عندما طرز الرصاص الإسرائيلي يافطة السلام
بعد أن قصف جيش الصهاينة أحد البيوت في مدينة رفح، ودمره على رأس ساكنيه، حاول الإعلام العبري أن يبرر الجريمة، فردد الأكذوبة التي تقول: إن البيت كان مهجوراً.
لقد قررت أن أسد الثغرة الإعلامية الصهيونية، وأن ألفت انتباه الجيش الإسرائيلي بأن بيتنا ليس مهجوراً، وأنني وأفراد عائلتي لم نغادر البيت، ونقيم فيه، فأحضرت يافطة بطول عشرين متراً، وعرض مترين، وعلقتها في مواجهة الموقع الإسرائيلي، بعد أن كتبت عليها بالعبرية، وبخط واضح: انتته، في هذا المكان تسكن عائلات وأطفال.
كان ذلك قبل الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، حيث كان بيتي على خط المواجهة المباشر مع أقوى وأضخم موقع عسكري إسرائيلي في الشرق الأوسط، وكنا قد تعودنا على عدد من الرصاصات الإسرائيلية تخترق جدران البيت في كل ليلة، ولكن المفاجأة كانت بعد أن علقت يافطة السلام، فقد اخترقت الرصاصات الإسرائيلية كل مكان في البيت، وكان علي أن أهدئ من روع بناتي، وأن أتجلد حتى مطلع الفجر، حين نظرت بذهول إلى يافطة السلام المعلقة في مواجهة جيش الصهاينة، بعد أن اخترقتها عشرات الرصاصات المتعمدة.
رغم الرصاص الصهيوني اليومي لم أرحل من البيت طوال انتفاضة الأقصى، باستثناء عدة أيام، احتل فيها الجيش الصهيوني بيتنا، وطردنا منه بالقوة.
لقد بقيت صامداً تحت القصف اليومي كل سنوات الانتفاضة، وحتى ذلك اليوم الرائع، حين انهار الموقع العسكري، ورحل الصهاينة، ولكن أحقاد بعض تنظيمات اليسار الفلسطيني لم ترحل، ولاسيما أولئك الذين لم يعرفوا معاني التضحية والفداء، حين راحوا يسخرون من اليافطة، ويتهمونني بالجبن والخوف والضعف والتذلل والتخاذل، في الوقت الذي كانوا ينامون في بيوتهم بعيداً عن القصف اليومي هانئين.
وما زالت بعض التنظيمات اليسارية تمارس عاداتها، إنهم يختفون عند المواجهة، ويظهرون عند التهدئة، فتراهم يرفضون، ويتشددون، ويطلبون النزال، وهم يطلقون شعاراتهم الجوفاء.