شكرا لك أختاه على الموضوع وإن كان مختزلا جدا
وقضية الطائفية التي ذرت قرنها في هذا الزمان وأشعلت الفتن الماحقة في كل شبر من الأوطان العربية ، ليست صنيعة الخارج الذي نتخذه دائما مشجبا نعلق عليه مشاكلنا ، وإن كانت يده غير بريئة في هذا المجال، وليست الفتنة من كثرة الطوائف وتواجدها العرقي والديني ، إنما الفتنة التي تصم الآذان هذه الأيام سببها واحد ووحيد
إنها نتاج علاقتنا المهزوزة مع تراثنا ، فلا هي علاقة متينة عقلانية تعرف معنى التراث وتعرف كيف تقرؤه وبالتالي تتمثله تمثلا واعيا.
فالسلفي (المتدين ، الليبيرالي ، اليساري) يريد أن يسقط أحكام التراث على ظاهرها في واقع اليوم وهي تحكمها شروط موضوعية على واقع جديد مغاير تماما .
السلفي المسلم يرى أنه لا خلاص سوى بالعودة إلى الدين ، والدين كما نزل أول مرة ، تطبق نصوصه التي نزلت منذ أربعة عشر قرنا في واقع له شروطه التاريخية والموضوعية ، على الواقع الجديد المختلف عن واقع الأول ، وهو هنا يريد العودة للماضي البعيد للخلاص من وطأة الحاضر المثقل ، وليس الماضي الإسلام الذي طبق وإنما الإسلام المثالي كما أنزل ، رغم أن المثالية خف صوتها بعد مرور الزمن ، رغم وجود ذات بشرية نوعية عايشت هذا التحول ، تفضل كثيرا عن سلفي الوقت الحاضر.
والسلفي الليبرالي يريد اللحوق بالغرب فيفتش في التراث عن مايمكنه بواستطه من اللحاق ، فلا يجد إلا مقابلة شروط النهضة الغربية كمقابل للتردي العربي ، ومن هنا يبدأ المعارضة بين التراث العربي الاسلامي والتراث الغربي ، ليكون الخلاص هو نفس القراءة لنفس النجاح ، فيغدو التراث يقرأ موصولا إلى أصوله اليونانية والرومانية والهندية ، وفي هذا إزاحة لتراثنا الروحي الإسلامي ومن هنا تنشأ اللائكية والعلمانية ، وهذه قراءة سلفية سلفها المستشرقون الغربيون ،لأنها تقرأ التراث العربي بنفس المنهج ونفس الرؤيا الغربية
أما اليساري فيفتش في التراث عن الثورات التي قام بها العمال والمضطهدون والطبقة العاملة والفلاحون ليؤكد أن التراث العربي يحوي الجذور الأولى للاشتراكية
وهو بهذا يفتش عبر المنهج عن إمكانية تحقق النتيجة ، فكأنه يبرهن على صحة المنهج لا يسعى لتطبيقه .
وفي كل هذا نجد العقل العربي عقلا انطباعيا وجدانيا عاطفيا غير نقدي ،يروم المماثلة والمقارنة والمشابهة ، لأنه نشأ في خضم البئة العربية التي تمجد الشعر وتكثر من التشبيهات فيه ، فمن المشبه للمشبه به ، ومن هنا نتعامل مع الأحداث والاشكاليات وفق مبدأ المشابهة والمماثلة والأحكام الإنطباعية الجاهزة التي تصدر من وجداننا وعواطفنا أكثر مما تنتج من مكامن العقل وآلياته البرهانية
ولنضرب لذلك مثلا : قضية منع المآذن في سويسرا
الكل أجمع على أنها حرب ضد الاسلام ، واتهم الشعب السويسري بالصليبية ، لكن ولا أحد ذكر أن المسلمين هم أول من وطد للهذه النتيجة بتصرفاته في أرض ليست دار اسلام ، يذبح الأضاحي في قمة العمارات الشاهقة ويؤذن في بيته رافعا الصوت وتحته وفوقه سويسريون في نفس العمارة ،لا يؤمنون بالدين المجيد ، وقس عليها .
إن بقي عقلنا العربي انطباعيا مزاجيا غير نقدي فإننا لن نستطيع العيش حتى في بيوتنا مع أهلنا وسيصعب علينا التأقلم حتى مع ذواتنا وليس فقط هذه المحاولات التي تستحظر التراث العربي الاسلامي كما هو على ظاهره واغتنائه ، وفي غمرة هذا الاستحضار غير الواعي تستحضر حتى الصراعات التي سجلها التراث ذاته ، ولا عجب حينما نرى الشيعي يستحضر التقية من السني ويستعيد أدبيات الناصبية عودة للماضي واستحضار السني مقولات ما أنزل الله بها من سلطان تنسب زورا لشيخ الاسلام ابن تيمية تقول : أن الشيعة أشد خطرا على الاسلام من اليهود والنصارى ولا تستحضر قوله صلى الله عليه وسلم : افترقت اليهود على 71فرقة وافترقت النصارى على 72 فرقة وستفترق أمتــــــــــــــــــــــي على 73 فرقة .
يزهو البعض بقول شيخ الاسلام تأكيدا للصراع المستحضر من التراث منذ لحظة التحكيم والنهروان والجمل ولا تستحضر في حق الشيعي عمومية لفظ أمتي التي تشمل السني والشيعي معا.
من هنا نرى في واقعنا اليوم أن الصراعات الماضية والفتن الغابرة تسترجع بريقها ولغتها وخطابها وأدبياتها وتقاليدها وكأن الزمان استدار على وجهه وعاد كيوم كانت فيه تلك المحن .
وطالما كان العقل مزاجيا إنتقائيا وفق الذائقة الاستحسانية ،فلا نستبعد أن تدار كل المعارك القديمة والصراعات الماضية التي جرت منذ قرون عدة في القرن الجديد قرن النت والتقنية المتطورة كل هذا التطور الرهيب لأنها استعادة للتراث بكيفية غير علمية وغير متحررة من أثقال التاريخ .بل هي هروب من الواقع الذي يثقل الذات العربية والشعور بالانهزامية أمام حضارة الغرب المستقوية
وللكلام بقية
والسلام
2009/12/09