وحين أرادت واشنطن محاربة ما تسميه الإرهاب قال العرب:«آمين» بل كان هذا الأمر فرصة للنظم للانقضاض على خصومها تحت يافطة مكافحة الإرهاب.
    حال العرب اليوم أشبه بحال الغساسنة والمناذرة بولائهم للروم والفرس على التوالي وكحال عرب الجزيرة المقتتلين على الكلأ والماء وسباق الخيل،وكأن الله لم يرسل لهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة،ويأتيهم بكتاب وحد صفوفهم وأخرجهم من جهلهم وتمزقهم إلى أرض لم يطؤوها ومجد لم يكونوا لينالوه...فأي حال وصلنا إليه بعد قرون طويلة من الأمجاد والعزة والكرامة؟!
    الانصياع العربي للرغبات الأمريكية ليس خافيا على أي مواطن حتى لو كانت ثقافته بسيطة، وهذا للعلم ليس في صالح الأنظمة على المدى المتوسط بل لربما القريب لأن الرأسمالية والإمبريالية ليس لها حليف إلا مصالحها ، كما أن هذا جرّع الذل والهوان والإحباط للشعوب التي تحتاج إلى نوع من الكرامة والقرار المستقل والوقفة الشجاعة تجاه القضايا المركزية.
    فأخذ الناس يتلهون باللذائذ ،ما حلل الله منها وما حرم ،ويأخذون جرعات من التاريخ المليء بالانتصارات ليهربوا من الواقع المليء بالهزائم، أو بانتصار لا قيمة له في مباراة رياضية أو مسابقة فنية.
    التبعية للولايات الأمريكية في البلاد العربية تدفع الآن للغضب أكثر من أي وقت مضى؛لأن دولا في غلاف واشنطن الجغرافي تمرّدت عليها وانتصرت لمصالحها ولخيارات شعوبها خاصة في أمريكا اللاتينية.
    وبغض النظر عن رأينا في أيديولوجية كاسترو وهافانا؛ فإن كوبا القابعة قبالة سواحل الولايات المتحدة صرخت وما زالت «لا للرأسمالية»..تالله إن هذا لشيء عجاب؛فهل تاريخنا ومقدراتنا وثقافتنا أقل مما لدى الكوبيين والكوريين الشماليين؟ثم إلى أين ستقودنا التبعية لواشنطن؟!
    من الكوميديا السوداء التي قرأتها حول مسألة التبعية للأمريكي،هي أن الرئيس الأمريكي لديه صلاحيات في بلاد العرب أكثر بعشر مرات مما لديه في البلاد التي انتخبته ليكون رئيسها!
    المشاكل المذهبية والفتن الطائفية،والتقاعس في مساعدة الشعب الفلسطيني،وغيرها من أمور سيئة مردها السعي لإرضاء الأمريكيين،وإثبات الولاء والطاعة لهم،أو عدم إثارة غضبهم في أحسن الأحوال،ولم نجن من هذا إلا التخلف والضغينة فيما بيننا،والتراجع في شتى مناحي حياتنا.
    خامسا:انعدام العدالة الاجتماعية:-
    أحزمة بؤس ومدن صفيح وأطفال شوارع حول المدن العربية الكبيرة؛ومجتمعات عشوائية،وفقر وبطالة، وانعدام الأمل في المستقبل لدى معظم الشباب العرب.
    لا ينقص العرب موارد طبيعية حبا الله بلادهم بها ورغم ذلك فإن الفقر سمة غالبية السكان؛هذا في الوقت الذي تنشر فيه مجلة فوربس عن أثرياء عرب يمتلكون أموالا طائلة وثروات يمكن أن يسعدوا بها مع إسعاد ملايين من أبناء أمتهم.
    وقد بات المشهد العربي على طرفي نقيض؛ففي مقابل أحزمة الفقر والبؤس هناك قصور وفلل أشبه بما ورد في أساطير وقصص ألف ليلة وليلة في المدن العربية وضواحيها،يعيش سكانها بترف ويركبون السيارات الفارهة ،بل لدى بعضهم طائرات خاصة،ويتسوقون في المولات الحديثة في مدن العرب أو في أوروبا وأمريكا وحولهم الخدم والحشم،وطبعا هؤلاء قلة قليلة جدا، ونلاحظ أن الطبقة الوسطى قد تآكلت لصالح الطبقة المسحوقة المهمشة.
    انعدام العدالة الاجتماعية يؤدي إلى الإحباط والحقد والغل والتباغض؛ فالمحرومون المسحوقون يتمنون أن يكونوا كما المترفين بأي طريقة كانت شرعية أم غير ذلك.
    وهل تأمل من مسحوق معدم أن يفكر في بناء وطن أو رفعة شأن أمة،بل لعله يتمنى أن يصحو ليجد نفسه خارج حدود هذا الوطن،في مدينة أوروبية يجلي الصحون كما قلت في الجزء الثالث.
    إن خللا في توزيع الثروة ينذر إما بثورة جياع أو بفوضى عارمة أو بفرار المترفين لتبقى البلاد كبعض الدول الإفريقية التي حلت بها الكوارث والجفاف والحروب الأهلية؛ففي الوقت الذي نرى فيه يوميا أخبار الأثرياء في الغرب وهم يوزعون الأموال الطائلة على المشاريع الخيرية والبحوث العلمية،فإننا نرى أثرياء العرب قد سيطر الشحّ عليهم بل تنتابهم حالة من الجشع والرغبة في مزيد من الاستئثار واحتكار كل السلع والخدمات بلا خجل أو رهبة من الله الذي أمرهم بإعطاء الفقراء من المال الذي هو أمانة عندهم واعتبرهم،كما في الحديث،وكلاءه والفقراء عياله.
    والأدهى والأمر هي حالة التحالف والانسجام بين الأثرياء ورجال السياسة والحكم التي ترسخت أكثر من أي وقت مضى،بحيث أصبح المواطن المسحوق بين مطرقة الساسة وسندان الأثرياء الاحتكاريين.
    فالفقراء يزدادون فقرا والأغنياء يزدادون غنى،ومعدلات البطالة ترتفع،وخريجو الجامعات برسم التحول إلى جيوش المحبطين، والحرف والصناعات مهددة بسبب طغيان البضائع المستوردة،والمحاصيل الزراعية في خطر بسبب التغيرات المناخية وبسبب سوء التخطيط والتسويق، مما يوحي بأن الأقطار والبلدان العربية تحولت إلى ما كان سائدا في عهد الإقطاع؛حيث ثلة قليلة تسيطر على الأرض والثروة وما على ساكني الأرض إلا خدمتها والعمل بأجر زهيد أو مقابل لقمة الخبز في إقطاعياتها،كنا نقرأ عن هذا ونشاهده في أعمال درامية عن قرية أو عزبة ما،واليوم نراه واقعا معاشا مع ملايين العرب،ولا حول ولا قوة إلا بالله.
    وفي بيئة كهذه من الطبيعي أن ينتشر ما يسمى بالإرهاب؛وأن ترتفع معدلات الجريمة بأشكالها؛من قتل واغتصاب وتجارة وإدمان المخدرات وسرقة؛فالنار تخلف رمادا،ومن يزرع الشوك لا يجني العنب، وبجيوش من ملايين الفقراء المسحوقين اللاهثين وراء لقمة خبز لا ينالونها إلا بشق الأنفس لن تكون البلاد محصنة أمام مخططات قوى الاستعمار ومكر الماسونية والصهيونية العالمية؛ومواطن كهذا لا يشغل باله وطن ولا نهضة ولا حضارة،وحاله كحال عنترة بن شداد العبسي، يوم أن دعاه أبوه للكرّ،أي للقتال، فقال أبو المغلس:إن العبد لا يحسن الكر بل الحلب والصر،فعلى الحالمين أن ينزلوا بسقف أحلامهم،إلا إذا قيل للشعوب كما قال شداد العبسي لابنه عنترة:كرّ وأنت حر.....يتبع
    ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، ،،،
    الجمعة 24 رمضان/1431هــ، 3/9/2010م
    من قلم/سري سمور-جنين-فلسطين-أم الشوف-حيفا

المواضيع المتشابهه

  1. طارق رمضان : المثقف الاسلامي المستنير في بلاد الغرب
    بواسطة انغير بوبكر في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-07-2018, 02:27 PM
  2. أصل العرب وحقيقة مفاهيم العرب (البائدة والعاربة والمستعربة)
    بواسطة مصطفى إنشاصي في المنتدى فرسان الأبحاث الفكرية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-02-2016, 11:06 AM
  3. فضل الأسلام على العرب وفضل العرب في الرساله
    بواسطة الحمداني في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 10-04-2015, 08:03 PM
  4. شمس العرب تسطع على الغرب - زيغريد هونكه
    بواسطة محمد حبش في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-04-2015, 04:37 PM
  5. شمس العرب تسطع على الغرب .. زيجريد هونكه
    بواسطة راما في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-14-2012, 04:42 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •