الضرورات الشعرية {إشباع الحركات } /توفيق الخطيب
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشعر نوع خاص من الأدب يختلف عن غيره باعتماده وزنا موسيقيا يجعله أسهل حفظا وأكثر قبولا وانتشارا, وبسبب خصوصيته فقد تفلت أحيانا من قواعد النحو , ولكن ذلك لم يبق من غير ضوابط بحيث يصبح الشعر ركيكا بعيداً عن قواعد اللغة العربية .
وقد عرف الشواذ المتعلق بالشعر بالضرورات الشعرية , وقد قسمت إلى ثلاثة أقسام
1- عيب غير مقبول لايجوز للشاعر استخدامه .
2- عيب قبيح مقبول يستخدمه الشاعر للضرورة القصوى .
3- عيب مقبول يستخدمه الشاعر بلا حرج عند الضرورة .
وأنا أريد أن أشرح هنا ماقد اعترضني في مشاركاتي في هذا الملتقى الجميل , وهو مايتعلق بإشباع الحركات , حيث يحق للشاعر بلا حرج أن يشبع حركة الأحرف بحيث تصبح الفتحة ألفاً والضمة واواً والكسرة ياءً .
إن هذه الضرورة نصادفها كثيراً في العروض والضرب من البيت الشعري حيث يشبع الشاعر الحركة ليتولد منها حرف مد ومثال ذلك في معلقة عمرو بن كلثوم حيث مد معظم حروف الروي في قافيتهُ كقوله :
على آثارنا بيض كرام == نحاذر أن تفارق أو تهونا
وكقول مجنون ليلى :
ألا ليت شعري مالليلى وماليا === وماللصبا من بعد شيب علانيا
وفي القصيدة التي نشرتها في هذا الملتقى بعنوان تعلم طبخ العصافير والظباء ومنها البيت التالي :
بعضنا يهوى النفاق كاذباً == يمدح الأكل وفي اللحم شرقْ
سألني صديقي الشاعر المبدع صالح طه في مداخلته هل يجوز إشباع القاف ؟ وقد أجبته حينذاك أنني لم أشبع القاف وإنما استفدت من جواز الكف في بحر الرمل , وفي الحقيقة فإن جواب سؤاله هو نعم يجوز إشباع حركة القاف لتصبح الكلمة النفاقا , بل يجوز إشباع حركات كل الأحرف الهجائية إذا كان الوزن يتطلب ذلك .
ومن ذلك قول الشاعرمسكين الدارمي ربيعة بن عامر بن أنيف وقد أشبع حركة الخاء والهاء في هذا البيت :
أخاك أخاك إن من لاأخا لهو === كساعٍ إلا الهيجا بغير سلاحِ
ولو لم يشبع حركة الخاء لانكسر الوزن الشعري .
والإشباع يكون أكثر في الضمائر كقول الشاعر وقد أشبع الهاء :
جاء الربيع ببيضه وبسوده == صنفان من ساداته وعبيده
وأحيانا تؤدي هذه الضرورة الشعرية إلى مخالفة قواعد النحو وخاصة في حالة الفعل المضارع المعتل الآخر حيث يمنتنع الشاعر من حذف حرف العلة في حالة الجزم كقول قيس بن زهير العبسي :
ألم يأتيك والأنباء تنمي == بما لاقت لبون بني زياد
والأصل أن يقول ألم يأتك
وكذلك هذا البيت الذي ينسب لأبي حنيفة
قال لها من تحتها وما استوى === هزّي إليك الجذع يجنيك الجنا
فلم تحذف الياء في يجنيك على أنها جواب الطلب المجزوم
أو كقول الشاعر ولم يحذف الواو في فاكسوهما على أنه فعل أمر
أبا واصل فاكسوهما حلّتيهما== فإنكــما إن تفعلا فتيان
وكذلك قول الشاعر عبد الله بن عمر العرجي وهو شاعر أموي وله بيت مشهور هو
أضاعوني وأي فتى أضاعوا = ليوم كريهة وسداد ثغر
وأما الشاهد فهو في قوله
فقلت لها إن لم أمت أو تعوقني = مقادير عما تشتهي النفس تعدلُ
تزورك عَيسٌ يعتسفن بي الملا = على الأيْنِ أطلاحٌ تُنَصُّ وتَذْمُلُ
فترك حذف واو تزورك المجزومة على أنها جواب الشرط .
وأنا أريد أن أنبه هنا أن ذلك لايعني عدم جزم الفعل المضارع فهو مجزوم في الأمثلة أعلاه وإنما أشبع الشعراء الحركة بعد الجزم لتصبح حرف مد لضرورة الوزن .
فهذه الأفعال مجزومة ولم يحذف حرف العلة منها لضرورة الشعر .
كما أن هناك من علماء النحو من يقول أن علامة جزم الفعل المضارع المعتل الآخر هي السكون عوضا عن حذف حرف العلة وهذا الرأي يصبح قويا في الشعر باتحاده مع الضرورة الشعرية .
والمسألة الأخرى التي تتعلق بهذا البحث فهي أن إشباع الحركة أو الإمتناع عن إشباعها أمره يعود إلى الشاعر وإلى الوزن حيث يلحق الوزن بالشعر ولايلحق الشعر بالوزن .
وهذا الأمر قد اعترضني في قصيدتي لمسة حب بالحلال تفضح أسرارها حيث اعترض د. أحمد حسن المقدسي على الوزن في الشطر الذي أقول فيه
والليل يمضي في صلاته قائماً
وفي الحقيقة أنا لم أشبع الهاء في صلاته حتى ينكسر الوزن وهناك الكثير من الأمثلة التي لم يشبع الشعراء فيها الهاء في قصائهم وأعود لإثباتها هنا
كقول السموأل في قصيدته الشهيرة ولم يشبع الهاء في كلمة بقاياه في بيته الذي يقول فيه
وماقل من كانت بقاياه مثلنا == شباب تسامى للعلا وكهول
ولو أشبعها لانكسر الوزن
وكذلك قول الشاعر البحتري ولم يشبع الهاء في فيه
أظهرت عز الدين فيه بجحفلٍ = لجب يحاط الدين فيه وينصر
وهذا البيت شبيه ببيتي من حيث البحرالشعري وموقع الهاء .
ثم كان تعليق الأستاذ يوسف أبو سالم حيث قال :
إن الهاء تكسر إيقاع البيت الشعري وإن لم تكسر الوزن
فحين نقرأ هذه الهاء في صلاته
فلا بد أن نقرأها ( خطفا ) سريعا هكذا ....( تِهِ قائما )
ولم تأخذ الهاء حقها في القراءة الصحيحة حتى لا يكسر الوزن <انتهى الاقتباس>
فعدت لإدراج بعض الأمثلة الأخرى الأكثر وضوحا وهي
لابن الشبل
يفني البخيل بجمع المال مدته = وللحوادث والأيام مايدع
كدودة القز ماتبنيه يهدمها == وغيرها بالذي تبنيه ينتفع
وللشيخ ناصيف اليازجي
تضيق بحار الشعر عنه وتستحي = ببحر لها في بحر كفيه غارقِ
وفي الحقيقة فإن رأي الاساتذة الكرام صحيح من ناحية الإيقاع الموسيقي للوزن فبالرغم من سلامة الوزن عروضيا إلا أن المتلقي الذي يقرأ القصيدة سيشعر باختلال في الإيقاع الموسيقي وذلك لأنه لايسمع القصيدة من فم الشاعر ولذلك فقد عدلت البيت ليصبح كما يلي :
وإذا سجى ليلٌ تهجَّد قائما ً
هذا كل مايتعلق بهذا البحث بانتظار آرائكم القيمة .
توفيق الخطيب