عصام درويش
كنت أتمنّى أن أكون روائياً.. لكنني أصبحت رساماًعصام درويش .. فنان تشكيلي اتسّمت أعماله بعالم سحري حالم، يخفي وراء ألوانه وخطوطه قصصاً، تكتنفها الأسرار، وتقرأ فيها المونولوج والحوار البصري وتصاعد الحدث، إنه صاحب ومدير «غاليري عشتار» منذ عقدين ونيف تقريباً.. مما مكّنه من الاطلاع على تجارب الآخرين ومتابعة الحركة التشكيلية في سورية.
التقته البعث وحاورته حول تجربته الفنية..
> في لوحاتك مساحات واسعة للأحلام والتداعيات فهل تدمج بين الواقعية والسريالية؟؟.
> > قبل أن أجيب، أحبّ أن أنوّه إلى أن السريالية كأسلوب تعتمد على مهارة الرسم بالدرجة الأولى، وإذا لم يكن الرسام بارعاً جداً لا يكون سريالياً، فالسريالية تعتمد على الأسلوب الواقعي بتجسيد التفاصيل الدقيقة، فأنا متأثر بالسريالية بكل معانيها وخصائصها، إلا أنني أعمل على ما يُسمى «بالواقعية السحرية»، التي تبحث عن الجانب الجمالي، وتتوغل بعالم المشاعر الخفي لإظهار قيمتها في حياتنا، وأبتعد عن خصائص السريالية بما يتعلق بالمبالغات من حيث مطّ الأجساد وتشويهها، فالأشكال عندي صحيحة ودقيقة، وبعيدة عن رؤية التشاؤم والقسوة الملازمة للسريالية.. باختصار أنا أقدّم الواقعية السحرية كاصطلاح أفضل من السريالية...
> رسمتَ المرأة بأسلوب حالم شاعري.. لماذا اخترتَ هذا الجانب الخفي منها؟!.
> > اشتغلت على عالم المرأة وحضورها الطاغي منذ أربعة عقود تقريباً، حاولت أن أعبّر فيه عن مكنوناتها الإنسانية العميقة عبر وجودها بأماكنها الحميمة، كغرف مغلقة، أو أماكن مطلّة على البحر أو مشاهد طبيعية ساحرة، وأقحمتُ وجودها دائماً مع أنواع مختلفة من الورود والأزهار والقطط كرموز، واتجهت نحو طابع آخر في عالم رمزي سريالي مليء بالاستعارات، التي تساعد على إظهار الجانب الخفي من حياة المرأة، وحملت اللوحات أسراراً عميقة، تدل عليها الظلال والكرات المتحركة إشارة إلى هواجسها، أما الضباب فاستخدمته كتقنية ترصد إيحاءً بعيداً جداً، ينتمي إلى عالم الأحلام.. إلى لحظة الاستيقاظ وعدم الإدراك لما يحدث، في حين عالم الأبواب المفتوحة فيه لغز له علاقة بالظلال الخارجية دلالة على توقع الأشياء الغريبة التي تحدث فجأةً.. رسمت المرأة بأمكنة سحرية تلازمت مع لعبة الظل والإضاءة، لإيضاح عالمها الخفي.. عالم أحلامها.
> نقرأ في لوحاتك مقومات القصة من حيث المونولوج و السكون وتصاعد الحدث.. أيعود هذا إلى كتابتك القصة؟؟.
> > أنا منذ فترة طويلة أقرأ الأدب العالمي والعربي، وكانت إحدى أمنياتي أن أكون روائياً معروفاً، إلا أنني اتجهت بصورة رئيسية نحو الفن، ومع ذلك نشرتُ عدة قصص قصيرة في الدوريات، لاقت صدىً جيداً لدى القراء والنقاد، منها: بورتريه قصة الرجل الصغير، مقاعد الحديقة، القاعة...، ومن يطلع عليها ويقرأ صفحاتها، يعرف أن الذي كتبها رسام، تناولها من وجهة نظر خاصة بدت بتدقيق الأشكال والوجوه والألوان، وأقول: إن اهتمامي بعالم الأدب انعكس على الرسم، لذلك نرى الكثير من الغموض والأسرار والأشياء السحرية ظاهرةً في لوحاتي، هذا الاندماج بين الأدب والرسم أدى إلى الاهتمام بعالم اللون وإتقان التقنيات التشكيلية، وفي الوقت ذاته إلى الولوج إلى العالم الداخلي الذي يجري خلف الألوان والخطوط، وأنا لا أعير فني اهتماماً بصرياً فقط، بل أتابع بعمق الحكايا والقصص، التي تختفي وراء الخطوط والألوان.
> خيّمت على أعمالك مشتقات الأزرق والبنفسجي... فلماذا استهوتك هذه الألوان؟؟.
> > هناك رأي عام شعبي موروث يرى كل لون يعبّر عن أشياء، ويشير إلى معنى، هذا غير صحيح على الإطلاق.. في عالم الألوان توجد ألوان باردة هادئة من مشتقات الأزرق، وحارة من مشتقات البني والأحمر، الرسامون لا يعبّرون عن الحزن بلون والتفاؤل بلون، هذا لا علاقة له بالخبرة الفنية، لكل فنان مجموعة لونية يعمل عليها تحت ضغط نفسي، أراد التعبير عنه بمجموعة ألوان هي تلقائية ومدروسة في آنٍ واحدٍ، وقد اشتغلت على الأزرقيات والبنفسجيات، وعبّرت من خلالهما عن عالم سحري هادىء، خلفه قصص وحكايا ونساء.. وهذا بمحض المصادفة، وفي فترة ثانية اشتغلت بألوان مختلفة، فالفنان يحدد ويغير ويقيم ثورة لونية ضمن عمله، وعلى سطح لوحاته.
> لماذا تعتمد في لوحاتك على السطح الأملس والضربات الهارمونية الهادئة؟؟.
> > السطح الأملس والبعد عن الكثافات اللونية أو تكتلات العجينة اللونية، ليس مقياساً، توجد لي أعمال سابقة على سطوح خشنة متعددة الألوان لكنني عدت إلى استخدام السطح الأملس، لأنه ساعدني أكثر على تصوير العالم النفسي الداخلي بصورة أفضل، وإظهار شبكة بصرية غامضة، ولكن لا توجد قاعدة ثابتة، فكل موضوع يفرض الطريقة والأسلوب والتقنية.
> ما سبب عنونة لوحاتك؟؟.
> > أحبّ العناوين، لأنني أشتغل تحت عنوان معين، وأقوم بدراسة مطوّلة للوحة قبل تنفيذها، ثم أبدأ برسم خطوطها الأساسية بقلم الرصاص، وأختار لها الشكل الأمثل لتنفيذها، فالعنوان يوحي لي بمحور اللوحة الأساسي، ويجعلني أرسم فضاءها ومناخها، وأحدد خصوصياتها وجزئياتها..، كما أن العنوان يوحي للمتلقي بملامح قراءة اللوحة.
حوار: مِلده شويكاني