محمد حبش : حوار غير سياسي مع بيلوسي
المصدر محمد حبش
12 / 05 / 2007
مع أنني لم أحضر منذ زمن بعيد دعوات السفارة الأمريكية التي لم تتوقف عن الوصول بانتظام لدى وصول ضيف أمريكي أو تنظيم محاضرة أو حوار أو عيد وطني، وكنت أعتبر أنَّ هذا اللون من المشاركة سيوجه رسالة خاطئة لإدارة تصرُّ على عزل سورية وتجاهلها، وكأنها تقول للناس إنَّ سورية معزولة بسبب سياساتها المتشددة، وإنَّ الشعب لا يريد ذلك وهو يتهالك على الموائد الأمريكية.



ولكنني هذه المرة كنت فرحاً باستلام الدعوة التي ستتيح لي الحوار مع السيدة الأمريكية الشجاعة "نانسي بيلوسي"، التي وقفت بكبرياء في مواجهة الإدارة الأمريكية، ورفضت اختصار الحضارة الأمريكية بالجيوش والمدمرات والفرقاطات والبساطير، وهو المعنى الذي أكده السناتور "هاري ريد" بقوله: إنَّ سياسة الرئيس بوش جعلت صورتنا في العالم على هيئة رعاة البقر (الكاوبوي).

ومن وجهة نظري فإنَّ السيدة الأمريكية وصلت في المقام الأول إلى دمشق لتصحِّح صورة الأمريكي الذي هو أيضاً جزء من الحضارة الإنسانية، وأنَّ الأمريكيين ليسوا فقط بوش ورامسفيلد وبيرل وولفوفيتز ونغروبونتي وأبي زيد، بل هم أيضاً ابراهام لينكولن وتوماس جيفرسون وجيمي كارتر، ولهم أيضاً قلوب ومشاعر وأحاسيس.

على كل حال فقد تمكنت من دفع الحوار مع السيدة بيلوسي باتجاه غير سياسي، وبعيداً عن خطايا أمريكا في العراق ومخازيها في فلسطين، قلت للسيدة الشجاعة: ما الذي أثار إعجابك في دمشق، قالت وهي لا تكتم دهشتها: لقد زرت اليوم المسجد الأموي وأدهشني أنني زرت داخل المسجد الإسلامي قبراً لقديس مسيحي كبير هو يوحنا المعمدان، ورأيت بأمِّ عيني أنَّ القديس المسيحي محلُّ تقدير كبير من المسلمين والمسيحيين على السواء في حرم المسجد.

عادت بي الذاكرة إلى الكلمة نفسها وقد حدثني إياها الرئيس الماليزي "مهاتير محمد" حين كنا في زيارته في بوتراجايا بماليزيا، وقال بإعجاب: لديكم في سورية شيء مدهش، لقد زرت نبياً مسيحياً داخل مسجد إسلامي إنه شيء يحصل فقط في سورية، إنَّ بلادي لا يمكن على الإطلاق أن تشاهد فيها قديساً بوذياً في معبد هندوسي ولا قديساً هندوسياُ في معبد مسيحي ولا يوجد في المساجد على الإطلاق ضريح لقديس مسيحي ولا يهودي، فما هو سر هذا التسامح في بلدكم سورية؟

قالت لي السيدة بيلوسي: لا يحتاج موقف كهذا لأدنى تفسير فهو واضح تماماً، إنَّ روح التسامح في سورية ناضجة بحيث تتجاور الأديان في الأرض، وتتقابل في السماء.

قلت للسيدة بيلوسي: وإذا ساعدك الوقت فبإمكاني أن أرتب لك زيارة أخرى لا تقل دهشة عن هذا وبإمكانك أن تزوري قديساً إسلامياً في معبد مسيحي، على مدخل معرة النعمان، وفي الدير الشرقي يمكنك أن تزوري قبر الخليفة الراشدي الكبير عمر بن عبد العزيز الذي دفن في دير شرقي (دير سمعان) ولا يزال إلى اليوم تحت قبة الدير يزوره مسلمون ومسيحيون، في عبق صوفي نادر، تذوب عنده الفوارق، وتشتعل الأشواق.

وما من نبي ولا من ولي على الحق إلا له مسلكه

شعاب يسير بها العارفون وكل له مركب يركبه

وفي شاطئ الحق هم يلتقون على مركب واحد يدركه

إنه شيء يحصل فقط في سورية.



آخر تحديث ( 12 / 05 / 2007 )
جريدة بلدنا