يا من يستحق الذكر في كل حين



بقلم: حيدر محمد الوائلي

في مستشفى الأطفال كنت حزين...

لي طفلٌ في الردهة عليل...
يعاني ومعه عانيت أمريّن...
يبكي من ألمٍ واحدٍ حيث بكائي من ألمين...
ابتعت من كشكٍ في الشارع قلم ودفتر...
هما سلاحيّ منذ زمانٍ وحتى الحين...
لتثبيت ما في القلب من خواطرٍ وكلمات...
فما يواسيني سواها...
حتى لا تضيع كما ضاعت سواها...
فتوالت كتابة الصفحات...
تجاوزت السؤال كيف ومتى وأين...
لاح في الذهن ذكر شخصٍ يستحق الذكر...
في زمنٍ لا يستحق الذكر فيه كثيرين...
ممن يُذكرون يومياً...
كان على البال فهو ساكنه...
وجال في الخاطر فهو يواسيه...
صنعت المجد حياةً في عُمُرٍ كان بدايته مسك، وختامهُ مسك...
جُدّت بالنفس الفانية لتحيا حياةً باقية...
في قلوب المظلومين والمحرومين والتعساء والبؤساء والأحرار...
دماً يتدفق في الجسم ليعطيه فرصة كي يحيا...
كي يمضي بدرب الشوك يدوس عليه كي يحيا...
يدوس على الجمر كي يحيا...
يدوس برجليه المتقرحتين على الأرض ليكمل مسيرته ثابتاً كي يحيا...
قدمٌ على الأرض ثابتة ويدٌ على الجرح توقف نزيفه كي يحيا...
فدرب حياة الكرامة ملئوه بالشوك والجمر والجراحات فتحمل يا هذا الجسم كي تحيا...
يا من تلهم النفس أن تقول هكذا...
وتحيا هكذا...
فعلمتها الحياة...
يا من تلهم النفس الصبر والعزيمة والسلوان...
في زمنٍ لا أمن فيه ولا أمان...
فالموت في الحياة بلاء...
وأكثر من تراهم أحياءاً هم موتى يأكلون ويشربون ويتناسلون...
لم يحيوا حياتك البسيطة بل حياتهم مرفهة ومريحة وممتازة...
لكنك مت ميتةً ممتازة فحييت من جديد حياة خالدةً بامتياز...
بينما مات منهم كثير ميتة بائسة فماتوا للأبد...
ولم يذكرهم بالخير أحد...
ذكرك يعطينا الأمل...
أن في الحياة فرصة وأمل...
ولا أمل من غير عمل، فلنعمل...
نروي تاريخك فيعطينا العزيمة...
حيث الخذلان يتربص بنا في كل مكانٍ وزمان...
في زمانٍ كثير النعام...
ممن يدفنون الرأس في التراب باحثين عن حشراتٍ يحيوا بها...
ولماّ رفعوا الرأس وجدوك شامخاً تأبى للرأس الكريم إنحناءاً...
فدفنوا الرأس من جديد...
كما صرخت في كربلاء وحيداً ولم يك لك من معين...
فلا معين اليوم رغم كثرة المنادين...
فمن المنادين من ناصر الأعداء في الليل...
وفي الصباح يصيح يا لثارات الحسين...
صرخت صرختك (هيهات منا الذلة) فأحييت الأموات المظلومين وأمت من هم أمامك بالدنانير والسيوف ظالمين...
(لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ إقرار العبيد)...
(الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم، فإذا مُحِّصوا بالبلاء قلّ الديانون)...
بيانات ثورتك تلك يا حسين في كربلاء...
فتعلم منها غاندي أن يكون مظلوماً فأنتصر...
أنت مجد حيث جعلك الأحرار مجداً...
بينما لا مجد لمن صنع بيديه مجداً برشاوى المال وبطش السيف...
حتى ولو كتب فيهم الشعراء والكتاب وملئوا الأوراق بأفاعي الكلمات...
قد تلقفت عصا ثورتك تلك الأفاعي...
وألقي الشعراء والكتاب في حضرتك ساجدين...
فلا مجد لهم...
ولا عذر لهم...
سوى أنك تستحق الذكر في كل حينٍ...
فنجم من كتبوا لأجله أفلّ...
وبقيت أنت نوراً ساطعاً في سماء الحرية والكرامة...
والحر لا يحب الآفلين...
والعاقل لا يحب الآفلين، فهم زائلين...
فكان ذكرك كتاباً مبين...
لا يمسه إلا قلوب المطهرين...
فكتاب الله حيٌ ما حيي الأحرار والمؤمنين...
فهو حيٌ في كل حين...
يُحييه من عمل به ليكون ناصع البياض وسط حالك السواد...
والبياض يصبح أنصع بياضاً في ظلمات السواد...
ثورتك يا حسين لتغيير الفكر لا لتغيير الحكم...
لتحرير الضمير لا لتحرير قصر الخلافة...
ثورة لكسب الكرامة لا لكسب الغنائم...
فأنتصرت ثورتك رغم قتلك وأنصارك...
انتصرت من يومها ولليوم...
كلما إنتصر مظلوماً تنتصر...
اسمك يعطينا الأمل ويبقينا بانتظار الفرج...
انتظار من يعمل ويجتهد...
لا انتظار من يتكاسل فيتثاءب لينام فيستيقظ ليغط في النوم من جديد...
انتظار المتفكر الواعي لا انتظار الهمج الرعاع الناعقين مع كل ناعق...

وبعد ساعاتٍ من معاناةٍ...
أخذت طفلي ورجعت للبيت...
وحمدت الله الذي لا يحمد على مكروه سواه...