منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 7 من 7
  1. #1

    السيقان المعوجة

    السيقان المعوجة

    في القديم غير البعيد، كانت النساء يربطن ساقي المولود بلفافة قوية من الأقمشة حتى يبقيا مستقيمين، وقد انسحبت تلك المعرفة على ربط مفاصل صغار الخيل والحمير، حتى تبقى قوائمها مستقيمة وغير معوجة. كما أنه يلاحظ أن تلك التقنية تنتشر عند مزارعي البساتين، فمن المألوف أن يلاحظ من يمر بجانب بستان حديث الزراعة، أن المزارعين قد ربطوا شتلات الأشجار بعصا تستند إليها الشتلة حتى تبقى مستقيمة.

    النساء في الوقت الحاضر، عهدن بتهيئة الطفل المولود الى ممرضات المستشفيات العامة والخاصة، وفي كلتا الحالتين لا تهتم الممرضات بتقنيات ربط سيقان المواليد.

    ليس هذا بمهم في موضوعنا، لكن المهم هو التأسيس التربوي للنشء الجديد على تحديد شكل أعداءه وهوياتهم، وكيفية الاستعداد لمواجهتهم.

    في الماضي القريب، كان صمت الوالدين الذي يعززه الجهل بمعرفة الأمور، أكثر نفعا من ثرثرة الوالدين الذين يزعمون المعرفة. فصمت السابقين يبقي حالة التعايش بين الجيران والمواطنين في حالة أكثر سلما من تلك التي نعيشها في أيامنا. كان الآخر (العدو) عند قليلي المعرفة أكثر خطرا من الآخر (المُنتخب) عند من يزعمون المعرفة.

    وتعتبر تجربة انتخابات اتحادات الطلبة في الجامعات العربية مثالا قويا على ما انحدرت إليه معالم التربية الوطنية. فبينما كان الطلاب في الستينات والسبعينات من القرن الماضي يمضون عشرات الساعات في مناقشة شعار المؤتمر السنوي لاتحادهم، حيث كان الشعار المكون من كلمات قليلة يلخص نظرة ذلك النشء عن الديمقراطية والسياسة والوضع الاجتماعي، أصبحت مناسبات الانتخابات الطلابية اليوم مثارا للسخرية.

    (1)

    جاء الطلبة يجوبون الشوارع المحيطة بالجامعة بسياراتهم التي أطلوا رؤوسهم من نوافذها، يهتفون: (عليهم .. عليهم .. عليهم)، وكانوا يلبسون ألبسة تدلل على هويتهم الضيقة. وبعد قليل تبعتهم سيارات فريق آخر يلبسون ملابس مختلفة ويركبون سيارات مشابهة ويهتفون هتافات مشابهة (عليهم .. عليهم .. عليهم).

    تساءل وهو يرى تلك التظاهرات الصبيانية: (عليهم؟ على من؟) ماذا حل بهؤلاء الطلبة؟ هل انحدر المستوى الفكري والسياسي في الجامعات ليصل الى هذا المستوى؟ ألا يدرك هؤلاء أن أمثالهم (قبل عقود) كانوا قد غيروا من سياسات دول وألغوا معاهدات؟ كحلف بغداد مثلا؟

    عاد وتأمل الظاهرة بينه وبين نفسه بهدوء أكثر، كان الآخر في الماضي أكثر وضوحا من الآخر في أيامنا الحاضرة، فكان الوطنيون (القوميون، أو الماركسيون، أو الإسلاميون) يصطفون ضد آخر واحد، رغم محدودية المعلومات عن ذلك الآخر، أما اليوم، وبالرغم من سعة المعلومات عن الآخر، فإن الهمم قد تراخت في الاصطفاف للإيقاع به، وربما يكون لبعده عن مدى (الرؤية) أو لاختفائه وراء (سواتر) تحول دون (التنشين : أي التصويب) عليه، فاخترع هؤلاء الطلبة من بينهم آخرا أكثر قربا وأكثر وضوحا وأسهل نتيجة!

    (2)

    كان أحدهم يضع (عصبة) على رأسه ملونة بلون أخضر، ومكتوب عليها شعارا يبشر بسعادة الأمة إذا ما اتبعوه! فعندما سُئل: من هو آخرُك الذي تستنفر أنت و(ربعك) ضده؟ أجاب: إنهم أولئك الذين لا يقرون بنهجنا!

    وعندما سُئل آخرٌ كان يضع (يشماغا) بلون معين على رأسه: من هو الآخر الذي تسعى لإسقاطه؟ أجاب: إنهم أبناء الإقليم (الفلاني) الذين يريدون الاستحواذ على مراكز قيادتنا.

    وعندما سُئل آخرٌ، انتهى لتوه من تقديم وجبات الغداء وتوزيع الحلوى، وقد عمل منها الكثير خلال أسابيع لحشد الأنصار حوله، أجاب: المهم أن ينجح أبناء مدينتي ولا أهتم بماذا يفكر هذا أو ذاك!

    عكف راجعا، يلوم نفسه وأبناء جيله، يقول لنفسه: نحن من زرعنا التيه في نفوس هذا الجيل ونحن من جعلناه يبحث عن آخرٍ أكثر وضوحا من الآخر الذي لم نستطع إيضاح شكله لأبنائنا.

    ثم قال: لم ننسَ أن نربط سيقانهم، ومع ذلك ظهر الاعوجاج على تلك السيقان. صمت قليلا وأضاف: ربما ربطناها وهي معوجة فتصلبت مفاصلها وبقيت معوجة.


  2. #2
    السلام عليكم
    المقارنة بين شد عود الوليد وفكر طلاب الجامعات مقارنة قوية...وحتى قديما كانت الجامعات مقر الثورات فهل كانت مقر التطورات العلمية؟
    مازلنا نعاني قصورا فادحا
    سلمت لنا ورعاك الله
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    خاطرة ذات هموم تربوية


    وأفكار عميقة ناقشتها بخاطرتك

    تحيتي لك

    ظيمان غدير

  4. #4
    محامي وأديب
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    سوريا - حمص
    المشاركات
    325
    ما أروعكَ من أديبٍ ومُفكِّر
    تنفضُ غُبار العاداتِ السلبية الدخيلة
    المتراكمة على صفحات أصالتنا العربية والاسلامية
    هذه الأصالة الجريحة 00
    التي احتضرت أو كادت أن تحتضر
    كيف لا وقد أثخنتها طعنات هذا الزمن المترديّ أخلاقياً
    ***
    لكَ حبي وتقديري أيها الأديب المُبدع
    أخي وأستاذي 00 الأستاذ عبد الغفور الخطيب
    ودُمتَ بحفظ الله ورعايته
    ربِّ اشرَح لي صدري * ويسِّر لي أمري * واحْلُلْ عقدةً من لساني * يفقهوا قولي


    http://i459.photobucket.com/albums/q...5/b7b1d37b.gif

  5. #5
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم
    المقارنة بين شد عود الوليد وفكر طلاب الجامعات مقارنة قوية...وحتى قديما كانت الجامعات مقر الثورات فهل كانت مقر التطورات العلمية؟
    مازلنا نعاني قصورا فادحا
    سلمت لنا ورعاك الله

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    العلوم أستاذتنا الفاضلة.. هي العلوم، أينما وجدت ووقتما وجدت، فطلائع اكتشاف العلوم
    يتمتعون بكونهم أول من اكتشف تلك النظريات والقوانين، ثم لا تلبث أن تصبح العلوم
    عمومية يتناقلها أبناء البشرية من الشرق الى الغرب، ولا يعود هناك فخر لصيني أو
    هندي أو عربي بأن أجداده هم أول من اكتشف كذا من العلوم.

    والعلوم والمعرفة وجزئياتها كالعضلات، طالما أنها تتحرك وتعمل فستبرز وتقوى
    وهكذا تبدو عضلات المصارع والرياضي والحداد الذين يواظبون على استعمال عضلاتهم
    في حين تضمر عضلات الساعاتي والمعتكف وراء جهاز كمبيوتر.

    من هنا، فإن العلوم التي درستها أو تدرسها جامعاتنا، هي نفس العلوم التي تدرس في
    أرقى جامعات العالم، لكن انقطاعها عن التواصل بالفعل الإجرائي هو ما يجعلها تبدو وكأنها
    متخلفة عن نظيراتها بالعالم

    أشكركم أختنا الفاضلة

  6. #6
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ظميان غدير مشاهدة المشاركة
    خاطرة ذات هموم تربوية


    وأفكار عميقة ناقشتها بخاطرتك

    تحيتي لك

    ظيمان غدير
    عندما كانت وزارات المعارف في بلادنا تقدم التربية
    على التعليم، كدنا أن نضع أقدامنا على طريق التطور
    ولكن عندما ارتبكت استراتيجيات تلك الوزارات حيث
    كانت كل دولة يحدث بها تغيير سياسي، سرعان ما
    يتبعه تغيير في أداء وأصول التربية والتعليم.

    حينها ضيعنا (المشيتين) كما يقول المثل المضروب
    للغراب الذي أراد تقليد البطة

    احترامي و تقديري أستاذنا ظميان غدير

  7. #7
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الأخطل الحمصي مشاهدة المشاركة
    ما أروعكَ من أديبٍ ومُفكِّر

    تنفضُ غُبار العاداتِ السلبية الدخيلة
    المتراكمة على صفحات أصالتنا العربية والاسلامية
    هذه الأصالة الجريحة 00
    التي احتضرت أو كادت أن تحتضر
    كيف لا وقد أثخنتها طعنات هذا الزمن المترديّ أخلاقياً
    ***
    لكَ حبي وتقديري أيها الأديب المُبدع
    أخي وأستاذي 00 الأستاذ عبد الغفور الخطيب

    ودُمتَ بحفظ الله ورعايته

    كُنت أود أن لا أكتب شيئا بعد ما كتبتم أستاذنا الأخطل الحمصي

    لتبقى كلماتكم نيشاناً ختاميا يزيد من الشعور بقرارة النفس
    كيف لا، وإن كانت تلك الشهادة مبعثا للافتخار من منشأها
    القومي

    وصادرة من عقل حصيف ويملك الأهلية التي يُعتز بشهادتها

    كل الاحترام والتقدير لشخصكم الكريم

المواضيع المتشابهه

  1. أضف إلى ثروتك اللغوية
    بواسطة أسامه الحموي في المنتدى فرسان التصويب
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-07-2021, 12:19 PM
  2. الفروق اللغوية بين جلس وقعد!!
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان التصويب
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-31-2011, 02:56 PM
  3. الأرجل المعوجة
    بواسطة فتحي العابد في المنتدى حكايا وعبر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-04-2010, 09:31 AM
  4. الفلسفة اللغوية
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان اللغة العربية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-08-2007, 03:44 AM
  5. المقامة اللغوية
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان اللغة العربية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-03-2006, 08:06 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •