حكايات الدفء والتوت والكلاب
بقلم محمد نديم علي






لا تخفْ فالعباءة كثيفة الشعر، سميكة الملمس يعمك دفؤها ويشعرك بالأمان.
( أجابها : أشك في ذلك)
***********
ينشق قلبك فرحا لذيذا، وينبثق صدرك آمالا حلوة، حين تشق رأس المحراث قلب الأرض، عصافير تجوب الفضاء، وطيور ناصعة البياض تتبع المحراث ولا تجئ إلا في هذا الموعد، رائحة الطين حين يلثمه الماء تعبق بها الآفاق التي تضم النجوع الطيبة.
***********
لحظة محفورة في جعبة ذاكرته، ممسكا بكتابه قبيل قليل من امتحان صعب، يراجع درسه العصي :
(أسباب الحملة على وطنه – ودواعي المقاومة)
عيونها تغازله بين السطور، ورغيف نزق يراوح بين كفيها وبين فوهة التنور وسلة عامرة بما هوحميمي دافئ وحقيقي صادق ، ألقت إليه واحدا ، لسعته حرارته فوقع منه أرضا ، ضحكت . ثناياها الفرِحة تشعل حماسته للمقاومة.
***********
لذيذ هو التوت... فليترجل قليلا عن كتابه.... وليمتطي صهوة ما هو آت.
(كم يحلم بالوصول إلي ذراها كي يغفو بين أغصانها على رحيق لذيذ.)
الشجرة وارفة... لكن تحتها كلاب مسعورة.
***********
(لا تخش شيئا -- سيشملنا دفء عباءته جميعا --- أقول لك لا تخش شيئا.)
(أشك في ذلك )
***********
(البرد يتسلل بين خروق العباءة ، والريح أذنت بالقدوم)
يا للتوتة الحبيبة ...هل ضمرت فيها ثمارها؟
أم أن الكلاب تحتها تكاثرعددها وزاد ضجيج نباحها؟
***********
حين تغفو الحرب قليلا .... يدور الشاي في خندق للجنود ،.....
( تزهوالحكايات، ويحلو السمر : ويأتي على وجه الصحاف الوطن)
(الشاي في سُكـره وطن، في مرارته وطن ، في تلألئ حمرته وجوه نحبها وسويعات اختلسناها تحت توتة ناصعة الخضرة في باحة البيت الكبير. يومها كان صوت الكلاب بعيدا .. بعيدا.. نسترق إليه السمع ونحن في أمان. نضحك كالأطفال ويشاغب بعضنا بعضا ثم نغفو. كيف ومتى ؟ لا ندري)
(قريب هو النباح الآن.... قريب .... يصم الأذان ...ومع كل نبحة كلب دنيء، تسقط قنبلة جديدة ،وتنكسر معها قلوب ، وأحلام ،وأكواب شاي دافئة.)
( أدمنتُ الشعر وقراءة الحكايات القديمة ،وأدمنت هي الإعلانات المبهرة)
***********
ألم أخبركِ ؟
(ها هي العباءة تزداد خروقها، وتتسع فجواتها، وتنبت في ملمسها الناعم حقول الشوك.)
(نباح الكلاب صار أكثر شراسة.)
لم تعد عيناها تغازله بين حروف الكتاب، ولا الطيور الناصعة البياض أتت لتتبع المحراث الذي اختفى، ولم يعد بين كفيها رغيف دافئ، هل أخلف القمح موعده في الموسم الجديد؟
وفي باحة البيت الذي كان كبيرا، كانت الكلاب تمرح بين عظام نخرة.
وتحت التوتة الممصوصة العروق ، كانت الريح تتلاعب بأوراق مصفرة من كتاب للحكايات القديمة.