دراسة في "خطاب الانتخابات في الثقافة السياسية الفلسطينية

بقلم: عماد موسى


بقلم: عماد موسى
سنحاول قراءة الانتخابات بوصفها خطابا، من هنا ارتأينا أن نطلق عليها خطاب الانتخاب في الثقافة السياسية الفلسطينية، خصوصا أن مفهوم الخطاب(Discours” ) هو مصطلح لساني يتميز عن نص أو كلام او كتابة، بشكله لكل إنتاج ذهني سواء أكان نثرا ام شعرا، منطوقا او مكتوبا فرديا او جماعيا ذاتيا او مؤسسيا، في حين ان المصطلحات الاخرى تقتصر على جانب واحد، وللخطاب منطق داخلي وارتباطات مؤسسية ، فهو ليس ناتجا بالضرورة عن ذات فردية يعبر عنها او يحمل معناها او يحيل اليها، بل قد يكون خطاب مؤسسة او فترة زمنية او فرع معرفي ما" ( 1)
من هنا شق الخطاب طريقه الى الدراسات الاجتماعية والنفسية واللغوية واللسانية والإعلامية...وغيرها، لذا فلا غرو، ان نجد أنواعا متعددة من الخطابات، مثل: نظريات الخطاب الكولونيالي وما بعد الكولونيالي، وخطاب العنصرية، وخطاب الإعلان والخطاب الإعلامي والخطاب الطبي، والخطاب الجنساني(الجنسوي)، وخطاب الوصف، وغيره من أنواع الخطاب في الدراسات الادبية النقدية.
وسنتناول في هذه القراءة بعضا من نماذج خطاب الانتخابات بالتحليل والدراسة لمعرفة مكونات هذه الخطابات وعناصرها الأساسية، وإستراتيجياتها، لنكتشف لماذا بقي الموروث الثقافي الاستعماري هو السائد والمهيمن.
وكيف تطور مفهوم خطاب الانتخاب الكولونيالي. لذا سنورد مقتطفات من دستور فلسطين من ابرزها الديباجة و الفصل الأول وكذلك المواد من (18 إلى 34) من الفصل الثالث المتعلق بالسلطة التشريعية، لأغرض هذه الدراسة. والمنشورة في مجموعة القوانين الفلسطينية في الجزء السابع والعشرون( الدستور ،المراسيم والأنظمة الدستورية) وفقا لآخر تعديلاتها،اكتوبر 1985.
" مرسوم دستور فلسطين
صدر عن البلاط الملكي في قصر بنكجهام في اليوم العاشر من شهر آب سنة 1922
الحضور
صاحب الجلالة الملك،
رئيس الأمناء
اللورد ستامفورد هام والوزير شور ت المستر مكردي

ما كانت دول الحلفاء الكبرى قد وافقت على ان يعهد بإدارة فلسطين التي كانت تابعة فيما مضى للمملكة العثمانية من اجل تنفيذ نصوص المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم.
ولما كانت دول الحلفاء قد وافقت ايضا على ان تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن تنفيذ التصريح الذي اصدرته في الاصل حكومة صاحب الجلالة البريطانية في اليوم الثاني من شهر تشرين الثاني سنة 1917
وأقرته الدول المذكورة لصالح انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين على ان يفهم بجلاء بانه لا يؤتى امر من شأنه يجحف بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة الآن في فلسطين او بالحقوق والأحوال السياسية التي يتمتع بها اليهود في اية بلاد أخرى.
ولما كانت دول الحلفاء الكبرى قد اختارت جلالته للانتداب على فلسطين
ولما كانت جلالته يتمتع بالسلطة والاختصاص في فلسطين بحكم معاهدات وامتيازات وعادات صريحة او ضمنية وغير ذلك من الوسائل المشروعة
لذلك وعملا بالسلطات المخولة لجلالته بهذا الشأن في قانون الاختصاص في فلسطين في البلاد الاجنبية لسنة 1890 وبغير ذلك من الصلاحيات وعملا بمشورة مجلسه الخاص يرسم جلالته مايلي:
الفصل الأول
المقدمة
المادة"1" يطلق على المرسوم اسم مرسوم دستور فلسطين لسنة 1922 وتتناول احكامه البلاد التي يسري عيها صك الانتداب على فلسطين والمسماة فيما يلي بفلسطين بما في ذلك المياه الساحلية المتاخمة لها.
المادة"2" في هذا المرسوم:-
تعني لفظة "الوزير" احد وزراء جلالة الملك،وتشمل عبارة " المندوب السامي" كل شخص يقوم إذ ذاك بإدارة حكومة فلسطين.
وتعني عبارة"الأراضي العامة" كافة أراضي فلسطين التي تشرف عليها حكومة فلسطين بمقتضى معاهدات او اتفاقات أو توارث وكافة الاراضي المستملكة للمصلحة العامة أو غيرها.
وتعني عبارة " صك الانتداب " على فلسطين الذي أقره وحدد شروطه مجلس عصبة الأمم في اليوم الرابع والعشرين من شهر تموز سنة 1922.
وتطلق عبارة "الوقائع الفلسطينية على الجريدة الرسمية لحكومة فلسطين.
وتشمل لفظة "شخص" كل شركة أو جمعية أو جماعة من الأشخاص سواء أكان لها صفة الشخص الحكمي أم لم يكن.
وتعني عبارة "طائفة دينية" كل طائفة من الطوائف المذكورة في الذيل الثاني لهذا المرسوم وكل طائفة أخرى قد يصرح المندوب السامي، بمرسوم يصدره في المجلس التنفيذي، بأنها طائفة دينية.
والألفاظ الموضوعة بصيغة المفرد او الجمع، يمكن أن تؤخذ بأنها تشير الى شخص أو أي شيء واحد أو أكثر، والألفاظ الدالة على المذكر يمكن بأن تفسر بأنها تدل على المؤنث،(حسبما تقتضيه الحالة)
المادة"3" (1) حيثما يخول هذا المرسوم أو أي قانون من القوانين سلطة أو يفرض واجبا، يجوز ممارسة تلك السلطة ويترتب القيام بأعباء ذلك الواجب بين الآونة والأخرى وفقا لما تقتضيه الحالة، ما لم يظهر أن اقصد خلاف ذلك
(2) حيثما يقضي هذا المرسوم أو أي قانون من القوانين بتخويل سلطة لشخص يشغل منصبا أو يفرض واجب على ذلك الشخص يجوز ممارسة تلك السلطة أو القيام بأعباء ذلك الواجب من قبل من يشغل المنصب المذكور إذ ذاك أو من قبل الشخص المعين وكيلا عنه حسب الأصول، ما لم يظهر أن القصد خلاف ذلك.
(3) حيثما يخول هذا المرسوم أو أي قانون من القوانين صلاحية إصدار أصول محاكمات أو أنظمة أو أوامر أو مراسيم، تفسر تلك الصلاحية الأصلية بأنها تشمل صلاحية الغاء الأصول أو الانظمة و الأوامر أو المراسيم أو فسخها أو تعديلها وتمارس تلك الصلاحية بنفس الصورة التي تمارس بها الصلاحية بنفس الصورة التي تمارس بها الصلاحية الأصلية وتكون خاضعة للموافقة والشروط التي قد تكون الصلاحية الصلية خاضعة لها، ما لم يظهر القصد خلاف ذلك.
(4) يكون للعبارات والألفاظ المحددة معانيها في هذا المرسوم نفس المعاني في اية قوانين أو أصول محاكمات أو أنظمة قد تصدر بموجب هذا المرسوم، ما يظهر أن القصد خلاف ذلك."(2)



"المواد الواردة في الفصل الثالث(السلطة التشريعية) من الدستور:
صلاحيات المجلس

" المادة(18):للمجلس التشريعي السلطة والصلاحية التامة في اصدار ما تدعو الضرورة اليه من القوانين من أجل السلام والنظام وحسن إدارة الحكم في فلسطين دون اخلال بالسلطات المنوطة بجلالته أو المحتفظ له بها في هذا المرسوم، على أن تراعي في ذلك دائما جميع الشروط والقيود المقررة في تعليمات يصدرها جلالته بختمه وتوقيعه بشرط ان لا يصدر لي قانون يقيد الحرية التامة في يده وحرية القيام بشعائر العبادة على اختلاف أنواعها إلا بمقدار ما يكون ضروريا لحفظ النظام العام ، والآداب العامة، وأن لا يصدر أي قانون من شأنه أن يميز بين أهالي فلسطين على أي وجه كان، على أساس العنصر أو المعتقد أو اللغة. ولا يجوز أن يصدر قانون يكون مناقضا أو مخالفا لأحكام صك الانتداب بوجه من الوجوه.

المادة(19): يؤلف المجلس التشريعي من اثنين وعشرين عضوا بالإضافة الى المندوب السامي ويكون عشرة من هؤلاء الأعضاء موظفين واثنا عشر منهم اعضاء غير موظفين.
الاعضاء الموظفون
المادة(20): يكون الاعضاء الموظفون في المجلس التشريعي الاشخاص الذين يشغلون اذ ذاك بصورة (مشروعة) كل منصب من المناصب التالية:-
(أ‌) السكرتير العام و- مدير الاشغال العمومية
ب‌- النائب العام ز- مدير المعارف
ج- مدير المالية ح- مدير الزراعة
د- مفتش البوليس العام ط- مدير الجمارح
ه- مدير الصحة ي- مدير التجارة
ويشترط في ذلك انه اذا اقتنع المندوب السامي بأن احد هؤلاء الأعضاء الموظفين لا يستطيع حضور جلسة من جلسات المجلس فله أن يدعو من يستنسبه من موظفي حكومة فلسطين لحضور تلك الجلسة بدلا من ذلك العضو ويعتبر ذلك الشخص في تلك الجلسة كعضو موظف في مجلس الأعضاء غير الموظفين.
الاعضاء غير الموظفين
المادة(21) يكون الاعضاء غير الموظفين في المجلس اثني عشر عضوا ينتخبون بمقتضى المرسوم أو القانون أو التشريع الآخر الذي ينص من آن إلى آخر على كيفية إجراء انتخابات.
توقيف أعمال المجلس
المادة(22) للمندوب السامي بمنشور يصدره في أي وقت من الأوقات أن يفض المجلس أو يحله، ويترتب على المندوب السامي أن يحل المجلس عند انقضاء ثلاث سنوات من تاريخ انقضاء اول جلسة يعقدها.
إجراء الانتخابات العامة
المادة(23) يجري الانتخاب العام الأول لأعضاء المجلس التشريعي في مدة لا تزيد عن ستة اشهر. من تاريخ المنشور المنوه عنه في الفقرة (2) من المادة (17) من هذا المرسوم حسبما يعين المندوب السامي ذلك بمنشور، وعند حل المجلس يعين المندوب السامي في المجلس التنفيذي بمنشور ينشر في الوقائع الفلسطينية تاريخا لإجراء انتخاب عمومي في الحال خلال ثلاثة أشهر من تاريخ حل المجلس.
عدم العمل بالقوانين قبل الموافقة عليه
المادة(24) لا يعمل بأي قانون ما لم يوافق عليه المندوب السامي ويقترن بتوقيعه ايذانا بتلك الموافقة عليها.
التصديق على القونين
المادة(25) للمندوب السامي ان يعلن موافقته او عدم موافقته على ان يكون بمحض ارادته مع مراعاة التعليمات الصادرة اليه بتوقيع جلالة الملك وختمه.
الاحتفاظ القوانين
المادة(26) للمندوب السامي أن يحتفظ بأي قانون أجازه المجلس التشريعي، لإبداء ارادة جلالته بشأنه، ويترتب عليه أن يحتفظ على كل حال بكل قانون، يتعلق بأمور ورد بشأنها نص خاص في أحكام صك الانتداب.
وكل قانون احتفظ به المندوب السامي على ها الوجه، يسري مفعوله حالما يبدي جلالته موافقته عليه بمرسوم او بواسطة الوزير، ويعلن المندوب السامي صدور هذه الموافقة في الوقائع الفلسطينية.
عدم اجازة القوانين
المادة(27) يحتفظ جلالة الملك لنفسه بحق عدم اجازة قانون اقترن بموافقة المندوب السامي لمدة سنة واحدة من تاريخ موافقة المندوب السامي،وتبلغ ارادته بعدم اجازة ذلك القانون بواسطة الوزير،وكل ارادة يصدرها جلالة الملك بعدم اجازة أي قانون يعمل بها اعتبارا من تاريخ نشر اعلان بها من قبل المندوب السامي في الوقائع الفلسطينية.
المشروعات المالية
المادة (28) لا يجوز اقتراح اعتماد او عرض قرار او قانون يرمي الى تخصيص أي قسم من الايرادات
العمومية او فرض ضريبة او مكس إلا من قبل المندوب السامي او بأمره
رئاسة المجلس
المادة(29) يرأس جلسات المجلس المندوب السامي أو السكرتير العام أثناء تغيبه وإذا غاب المندوب السامي والسكرتير العام في آن واحد، فينتخب المجلس أحد أعضائه رئيسا.
النصاب القانوني
المادة(30) لا يعقد المجلس صفته التي تخوله القيام بأعماله بسبب تغيب بعض أعضائه ولكن لا يجوز أن يباشر أعماله ما يكن عدد الأعضاء الحاضرين عشرة على الأقل.
حلف اليمين من قبل أعضاء المجلس
المادة (31) على كل عضو من اعضاء المجلس التشريعي قبل أن يتبوأ مقعده أو يحق له التصويت أن يقسم اليمين بالنص التالي امام الرئيس وان يوقع على هذه اليمين بإمضائه:-" انا .....اقسم بالله العظيم اني سأكون امينا ومخلصا لحكومة فلسطين":ويشترط في ذلك ان يجوز لكل شخص يسوغ له اعطاء تأكيدا او تصريحا كهذا بدلا من حلف تلك اليمين.
تقرير المسائل باكثرية الاصوات
المادة(32) يصدر المجلس التشريعي قرارته في جميع المسائل بأكثرية الاصوات بما في ذلك صوت الرئيس او العضو المترئس وإذا تساوت الاصوات فيحق للرئيس او العضو المترئسان يعطي صوت الترجيح ايضا وعليه ان يستعمل ذلك الحق.
الانظمة الداخلية
المادة((33) يضع المجلس التشريعي في دورته الأولى، وكلما اقتضى الحال بين الآونة والأخرى
نظاما داخليا لتنظيم اجراءاته وتصريف اشغاله،ولإجازة القوانين ووضع العناوين لها وترقيمها وعرضها على المندوب السامي للموافقة عليها.
وتعرض كافة الانظمة الداخلية على المندوب السامي في المجلس التنفيذي، ولدى اقترانها بموافقته تصبح نافذة ومعمولا بها.
المادة(34)
للمجلس ان يحدد بقانون الحقوق والحصانات والسلطات التي يمتع بها ويمارسها المجلس وأعضاؤه."(3)



مرتكزات الخطاب
نلاحظ منذ البداية كيف تأسس مفهوم هذا الخطاب، وكيف يتم بناءه على فكر غربي كولونيالي محض، يظهر ذلك جليا من عنوان المرسوم الملكي ، بعنوان دستور فلسطين، فبريطانيا تصدر دستورا لشعب غير شعبها لشعب يقع تحت احتلالها، وتفرض إرادتها عليه، وبهذا تسلبه إرادته الحرة في تقرير مصيره بنفسه واختيار نظام الحكم الذي يريده، وفي هذه الحالة يصبح فاقدا للسيادة على نفسه، وأراضيه، وإقليمه، لأنه تحت "الاحتلال "وبمتابعة التحليل لخطاب الانتحاب سنكتشف بسهولة القصدية المتبطنة، من وراء إصدار دستور فلسطين. من هنا، فلا غرو أن نجد، كيف أن الخطاب قد تأسس على المرتكزات التالية:
المرتكز الأول: ان التفويض الممنوح لسلطة الانتداب بريطانيا، جاء بموافقة من دول الحلفاء كما يتضح من العبارات الآتية في نص دستور فلسطين:

"لما كانت دول الحلفاء الكبرى قد وافقت على أن يعهد بإدارة فلسطين... ولما كانت دول الحلفاء الكبرى قد اختارت جلالته للانتداب على فلسطين التي كانت تابعة فيما مضى للمملكة العثمانية بالحدود التي تعينها تلك الدول إلى دولة منتدبة تختارها الدول المشار إليها"(4)

المرتكز الثاني: هو القانوني او الشرعية الدولية بلغة العصر كما ورد في النص:" من أجل تنفيذ نصوص المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم."(5)
فبريطانيا ليس لديها نية في انتداب فلسطين، ولكنها تنفذ قرارات الشرعية الدولية وميثاق عصبة الأمم.
المرتكز الثالث:هو منح الدولة المنتدبة( بريطانيا) السلطة والتفويض والمسؤولية، بموافقة دول الحلفاء الكبرى،" ولما كانت دول الحلفاء قد وافقت ايضا على ان تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن تنفيذ التصريح الذي اصدرته في الاصل حكومة صاحب الجلالة البريطانية في اليوم الثاني من شهر تشرين الثاني(نوفمبر) سنة1917 وأقرته الدول المذكورة لصالح إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين )..(6)
وتتضح من الالفاظ المكونة لهذه العبارة، طبيعة المهمة التي جاءت تنفذها بريطانيا ، على أرض فلسطين، وهي تنفيذ وعد بلفور، وإنشاء وطن قومي لليهود.
المرتكز الرابع : يتألف من شقين:"
أ- وهو "على أن يفهم بجلاء بأنه لا يؤتى أمر من شأنه أن يجحف بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة الآن في فلسطين،
ب- أو بالحقوق والأحوال السياسية التي يتمتع بها اليهود في أية بلاد أخرى."(7)
المرتكز الخامس: هو اظهار مشروعية الانتداب والتأكيد عليها وتتضح صورة ذلك فيما يلي:

"ولما كان جلالته يتمتع بالسلطة والاختصاص في فلسطين بحكم معاهدات وامتيازات وعادات صريحة أو ضمنية وغير ذلك من الوسائل المشروعة.
لذلك وعملا بالسلطات المخولة لجلالته بهذا الشأن في قانون الاختصاص في البلاد الأجنبية لسنة 1890 وبغير ذلك من الصلاحيات، وتنفيذا لتلك الصلاحيات، وعملا بمشورة مجلسه الخاص" (8)

المرتكز السادس : إن عصبة الامم هي التي امتلكت الشرعية الدولية وبالتالي هي التي منحت السلطة والشرعية لبريطانيا، لإصدار مرسوم دستور فلسطين حيث نصت المادة" 1" من المرسوم على أن :
-"يطلق على هذا المرسوم اسم مرسوم دستور فلسطين لسنة 1922 وتتناول أحكامه البلاد التي يسري عليها صك الانتداب على فلسطين والمسماة فيما يلي بفلسطين بما في ذلك المياه الساحلية المتاخمة لها."(9)


المرتكز السابع : وهو الايهام بوجود السلطة التشريعية،من خلال ذكر دستور فلسطين، وهنا يتم التلاعب بالعقول عبر ممارسة سلطة الثقافة وتوظيف اللغة بوصفها سلطة أيضا، لخلق الوهم في غياب الابستمية التشريعية في الثقافة الفلسطينية، وذلك ببساطة، نظرا لخضوع فلسطين في جزء من سياقها التاريخي تحت الحكم العثماني الذي حكم الامة بنظام الخلافة الإسلامية حيث ورد في دستور فلسطين في "المادة 17" اعتبارا من تاريخ يعينه المندوب السامي في المجلس التنفيذي بمنشور ينشر في الوقائع الفلسطينية يشكل مجلس تشريعي لفلسطين وفقا لما هو منصوص عليه في هذا المرسوم، ويقوم ذلك المجلس مقام أي مجلس استشاري يكون موجودا حينئذ. "(10)

المرتكز الثامن: يرد ذكر انتخاب على التالي:" ويبقى المندوب السامي متمتعا بالسلطات المخولة له الآن لسن القوانين بعد استشارة المجلس الاستشاري حتى تاريخ انتخاب أعضاء المجلس التشريعي المشار إليه".. يتكون هذا المرتكز من العناصر التالية هي:
1- مصطلح (انتخاب ) وهويعني من الناحية القانونية الوسيلة التي بموجبها يختار المواطنون الأشخاص الذين يسندون إليهم مهام ممارسة السيادة أو الحكم نيابة عنهم سواء على المستوى السياسي او المستوى الإداري.
2- وأعضاء
3- ومجلس له سمة التشريع في الظاهر.
.4- سحب صلاحية المجلس التشريعي وجعلها من اختصاص المندوب السامي.
المرتكز االتاسع:
ولكن سرعان ما تتحدد صلاحية هذا المجلس وسلطاته في "المادة 18 ـ للمجلس التشريعي السلطة والصلاحية التامة في إصدار ما تدعو الضرورة إليه من القوانين من أجل السلام والنظام وحسن إدارة الحكم في فلسطين دون إخلال بالسلطات المنوطة بجلالته أو المحتفظ له بها في هذا المرسوم، "( 11 )
اذن ، فقد حدد المرسوم صلاحية المجلس التشريعي في اصدار نوع معين من التشريعات وهو
التشريع وفقا لمبدأ الضرورة، وهذه الضرورة، يفسرها المرسوم بالحفاظ على الامن، وتحقيق السلام
ولكن، يمكننا أن نتساءل هنا ، لمن لأمن ؟ ولمن السلام ؟ وما وظيفة قوة الاحتلال؟
إلا ان هذا المرتكز قد منح الصلاحية في النظام والسلام مع حرصه على تقييد عمل المجلس التشريعي في ما يلي:
1- موضوع اصدار القوانين:
وتنص لمادة (18)
" بأن لا يصدر قانون من شأنه أن يقيد الحرية التامة في العقيدة وحرية القيام بشعائر العبادة على اختلاف أنواعها إلا بمقدار ما قد يكون ضروريا لحفظ النظام العام والآداب العامة، وأن لا يصدر أي قانون من شأنه أن يميز بين أهالي فلسطين على أي وجه كان على أساس العنصر أو المعتقد أو اللغة"(12)

من الواضح أن اصدار القوانين مرتبط بما يحقق انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، لأنه تم تبطين المعنى والمقصد في عبارة"أي قانون من شأنه ان يميز بين اهالي فلسطين على أي وجه كان على أساس العنصر أو المعتقد أو اللغة".(13)


2- "ولا يجوز أن يصدر قانون يكون مناقضا أو مخالفا لأحكام صك الانتداب بوجه من الوجوه".(14)

إذن فالمجلس التشريعي الذي تريده دولة الانتداب هو الصورة المحلية المرتبطة عضويا بمنظومة التشريع الذي تقره سلطة الانتداب فهو من البداية غير معبر عن إرادة الشعب، وأنى يكون ذلك، ومرجعيته في كل شيء المندوب السامي البريطاني، فهو المخول بإعطاء الموافقة على القوانين حسب نص مرسوم دستور فلسطي.
" عدم العمل بالقوانين قبل الموافقة عليها،" فمبدأ الموافقة اذن شرط مرتبط بيد المندوب السامي وفقا للمادة”24” ، والتي تنص على أنه: " لا يعمل بأي قانون ما لم يوافق عليه المندوب السامي ويقترن بتوقيعه اذانا بتلك الموافقة أو ما لم يقره جلالته بمرسوم أو بواسطة الوزير". المرجع نفسه ص16
وحتى تصبح نافذة، لابد من ان يصادق عليها المندوب السامي وفقا للمادة (25)
من دستور فلسطين والتي تنص على أن :"للمندوب السامي أن يعلن موافقته أو عدم موافقته على أي قانون بمحض إرادته مع مراعاة التعليمات الصادرة إليه بتوقيع جلالة الملك وختمه."( 15)

3 ويرتبط حل المجلس وتوقيف أعماله بيدالمندوب السامي استنادا إلى " المادة 22 والتي تنص على انه:" للمندوب السامي بمنشور يصدره في أي وقت من الأوقات أن يفض المجلس أو يحله."(16 )
فلننظر الى نهاية هذه العبارة، لكي نكتشف كم تحمل من معاني التضليل والخداع "ويترتب على المندوب السامي أن يحل المجلس عند انقضاء ثلاث سنوات من تاريخ أول جلسة يعقدها"(17)
فالعبارة تشير الى دورية المجلس، وتحديد مدته من أول جلسة حتى السنة الثالثة، بهدف بث روح الطمأنينة بين الفلسطينيين لتمرير التصريح(الوعد) وتنفيذ ما جاء فيه وهو انشاء وطن قومي لليهود، فالثلاث سنوات، تكفي لسلطة الانتداب لإيجاد بدائل، في حال واجه الدستور رفضا من الفلسطينيين، وتفتح الباب لمن يريد ان يكون جزءا من قواعد اللعبة الاستعمارية التي تديرها قوة الاحتلال .

4- المصادقة على القوانين بيد المندوب السامى وفقا لما ورد في دستور فلسطين في( المادة 25 والتي نصت على أنه " للمندوب السامي أن يعلن موافقته أو عدم موافقته على قنون بمحض ارادته مع مراعاة التعليمات الصادرة اليه بتوقيع جلالة الملك وختمه".( 18)
وذلك " لأن الدولة تتحكم في القوة لأنها الوسيط الشرعي الوحيد للقانون والعنف..".(19)
تحليل عناصر خطاب الانتخاب والمتمثل في ديباجة مرسوم دستور فلسطين
سابدأ بالتحليل انطلاقا من عنوان المرسوم" دستور فلسطين، بوصفه خطاب انتخاب، وفقا لهذه العناصر المكونة لأي خطاب، وهي:
1- المرسل
2- المرسل اليه
3- السياق
فالعنوان هو مرسوم دستور فلسطين فقد جاء هذا المرسوم بناءا على رغبة عصبة الأمم، لذا لم يعامل كواحدة من المستعمرات، فيصدر صاحب الجلالة المنحة الملكة والتي هي:" ان نقر لمالك السلطة الحق بإعداد الدستور وتحديده بذلك. يمنح الملك رعاياه دستورا ينظم بموجبه سلطاته"(20)
ولما كانت وظيفة الانتداب هي انشاء وطن قومي لليهود على هذه الشاكلة ولأن الدستور على هذه الشاكلة ولأن الدستور كإجراء سياسي يعني مجموعة القواعد التي تقيم المساواة بين اعضاء الدولة".(21)
بمعناه الوظيفي وبمدلوله ، وهذا لا يحققه هكذا دستور.
1– المرسل او منشئ الخطاب: هو قوة الاحتلال البريطاني والتي تم تحسين صورتها في البنى اللغوية المستعملة بالانتداب فيصبح مصطلح الانتداب هو البديل عن الاحتلال من الناحية الشكلية ولكن في الجوهر هو الاحتلال بعينه وهذا تطور في بنية الخطاب وينكشف من خلال استعمال ملفوظ " ادارة" لإبعاد شبح الاستعمار ولهذا صاحب التطور الاستعماري تطور في البنى اللغوية للخطاب الكولونيالي وكما نرى اليوم ونعيش لحظاته يتم احتلال الشعوب وإزالة الدول تحت شعار تسويق خطاب الديمقراطية.
2- المرسل اليه: هم الفلسطينيون، ولكن هذا في المعنى الظاهر في عنوان مرسوم الدستور، ولكن الخطاب استخدم لغة مؤهلة لتبطين المقاصد الكولونيالية ومن ابرزها ما يلي:
منح الدولة المنتدبة( بريطانيا) السلطة والتفويض، والمسؤولية، بموافقة دول الحلفاء الكبرى عن تنفيذ التصريح ، الذي أصدرته في الأصل حكومة صاحب الجلالة البريطانية، في اليوم الثاني من شهر تشرين الثاني سنة 1917، وأقرته الدول المذكورة، لصالح إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين"
فهذه اللغة باستعمالها كلمة تصريح والتي تعني وعد بلفور جاء بهذا الشكل حتى لا تثير حفيظة الفلسطينيين والعرب، وتوضح مهام انتداب فلسطين، أنها ليست من اجل نشر الديمقراطية، وإجراء الانتخابات"فهنا نجد ان اللغة المسيطرة "توحد بشكل زائف بين البشر لأنها تعتبر اللغة كيانا محايدا أو شأنا عاما علما أن الصنعة اللغوية تلغي الحياد وتفرض اللغة شكلا من التمييز وتعلن أن السيطرة اللغوية مرآة ايدلوجية تحيل بدورها الى سلطات أخرى"."(22)
ولا تحمل أي معنى من معاني الحرية او الاستقلال، وإنما تتمظهر في تجليات اللغة المسيطرة، التي تعمل على انكشاف طبيعة المهمة الفعلية للاحتلال البريطاني في تنفيذ وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود.
فالمرسل اليه : يتألف من شقين:
الشق الأول : الطوائف غير اليهودية، وبهذا تعامل المرسوم مع السكان الأصليين على انهم أقليات دينية غير يهودية، وتعامل هذا النص على ان السكان الاصليين هم اليهود، والفرع هو وجود طوائف غير يهودية، لم يأت على ذكرها مرسوم دستور فلسطين.
فلم يشر باللغة الواضحة المحددة الى وجود المسلمين والمسيحيين، بوصفهم الشعب الفلسطيني المحتل، والى اليهود المقيمين في فلسطين، ابان الحكم العثماني الممثلين بالطائفة السامرية، لذلك جاءت لغة الخطاب على هذا النحو" وهو على أن يفهم بجلاء بأنه لا يؤتى أمر من شأنه أن يجحف بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة الآن في فلسطين"(23)
وبقوله (الآن) يريد ان يؤشر الى معنى خطير ،وهو ان وجود هذه الطوائف غير اليهودية وجود طارئ وليس مثل المهاجرين اليهود ، فاللغة في خطاب الانتخاب(دستور فلسطين) تكون اكثر تحديدا عندما يتحدث عن الحقوق السياسية لليهود،"أو بالحقوق والأحوال السياسية التي يتمتع بها اليهود في أية بلاد أخرى."(4) المرجع نفسه، ص الديباجة، في حين ان الخطاب لم يشر الى الحقوق السياسية، وإنما يشير فقط للحقوق المدنية والدينية بوصفهم طوائف غير يهودية، وهكذا لجأ الخطاب الى تجريد السكان الاصليين من الحقوق السياسية ؟ ولهذا جاء قرار التقسيم لاحقا بالبنية الفكرية الكولونيالية ذاتها عندما قسم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية.ويفرض علينا أن نتساءل،هل نحن كنا لا نعرف حقا ما هو الخطاب الكولونيالي الغربي،وبأننا " لا نقرأه، وإذا قرأنا بعضه لا نفهمه كله، والجانب العدواني منه حجب عنا رؤيته من داخله، وأوقعنا دائما في ثنائية التخارج، من ذاتنا ومن ذاته في آن معا حتى شغلنا ذلك التخارج عن افتقاد كل منا لمواقعيته".( 24)
3- السياق:
يأتي خطاب الانتخاب في السياق التاريخي للحقبة الاستعمارية البريطانية، وفي سياق تقسيم اراضي الدولة العثمانية بين اطراف سايكس بيكو، ولكن هذ الخطاب لم يجد اذانا صاغية من الفلسطينيين، الذين شعروا بحجم المخاطر المحدقة بهم، وما الدستور الا وسيلة لتكريس الاحتلال، ولتعزيز سلطة المندوب السامي، ممثل قوة الاحتلال، والذي بقي يحكم لوقت متأخر.
ولهذا "فقد أفشل الفلسطينيون" محاولة بريطانية لتشكيل مجلس تشريعي في فلسطين سنة 1923 منزوع الصلاحية الفعلية، ولا يمثل بشكل صحيح سكان فلسطين)."( 25 )
هذا هو السياق التاريخي، بشكل تقريبي، لنشأة خطاب الانتخاب" دستور فلسطين" نموذجا، ولكن هل كان هناك سلطة تشريعية حقيقية في ظل "الانتداب "، أي الاحتلال وذلك لأن كلمة انتداب تهدف لتجميل الاحتلال، وخداع الشعب المحتل وتضليله؟.
كانت السلطة التشريعية في ظل الانتداب تتكون من عشرين عضواً، اضافة الى المندوب السامي ، ولكن دستور فلسطين لعام 1922، الغى هذا التشكيل، وأصدر تشكيلاً اخر سمي المجلس التشريعي، ويتألف من اثنين وعشرين عضواً، اضافة الى المندوب السامي ، عشرة منهم من الانجليز، واثنا عشر من الفلسطينيين ( 8 مقاعد للمسلمين و اثنان للمسيحيين و اثنان لليهود )، أما سلطاته، فهي مرهونة بإرادة المندوب السامي الذي له ان يفض المجلس (26)
او ان لا يوافق على قوانينه (27)
ولهذه الاسباب رأى العرب ان وجودهم في المجلس هو وجود أقلية، وليس كشعب له كامل الحقوق , ولذلك قاطعوا انتخابات المجلس ورفضوا الدستور. فهذا التوزيع والتشكيل للأعضاء يدعم ما قلناه في التحليل وهو أن التعامل مع السكان الأصليين تم على أساس طائفي عند الحديث عن الحقوق الدينية والمدنية، وليس على اساسا "المواطنة": والتي تعني الحقوق والواجبات، إلا ان الأمر كان مختلفا تماما عند الحديث عن الحقوق السياسية لليهود، والتي كفلها دستور فلسطين في اية بلاد.دون تحديد هذه البلاد، وبقيت غير معرفة بنفسها أو ب(أل) ، فبقيت نكرة خالية من أي دوال تشير الى أي مساحة جيوسياسية محددة، وذلك لضمان التوسع في المستقبل، و لاستكمال المشروع الصهيوني.
بعد ان استعرضنا خطاب الانتخاب "مرسوم دستور فلسطين" نموذجا، هل من اجابة على السؤال التقليدي، هل يحمل خطاب الانتخاب الكولونيالي أية مضامين، او مكونات لخطاب انتخاب حقيقي، يمكن أن يؤسس لنشأة نظام ديمقراطي فلسطيني، او حتى نشأة ثقافة ديمقراطيه؟ أم أن السؤال سوف يبقى معلقا دونما إجابات،وذلك لأن الدستور في هذه الحالة، يعد أحد أرقى أشكال" صناعة التسلط". ( 28)

تطور خطاب الانتخاب
نستطيع القول ان خطاب الانتخاب بعناصره الإجرائية والقانونية لم تشهد تطورا يذكر بهذا الاتجاه نظرا لهيمنة أولوية التحرر في الفكر السياسي الفلسطيني على غيره من الأفكار، ونظرا لتوزع النخب السياسية الفلسطينية، على النظم العربية سواء أكان من خلال الانتماء للأحزاب العربية القومية، او من خلال الارتباط بالمصالح الاقتصادية، ولذلك إن كل ما يمكن رصده في هذا السياق، هو تكريس البعد التمثيلي البديل عن الانتخاب، وهو والذي تطور داخل خطاب الانتخاب الى الكوتا (المحاصصة)، وباستعراض المؤتمرات الفلسطينية السبعة في الفترة الواقعة ما بين 1919 – 1936، حيث سنتعرف بسهولة على مبدأ التمثيل، وهو الحد الادنى لأشكال العمل الديمقراطي،الذي عرفته الثقافة السياسية الفلسطينية.
فقد انعقد المؤتمر العربي الفلسطيني الأول في مدينة القدس في آذار مارس 1919 وحضره ممثلون عن الجمعيات الاسلامية – المسيحية التي تشكلت في انحاء شتى من البلاد"(29)
وبعده بعام عقد المؤتمر السوري الأول في شهر تموز في دمشق 1920، وشارك فيه ممثلون عن سوريا الطبيعية على النحو التالي: فقد شارك ثلاثة مندوبين عن القدس وأربعة عن نابلس واثنان عن طولكرم وخمسة عن حيفا واثنان عن الناصرة وثلاثة عن صفد وأربعة عن طبريا " .(30)ص 11
وهكذ ا تم التوسع في عملية التمثيل على أساس مناطقي، لتشمل غالبية المدن الفلسطينية ذات التجمعات السكانية الكبيرة.
و"عقد المؤتمر الفلسطيني الثاني في يافا في شهر شباط عام 1920"(31) ص11
وعقد المؤتمر الفلسطيني الثالث في اواخر 1920 في مدينة حيفا". (32) ص11
اما المؤتمر الرابع فقد عقد في القدس بتاريخ 4 حزيران 1921 وشارك فيه لأول مرة ممثلون فلسطينيون آخرون غير ممثلي الجمعيات الإسلامية والمسيحية ".(33) ص11
نجد ان المؤتمرات هي امتداد لفكرة التمثيل غير الانتخابي مع التوسع في مبدأ التمثيل كميا ،والذي يمكن القول أنه وصل الذروة بالقياس مع المؤتمرات التي سبقته في المؤتمر الخامس ،والذي عقد في نابلس في آب اغسطس 1922" ".( 34) لأنه ظل محتفظا بمبدأ التمثيل.
ولما كان هذا المؤتمر هو الاكثر تمثيلا، تمكن من وضع أول ميثاق وطني في تاريخ الشعب العربي الفلسطيني، أما مكونات هذا المؤتمر فقد كانت من المندوبين الذين يمثلون" وجهاء العائلات ذوي النفوذ الديني او الاقطاعي او المالي او التجاري".( 35 ) اما "المؤتمر السادس فقد عقد في حزيران 1923، وعقد المؤتمر السابع في مدينة القدس في حزيران، 1928"(36)
وهذا المؤتمر لا يختلف من حيث التمثيل عن المؤتمرات التي سبقته، فقد شارك فيه ممثلون عن الجمعيات والهيئات، التي تشكلت في البلاد كافة، وكما شارك فيه ممثلون، عن الفعاليات الاقتصادية من ملاكي الاراضي والتجار والسمسارة ".( 37)
ويمكننا القول ا هذه المؤتمرات قد اتسمت بالعناصر التالية:
1- الحرص على عقدها، ويعد هذا شيئا ايجابيا قد يساعد على تأسيس استراتيجيات خطاب الانتخابات في المستقبل
2- تكريس مبدأ التمثيل وبقي استراتيجية أساسية في خطاب الانتخاب
3- التوسع في التمثيل سواء أكان مناطقيا أم جمعيات، أم هيئات ،وهذا معناه التوسع في المشاركة الشعبية
4- شمل التمثيل مشاركة المسيحيين والمسلمين كمندوبين عن الجمعيات والفعاليات الاسلامية المسيحية.
وهذا يعني ان أي خطاب انتخاب في المستقبل في النظام السياسي الفلسطيني ، لن يتمكن من الاجحاف بحقوق الاقليات على أساس ديني او عرقي، وهذا ما تم في الانتخابات التشريعية الاولى عام 1996 حيث تم تخصيص كوتا للمسيحيين ومقعد للطائفة السامرية في نابلس وكوتا ايضا للمرأة . ولن يتمكن من الانفكاك من موروث التمثيل وفقا للمناطقية والعائلية والنقابية وغيرها..
لهذا نجد انه ،لم يدفع باتجاه اجراء انتخابات عامة، او غيرها من الانتخابات في السياق التاريخي لذلك " تميزت هذه المؤتمرات جمعيا بأن جميع الذين شاركوا فيها لم يكونوا منتخبين انتخابا مباشرا
من الشعب"( 38 )

وذلك راجع الى سبين:
الاول : إلى مواجهة الاحتلال البريطاني والهجرات اليهودية الى فلسطين في آن .
والثاني: لأن " البلاد لم تشهد في تاريخها اية انتخابات عامة" إلا -بعد اتفاقات اوسلو عام 1996- وقد كان يتم اختيار الأعضاء للمؤتمرات السابقة الذكر، بناء على ترشيح الأحزاب،او الهيئات او الجمعيات او غيرها من اللجان التي ينتمون اليها؟
نلاحظ ، كيف خضع خطاب الانتخاب، بصورة كلية الى سلطات متعددة ، تمثل القوى الفاعلة، والمؤثرة في إنتاجه، والتي ساهمت في نشأته بحدود الفهم والوعي، وفق الابستيمية التاريخية الموروثة وهذا ما" يؤكد على ان الوعي الصادر عن التجربة اليومية مبدأ أساسيا هو تساوي البشر فيصبح وعي التحرر مبدأ الثقافة ومنتهى المعرفة". (39)
والتي اثرت على صياغة هذا المفهوم، اذ كيف يعقل ان يتطور خطاب الانتخاب، في ظل الحكم العثماني الذي أورث الاقطاع والجهل والعائلية ، ثم جاء الاحتلال البريطاني، ليكرس ما هو قائم وموروث، وتوسع فيه، وأعاد انتاج نخب إضافية مؤثرة في الواقع الاجتماعي، والسياسي، مع وجود عامل أساسي اكثر خطورة ،وهو السيطرة اليهودية على أجزاء من أراضي فلسطين بالتواطؤ الدولي (عصبة الأمم)، وبالمساعدة المباشرة من الاحتلال الانجليزي ،وبالتالي حافظ الخطاب على هذا الشكل التمثيلي في أضعف صوره ،وفقا للسياق التاريخي، والاجتماعي، والاقتصادي الفلسطيني.

قرار التقسيم عام 1947 وتأثيره على تشكيل خطاب الانتخاب
رفض الفلسطينيون والعرب هذا القرار، واعتبروه مجحفا ومنكرا للحقوق الفلسطينية ، فما كان من العصابات الصهيونية المسلحة أن قامت باستغلال هذا القرار، فأعلنت قيام دولة إسرائيل، مع ان قرار التقسيم قد نص على قيام دولتين في فلسطين احداهما عربية والثانية يهودية.
وهكذا يفقد الفلسطينيون أرضهم، ويخسرون أيضا فكرة إنشاء دولتهم، وهذا من شأنه في ظل فقدان الدولة ان يحرمهم من إنشاء دستور، وبالتالي يحول دون إحداث أي تطور بنيوي يذكر في خطاب الانتخاب، وفي عملية التطور الديمقراطي للنظام السياسي الفلسطيني، إذ ان ما تم في السياق التاريخي حال دون قيام أي وجود لنظام سياسي ديمقراطي،وبتتبع مسار تطور خطاب الانتخاب في خضم المأساة الفلسطينية بعد النكبة، وما تلاها من مأس .نجد أن صدمة النكبة ، أدت الى اندفاع النخب الفلسطينية باتجاه "عقد مؤتمر لها في اريحا في كانون الثاني يناير 1949 وقرر المؤتمر ضم الضفة الغربية الى المملكة. وقد جرت محاولة مماثلة من قبل مصرفي غزة ولم تنجح"(40)
فبعد النكبة تراجع العمل الوطني الفلسطيني، وتلاشت معه عقد المؤتمرات فلم يبق منها سوى "مندوب يمثل الهيئة العربية العليا، والتي احتفظت ببعض العلاقات مع بعض الدول العربية والإسلامية وبقي لها مندوب يحضر اجتماعات اللجنة السياسية للجمعية العامة للأمم المتحدة بوصفه ممثلا للاجئين الفلسطينيين وبقي احمد حلمي باشا رئيس حكومة عموم فلسطين يشغل مركز مراقب في اجتماعات مجلس الجامعة العربية ممثلا لفلسطين وفق ترتيب خاص وضعته الجامعة"(41)

وبفعل النكبة يتم اختزال مبدأ التمثيل بحيث يقتصر على تمثيل الفلسطينيين خارج فلسطين ؟،وهذا عامل هام، كان له اثر كبير، على تطور خطاب الانتخاب في الثقافة السياسية لفلسطينية.
الاتحادات الشعبية:
بعد أفول نجم المؤتمرات، توجه الفلسطينيون الى الخيارات الممكنة، فأنشئوا الاتحاد العام للعمال، والاتحاد العام للمرأة، والاتحاد العام للطلاب، وقد اعتمدوا مبدأ الكوتا (المحاصصة ) مما فتح الباب لتثميل المرأة.
تمثيل المرأة مكون أساس في خطاب الانتخاب في دورات المجلس الوطني
وقد كان تمثيل المرأة على النحو التالي:
في الدورة الأولى للمجلس الوطني، وصل عدد النساء الى 15 عضوا من أصل 397 عضوا ثم تراجع تمثيل المرأة، من الدورة الثانية الى الدورة السادسة للمجلس الوطني، في 1/9/ ،1969 حيث أقر المجلس رفع تمثيل المرأة إلى عضوين.
في حين كانت المرأة ممثلة بعضو واحد في الدورة الخامسة للمجلس. أما في الدورة السابعة، فقد مثلت المرأة بعضوين من 115 عضوا في المجلس، وحصلت النقلة التمثيلية النوعية للمرأة في مرحلة السبعينات، حيث تم تشكيل الأطر النسوية بقرار من الفصائل، فوصل عدد النساء الى ثمانية أعضاء من 293 عضوا في المجلس في الدورة الثالثة عشر 2/3/1977.
وفي عام ،1988 تم انصاف المرأة، في وثيقة اعلان الاستقلال، من خلال التأكيد على المساواة بين الرجل والمرأة، والتأكيد على حقوقها، وكانت نسبة مشاركة المرأة حوالى 7.5 بالمائة لغاية عام 1996، حيث عقدت الدورة الحادية والعشرون في غزة، فوصل عدد النساء المشاركات في الدورة الى 52 عضوا من 736 عضوا.( 42)
وقد عالج النظام المقترح، الذي اعدته لجنة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، والمحال للجنة القانونية لصياغته، مسألة تمثيل المرأة في المجلس الوطني، بشرط أن يتم تضمين الحد الأدني لتمثيل المرأة، على القوائم الانتخابية، بما لا يقل عن امرأة واحدة من بين كل من الأسماء الثلاثة الأولى في القائمة، وامرأة واحدة من الأسماء الأربعة التي تليها. وهكذا..".( 43)
خطاب الانتخاب للمجلس الوطني الفلسطيني
بات معروفا عند الدارسين والمهتمين بخطاب الانتحاب ، أنه بعد أن تأسست الجامعة العربية في عام 1945، اتخذت الدول العربية التي أسست الجامعة قرارا، بأن يكون لفلسطين مندوب يمثلها في الجامعة، وكانت فلسطين في ذلك الوقت تحت الانتداب البريطاني، واستمر تمثيل فلسطين في الجامعة العربية بعد النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948.

وبتاريخ 13-1-1964عقد مؤتمر القمة العربي الأول في القاهرة، وقد أصدر المؤتمر قرارا بإنشاء كيان فلسطيني، " وهذا يجعل الهوية لا تتحقق في علاقة تخارجية مع الآخر، وانما عبر انخراط واشتباك مع الآخر"((44)
وكلف احمد الشقيري، ممثل فلسطين في الجامعة بالاتصال بالتجمعات الفلسطينية لتحقيق هذه الغاية، وبالفعل تمكن الشقيري من القيام بجولة، زار خلالها الدول العربية،وتمكن من الاتصال بالفلسطينيين في آماكن تواجدهم وآماكن تجمعهم، ووضع اثناء هذه الجولة مشروعا الميثاق القومي، والنظام الأساسي لمنظمة التحرير، وتقرر عقد مؤتمر فلسطين الاول في القدس بتاريخ 28-ايار 1964، والذي تمخض عن انشاء منظمة التحرير الفلسطينية، وجاء في البيان الختامي حيث اعلن المؤتمر( بعد الاتكال على ألله باسم المؤتمر العربي الفلسطيني الأول المنعقد بمدينة القدس في هذا اليوم ...قيام منظمة التحرير الفلسطينية قيادة معبئة لقوى الشعب العربي الفلسطيني لخوض معركة التحرير وردا لحقوقه، وأمانيه وطريقا للنصر) والمجلس الوطني منذ مؤتمره الأول اصبح هو السلطة العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية ،وهو الذي يضع سياسة المنظمة ومخططاتها وبرامجها" . (45)
هذا هو السياق التاريخي لنشأة خطاب الانتخاب للمجلس الوطني، وصدر عنه مشروع نظام الانتخاب للمجلس الوطني الفلسطيني في السابع عشر من تموز /يوليو
في دورته الأولى في القدس في الفترة من 28/مايو –حزيران /يونيو 1964م.
ويتكون نظام الانتخاب من(73) مادة، توزعت على فصول هي :التعارف، الاقتراع ،العمليات الانتخابية ،فرز الأوراق، وإعلان النتائج". (46)

إن هذه الفصول، تعالج القضايا الإجرائية وظلت تشكل جزءا هاما من مرتكزات خطاب الانتخاب، إلا أنها سرعان ما تلاشت، عن طريق اضمارها ،وبقيت كمنطوق كتابي لم تتجاوز حدوده، وعادة فإن " الاجراءات التي الى حد الان ، تمارس بصورة ما تعمل كمنظمومات للإبعاد، وهي تتعلق بدون شك بذلك الجزء من الخطاب الذي يتعلق بالسلطة وبالرغبة" .(47)
تحليل عناصر خطاب الانتخاب "مشروع قانون الانتخاب للمجلس الوطني"
يمكننا تحديد عناصر الخطاب بالمرتكزات التالية :
المرتكز الأول:
الاقتراع المباشر:
نصت المادة الخامسة من القانون الاساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية"يتنخب أعضاء المجلس الوطني عن طريق الاقتراع المباشر من قبل الشعب الفلسطيني بموجب نظام تضعه اللجنة التنفيذية لهذه الغاية". (48)


الانتخاب المباشر من قبل الشعب لأعضاء المجلس الوطني، فإن هذه المادة تشير الى الشعب الفلسطيني الموجود خارج على الارض المحتلة(الشتات)، لأن جزءا كبيرا من الشعب قد هجر من أرضه، والجزء المتبقي، ظل واقعا تحت نير الاحتلال الاسرائيلي عام 1948، وهي تهدف إلى ابراز الكينونة الفلسطينية كشعب، وليس كلاجئين، ولذلك خلا الخطاب من أية إشارة لملفوظ اللاجئ.
. و لم يتحقق إجراء الانتخابات للمجلس الوطني الى يومنا هذا، ولكن هذه المادة بقيت جزءا من نظام خطاب الانتخاب العام، الذي سيتراجع أمام سلطة خطاب ينشأ في رحمه خطابات أخرى.
المرتكز الثاني:
حق الانتخاب " لكل فلسطيني حق انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني اذا اكمل الثامنة عشرة من عمره وكان اسمه مسجلا في احد جداول الانتخاب النهائية ولم يكن معتوها او مجنونا ولم يكن محكوما بجانية او جريمة تمس الشرف الوطني"(49)
ان تضمين خطاب الانتخاب بكلمة( حق)، يعد تطورا هاما، مما يعني التقدم باتجاه ممارسة هذا الحق.
المرتكز الثالث :
الترشيح :" ونصت المادة (20) من نظام انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني والصادر بموجب المادتين (5) و(28) من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية المصادق عليه من قبل الدورة الأولى للمجلس الوطني المنعقدة في القدس1964 على أنه يشترط في المرشح لعضوية المجلس الوطني ان يكون فلسطينيا يجيد القراءة والكتابة وناخبا مقيدا في جدول الانتخابات النهائي،وان يكون قد اتم الخامسة والعشرين من عمره عند اجراء الانتخابات وغير محكوم عليه بجناية او جنحة، وليس موظفا في المنظمة، إلا اذا استقال من وظيفته قبل موعد الترشيح بشهر واحد، اذ لا يجوز الجمع بين عضوية المجلس، والوظيفة في المنظمة وان يكون عضوا عاملا في التنظيم الشعبي مادة 56()من قانون التنظيم الشعبي وان لا يرشح نفسه في اكثر من دائرة)".(50)
وبتحليل هذه العناصر يتضح انها لم تتطرق الى الترشيح على أساس أنه حق لكل مواطن ومواطنة، بل حق لكل فسلطيني، فمفهوم المواطنة غائب لسبب وجيه وهو غياب الوطن، ومنظمة التحرير ليست دولة، في حين انه قد حدد نظام الانتخاب حق الانتخاب، بأنه حق لكل فلسطيني، و يحمل ذلك قصدية متبطنة، وهي التأكيد على الهوية الفلسطينية، فهي اولوية، وليست المواطنة المفقودة هي الأولوية، في ظل وطن مفقود.
المرتكزالرابع:
تحديد ولاية المجلس الوطني:
وقد رافقت خطاب الانتخاب العبارة الواردة في المادة الثامنةمن الباب الثاني من النظام الأساسي لمنظمة التحرير"اذا تعذر إجراء الانتخابات الخاصة بالمجلس الوطني استمر المجلس قائما إلى أن تتهيأ ظروف الانتخابات " (51) فلم يطرأ على هذه العبارة أي تغيير او حذف او تعديل، لأنه يوجد ادراك ووعي مسبق عند منشئ الخطاب بأن التعذر لإجراء الانتخابات العامة هو الواقع المعيش ،للأسباب التي ذكرت انفا في السياق التاريخي. التعذر أصبح هو الثابت ، وإجراء الانتخابات هو المتحول نحو الغياب، ولهذا كان لزاما على منشئ خطاب الانتخاب ان يحافظ على سلطة و منشئيه ورغبتهم ، بحيث يتمكن المجلس والمنظمة من ممارسة الدور السياسي، دون أي ترك فراغ دستوري او سياسي ما من شأنه ان يؤثر على وضع المنظمة في راهنها وأن يحافظ على مستقبلها.
المرتكز السادس:
حق الاعتراض "الحق في الاعتراض على جدول الناخبين وطلب تصحيحه سواء كان ذلك بخصوص شخصيه أو بخصوص أشخاص آخرين"(52)
وهي مبدأ ديمقراطي يمارس في النظم الديمقراطية وربما مثل هذه االمبادئ اسست لاحقا لما اسميه بخطاب الرفض في الثقافة السياسية الفلسطينية، لأنه تجاوز حدود مضمامينه ليتحول شكل من اشكال الخطاب في لثقافة السياسية الفلسطينية.
ولكن الاعتراض كما يراه فريق اخر ليس على مادة من مواد نظام الانتخاب، بل على مبدأ التكليف، مما اوجد صراع على التمثيل بين النخب الفلسطينية، لذا، اتخذت الهيئة العربية العليا موقفا رافضا لتكليف الشقيري، فدعا محمد امين الحسيني الى مؤتمر عقد في بيروت، وصدر عن هذا المؤتمر بيان جاء فيه: انه يرحب بفكرة انشاء كيان فلسطيني ولكن عن طريق" اجراء انتخابات عامة لكافة الفلسطينيين وفي حال تعذر ذلك فلا بد ان تتمثل ارادة الشعب الثوري في مؤتمر وطني عام تدعو اليه لجنة تحضيرية تتمثل فيه المنظمات الثورية والقوى العاملة" (53)
فالمقاصد على الرغم من تغليفها بالدعوة الى انتخابات عامة، إلا أنها في حقيقة الأمر تهدف الى تعزيز رفض التكليف للشقيري فأضاف الى خطاب الرفض عنصرا جديدا لاكسابه حضورا ، ومشروعية هما عبارتي" المنظمات الثورية والقوى العاملة" وهذا مؤشر أدى الى خلق وضعيات جديدة للخطاب،ونعتبر هذه الوضعية الجديدة لخطاب الرفض الناشئ "اجراءات داخلية، تعمل على شكل مبادئ للتصنيف والتنظيم والتوزيع، كما لو ان الامر يتعلق ببعد آخر من ابعاد الخطاب"(54)
وهذا يؤكد على عدم نضج خطاب الانتخاب في الثقافة السياسية الفلسطينية. لذلك يميل العقل الفلسطيني الى الارتداد الى العادة السياسية، والمتمثلة في عقد المؤتمرات في محاولة منه لإحياء مبدأ التمثيل باختيار المندوبين، وفي مرحلة متأخرة الى ابداع مبدأ التعيين.
ولكن البيان الذي أصدره المؤتمر لم يحمل أي اشارات باتجاه تطوير خطاب الانتخاب، وهذا ما تردد دائما، وهو ذكر الانتخابات او الانتخابات العامة، بدون التطرق الى قانون او هيئة انتخابية او لجنة او الى اية تفاصيل، و ما إلى ذلك، بحيث تشكل الأسس لبناء خطاب قانوني، متعلق بالانتخاب، بحيث يتمكن من انتاج خطاب انتخاب ديمقراطي فلسطيني، واكتفى المعارضون باستعمال الملفوظ ( الانتخابات العامة دون الدخول في تفاصيل أي انتخابات نريد؟ علما بان الانتخابات تحتاج الى قانون انتخاب" وفي الحالة الفلسطينية تم استعمال نظام انتخاب لغياب الدولة وكل مظاهر السيادة فالمهم ليس ذكر ملفوظ الانتخاب، وإنما ( المهم هو أي الانظمة الانتخابية هي التي تحقق الهدف لتعزيز وجود دولة ديمقراطية ويكون هناك افضل تمثيل لإرادة الشعب وإتاحة المجال للأحزاب للوصول للحكم"(55)
ومن اجل تمرير الجزء المهم في الخطاب، وهو وصف الشعب" بالشعب بالثوري والمنظمات الثورية، والقوى العاملة" وهو دعوة ليست للرفض، بل للاصطفاف أيضا حول منشئو الخطاب، والذي استبعد موضوع الانتخاب، ولما كانت المنظمة هي الوطن المعنوي الآخذ في التبلور، بكل ما فيها من رمزية تحمل الجغرافيا السياسية في جوانيتها، فقد تمكنت من تكييف الواقع الصعب الذي يعيشه الفلسطيني في الوطن والشتات قدر المستطاع للحفاظ على الشكل الديمقراطي في العمل السياسي داخل الأحزاب ، ناهيك ان المنطقة العربية عرفت أنظمة تحكمها أحزاب شمولية مثل سوريا والعراق وملكيات وجمهوريات متعثرة في كافة اشكال التنمية السياسية والديمقراطية لذلك غاب وجود أي خطاب انتخاب مؤثر على مكونات خطاب الانتخاب الفلسطيني"

المرتكزالسابع:
التعيين : وفي الدورة الرابعة للمجلس الوطني المنعقدة في القاهرة بتاريخ 10-17/1968 اضافت الدورة مادتين الى النظام السياسي وهما:" يحق للمجلس الوطني، وتعود له صلاحية ضم اعضاء جدد اليه من حين الى آخر حسبما يرى ذلك ملائما"(56)
والمادة الثانية التي اضيفت هي:" –إذا شغر مقعد أو أكثر في المجلس الوطني لأي سبب من الأسباب، يعين المجلس العضو أو الأعضاء لملئ المقاعد الشاغرة." "(57)

وفي الباب الثالث- من النظام الأساسي اللجنة التنفيذية نصت المادة الثالثة عشر، على:"
-أ- واذ شغرت العضوية في اللجنة التنفيذية بيني فترات انعقاد المجلس الوطني لأي سبب من الأسباب تملأ الحالات الشاغرة كما يلي :
أ‌- اذا كانت الحالات الشاغرة تقل عن الثلث يؤجل ملؤها الى اول انعقاد للمجلس الوطني
ب‌- اذا كانت الحالات الشاغرة تساوي ثلث اعضاء اللجنة التنفيذية او اكثر يتم ملؤها من قبل المجلس في جلسة خاصة يدعى لها خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوما.
ج- في حالة القوة القاهرة التي يتعذر معها دعوة المجلس الوطني الى اجتماع غير عادي يتم ملء الشواغر لأي من الحالتين السابقتين من قبل اللجنة التنفيذية، ومكتب المجلس ومن يستطيع الحضور من اعضاء المجلس، وذلك في مجلس مشترك يتم لهذا الغرض ويكون اختيار الاعضاء الجدد بأغلبية اصوات الحاضرين"(58)

ان هذه المواد قامت باستبعاد مبدأ الانتخاب من الخطاب، وأقامت على أنقاضه مبدأ التعيين، ليكون عنصرا ثابتا من مكونات خطاب جديد يتشكل في داخل خطاب الانتخاب.
المرتكزالثامن :
تضخيم العضوية:
وفي المادة 32- من الباب الخامس نصت على:" يحق للمجلس الوطني ، وتعود له وحده صلاحية ضم اعضاء جدد اليه من حين لآخر، حسبما يرى ذلك ملائما وبحسب ما تمليه متطلبات معركة التحرير ومقتضيات الوحدة الوطنية في ضوء احكام الميثاق الوطني وذلك وفق نظام تقدمه اللجنة التنفيذية في الدورة المقبلة."( 59 )

ومن القرارات المتعلقة بزيادة عدد اعضاء المجلس قراران في الدورتين الخامسة عشرة في نيسا ن- ابريل 1981 والسادسة عشرة في نيسان- ابريل 1996هما:
الاول: اضافة عدد يتراوح بين ثلاثين الى اربعين عضوا يتم اختيارهم في اجتماع مشترك بين رئاسة المجلس الوطني واللجنة التنفيذية وتعرض الاسماء على المجلس المركزي لمنظمة التحرير .(60)
والثاني: متعلق بزيادة عدد ممثلي الارض المحتلة من 120 الى 180 عضوا يتم اختيارهم من ممثلي القوى والاتحادات والكفاءات والبلديات والمجالس القروية والجمعيات في الارض المحتلة ويكونون ضمن اعضاء المجلس الوطني ويحسبون في النصاب حتى لا تتعطل اعمال المجلس الوطني ما دام الاحتلال قائما.
وفي الدورة السادسة عشرة في شباط 1983 جاء في القرارات القانونية في النص حول نظام الضم على "1- عملا باحكام المادة (32) من النظام الاساسي يتم ضم اعضاء جدد للمجلس الوطني وفقا لاحكام هذاالنظام
2- تشكل لجنة تسمى لجنة العضوية من رئيس وأعضاء اللجنة التنفيذية وأعضاء مكتب المجلس الوطني ويكون اختصاصها درس ضم اعضاء جدد للمجلس الوطني"(61)
هناك رغبة ديمقراطية، كما هو واضح في ظاهر الخطاب، أو لنقل بشكل أكثر دقة، هناك رغبة في التحول الديمقراطي، ولو عن طريق تثبيت مبدأ الانتخاب، ولكنها كانت رغبة عملت الظروف السياسية على اضمارها ،عبر تثبيت المبدأ ، مع تقليص دوره، ومن ثم استبعاده ،من خلال اختزال دلالته الديمقراطية، ومع ذلك، فقد بقي مبدأ الانتخاب صامدا، كعملة نادرة، يتم توظيفها سياسيا عند اللزوم، ولكن في أدنى صوره، لأنه يحدد الحق في الانتخاب للمجلس من داخله، وليس من خارجه، وذلك لانتخاب اللجنة التنفيذية، وتقوم التنفيذية بدورها بانتخاب الرئيس، كما تنص عليه مواد النظام الاساسي:
ب- يتم انتخاب رئيس اللجنة التنفيذية من قبل اللجنة
ونصت " المادة 14- تؤلف اللجنة التنفيذية من أربعة عشر عضوا بمن فيهم رئيس مجلس ادارة الصندوق القومي، عدلت المادة فأصبحت تؤلف اللجنة التنفيذية من خمسة عشر إلى ثمانية عشر بمن فيهم رئيس الصندوق القومي"(62)
وفي اللائحة الداخلية للمجلس الوطني، وفي الفصل الثاني نصت المادة الرابعة على:" انتخاب اعضاء المكتب سرية وهي فردية بالنسبة للجميع.
والمادة السادسة على:" يتم انتخاب اعضاء المكتب بالغالبية المطلقة لعدد الاعضاء الحاضرين.(63)




المرتكز التاسع :
وهو التأكيد على دورية انعقاد المجلس وتحديد المدة :
لقد تم شرعنة وقوننة كل من مبدأي التعيين والتمديد للمجلس، وهذا ما جرى للمجلس منذ نشأته ولغاية الدورة الثانية والعشرين، لذلك وضعت اللجنة التنفيذية نظاما لضم الاعضاء الجدد في الدورة السادسة عشرة المنعقدة في الجزائر بتاريخ 14-22/2/ 1983نظام التعيين او اضافة اعضاء جدد تمت الموافقة عليه حيث نصت على ما يلي:
وقد نصت المادة رقم(31) في الملحق الثالث من النظام الأساسي لمنظمة التحرير والصادر في الدورة الأولى على "ان تكون مدة المجلس الوطني الحالي ثلاث سنوات ابتداء من 28 ايار/ مايو 1964"
لكن تم تعديل المادة (31) من النظام الاساسي في الدورة الرابعة للمجلس الوطني في القاهرة في 10/17/كما يلي:" تكون مدة المجلس الوطني ...سنتين ابتداء من 10/7/ 1968، إذا لم يتيسر إجراء انتخاب لأعضاء المجلس الذي سيخلفه ، يجتمع ويقرر،اما تمديد مدته لفترة اخرى، او يشكل مجلس جديد بالطريقة التي يقرها"(64)
وفي الدورة الثامنة للمجلس الوطني التي عقدت في القاهرة في شباط آذار 1971،تطورت ولاية المجلس الوطني بحيث تقرر " ان يجتمع المجلس الوطني كل سنة مرة واحدة " وأما مدة هذا المجلس ثلاث سنوات من تاريخ اول اجتماع له" اما إذا تعذر إجراء الانتخابات الخاصة بالمجلس الوطني استمر المجلس قائما إلى أن تتهيأ ظروف الانتخابات"(65)
- في الباب الثاني من الفصل الأول نصت المادة"8"على:" ينعقد المجلس دوريا بدعوة من رئيسه مرة كل سنة او في دورات غير عادية بدعوة من رئيسه بناء على طلب من اللجنة التنفيذية او من ربع اعضاء المجلس فاذا لم يدع رئيس المجلس الى مثل هذا الاجتماع يعتبر الاجتماع منعقدا حكما بالمكان والزمان المحددين في طلب اعضائه او طلب اللجنة التنفيذية".(66)
المرتكز العاشر:
التمديد:
فقد نصت المادة (31) من الباب الخامس على ان "تكون مدة المجلس الوطني انف الذكر سنتين ابتداء من 10/7/ 1968 ا اذا لم يتيسر اجراء انتخاب لأعضاء المجلس الوطني الذي سيخلفه، يجتمع ويقرر ان يشكل مجلس جديد اما تمديد مدته لفترة اخرى او ان يشكل مجلس جديد بالطريقة التي يقرها."(67)


اننا نرى ، ان خطاب الانتحاب "لا يكشف عن شمولية المعنى بل يبرز لعبة الندرة المفروضة بجانب قدرة اساسية على الاثبات انها ندرة واثبات"(68)
سمات خطاب الانتخاب:
تعد استراتيجية خطاب الانتخاب متناسبة مع السياق التاريخي ،ومتساوقة مع الظرفين الذاتي والموضوعي للشعب الفلسطيني، ولكن الثقافة السياسية الموروثة وممارسة الابستيميات السياسية الفلسطينية السائدة في المراحل السابقة، كانت غالبا ما تشكل عصب الانكفاء على الماضوية لإعادة تطوير فكرة مبدأ التمثيل ومبدأ التعيين ومبدأ التمديد وصولا الى التجميد، والذي يتعارض مع مبدأ التجديد والتطوير، ولكن الذي يسجل في السياق التاريخي، أن الفلسطينيين عرفوا خطاب الانتخاب، الا أنهم لم يمارسوه، لأنه لم تجر اية انتخابات للمجلس الوطني، ولكون العقل الذي قام بصياغة مواد نظام الانتخابات للمجلس الوطني، وضع مواده للمعالجة الظرفية، ولاستيعاب حالة التنافر والتصارع بين القوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع الفلسطيني ،ذلك دون الحاجة الى اجراء انتخابات عامة، لذلك لم تجر طوال السنوات السابقة لاتفاق اوسلو أية انتخابات عامة،من هنا حمل خطاب الانتخاب في رحمه مكونات خطاب آخر غير متصل به ومتناقض معه وكان تناسل الخطاب الثاني متكئ على نشوئية الخطاب الاول (خطاب الانتخاب) من هنا يتعين علينا:" معاملة الخطابات على انها ممارسات غير متصلة، ممارسات تتقاطع، وتتقارب أحيانا ولكنها تتجاهل بعضها ايضا وتستبعد بعضها" (69) لذلك يعمل الخطاب الثاني على تجريد الاول من اسلحته ليقوم باكتساب سلطة من خلال استبعاده ولكن هذا الخطاب الثاني رغم قدرته على الاستبعاد والإقصاء والعزل إلا أنه يبقى:" مراقب ومنتقى ومنظم ومعاد توزيعه من خلال عدد من الاجراءات التي يكون دورها هو الحد من سلطاته ومخاطره" لذلك لا يمكن "ان يدخل في نظام الخطاب اذا لم يكن يستجيب لبعض المتطلبات.
ومن أهم من عناصر الخطاب الثاني:
اولا : الكوتا" المحاصصة و التعيين:
فمن أبرز سمات خطاب الانتخاب ،هو استبعاد الانتخاب، واستبداله بالكوتا، لذلك طور الفلسطينيون اليات عملهم السياسي انسجاما مع الثقافة السائدة، وتساوقا واستجابة مع الظروف الموضوعية الناشئة عن النكبة، والنكسة، وكل الماسي المتتالية، فعملوا على تطوير فكرة التمثيل عن القوى الاجتماعية والاقتصادية بالمندوبين للمؤتمرات الداخلية، وللخارج في الجامعة العربية وغيرها، من المؤسسات،
ثم اعتمدوا مبدأ التعيين ،لإرضاء الكتل الاجتماعية والاقتصادية، ولاجتذاب بعضها للحقل السياسي والوطني المنتشرة في العالم، تم تبني مبدأ التوسع في العضوية للمجلس الوطني الفلسطيني، ولكن مع ميلاد فصائل العمل الوطني العسكرية، فكان لا بد من اعادة النظر في العضوية، والنسب لعدم امكانية إجراء انتخابات فتم استيلاد نظام الكوتا(المحاصصة) للفصائل ثم الاتحادات ..." ويمكن تحديد تأريخ اعادة تأسيس منظمة التحرير بالدورة الخامسة للمجلس الوطني التي عقدت في القاهرة في شباط عام 1969،...ففي هذه الدورة تم تشكيل لجنة تنفيذية جديدة هيمنت عليها فصائل المقاومة الفلسطينية، كما ارسى فيها نظام الكوتا في تمثيل الفصائل في الهيئات القيادية للمنظمة(مجلس وطني، لجنة تنفيذية، مجلس مركزي) والتشكيل الاخير ألغى التشكيل السابق المسمى لجنى مركزية، ولم تستثن الصبغة هذه وجود أعضاء من خارج التنظيمات السياسية" المستقلين" في اللجنة التنفيذية، بل كان يتم تسمية هؤلاء بالتوافق بين الفصائل
المشكلة للمنظمة" (70)

لاشكن ان هناك عوامل خارجية، وقوى داخلية، تعمل على فرض سلطتها، او جزءا من سلطتها على الخطاب، وقد تمكنت الفصائل الثورية المسلحة من فرض حضورها داخل المؤسسة التشريعية والتمثيلية العليا للشعب الفلسطيني، وقد" ترتب على دخول الفصائل المسلحة منظمة التحرير وقيادة دفتها نظاما الكوتا والانابة الثورية،كان من غير الممكن تجاوزهما فالمنظمات المسلحة كانت تمثل ارادة الشعب الفلسطيني في التحرر والاستقلال."(71)
، اصبح نظام االكوتا هو المرتكز البديل عن سائر مكونات خطاب الانتخاب وبقي مكرسا " عبر دورات المجالس الوطنية" ولما كانت مهام منظمة التحرير تحررية، مدت اجنحة الكوتا على سائر العمل النقابي"فسحب نفسه على المؤتمرات العامة للاتحادات الشعبية كلها،وبذلك تحولت هذه الاتحادات من اتحادات مهنية تمثل شرائح اقتصادية-اجتماعية محددة، الى اتحادات سياسية تعمل وفقا لنظام الكوتا الفصائلية"(72)
مما رسخ الى اليوم نظام الكوتا "المحاصصة" وأصبحت تكتسي بالبعدين العشائري والمناطقي في الثقافة السياسية والانتخابية الفلسطينية، واثرت على مكونات النظم الانتخابية في كافة الحقول السياسية والنقابية وغيرها، وحتى يتمكن الفلسطينيون من التقدم باتجاه بناء نظام سياسي ديمقراطي بحيث يعمل على نشر الديمقراطية لتصبح السمة العامة للخطاب الثقافي الفلسطيني، و يحتاج هذا، الى تبني فكر حداثي يقبل بالتطور، وليس الانكفاء والانغلاق على الذات، مما يعني " ان تحديث المنظمة بات يحمل في ثناياه اسقاطا واضحا لنظامي الكوتا والإنابة الثورية، كما سيحمل تشكيلا جديدا ستكون فيه فصائل عدة فصائل رمزية تذكر بمرحلة ماضية لن تكرر ".(73)
ولكن العارف بالثقافة وبالانثروبولوجيا الثقافية والسياسية، وحتى الاجتماعية، سيكتشف صعوبة التحول عن نظام الكوتا، لعوامل كثيرة اهمها :أن الكوتا كرست في نظام الانتخاب للمجلس الوطني، بدلا من الانتخابات العامة المتعذر اجراؤها، و في قانون الانتخابات العامة للمجلس التشريعي عام 1996
حيث اخذت بعين الاعتبار تمثيل الاقليات، كما ورد في دستور فلسطين وهو التمثيل الطائفي، من اجل تمكين الطوائف غير المسلمة من التمثيل في البرلمان، ولكن عن طريق الانتخاب المباشر، وليس بالتعيين وثاني العوامل: ان البناء الحزبي قد تأسس على العقل البدوي على الر غم من ادعائه بامتلاك خطابات حداثية او لبرالية علمانية،فهي لم تتمكن من الخروج من دائرة الاستعراض الثقافي، كمتطلب دعائي اعلامي لتظهر بالوجه العلماني، فهي احزاب قائمة على العشائرية، والمناطقية فتم صبغ الانتخابات بالكوتا العشائرية والمناطقية، وان كانت ضمن القائمة ، فتحول خطاب الانتخاب من أداة ديمقراطية الى خطاب ملغم يشي بالانفجارات الاجتماعية، وغيرها لتتبدل اولويات العمل السياسي من التحرري الى بناء المؤسسات وتناسل المصالح والبحث عن المكاسب.
ثانيا: عضوية العسكريين
تم تمثيل العسكريين من مدخل نظام الانتخاب " النظام الاساسي للمنظمة، فقد نصت المادة( 34) الواردة الفصل الأول من الباب الثالث من النظام الاساسي للمنظمة على أن" يؤلف المجلس تسييرا لأعماله اللجان التالية:أ- اللجنة العسكرية......الخ"( 74)
واما بخصوص عدد الاعضاء في اللجنة فقد نصت المادة (35) على أن " تشكل كل لجنة من هذه اللجان من عدد من الاعضاء يحدده المجلس ولا يقل عن عشرة اعضاء."( 75 )
فبتحليل هذه المادة نرى كيف منح المجلس نفسه سلطات اضافية، من خلال نظامه الاساسي بعيدا، عن حقل الانتخاب، وهي شرعية الاضافة مع امتلاك سلطة التحكم، في تحديد عدد الاعضاء، بما لايقل عن عشرة، تاركا الباب مفتوحا، ليتمكن المجلس من زيادة عدد الاعضاء، فالبناء اللغوي في الحقل القانوني منح سلطات اضافية للمجلس، للتصرف في الزيادة او التقليص، وفقا لما يراه متناسبا مع الظرفية.
ثالثا:تكريس مبدأ توسيع العضوية وتضخيهما بيد رئيس اللجنة التنفيذية
وفي الدورة السادسة عشرة في شباط 1983 جاء في القرارات القانونية في النص حول نظام الضم على "1- عملا باحكام المادة (32) من النظام الاساسي يتم ضم اعضاء جدد للمجلس الوطني وفقا لأحكام هذاالنظام".(76)
"5- استثناء من احكام هذا النظام تكلف اللجنة التنفيذية رئيس اللجنة والقائد العام، بتقديم اسماء العسكريين بحكم مناصبهم مباشرة الى المجلس الوطني، طبقا لعدد الذي تقرره اللجنة التنفيذية.
وقد تم بموجب هذه المادة الاخيرة اضافة (29) عضوا جديدا (23) عسكريا وستة مدنيين للفصائل."(77)
ان خطاب الانتخاب للمجلس الوطني لم يتطور مطلقا باتجاه مبدأ الانتخابات العامة ولكن انتج خطابا من داخله وضع في كل مقاليد السلطة بيد رئيس اللجنة التنفيذية في مجمل القضايا ناهيك عن ادخال مصطلح المستقلين هذا المصطلح الضبابي الذي كنن خلاله يتم اضافة او فصل أي عضو وهذا من اجل ضمان اغلبية برلمانية داخل المجلس من هنا لم تتطور فكرة المعارضة بل فكرة الرفض التي افضت الى انتاج خطابي الرفض والانشقاق في الساحة الفلسطينية.
خطاب الانتخابات في القرارات العربية ذات الصلة بخطاب الانتخاب الفلسطيني
اتخذ مجلس جامعة الدول العربية في دورته الاربعين والتي عقدت في شهر ايلول 1963 قرارا ينص على" ان من واجب الدول العربية ان تتيح لهم( أي الفلسطينيين) الفرص من ممارسة ذلك الحق بالطريقة الديمقراطية"(78)
وفي السياق الديمقراطي قدمت الحكومة العراقية مشروعا الى مجلس الجامعة العربية لبناء الكيان الفلسطيني على اساس ديمقراطي عن طريق اجراء الانتخابات وسبق هذا الموقف موقف اقوى لو تحقق لحقق خطاب الانتخاب بعناصره واستراتيجياته المعروفة في السياق التاريخي لنشأة الدولة الفلسطينية وفق ما نادى به الزعيم العراقي عبدالكريم قاسم في كانون الثاني ديسمبر بضرورة انشاء جمهورية فلسطينية فوق الاراضي الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، فسارعت الاردن ومصر الى اتهامه بالتآمر على القومية العربية وبأنه شعوبي اقليمي معاد للوحدة العربية".(79)
نلاحظ ان ما نادى به عبد الكريم قاسم هو الشكل الاقوى لأنه يتحدث عن دولة وسيادة لأن الديمقراطية كما يقول: روسو هي سيادة الشعب.
وهكذا، بقي خطاب الانتخاب، يراوح مكانه، فلم يتم تجاوز عنوان الانتخاب في الادبيات الفلسطينية، والعربية، ولأن فكرة الدولة تلاشت مرتين مرة بعد التقسيم نتيجة الرفض الفلسطيني والعربي، ومرة بالرفض الاردني المصري تحت شعار الوحدة العربية، مما ادى إلى ( عدم تمتع المجتمع الفلسطيني بحالة من الاستقرار أو التبلور السياسي والافتقار الى معالجة واضحة للممارسة السياسية في حقل متكامل اقليميا ومنسق اجتماعيا واقتصاديا لفترة طويلة"( (80
وقد تبنى المشروع البعثي هو الاخر فكرة الانتخابات العامة على غرار الاطراف العربية الأخرى فخطاب الانتخاب بقى عنوانا اضيف له صفة عامة ، دون الدخول في نقاشات لتحديد أي شرط ذاتي او موضوعي يلزم او يلزمان لانجاز الانتخابات العامة بحيث تصبح واقعا في حياة المجتمع الفلسطيني ومرتكزا لقيام نظامه السياسي الديمقراطي.
من خلال ما تقدم نستنتج ان دستور فلسطين لم يضعه الاستعمار البريطاني للنهوض بفلسطين تنمويا وديمقراطيا، بل جاء لتسهيل إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، لذا لم تصدر دولة الانتداب قانون انتخاب وهذا ما حدث فعلا، فعاش الشعب الفلسطيني رحلة اللا استقرار، والشتات، فانعكس على شخصيته المعرفية والتفكيرية فحول المتغير والمتحرك الى ثابت، لذلك أنتج خطاب انتخاب مرتكزعلى التمثيل والتعيين والتمديد والتضخيم ( تضخيم العضوية) مطبقا هذه الركائز على العائلات والمناطق والنقابات والجمعيات المسيحية والإسلامية ثم امتد هذ التمثيل ليشمل الفصائل المسلحة والاتحادات الشعبية والمهنية والأقاليم الخارجية، والشخصيات الوطنية فيما عرف بالمستقلين ،فلذلك لم يكن هناك ".انتخابات يعبر فيها الناخبون عن ارادتهم في اختيار ممثليهم، وتحديد مواقفهم تجاه قضايا هامة، وأفكار وبرامج يتم طرحها من قبل المرشحين وتتعلق بحياتهم"(81) عدنان عودة النظام الانتخابي الفلسطيني وتأثيره على النظام السياسي والحزبي،المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية- رام الله-آذار-مارس 2004ص 15. ولكن الظروف ربما قد تكون خدمت المرأة الفلسطينية، نتيجة اللجوء الجماعي فلم تعد تخرج من بيتها مرتين يوم تتزوج ويوم تموت ، بل اصبحت وقفة في مواجهة التحديات فإذا بالظروف القاسية والصعبة والمستحيلة، تمكنت من تذليلها فتحملت المسؤولية، يوم تراجعت الذكورة للانوثة بالاكراه الواقعي،لا الصراعي الاجتماعي، فسجلت حضورا في كافة الميادين، مما دفع القيادة السياسية، والنخب الاجتماعية والاقتصادية، إلى تمثيلها في مؤسسات منظمة التحرير، وصولا الى تخصيص كوتا ،وبقيت الكوتا تتوسع بعد اوسلو في مؤسسات السلطة ايضا..
مصادر ومراجع الدراسة
1- ميششل فوكو، نظام الخطاب،ترجمة محمد سبيلا، دار الفارابي، بيروت،،2007ص8
2- مجموعة القوانين الفلسطينية الجزء السابع والعشرون ،الدستور ،ا لمراسيم والأنظمة الدستورية اكتوبر1985ص الديباجة
3- مصدر سابق مجموعة القوانين الفلسطينية الجزء السابع والعشرون ص (20- 14)
4- مصدر سابق مجموعة القوانين الفلسطينية الجزء السابع والعشرون، ص،الديباجة،
5- مصدر سابق مجموعة القوانين الفلسطينية الجزء السابع والعشرون. ص،الديباجة
6- مصدر سابق مجموعة القوانين الفلسطينية الجزء السابع والعشرون.ص،الديباجة
7- مصدر سابق مجموعة القوانين الفلسطينية الجزء السابع والعشرون.ص،الديباجة
8- مصدر سابق مجموعة القوانين الفلسطينية الجزء السابع والعشرون،ص، الديباجة.
9- مصدر سابق مجموعة القوانين الفلسطينية الجزء السابع والعشرون،ص،الديباجة
10- مصدر سابق مجموعة القوانين الفلسطينية الجزء السابع والعشرون،ص14
11- مصدر سابق مجموعة القوانين الفلسطينية الجزء السابع والعشرون،ص14
12- مصدر سابق مجموعة القوانين الفلسطينية الجزء السابع والعشرون،ص14
13- مصدر سابق مجموعة القوانين الفلسطينية الجزء السابع والعشرون ص 14
14- مصدر سابق مجموعة القوانين الفلسطينية الجزء السابع والعشرون ص 14
15- مصدر سابق مجموعة القوانين الفلسطينية الجزء السابع والعشرون،ص 17
16- مصدر سابق مجموعة القوانين الفلسطينية الجزء السابع والعشرون،ص 16
17- مصدر سابق مجموعة القوانين الفلسطينية الجزء السابع والعشرون، ص 16
18- مصدر سابق مجموعة القوانين الفلسطينية الجزء السابع والعشرون، ص 17
19-) د. أحمد عبدالحليم عطية، ريكور والهرمينوطيقا، ،دار الفارابي للنشر والتوزيع بيروت، ط1،سنة 2011 ص 74
20- ) د.اسماعيل الغزال،القانون الدستوري والنظم السياسية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر،بيروت ،ط1، ص36
21- د. اسماعيل الغزال، مرجع سابق، ص36
22- ) فيصل دراج بؤس الثقافة في المؤسسة الفلسطينية دار الاداب بيروت ط1 1996 ص137
23- مصدرسابق مجموعة القوانين،ص،الديباجة
24- مطاع صفدي،، نقد العقل الغربي،مركز الانماء القومي،بيروت،1990 ص12
25- د.محسن محمد صالح القضية الفلسطينية
خلفياتها و تطوراتها حتى سنة 2001-info.info/arabic/books/d_mohsen/un3.htm
26- مصدر سابق مجموعة القوانين ص16

27- مصدر سابق مجموعة القوانين ص16
28- فيصل دراج،مرجع سابق ،ص13
29- ) فيصل حوراني،الفكر السياسي الفلسطيني ،1964- 1974، دراسة للمواثيق الرئيسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، مركز الابحاث الفلسطيني، منظمة التحرير الفلسطينية ،بيروت، 1997
30- ) فيصل حوراني،مرجع سابق ص11
31- فيصل حوراني،مرجع سابق ص11

32- فيصل حوراني،مرجع سابق ص11

33- فيصل حوراني،مرجع سابق ص11
34- فيصل حوراني،مرجع سابق ص11
35- فيصل حوراني،مرجع سابق ص 12
36- فيصل حوراني،مرجع سابق، ص 12
37- فيصل حوراني،مرجع سابق، ص12- 13
38- فيصل حوراني،مرجع سابق، ص13
39-فيصل دراج، مرجع سابق ص28
40- فيصل حوراني، مرجع سابق،ص14
41- فيصل حوراني، ،مرجع سابق، ص15
42-انظر الموسوعة الفلسطينية، دورات المجلس الوطني
43- جريدة الايام، الاربعاء ، 6/6/2012
44- د. احمد عطية ريكور والهيرمينوطيقا، ، دار الفارابي للنشر والتوزيع، بيروت، ط1،ص 200
45- الموسوعة الفلسلطينية
46- الاستاذ عبداللطيف جميل العيساوي،النظام القانوني للمجلس الوطني الفلسطيني،دراسة لم تنشر،ص 9
47- ميشيل فوكو ، مرجع سابق، ص 17
48- النظام الأساسي لمنظمة التحريرص21
49- الاستاذ عبداللطيف جميل العيساوي،النظام القانوني للمجلس الوطني الفلسطيني،دراسة لم تنشر، ص9
50- الاستاذ عبداللطيف جميل العيساوي، مرجع سابق ، ،ص10
51- مرجع سابق ،منظمة التحريرالفلسطينية، المجلس الوطني، النظام الأساسي،2001ص22
52- الاستاذ عبداللطيف جميل العيساوي،مرجع سابق ،ص10
53- فيصل حوراني، مرجع سابق، ص 26
54- ميشيل فوكو،مرجع سابق ، ص 51.
55- عدنان عودة النظام الانتخابي الفلسطيني،وتأثيره على النظام السياسي والحزبي، المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية،رام الله سنة 2007، ص7
56- منظمة التحريرالفلسطينية، المجلس الوطني، النظام الأساسي،2001ص26
57- منظمة التحريرالفلسطينية، مرجع سابق ،2001ص26
58- منظمة التحريرالفلسطينية، مرجع سابق،2001ص26
59- منظمة التحريرالفلسطينية، المجلس الوطني، النظام الأساسي،2001ص26
60- الاستاذ عبداللطيف جميل العيساوي،مرجع سابق ،دراسة لم تنشر ص 14
61- الاستاذ عبداللطيف جميل العيساوي،مرجع سابق، ص 15
62- منظمة التحريرالفلسطينية، مرجع سابق،2001ص23
63- منظمة التحريرالفلسطينية، مرجع سابق ،2001ص27
64- منظمة التحريرالفلسطينية، مرجع سابق ،2001ص26
65- منظمة التحريرالفلسطينية، المجلس الوطني، النظام الأساسي،2001ص 22
66- منظمة التحريرالفلسطينية، مرجع سابق،2001ص 22
67- منظمة التحريرالفلسطينية، مرجع سابق،2001ص 26
68- ميشيل فوكو، ، مرجع سابق، ص 51
69- ميشيل فوكو، مرجع سابق، ص 39
70- جميل هلال، تكوين النخبة الفلسطينية، منذ نشوء الحركة الوطنية إلى ما بعد السلطة، مواطن المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية،مركز الاردن الجديد للدراسات، رام الله –فلسطين، ط1،سنة2002 ص 41
71- سميح شبيب،منظمة التحرير الفلسطينية، إمكانية التحديث والتطوير في ظل الشراكة السياسية، تحالف السلام،2007 ص14
72- سميح شبيب،مرجع سابق ، ص 15
73- ) سميح شبيب، مرجع سابق، ص27
74- منظمة التحريرالفلسطينية، المجلس الوطني، النظام الأساسي،2001ص32
75- منظمة التحريرالفلسطينية، مرجع سابق ، ص 32
76- منظمة التحريرالفلسطينية، مرجع سابق ،2001 ،ص42
77- الاستاذ عبد اللطيف العيساوي، مرجع سابق، ص16
78- فيصل حوراني، مرجع سابق، ص25
79- سميح شبيب،منظمة التحرير الفلسطينيةمرجع سابق ،ص 9
80- محمد خالد الازعر،النظام السياسي والتحول الديمقراطي في فلسطين،مواطن،المؤشسسة الفلسطينية لدراسات الديمقراطية،ط1،1996،ص 17
81- عدنان عودة،النظام الانتخابي الفلسطيني وأثير على النظام السياسي الحزبي، المركز الفلسطيني للبحوث السياسة والمسحية، رام الله،آذار-مارس-2008 ، ص15












-