منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 27
  1. #1

    يا غير مسجل سلسلة : وليال عشر ../كفاح أبو هنود

    { وليالٍ عشر
    } ..

    الليلة الأولى

    كانَ الصّالحون يستَحوُن من الله أن يكون يومهم مثلَ أمسِهم !
    يتفقَّدونه فيضعونَ فيه و لو مِثقالَ شَعيرة حَبٍ ليرجَحَ ميزانُ اليوم عن ميزانِ الأَمس .. رُبّما تبدو الحبّة خفيفةً .. لكنَّ النّهار بها أصبحَ مختلِفاَ ولو
    قليلاَ ..
    فكيفَ كان حالٌهم مع زمنٍ هو من أحبٌّ الأزمان إلى الله ؟!
    ..
    لقد كان الحياءُ في نفوسِهم يشتَدّ أن يلقوا الله بصحيفةٍ تُشابه في ملامِحها صحيفةَ العام الذي مضى .. أو تُقاربه .. إذ للقربِ خطواتٍ لا يجوز أن تَتكرر !
    وتذكَر أيها المشتاق للديار المقدسة ...
    لئن سارَ الرَّكب الى جبلِ المَغفرة والرحمة .. فقد جعل الله لنا نحن أيضاً
    سيراً ..
    قال ابن رجب الحنبلي " أيّام جعلها الله مشتركة بين السّائرين والقاعدين ، فمن اغتنمها في بيتِه كان أفضل ممن خرج للجهاد من
    بيته" ..
    لذا كان سعيدُ بن جبير رحمه الله تعالى: إذا دخلت العشر من ذي الحجة اجتهد اجتهاداً حتى ما يَقدِرُ عليه وكان يقول: "لا تُطفئوا سّرجكم فيها .. !
    " ..

    أشعلوا السّرج في لياليكم .. عسى أن تشعل لكم أنوارَكم على الصّراط .. واجتهدوا فَلرُبّ قاعدٍ خيرٌ من ألفِ ساعٍ .. والله من بعد يعلم صدقَ النّيات وخَفَيّ الَّدمَعات .



    د.كفاح أبو هنود

  2. #2

    { وليالٍ عشر } ..

    الليلة الثانية..

    حين تتّجهُ الى الكعبةِ تلتقي عيناكَ بِقدَمِ ابراهيم هادئةً في المقام ..
    ضاربةً جُذورها في عُمقِ التّاريخ ،، تقتربُ منها ،، تحاولُ ان تَفهَمَ خَبايا أسرارِها !
    تراها صامدةً كلحظتِها يوم تَقَدَّمَت نحوَ النّار دون تَلَكُّؤ ؛ فقد كانت قدمَ صِدق .!
    كانت الجِهات في حسّ القومِ كُلّها منهارةً الا ابراهيم .. فقد كان يُردّد { أني وجّهتُ وجهيَ للذي فَطَرَ السّماوات و الارضَ حنيفاً } ..
    كانت المسافاتُ للغاية الجليلة يومَها طويلة ،، فانطَلَقَ ابراهيمُ وحدهُ خارجاً من حُدوده كي يبلُغ الحُلم !
    من العراق الى فلسطين ؛ حتى يبلُغ الكعبة ... هل تَعني لك هذه الخارطة شيئاً ..!
    هل تمتلكُ هذه الرّحلة سِرّاً أو رمزاً أو رسالةً لك أيّها المسلم .؟
    ماذا كان يحمِلُ هذا المُهاجرُ في حَقيبةِ سَفَرِه ،، في سرِّ صدره ،، في خُطاهُ المرسومة بحكمةِ الأقدار !!
    و في كلّ حِواراتِه مع الشمس و القمر و النّجوم ؛ فقد كان ابراهيمُ لا يُتقِنُ النّظر الا الى النّجوم !
    كان قلبُه هناك حيثُ العرش .. و كان كثيرَ التأوّه و الدّعاء ؛ اذ كان يوقنُ
    أن الرّياح التي تأتيكَ بعد الدّعاء لا تَدعك حيث ُوجَدَتكَ !
    كان في تِرحاله يَنزِفُ كثيراً كي يَمنحنا الكثير ..
    كلّ رِحلاته كانت غارقةً في التّضحية ..
    كانت قدمهُ تَسعى من فلسطينَ الى مكّةَ كي تودع الصغير للصحراء ..
    مع كلّ خطوة كان ابراهيمُ يقترِبُ من مَقام الخَليل ..
    كلّما تقدّمتّ يا ابراهيم الى مكّة كان الدّرب يفرغ .. فَوحدَكَ انت الزُّحامُ .. و وحدَكَ انت بكلِّ الأنام .!
    كلّ خُطوة كانت تعدِل أمةً .. كلّ خطوة كانت ترفَعُكَ الى حيثُ البيت المعمور في السماء السابعة !
    مَن غَيرَكَ يا ابراهيمُ يُطيقُ ان يودع طفلهُ للمجهول ..!
    طفلُ السّنوات التي أجدَبَت دون صوتٍ تشتاقُه فِطرَتُك العميقة !
    طفلُ السّنوات التي اشتَهَت ضمّةَ الصّغير و احدّودّبّ الظّهرُ دونها !
    يحمِلهُ دون ان يَتعثّرَ .. فَقَدَمُ ابراهيمُ لا يليقُ بها الا الثّبات ؛ لذا ظلَّ الّنور يمضي حيث تمضي يا ابراهيم !
    كانت لِخطوَتِه على الرّمل المُنساح في الصّحراء دويٍّ في السّماء ؛ فقد كانت تُمهّد الطّريق بين القبلتين !
    يا ابراهيم .. عيدُ أمّة بأكملها سيبدأ من خُطوَتِكَ تلك نحوَ مكة !
    لقد سطَّرتَ بِقَدَمِكَ ميلادَ فِكرةٍ فحُقَّ لِقدمك ان ترتاحَ في ظلّ البيتِ أبداً ..
    وحُقَّ لك ان يجعل الله لك { لسانَ صِدقٍ في الآخرين } يَقتدى بك .. فبقيتَ حيّاً يا أبراهيم و قد مات القومُ و جَفّوا .!
    يالِرَهبةِ الأقدار .. يُولدُ الصّغير من عطشِ الشّوق اليه .. ثم يُحمل الى عَطَشِ الصّحراء .. فيبكي شوقاُ لِقطرة الحياة .. فتنهمِرُ زمزَمَ فوّارة أبد الدّهر .. و يُبنى البيت ؛ ليُعلّمنا اللهُ انّك إن صَدَقتَ فَستَختَبِئُ لك المُعجزات في الأسباب المُستحيلة !


    { ليالٍ عشر } .. هي مدرسةُ إبراهيم فتأمّل !


    د.كفاح أبو هنود








  3. #3
    { وليالٍ عشر } ..

    الليلة
    الثالثة ..

    أسألُ رمالَ مكّة عن آلامِ خُطى هاجرَ و هي تتماسك كي لا تلحق بإبراهيم !
    يقولون يا هاجر .. إنَّ إحساسَ المرأة بالحزن و الألم يَعدِلُ ثمانيةَ أضعاف إحساس الرجل .!
    فكيفَ صَمتَ الوجعُ فيكِ و إبراهيمُ يرحلُ عنكِ و عن الرّضيع !؟
    لا شيء يُخيف هاجرَ في هذه الصّحراء مثلَ مَغيبِ الشّمس في هذا
    المكان ..
    هَرعَت إليه .. يا إبراهيمُ كيف تجمعُ عَلينا غِيابان .. غيابكَ أنت و غياب الشّمس .؟
    هل نَذرتَنا للفَناء ؟! صدّقني لا شيء يوحي بغيرِ
    ذلك ..
    آاللهُ َأمرَكَ بذلك يا إبراهيم .. فأجابَ نعم !
    كان اللهُ في عَليائِه يَشهدُ تِلكَ
    اللّحظة ..
    لحظة اختيارٍ بين خطوتَين .. نَحو ابراهيم أو نحوَ
    الله ..
    لحظة سُجّلت لِهاجرَ في تاريخ الكون ، و بها اعتَلَت المرأةُ مكان
    الشّمس ..
    تسامَت على ضَعفِها حتى كأنَّها أُسطورةُ من خيال التاريخ !
    أيُّ دينٍ هذا الذي يوقِظُ النِّساءَ كي يَصّعَدنَ من السَّفحِ ؛ الى حيثُ تُقيمُ النُّسور !
    كي يُصبحنَ أيقونةَ الفِداء ،، كي يملأَنَ الصُّخورَ المتشقِّقة من الجَفافِ بماءٍ لا
    ينقَطِع ..
    كانت الدُّروبُ الصّامتةَ تَسمع وَقعَ أقدام ابراهيم مثقلة بالرحيل { ربّي إنّي أسكنتُ من ذُريتي بوادٍ غيرِ ذي زَرع } ..
    كم مرةٍ تهدَّجَ صوتُك أو تقطَّعَ أو تحشّرَجَ يا خليلَ الله بين الكلماتِ .!
    مشهدٌ تئنُّ لهُ السّماواتُ و لا تئنُّ له جارية في مُقتبل العُمر !
    كان الرّعب في إنتظار العَتمَة الآتية و في بُكاءِ طفلٍ يُحرّكُ سُكونَ الصّحراء فتُلقي بأثقالِها في وجهِ
    الجارية ..
    تنحني هاجرُ لتبدو أمامها الحقيقة عاريةً لا شيء الا صُراخ الرّضيع ،،
    تتشبّث باليقينِ ( أنَّ اللهَ لن يُضيّعَنا ) ! تَشُدّ اليَدَ الغارقة في عَرَقِ الخوفِ على حبلِ الثّقةِ بالله ؛ مثلِ لِبؤةٍ مَفزوعة تَهرعُ بين الجَبَليَن ،،
    ثمَّةَ ما يستَحِقُّ الحَّياة .. ثَمَّةَ ما يستحِقُّ السَّعي .. ثَمَّةَ حِكمة وراءَ كلِّ هذا الهَول .!
    كانت الأنفاسُ المُتلاحقة في هَروَلةٍ تَستبيحُ الصَّدرَ المُضطَّرب بالخوفِ
    المُشتَعِل ..
    الوِحدة و الوَحشة .. و موتٌ يفتَرِسُ الطِّفلَ .. و رَملٌ ينتَثِرُ في عَينَيها كأنَّهُ اللَّهَيب .. و لا إبراهيمُ يُؤنِس الطَّريق !
    هل بَكَت ،، لم تُسجِّل ذاكرةَ الصَّحراء الا ارتفاعاً في
    اليَقين ..
    هل كَتمَت صرخَتها .. لم تَشهد السَّماءُ الا صمتَ
    المُوقِنين ..
    هل شَكَت ،، لا .. اذ عَلَّمَها إبراهيمُ أنَّ النّورَ لا يَعبُر الا بعد اكتمالِ اللَّيل !
    كانت زمزم تنتظرُ ضَربَةَ قَدَم الصَّغير .. و كانَ لا بُدَّ من اكتمالِ مَشهَد التَّضحية و تقديمِ كلِّ القَرَابين !
    تسعى الحَجيجُ اليوم على الخُطى الجَليلة .. على خُطى جاريةٍ كَتَبَت من خوفِها انتصار إرادةِ اللهِ عَبرَ امرَأة !
    " هاجَرُ " لكِ من اسمِك أوفر النَّصيب في هِجرَةٍ تَمَّت
    للهِوَحدَهُ ..
    أيا سَيِّدَةَ المَعاني
    الكبيرة ..



    [ مِنكِ تَستَلهِمُ المُرابطاتُ اليومَ في حَرَمِ الأقصى حكايَةَ النَّصرِ القَريب ] !


    د.كفاح أبو هنود

  4. #4
    { وليالٍ عشر} ..

    الليلة الرابعة

    { وإذ يرفعُ إبراهيم القواعدَ مِن البيت }
    كم هوَ عُمرك يا إبراهيم .؟
    هِجراتٌ ثلاث .. و سنواتٌ ممتلِئَة بالتّضحيات .. و بناءِ بيت للهٍ .. و مشاهدَ لا تُحصى من مواقفِ الثَّبات !
    بهذا تُقاسُ الأعمارُ يا سيّدي .. بِعُمقها و ليس بِطولها .!
    تسكنُ قاماتَ النّخيل العراقيُّ في عُمرك .. و تتجذَّر أفعالك كأنَّها جُذور شجرة زيتونة مقدسيّة.. و يتسع عمرك كأنه صحراء الجزيرة التي بنيتَ للهِ فيها بيتاً ليس لهُ مثيل !
    ما أطولَ عُمرك يا سيّدي .. فَرُبَّ عُمر اتّسعت آمادهُ ، و كثُرت أمدادهُ ، و أمطرت غيماته الى قيام
    الساعة ..
    رَفَعتَ بيتاً لله فَرَفَعَ اللهُ لك ذِكّرَكَ و رفَعَ مَقامك ؛ فلم يَلقاكَ مُحّمدٌ -عليه السًَّلام -الا في السّماء السّابعة مُسنِداً ظَهرَك إلى البيتِ المَعمور .. و وَحدكَ دُون الخلائِقِ امتلَكتَ هذا الشَّرف الجَليل ..
    مِن عُمرك انبَثَقَت يَقَظةُ الإنسان يا سيّدي ..فأنتَ مَن نَزع الحُجُب عن العَقلِ ، و أثارَ كلّ تِلك التَّساؤلات ، و علَّمَنا كيف يكونُ الإيمان مبصِراً و واعياً !
    كانت آمالُكَ كُلَّ مساء تَتَبخّر الى السماء .. تجمَعُها لك إرادةُ الله ، و تكتُب لك بها مواعيدك مع غيثٍ سترتوي منه البشريّة .!
    كم هي المسافةُ بيننا و بينك !
    كما هي المسافة بين أصواتِنا و صوتك إذ تُؤذّن {في النّاس بالحج} ؛ فتخلو الآفاق الا من صَدَى كلِماتِك !
    كم هي المسافة بين أعمارِنا و عُمرك الذي يزدَحِمُ بالأحداثِ و يسهر كلَّ ليلةٍ على الأمنياتِ الجليلة حتى استحقَّ أن يُسطِّره اللهُ على صَفَحاتِ القُرآن !
    كم كان عُمرك يوم كنتَ ترفَعُ القواعدَ من البيتَ بِيدكَ التي أورقَت بناءً شامخاً لم تُغيّره الدُّهور !
    لم يكن ابراهيم يشيخُ .. ولم يكن لديه وقت للنّهاياتَ الذابلة؛ فقد كان يعيشُ بقلبٍ يَستمّد زَيتَه من نورِ السّماوات و الأرض !
    كان ابراهيمُ موطناً لـ { رحمةَ الله و بركاته عليكُم أهلَ البيت
    } ..
    كان إبراهيمُ يخلَع من خُطوته كًلَّ التَّوافِه و يُبقي قَدمه على العَتَبات الثَّقيلة !
    وكان وحدَه من يستحقّ أن يُقال له ( مَرَّ وهذا الأَثَر ) .!
    يا إبراهيم .. على قدرِ نِيّتك اتَّسَعت لك الأرض فأَنتَ حاضرٌ اليومَ في صلاةِ الأمّة و في مناسِكِها و في كُلّ لحظةِ التقاء بالبيتِ العَتيق !
    لِخيرِ هذه الأمّة و خيرنا أنتَ رَحلت . و اعتَلَيتَ الصَّخرَ و بَنَيت .. و كَتمتَ الدَّمعَ و مَضَيت .. و غادَرتَ العٍراق و ما جَزِعتَ !
    و تركتَ للهِ جارية و طفلاً و ما انحَنَيتَ !
    لِخيرِنا تطاوَلَت كَفّكُ حتى اغتالَت كلّ أوثانِ الضّلال .. و رَسَمَت لنا بعدَها ميلادَ أمّةَ الهِلال ..!
    و لِخيرنا لم تنكسرَ نِصفين أمام هولِ النّار !
    لِخيرنا لم تتمزّق أمام جَفاف الخَريف .. و كنتَ كبيراً في حُزنك و في سُؤلِك و في انتظارِ الرَّبيع!
    و لِخيرِنا يا موطِنَ الخَليل .. يا بَقيَّةَ الخَليل .. ابقَوا على الرِّباط .. أبقَوا على الطّريق !

    د. كفاح أبو هنود

  5. #5

    { وليالٍ عشر } ..


    الليلة الخامسة



    { ربّنا إنّي أسكنتُ من ذُريتي بِوادٍ غَير ذي زَرعٍ عِندَ بَيتِكَ المُحرّم
    ربّنا لِيقيموا الصلّاة
    } ..
    كانَ السّاكنُ ولداً واحداً .. و كانَ الدُّعاء لِيقيموا " بواو " الجَماعة ؛ فكيفَ يتَّسِق ذلك ؟!
    كيفَ يَصِحّ أن يودِع إبراهيمُ طِفلاً ثُمَّ يَنوي بِه فِعلَ الجماعة ؟!
    الحقيقةُ أَّنهُ لم يَكن لإبراهيم ساحِلَ في ُطموحه .. إذ رأى في الرّضيع فِعلَ أمّة !
    { لِيقيموا الصلّاة } .. تُرى هل كانت تُؤرِقُكَ إقامةُ الصّلاة يا إبراهيم
    في هذا الفراغ الهائل من الصّحراء الصامتة .! بِمن سيُقيمُ إسماعيلُ الصّلاةَ .! و على أيِّ قِبلةٍ سيتّجه ؟!
    كان إبراهيمُ في دُعائِه يَنسَكبُ أنهاراً من الفَهم .. كان يُخبّىءُ مكنونَ أُمنية أن يصطَفي اللهُ إسماعيلَ لِبناءِ البَيت !
    و يُحّيي به مَواتَ الحَياة ؛ فتولدُ بِميلادِه خَيرَ أُمّة ..
    ما أبدعَ القُرآن إذ تصطَفُ الحَقائق فيه لِتُنهي عصراً كانت الأُمنياتُ فيه ضَئيلة !
    إنّهُ يقولُ لك .. ما أوهنَ الذُّريّة وما أسرع ذُبولها يومَ تكونُ { زينَةُ الحَياة الدُّنيا } .. و للزّينة مَواسم ؛ و المواسمُ لا تَدوم !
    هاهو يَقلِبُ التّاريخ و يصنع زمناً فيه معنى { إنّي نَذَرتُ لَكَ ما في بَطني مُحرراً } و مُهمّة جَليلة { ليُقيموا الصّلاة } ..
    و مَقاماً في الحَياةِ رَفيعاً { وإذ يرفعُ إبراهيمُ القَواعدَ مِن البَيتِ وإسماعيلُ } !
    { وإذ يرفعُ } بِيَدٍ تَختَزِنُ دُعاء الأبِ الصّالح ، و تتّسع لِقدرٍ إختاره اللهُ لهُ .. " وبياءِ " المُضارع حتّى كأنَّ الفِعلَ لا زالَ حيّاً ..
    سُبحان الله .. أيّ حياةٍ هذه التي لا تَموت ..!
    حتّى كأنَّ دُعاءَ إبراهيم { رَبِّ اجعلني مُقيمَ الصّلاة و من ذُريتي } .. حَفرَ في مَسامِعِ السّماء .. فَلَم يَبقى الا أن تَنهمرُ لهُ السّماء إجابةً و عَطاء !
    من يَقدِرُ أن يَنوي في الطِّفل غَير فَرح نَفسه ؟!
    من يَقدِرُ ذلك يَجمع اللهُ له في الطّفل مَدائنَ الأَفراح !
    مالِحة هي النِيّات إن لَم تَكُن للغاياتِ الجَليلة .. نَتَجرّعها و لا نكادُ نُسيغُها .!
    و ربّما نَقطِفها مَثل عُمرِ الوَردِ القَصير !
    ربّما لم يَلمس إبراهيم يَدَ الصّغير و لم يُناغِيها .. لكنَّ اللهَ خَبَّأها لهُ ساعداً شَديداً ؛ ترفعُ مَعَهُ أَعمِدةَ البَيت ..
    و يا للمُفارقةِ في التَّعبيرِ القُرآنيّ .. اذ يَصِفُ اللهُ سَريرةَ إبراهيم في إسماعيل بِقولهِ { ليقيموا الصّلاة } و في الإقامةِ مَعنى رفع البنيانِ حتّى يكتمل !
    ثُمَّ يَصفُ فِعلَ إسماعيل إذ كبر بِقوله { يرفعُ } {القَواعدَ} فَيظلُّ بِذلك { عندَ رَبِّهِ مَرضيّاً } ..
    لَكَأنَّ إبراهيمُ أرادَ من رَبّه طِفلاً لِكلّ العُصور و كلّ الدّهور .. طفلاً يَكبرُ فَتكبُرُ مَعَهُ سَنابلُ القَّمحِ و يعرِفُ كيفَ يَنشُر العَبير !
    يا إبراهيم .. في سَريرتِكَ كُنتَ تصّنعُ لَنا إيقاعاً جَديداً لا نَعرِفُ عزفَه .. و كنتَ تُعلّمنا أنّ البُطولةَ أن تتفَردَ في إيقاعِك !
    قيلَ يوماً ( عُلوّ في الحَياةِ و عُلوّ في المَمَات ) .. وانا أقولُ إنَّ عُلوَّ النِّياتِ يَنفي عن صاحِبِها المَمَات !
    ألَا تَسمعُ صَوت زَمزم كَيفَ ظَلُّ يفور.!
    ألَا تَرى البَيتَ و هُوَ يَكّتَظُّ بِالحَجيج !
    أَلا تُبصِرُ نَسلَ إسماعيل يَنساحُونَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميق !


    مَن أرادَ صَهيلَ الخُلود في الملإ الأعلى ؛ فَليَعتلي خَيلَ { كانَ أُمَّةً } .


    د.كفاح أبو هنود

  6. #6
    { وليالٍ عشر} ..


    لليلة السادسة

    { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى}!
    {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا
    تؤمر }..
    ألفُ تاريخٍ وقصة بينَ ليلةِ الإعترافِ لإسماعيلَ بِنيّةِ الذَّبح و بينَ مقام إبراهيم فَتىً بين يديّ أبيه يُناديه :
    { يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً
    } .. هل كان يَظنّ إبراهيم بنفسه أن يَذبح ابناً صالحاً يقول له {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } .!
    ما فعلها " آزر " مَعه !
    و يا للمُفارقةِ في الأقدار .. فَعَلى حين هُدّدَ ابراهيم من أبيهِ بالرَّجم ؛
    هاهو إبراهيمُ يَرجم إبليسَ الواقف عَقبةً في طريق ذَبحِ الطّفل الذي { اشتدَّ} حتى { بَلَغَ مَعهُ
    السّعي} ..
    ما الذي يَفعله اللهُ بإبراهيم ؟!
    تَتكرّر المشاهدُ في غَرابة عجيبة .. تدورُ كدوّامةٍ غامضة .. يتصبّبّ الماضي عرقاً في جسد الخليل .. يشتدُّ الخفقانُ المرّ في قَلبه .. و تتآكلُ قدميهِ من شدّة المَشي !
    تجفّ الكلمات في حَلقه .. كم مرةٍ سَعَينا من أجلِ هذا الوليد !
    كانت الأولى بين الصّفا و المروة يا ولدي كي نَنِبش لكَ الحَياة !
    و في الثّانية نَسعى بكَ بين العَقبات كي نُهيّئك للموت ..!
    هل السّعي قَدرٌ لنا !؟ هل الهِجرة و الرِّحلة و السّير حكايتنا .؟! متى سَتهدأُ الأقدامُ التي أكلَتها الطّريق !
    يا بُنيّ .. قُل لا رُيّما أعتذرُ لك بها عند ربّي ؛ و لا تقلّ يا أبتِ فثمّة موت يَعتَريني كلّما ناديتَ !
    للمرة الألف يقفُ إبراهيم أمام الإبتلاء وحيداً .. فَقبلها النّار ، و بعدها النّفي ؛ و لكنّها المرة الأولى التي تَرتفع يَدَهُ كي يرجُمَ الشّيطان حتى لا يُوقفه في مًنتصف الأمر ! .. ربّما كانت النّار أرحمُ لو عادت بها الأقدار !
    تشتعلُ فتائلُ الحُزن في الصّميم .. و تشهد له السّماء أنّ إبراهيم لم يُراوح بين نعم و لا !
    هل يَحتملُ إبراهيم صَرخة إسماعيل عند الذبح .؟
    أما كان يَكفي صُراخ الرّضيع في وَحشة المَجهول .! فلا زال نَحيبُ ألمها في السُّويداء لم يَصمِت !
    هل جرّبت أن لا يبقى بينك و بين إبنك إلا سِكّينة الذّبح .. أن لا يَبقى من عُمره إلا انهمار الدّم .. أن تَسوقه كي تَنثالَ على يَديك قطراتُ رُوحه و هي تَئِنّ ..!
    كانت يَدُ إبراهيم تُقاوم اللّجام .. و كان الإبتلاء ينثالُ عليه و يصبُّ صبّاً .. وكان ملكوتُ الله كلّه يشهدُ دويّ اللّحظة الأخيرة حين { أسلما و تَلّه للجَبين } !
    ودّت الشّمسُ لو تتوقّف عن المَسير .. و صمتَ الكونُ فقد كان الحَدث فوق طاقة الحياة .!
    انزَوَت الكائناتُ قبل أن تنكسر أُرجوحة الصّغير بِيَدٍ كانت تَفيض بالقَمح و السّلام و لم تَعرف إلا تكّسير الأصنام !
    ماذا يفعلً الله بك يا إبراهيم ؟!
    النّجمة التي اشتَهيتَها وَوهَبتَها كلَّ الدّعاء ؛ ها أنا أغمِضها للموت .. و سأُبصر دَمَها كلّ صباح في أطباق الطّعام ..!
    مابين ليلة المَنام حتى لحظة النّهاية ؛ قَطَعَ إبراهيمُ ألفَ خَطوة بألفِ تَنهيدةٍ و تَنهيدة .!
    {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً } ..
    ها أنذا أحتاجُ أن أرتّلها كثيراً .. أحتاجُ أن أُقاتل الشّيطان بكلّ حجارة الدُّنيا !
    و عند النّهاية قالت الحياة :
    ( ما ذَنبُ اليَمامة أن تَرى بِعينيها العُشّ مُحترقاً و تَجلس فوقَ الرّماد ) !

    لِلمشهدِ بقيّة .. فالمَقامات عِندَ اللهِ لا تُورَثُ.. و لكنّها تُنال بِسَبقِ القٌلوب .


    د.كفاح أبو هنود

  7. #7

    { وليالٍ عشر } ..

    الليلة السابعة




    { فَلمّا أسلَما } ..
    هذه الآية هي عَرشُ الحَكاية ..
    { فلما أسلما } .. و ارتَدَيا ثِيابَ الخُروجِ من ذَواتِهما .. و نزعا حليّ الحَياة و تَخلَّصَا كِليهِما .. فلا ألوانَ في عَينَيهِما إلا لونُ الحَقيقة .. و أيقَنا ما ثمّ إلا الله !
    ما ثمّ إلا هو كي يَقِلبَ النّار بَرداً وسَلاماً ..
    ما ثمّ إلا الله .. هي لحظةُ الإعترافِ أنَّ الأمر كلُّه لله ، و أنَّ الهَزيمة نَصيبنا إن أَفلَتنا الحَبلَ المُوصول بالله !
    كانَ اللهُ يُعلِّمُنا .. أن لا عَقل ضَرير و لا مشاعرَ مُحايدة ؛ بل إيمانٌ أبيض واضح لا مَناطق رَماديَّةَ فيه !
    تماماً كَلونِ ثياب الحَجيج .. يرى الحقيقة جليّة ما في الكون إلا الله !
    إيمانٌ يَفهمُ أنَّ المُختارين لصناعةِ الحَياة هم ضِفاف الحياة .. لذا لا بدّ أن تَغسلهم السَّماءُ فلا يَبقى فيهم شائِبة !
    { أسلَما } .. هكذا إذن اطوِ نَفسك و استَوطِن أمر الله حتّى لو كان فيه نَحيبك و صوت وَجعِك !
    { أسلَما } .. فماذا يَملِكان ؟ .. إذ لا مَفَرَّ منهُ إلا إليه !
    في هُنيهة من الزَّمن انحنى الألمُ بين يديِّ الله .. فقد كانت اللَّحظاتُ تَضيقُ و لا تَحتملُ دَمعةً أخيرة .!
    { أسلما } .. حتّى أنَّ ذاكرةً بحجم الكونِ لن تُطيق أن تَفهم كيف يستسلِم الأب للسِّكين في يدهِ تَنهَشُ رَقَبَةَ الوَليد !
    { أسلَما } .. بيقينٍ أن لا مَدَّ و لا جَزر ، و لا صيفَ و لا شِتاء ، و لا نَقصَ و لا اكتِمال إلا بِه !
    { أسلَما } .. حتّى تَراءى لَهُما أنَّ الأصوات يتيمة بلا صدى إن لم يَنفخ فيها الله .!
    و أنَّ الحَطب تهّجُره النَّارُ إن أرادَهُ اللهُ بلا معنى !
    واهمٌ من يظنُّ أن له حولاً أو قوة .. ربّما لأجلِ هذا أوصى الخَليلُ محمدا في رِحلة المِعراج أن يُعلّمنا " لا حول و لاقوة إلا بالله " !
    كم هو ثَمين أن نرى أسبابَ هَشاشَتِنا .. قيود الحَياة من مالٍ و بنينَ و جاه .. أغلال الأرض التي تعرقل صعودنا نَحوَ المَجد ..
    كم هو مُهمٌّ أن نُرمِّمَ أنقَاضَنا إذا أَردنا أن نَبنِيَ بَيتا لله !
    الأشياء الصغيرة من متاعِ الدّنيا لها جاذبيةٌ مَخفيّة قد تَسحَبُنا الى أفراحٍ كثيرة ؛ لكنّها تَزول ..! و الله كان يُريد للمُصطفين حضوراً في الكونِ لا يَغيب !
    هاهو الوقتُ في لحظةٍ من الصِّدقِ يَتوقَّفُ لا يأتي و لا يَمضي .. و في لحظة من انبثاقِ إيمانٍ لم تُجرّبه الملَائكة يُولدُ الهلال و يَكبُر و يَستدير .. تنفَتِحُ بوابة من النَّعيم .. تنفجرُ أنهارُ الجنّة بِغِناءٍ أُسطوريٍّ عَجيب .. ينطفىءُ لهيبُ السِّكّين و يُفتدى الذّبيح ! فقد وصلت لحظةُ الوعي و بَلَغَ الاثنان تَسامٍ عَجيب !
    كان اللهُ يعلمُ كل ذلك ؛ لكنّه يريدُ أن يَسمع صوت إبراهيم بالتّسليم ..
    ثمَّةَ صوت سيمنحُكَ اللهُ إيّاه يا إبراهيم سيبلُغ كل الآفاق .. سيأتونك به { مِن كلِّ فَجٍّ عَميق } .. صوتٌ لابدَّ أن يُمَتَحَن كي يَبلُغَ المقام ..
    وأنّى لكَ يا إسماعيل شَرف الدّهر إن لم تَترك لله بعض نَفسِك !
    أن تتخلّص يا إسماعيل من مَتاهَة الذّاتِ و تكّتشف أنَّ لديك قوّة يُمكن أن تُودِعَ بها نقاطَ ضَعفِكَ البشريّة .. فذاكَ نوعٌ من الإنتصارِ يَستحقُّ كَبشاً من فوق سَبعِ سماوات !
    كان اللهُ يريدُ لك زمنـاً بلا حُدود و بلا نهاية .. و يريدُ أن يُبقيكَ في التّاريخ ؛ فقد كنتَ دعاءَ أبيك .!
    و قديماً في جاهلية عمياء قِيل ( للبيتِ ربٌّ يَحمِيه ) !
    و الحقيقةُ أنَّ للبيتِ أهلٌ تَبنيه .. يَصطَفيهم حين يُبرهِنون أنَّهم قاربوا مَرحلَةَ { وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بِكلماتٍ فأتمَهُنّ } ..
    و ( لِلأقصى ) أهلٌ تَحميه و تَبنيه .. و على خُطى الخَليل و إسماعيل سَتُعليه ..

    فهذا زمنُ القَرابين المُباركة للبيوت التي ستَرتَفِعُ فلا تزول .. لو تَنتَبِهون !


    د. كفاح أبو هنود

  8. #8
    { وليالٍ عشر } ..

    الليلة الثامنة

    { رحمة الله وبركاته عليكُم أهلَ البيت }
    {أهلَ البيت } ..
    تعبيرٌ قرآنيّ يُوحي بمعانٍ مكثّفة .. لم يُذكر في القرآن إلا مرتين ؛
    الأولى .. كانت وصفاً لبيت إبراهيم - عليه السلام - و الثانية .. في نَفي الّرجس عن أهل البيت لمحمّد - عليه السلام - !
    { أهل البيت }.. أهل بيت أُسّس بُنيانه على تقوى من الله ..
    هذه هي البيوت التي كانت لا تَملك أن تقول إلا الفعل .!
    أهلُ بيت صامتة جَوارحهم .. و لِدبيب نِعالهم صدىً في الجنّة كأنّها حَفيف أوراقِ الشّجر من كَثرة سَعيِهم !
    مِن البيت يبدأ ثَمن الأحلام .. فمن النّادر أن يَجدَ رجُلاً امرأةً تَحلُم مَعه ثُمّ تُحسن أن تَحميَ الأحلام !
    امرأة يأتي معها المَطر ، و تحوّل البشرية بِفَرحٍ نَحوَ قِبلةٍ يُريدها الله لِبقيّة أعوام الحياة !
    صدّقوني .. إذا أحبَّ الله عبداً رَزقَهُ سنديانة تَحفَظه في غَيَبتِه ، ثم تحُنو عليه ، و تَخِبز معه قَمح المعركة .!
    إذ ما أَندرَ أن تجِدَ إمرأةً تَحرُس السّنابل في الحُقول المُثقلة بانتظارِ لحظةِ الحَصاد الآتية !
    امرأة تعرِفُ كيف تَنتظر في مواسمِ الحرِّ القائظة ، و تمسحُ عن الوعد حبّات العَرق !
    امرأة تَنفرِدُ إذ تُرتّل الصَّبر في العاصفة ، و تجعلُ من سُقوط المَطر لحظةَ التّوسل لمن مَلكَ الأقدار المُـغيّرة !
    ذات يوم قيل .. " وراءَ كلّ رجلٍ عظيم امرأة " ؛ و أنا أقول : " وراءَ كلِّ هِجرة جليلة إمرأة " !
    رجل و امرأة و طفل .. فقط كانوا يُشيّدون العالَم في أُمنياتهم قبل أن يُشيّدوا بَيتاً لله ..
    هناك مقاعد شاغرة تُتيحُها لك الأقدار ، و تنتظر مَن يَتربّع عليها ، و تكون عَتَبات لِـ { مقعدِ صدقٍ عند مَليكٍ مُقتدر } !
    استحقّها باقتدارِ أهل بيتٍ دون نُقصان ..
    كان إبراهيمُ - عليه السلام - يتنفّس الفِداء كلَّ يوم .. و يَمضي عُمره في ثِياب التّضحية .!
    يا هاجر .. لقد قَدّمَ حِرمانه مِنكِ و فَراغ الأيامِ إلا من الحنينِ إليكِ بين يديّ ربّه ؛ فقد كان نبيّاً في قالبَ إنسان .. وكان الله بذلك عليماً !
    كان يُصابر في عَتمة الشّوق .. علَّ العَتمة تَلِدُ ثَلاثَةَ أقمار ؛ تحقّق وعدَ النّورِ في الصّحراء ..!
    راحلان أنا وانتَ و الصّغير حتى يُولدُ الأَمل !
    يا هاجر .. ما أروع العُقود التي تُمهرها السَّماء .!
    كانت يدا هاجر خميلة عنبر ، و في حُضّنها بُلبُل .. وكان زهر النّوار يَختَبِىءُ في الرّحم التي غادَرَت ..
    هل خَطَر بِبالك أنَّ بعضَ الإبتلاء أن يُحالَ بَينك و بين من تَحملُ بِذرة الأملِ للولادات الجَميلة !!
    هل خَطر ببالك كم صابَرَ إبراهيم ؟!
    و كان يظلّ يرُدّد ( يا قلبُ أنتَ وَعدَّته ؛ فاملِك زِمام الصَّبر ) .
    ما الذي يَجعلنا مَوطِنَ نظرِ الله .. فقط أن نَنقِلَ بُيوتَنا الى حالةٍ تُمثّلُ كَلِمَةَ الله !
    فقد كانوا أهل بيتٍ شاركوا جميعاً في رفعِ أحجارِ البيت ..
    أهل البيت وَرَدت في سورة الأحزاب .. حيث ُاجتمَعَت المَعاوِل للهّدمِ ؛ فكانَ الله يُعلِّمنا أن لا شيء يَهزِمُ جيشاً جبّاراً مثل أهل بيتٍ
    يحمِلون رسالة !
    صدّقني .. نحنُ لا ننهدِمُ من الخارج أولاً ؛ بل نَنهدم من الدّاخل ، ثمّ يَسهُل إلينا الاختراق !
    قال لي .. كيف بَلغنَا كلّ هذا الحزن المُرتَسِم في ملامِح واقِعنا ؟!
    قلتُ له .. إنَّ الحِداد يبدأُ من البُيوت ، ثمّ يستمرّ في الأمّة ..
    هناك في قَوقَعَتِنا الدّاخلية .. يولَدُ كلّ حزن في الأمّة .. تماماً كما يَختَبىءُ الفَرَحُ القادم للبشريّة في عُيون صِغارنا .!


    يا هذا .. أهلُ البيت كانوا أهلاً لِبناءِ البيت .. و لن تَرتفعَ بيوتُ الله إلا باكتمالِ بُيوتنا !

    🔸د.كفاح أبو هنود 🔸

  9. #9

    { وليالٍ عشر
    } ..

    الليلة التاسعة

    واللهِ ما عُمُرك مِن أوّل يومٍ ولدت .. بَل من أوّل يوم عَرَفتَ الله!
    و أَزيد .. بل من لحظةِ اغتسالك من آثامِ حَجَبَت عَنكَ الله.!
    و قد فَقِهَ السَّلف ذلك .. فَنَقلوا لنا مِن القَصَصِ ما يُرينا الطّريق ..فقالوا
    : وقد كانَ رجل فى بَنى إسرائيل أقبَلَ على اللهِ ثُمَّ أعرَضَ عنه فقال :" يارب .. كَم أَعصيكَ ولا تُعاقبنى ؛
    فأوحى اللهُ تعالى إلى نَبى ذلكَ الزّمان أن قُل لفلان : كَم عاقبتُك ولا تشعر ؟ ألم أُسلبكَ حَلاوةَ ذِكري ولذّةَ مُناجاتي ؟! " .
    لذا .. اسمَع قَول السَّلف إذ قالوا " (فإن كانت الذنوب مُنفتحةً في وجّهِك فاستَغِث بالله ، والجأ إليه، و احثُ التُّراب على رأسِكَ وقُل : اللَّهم انقُلني من ذُلِّ المَعصِيَةِ إلى عِز الطّاعة) !
    و اذا أردت الطّريق فاسمَع ما نَقَل
    السَّلف..
    أتُريدُ أن تُجاهِدَ نَفسَك وأنت تُقوّيها بالشَّهوات حتَّى تَغلِبك ؟! ألا فَقد جَهِلتَ!
    فإذا فَعلتَ الطّاعةَ كالصَّلاةِ والقراءة ولم تَجد فيها جَمعَاً ولا تَدبُّرا ؛ فاعلَم أنَّ بِكَ مَرَضا باطِنًا من كِبرٍ أو عُجبٍ أو غَير ذلك ،
    قال تعالى { سأصرف عن آياتي الذين يَتكَّبرون في الأرضِ بِغَيرِ الحَقّ } .

    طَهِّر قَلبَكَ .. تُبسط لَكَ الفُرُش نَحوَ القُرب !



    يا ربِّ لا تَدَع شَمس عَرَفة تَغيبُ إلّا وَقد غَفَرتَ لنا خَطايانا الّتي أغلَقَت عَلينا كُلّ شَيء .

    د.كفاح أبو هنود

  10. #10
    [ رَمَضان الوَصْل ]
    🌙 الَّليلة العاشرة ..


    قال الشَّيخ سائلاً :
    هلْ بدَتْ عليك آثار الشّهر ؟!


    التصَق التِّلميذ بِثيابه ، وودّ لو تَوارى عن عين الشّيخ .. وقال :
    أنّى لي مَعرفة ذلك !
    فابتَسم له العالِم وقال :

    يا ولدي .. النّحل يَهتدي إلى الرَّحيق ..
    فرائِحة الزّهر ؛ لا تُخْطئها سِلال النَّحل .. ولو بدا أثرُ الشَّهر لَلَمحْت ذلك فالنّور إذا تلألأ لايَفنى !
    ألمْ تَعلم .. أنّ ثمرات الطّاعات عاجلاً ؛ هي بَشائر العامِلين !


    إنّ رمضان يا بنيّ .. هي ليالٍ بيضاء { مُسَلّمة لا شِيَةَ فيها } ؛ تُخبرك من شدة نورها على أيّ قارعةٍ أنت !


    هل أنت مِن أهل { يتَذبذَبون } .. أمْ أنت ممن { صدَقوا ما عَاهدوا اللهَ علَيه } !
    يا ولَدي .. مَعرفتك مَن أنتَ ؛ هي قاعِدتك التي لا تَنهدم !


    لقد كان " إبن حَزم " العالم الأندلسيّ الموسوعيّ ؛ يحصْي مَعايبه ، ويَعدُّ أخطاءه مِن الحَوْل إلى الحَوْل ؛ وكان ذلك مِن معرفته بِنفسه !


    نحنُ اليوم تُشَكّلنا ضَوضاءُ الواقِع .. تبعثرنا .. أو تهدمنا .. أو تقتل بعض مافينا ... حتّى كأنّنا مَن قيلَ فيهم ( كمْ مرّة متُّ ولم انتَبه ) !


    قُلها لِنفسك ..
    كمْ مرّة مِتُّ .. يوم أذِنتُ للعَجز أن يقطِف أحْلامي !
    كمْ مرّةٍ مِت ُّ.. يوم أهدرتُ ذاتي في سِباق ليسَت لخيلي !
    وكمْ مرّةٍ مت .. يوم استعَرتُ ريشَة غيري ؛ فرَسمتُ بها بقيّة عُمري !


    ثق إنّ لليقظةِ ضَريبه .. لكنّها أهونُ مِن رائحةِ الموتِ المُتكرِّرة !


    لذا جاءَ رمضان .. فرمضانُ في الخَلوة يبعثُك .. يوقِفك في الصّمت .. وأوّل الطّريق ياولدي ؛ الصّمت ..
    ثمْ يكشِف لك رمضان صوت أعماقِك ، ودَبيب مَلامِحك من الدّاخل !


    تُصَفّد الشّياطين فيه .. فنكتَشف أنّ عدوّنا يُمسي ويُصبح فينا !


    حذارِ يا ولدي .. أن تموتَ وأنت واهِمٌ ؛ أنَّ بعضَ الغبارِ فقطْ عَلِق بِك !


    حذارِ .. أن تموتَ دون خَلوة ؛ تحْصي فيها شُموعك .. أو ربّما عددَ انطفاءتِك !


    هذا الضّجيج البشريّ مِن حَولك ؛ يُشبه الطّوفان ..
    يَقودك مِن حيث لا تَدري ..
    ثقْ أنّهم يصنعونَ بينك وبين السّماء فَجوة .. وقدْ كان بينك وبَينها لو انتبهتَ ؛ خطوة !


    لذا يا ولدي ..
    ادفِن وُجودك في أرضِ الخُمول .. فما نبتَ ممّا لمْ يُدفن ؛ لا يتمّ نتَاجُه .. ولنْ يتمّ نَتاجه !

    إنّ شَجرة { أصلُها ثابتٌ وفَرعها في السَّماء } ؛ تكونُ لمن تجذّر طويلاً ..
    واعتكفَ على ذاته ؛ حتّى طالت قامتُه ، و قَبَض السّحاب !


    يا بنيّ ..
    اظهَر في رمضان في حِلية أسمائِه عبدا لله .. ربانيا .. ألمْ تسمع عيسى في المَهد يقول { إنّي عبدُ الله } !
    ولا تَظهر في حِلية ذاتِك ، وتُشابه الشّيطان يومَ قالَ { أنَا } !


    ولنْ تبلُغ ذلك حتّى تبلُغ أن تعرف نفسك وتبلغ معنى ؛ { ما كذبَ الفؤادُ ما رأى } ..
    فالقلبُ المصْقول ؛ تنعكس فيه الحَقائق جليّة !


    هل تَدري ..
    كمْ هو الفارق بين أن يكون همك أن تكون بين العبادِ مَرئيّاً .. وبين أن تصيرَ عِند الله مَرضيّاً ؟!


    الفرقُ .. هو بين هُوّة الضَّياع .. وقِمّة الإكتمال !


    ثِقْ يا بنيّ .. أنّ الذين يهتَدون للخَراب الذي في داخِلهم ؛ همْ مَن يَكتَمِلون ..
    ورمضانُ جاء يُخبرك .. وينهي لك مَعاذيرك ..
    ويُبقي الحَقيقة لك ناصِعة ؛ أنّ ثمّة حُطام كثير فينا !


    لا تَعتذر لنفسك .. ولا تَتشبّث بالخُيوط الواهِنة ..
    تِلك الخُيوط ؛ هي حبالُ مِشنقَتِك !


    قال التّلميذ :
    دُلّني كيف أعرِف مَقامي عنده ؟!
    قال العالم الرباني :
    إذا أَرَدْتَ أنْ تَعْرِفَ قَدْرَكَ عِنْدَهُ ؛ فانْظُرْ في ماذا يُقيمَك َ.. فهو لا يُقيم أولياءه إلا على مَدارج الوُصول !


    يا ولدي ..
    إنّ الخُذلان كلّ الخُذلان ؛ أنْ تتفرّغ من الشّواغل .. ثمَّ لا تَرحل إليه !


    وتُقلّ عوائِقك ؛ ثمّ لا تُهََرول إليه !


    قال التّلميذ :
    لكنّي فعلا مَشغول !


    قال الشّيخ :
    أنت مُزْدَحم وليس مشغول ..
    انفُض عنكَ تُراب الغِياب عنهُ ؛ وسَتسع لك الأوقات والخطوات ..
    ويَمدُّك بسعي ؛ٍ تَفهم معها المَعنى الجَليل ؛ ( وكنتُ رِجله التي يَمشي بها ) .. تباركَ في عليائه !

    قال التّلميذ :
    فما إشارة أوّل السَّير ؟

    قال الشَّيخ :
    كانَ السّلف الصّالح يقولون ؛( ما أقبلَ عبد بقلبهِ إلى الله .. إلا أقبلَ الله بقلوبِ المؤمنين إليه ؛ حتّى يرزقه وُدّهم ) ..


    وتِلك هي الإشارة ..
    فتنبّه !


    د.كفاح أبو هنود ~
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. ستفوح كفاي عطرا !!!
    بواسطة شادية مقداد في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 03-21-2016, 01:53 AM
  2. إنني مرتبكٌ
    بواسطة فادي شعار في المنتدى فرسان النثر
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 04-19-2015, 09:15 AM
  3. ملاحظات من الدكتورة /كفاح عبد المجيد رباح
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الطبي العام .
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-04-2013, 08:48 PM
  4. إنني أنا الزراد
    بواسطة يعقوب القاسمي في المنتدى فرسان النثر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-14-2010, 06:57 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •