الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعدبسم الله الرحمن الرحيم
بعد الملحمة الأخيرة التي شاهدنا فصولها على أرض فلسطين الحبيبة حيث رأينا التاريخ يكتب من جديد وذلك بعد نفضنا غبار الذل والهوان الذي كسا جسد هذه الأمة من سنين متطاولة.
كنا نجد حروبا كثيرة ولكن كانت عاقبة هذه الحروب الهزيمة المتكررة لكن بعد هذا النصر تذكرت كلمة فيلسوف الإسلام محمد إقبال وهو يصور حال المسلم في هذا العصر الذي تكالبت فيه أمم الأرض على الإسلام والمسلمين.
قال محمد إقبال رحمه الله شأن المسلم في هذا العصر شأن الأسد الذي ربي بين النعاج فظن الأسد نفسه نعجة وكان يؤذى كثيرا ولكنه ما كان يصدر عنه إلا الاستكانة والخضوع ومرة تكاثرت النعاج على الأسد حتى ضاق ذرعا بهذه النعاج فما كان منه إلا أن زئر بصوت عال وإذ بالنعاج تتفرق من حوله خائفة مذعورة فعلم الأسد أنه أسد وليس بنعجة قال إقبال: وأنت أيها المسلم ما عليك إلا أن تزأر وتسمعهم صوتك.
ذكرتني ملحمة غزة ما قال محمد إقبال فقلت لنفسي آن الأوان لأن تصحو هذه الأمة من غفوتها لتقرأ التاريخ من جديد قراءة المتأمل الواعي الذي يحلل ويستنتج ثم يتحول ذلك إلى واقع ملموس في حياته.
آن لهذه الأمة أن تعلم أن الشعار الذي أطلقه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب من خمسة عشر قرنا لم يتغير ولم يتبدل ونحن نعلم كلمته المشهورة: ((نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله)).
رأينا ذلك واقعا ملموسا في جنوب لبنان ورأيناه مجددا في غزة الشيء الذي يجعلنا نعيد النظر في كل أمور حياتنا لنعيد بنائها بناء صحيحا وجديدا نعيد النظر في اللبنة الأولى التي عليها مدار مجتمعنا الإسلامي وهي الأسرة والمقصود من الأسرة هو تربية الأولاد وتنشئتهم تلك التنشئة الإيمانية نعلم فيها الولد حب الله ورسوله ونعلمه حب وطنه وأن حفاظه على وطنه جزء لا يتجزأ من حبه لدينه.
نتعلم من غزة تلك الدروس العظيمة وأهم تلك الدروس أن الإيمان يحرك الجبال فليس العبرة بالسلاح إن العبرة بمن يحمل السلاح وليس العبرة بالعدد والعدد إنما العبرة تكون في الإيمان الذي وقر في القلب وصدقه العمل.
هذه الدروس التي ينبغي أن يتعلمها أبناؤنا لكي يتربوا على حبها ولا يكون ذلك إلا بعد أن يتعلموا من رسول الله العقيدة الصحيحة التي تربطهم بالله تبارك وتعالى وهذا ما نشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه الصحابة وهم صغار واسمع هذه الوصية التي لم يسمع الكثير من الكبار يا غلام احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله).
بعد هذه الوصية يصبح الصغار كبارا لأنهم تعلموا معالي الأمور وتركوا سفسافها فأصبحت همهم عالية وأهدافهم سامية خذ مثالا على ذلك زيد بن ثابت الذي أتت به أمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كي يذهب معه إلى الجهاد فيكون في عداد المقاتلين لكن رسول الله رده كما رد الكثيرين من أمثاله من الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة.
فرجع مع أمه باكيا ورجعت الأم حزينة ترى تحزن علي أي شي رسول الله يمنع عن ولدها الموت لكن الذي تذوق حلاوة الإيمان وتعرف على الله ولو كان صغيرا فإنه يعلم الدنيا الشجاعة والرجولة.
يرجع زيد إلى رسول الله راجيا أن يستخدمه رسول الله في شيء يقربه من الله سبحانه وتعالى فوجهه رسول الله إلى تعلم العبرية وقال له من تعلم لغة قوم أمن مكرهم فتعلم زيد العبرية قبل في أيام وقيل في أشهر وصار بعد ذلك مترجم رسول الله في الكتب التي كانت ترد على رسول الله من اليهود أو توجه إليهم .
هذه النماذج التي كانت موجودة على عهد رسول الله والتي رأينا أمثالها في غزة وأمة الإسلام ما زالت بخير ما علمت أولادها حب الله ورسوله ونشئتهم على القرآن والسنة لذلك مزيدا من الاهتمام بهذا الجيل إن أردنا العزة والكرامة والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.
الشيخ خضر شحرور