الفصل الثالث من فصول رواية (( الأخطل على شفا شفرة ))
معتقل الزوجية
كانت في ربيعها الخامس عشر ..... جميلة ..... ساحرة .... براءتها تختزن عمقاً من حكمةِ ابنة التسعين من العمر
إنها شقيقة صديقه إبراهيم الذي تعرَّف إليه منذ حوالي الشهرين ، حين التحق بخدمة العلم و التقى به في نفس الوحدة العسكرية التي أمضى فيها خدمته الإلزامية .
- لم يتخذ قراراً ليحبها، فالحب لا يأتي بقرار وإنما هو القرار بذاته ، إنه قرار القدر الملزم الذي لايُرَدّ ، هذا القرار الذي لم يسعَ إليه الأخطل ولكنه ؟!!
سحرت كيانه منذ اللحظة الأولى .... فهل هذا هو الحب ....؟! إن كان ذلك فقد أَحَبَّها ... أَحَبَّها.. أَحَبَّها .
طلب منه صديقه إبراهيم أن يساعدها في مادة الرياضيات لعلمه بتفوق الأخطل في جميع المواد ، أمام هذا الطلب استفاق داخل الأخطل أخطلان :
- الأخطل المحب : لا تتردد فتفوت فرصة اللقاء .... لا تكذب إنك تحبها .... وربما هي أحبتك .
- الأخطل الصديق : ولكن في ذلك خيانة لصديقي الذي ما كان ليطلب لولا ثقته بي .
ومع ذلك فقد لبى الأخطل ، وبغير إرادة منه سافر في عيون تلك الطفلة الجميلة . ولكن إلى أين .... ؟ أجاب على ذلك بقصيدة خطها على كتابها المدرسي ، قال فيها :
أيَّ طفلٍ أنتِ !!
أيَّ دربٍ ليسِ محدودُ النهاية !!
لم أَكُنْ أعلمُ أني بعيونِ الطفلةِ الهيفاءِ مُرتكباً جِنايةْ .
خلتُ أني انتهيتْ
وانْتَزَعْتُ العُشْقَ من قلبي وتُبْتْ
لمْ أَكَدْ ألمحُ ثغرَكِ حتى 00
صرخَ القلبُ مسروراً ونادى :
أقْتَرِبْ أنتَ في بدءِ البداية .
فابتدأتُ الرحلةَ أرجو
أن أنال الحبَّ منكِ وأغدو
صانعاً من عشقَكِ أسمى حضارة .
فتعالي 00
فتعالي كي نُعدَّ الحبًّ أو يخبو انتصاره
أنتِ يا قلبي خمورٌ
أَسْكَرَتْ مِنِّي الثَّمالة .
أحسَّ نظراتها البريئة تهزُّ كيانه بخجل 00 لم تكن نظراتها تلك بمثابة إعلانٍ للحبّ وإنما كانت تأكيداً لما لم تكن متأكدة منه 00 أجل فقد تيقَّنت من حبه وحسبها هذا من زادٍ لم تذقه من قبل .
اختلس الأخطل نظرة من عينيها فراحت أصابعه تخطُّ على الصفحة الأخرى من كتابها المدرسي :
أصارعُ الحبَّ في عينيكِ أنتصـــرُ 00 أغالبُ المـوتَ إن أودى بيَ القــــدرُ
أصارعُ الحبَّ في عينيكِ أنتصـــرُ 00 وأحفظُ العـهدَ منكِ إنْ هُـــــمُ غدروا
يا طفلةً أودعَتْ في القلبِ معضلةً 00 عصـــماءَ بالوخز كانتْ دونها الإبرُ
أُحِبُّكِ . هل في الحبِّ تكــفيرٌ؟ لما 00 أتَتُ به الرُّسْلُ أو سـنَّتْ به البشـــرُ
مُدّي إليَّ أكفاً كي أُصــــــــــافِحَها 00 فأقســـــمُ : لنْ يُدركَنا الغَمُّ َوالكَــدَرُ
لم يجدا ما يستدعي البوح والمصارحة بهذا الحبّ ، وإنما هنالك ما يستوجب مناقشته واتخاذ قرار بشأنه .
- سأصارح أخاك بالأمر وأطلب يدك منه ، وينبغي ألا نلتقي حتى يكتب النصيب .
- أتظن الأمر بهذه البساطة ؟!
كان الأخطل يدرك أنَّ الأمر ليس بهذه البساطة ولكن لابدَّ مما ليس منه بدّ
- نحن أصدقاء أليس كذلك يا أخي إبراهيم ؟
- ما لزوم هذا السؤال ياأخطل !!
- لأنني أحببت شقيقتك وأتشرف بطلب يدها منك
كانت هذه المصارحة بدون مقدمات كالصاعقة بالنسبة لابراهيم00 هي شقيقته حقاً ولكنه يراها كابنة له 00 فقد ضحى بمستقبله من أجله شقيقها وشقيقتها الأصغر 00 فترك الدراسة رغم تفوقه ليلتحق متطوعاً في القوات المسلحة آملاً أن يتمكن من إعالتهم و تمكينهم من متابعة الدراسة والتحصيل العلمي 00 وذلك بعد أن أُقعد والده نتيجة حادث سير تعرض له خلال عمله في لبنان ووفاة والدته في لبنان أيضاً وفي ظروف غامضة 00 جلَّ ما علموه في هذا الخصوص أنها سافرت إلى لبنان لتكون بجانب زوجها في المشفى التي أسعف إليها 00 ثم قتلت في أحداث الحرب الأهلية اللبنانية
انتفض إبراهيم كما لو أصابه مسَّ من الجنون 00 فراح يؤنب صديقه رغم قناعته بانتفاء مستوجبات التأنيب 0
لم يعد أمام الأخطل فرصة للقاء حبيبته لكنْ لم تنعدم فرص التواصل 00 إنه قلمه الذي أخصب عشرات القصائد والخواطر عبر مجلة ثقافية محلية كانت حبيبته تشتريها فتقرؤها وتضمُّها إلى صدرها لتستشعر دفء خلجاته وعواطفه فتبثُّ إليه بذات العواطف وربما زادت بأحسن منها .
علم إبراهيم بالأمر وأدرك أنَّه مهما أشاد من سدودٍ بين شقيقته وصديقه فلن تدرأ هذه السدود طوفان حبهما .
اجتمع مع أخواله الذين رَعوه بدورهم كما لو كان ابنهم 00 قرر الجميع لقاء الأخطل ومناقشة الأمر معه 00 لم يحملوا معهم خيارات كثيرة 00 وإنما هو خيار وحيد بالنسبة لهم ومقتضاه أن لا تلاقي بين الحبيبين .
سأل الخال الأكبر كما لو كان يترافع أمام محكمة ويستجوب الأخطل كشاهد زور 00 لمَ لا وهو المحامي الذي تشهد له المحاكم بحنكته ودهائه :
- ألا يحق لنا أيها الأخطل أن نطمئن عل مستقبل ابنة أختنا فيما لو تمَّ النصيب ؟؟
- لا أنكر عليكم هذا الحق .
- إذاً ألديك وظيفة أو مهنة ما ؟؟
- في الوقت الحاضر لا 00 ولكن أنتم تعلمون أنني أدرس في كلية الحقوق وأخدم العلم في نفس الوقت كون دراسة القانون دراسة نظرية ولا تستوجب الالتزام بحضور المحاضرات وسأتخرَّج بإذن الله وأمارس مهنة المحاماة :
- ألديك منزل أو شقة تسكنها ؟
- لا أملك بلاطة في شارع وكلّ ما أملكه أخلاقي ولا أظنكم تشكون بمكارم أخلاقي ! وإلا لماذا فبلتم صداقتي ؟!
- قبولك صديقاً لا يفترض قبولك صهراً
- إذاً أنتم ترفضوني بالصفة الثانية ؟
- بل من الآن فصاعداً نرفضك صديقاً وصهراً 00 وننصحك بأن تنسَ الأمر وإلا ستجد منا ما لا تتمناه .
- تهديدٌ ووعيد ؟! لن أردّ عليكم بالمثل 00 ولكن دعوني ألفت انتباهكم الى أني لا أخشى أحداً ولا أحسد أحداً 00 وحسبي هاتين المكرمتين التين سأقدمهما لكم شعراً لعلكم تتذكرون :
مَنْ كانَ بالنـــيرانِ مُحْتَرِقَ اليدِ 00 لا تَشْكُ لِلْغَيْرِ حَرَّ الشَّمـــسِ كفّاهُ
ولايَحْسُدٍ الغَيْرَ في عيشِهِ الرَّغْدِ 00 مَنْ كانَ في جنَّةِ الرِّضوانِ مأواهُ
وتمضي الأيام ويظن الحبيبان أن لا تلاقيا 00 ولكن وقبل مضي الأشهر الخمسة كان لابدَّ مما ليس منه بدّ00
أجل لقد حلّ وقت نفاذ أمر القدر 00 فالتقى الخال بالأخطل 00 وبدون مقدمات قدم له ورقةًً لم يكن الأخطل بحاجة لأن يقرأها 00 لأنها كانت مسودة خاطرة كتبها لحبيبته ونشرت في مجلة الثقافة الأسبوعية وقد بثَّ الأخطل فيها ما أمكنه من لواعج قلبه .
ومع ذلك فقد قرأها الأخطل بصوتٍ عالٍ على مسمعِ الخال الذي لم يخفِ إعجابه بها 00 فقال ممازحاً : لقد خدعت ابنة أختي بقصائدك وخواطرك
وما إن انتهى الأخطل من قراءة الخاطرة تلك حتى قدَّم له الخال ورقةً أخرى وطلب منه قراءتها 00 هذه الورقة التي حفظ الأخطل مضمونها عن ظهر قلب كانت بخطِّ حبيبته وقد ضمنتها بعضاً من مشاعرها حياله .
مدّ الخال يده للأخطل 00 تعانقا 00 لم ينتظر أحدٌ اعتذار الآخر 00لأنَّ أحداً لم يخطيء .
- مبارك عليك أيها الصديق الصهر 00قبلنا قصائدك وخواطرك مهراً لابنة شقيقتنا التي أحببت 00 ولتكن قوافيك مصاغاً تتجمَّلُ به 00 وفقكما الله وبالرفاه والبنين .
بقلمي : المحامي منير العباس
(الأخطل الحمصي)