المصالحة ووعد الجنة/ مصطفى إبراهيم
16/11/2017


يقول شاعرنا العظيم محمود درويش، غزة تعادل تاريخ أمة لأنها أشد قبحاً في عيون الأعداء، وفقراً وبؤساً وشراسة. القضية لا تتعلق بقطاع غزة وحده على رغم محاولة تهشيم غزة، وتغييبها وعدم إدراك حقيقة أن الشعب الفلسطيني يرزح تحت الإحتلال وأن الفلسطينيين يعيشوا مرحلة تحرر وطني، ويبدو إتمام المصالحة كأنها وعد بالجنة لن يتحقق.


الضجيج الإعلامي الذي يثار هذه الأيام وعدم الإيفاء بالوعود وعدم القدرة على فتح معبر رفح والتحجج بعدم الجهوزية والإستعداد. وعدم التراجع عن الإجراءات التي اتخذت بذريعة إستعادة الوحدة الوطنية وتمكين الحكومة من العمل في قطاع غزة، والتصريحات والشروط المتكررة والتمسك بمقولة قانون واحد وسلاح واحد وانه غير مستعجل.
حمى التصريحات وإستباق ذهاب وفد الفصائل الى القاهرة لبحث الملفات العالقة في اتفاق 2011 في القاهرة، وحول عدم تنفيذ ما تم الإتفاق عليه في القاهرة الشهر الماضي. ووجوب تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة خلفا لحكومة التوافق، وعدم الجاهزية لفتح معبر رفح بددت التفاؤل الذي أبداه طرفي الإنقسام حركتي فتح وحماس بعد التوقيع على الاتفاق الشهر الماضي في القاهرة.
ما سبقه من بث الأمل في نفوس الناس وعدم مطالبتهم باعتراف المتخاصمين بالمسؤولية التاريخية والأخلاقية والقانونية عما وصلت إليه القضية الوطنية الفلسطينية جراء الانقسام وتدميره النسيج الاجتماعي. ولم تعد الأولوية للاعتراف بالمسؤولية التاريخية من قبل طرفي الانقسام وعدم تبرأة أنفسهما من السبب في الانقسام وتبعاته، والجدية في الوفاق القائم على الشراكة.
الحديث عن المصالحة في ظل استمرار الإحتلال والعدوان والحصار أصبح كمن يحلم في الجنة وهو لم يعبد الله، وبدلا من العمل الفوري على إعادة الاعتبار للقضية واستعادة الوحدة لتعزيز عوامل صمود وقوة الناس لاستمرارهم في الكفاح والنضال على طريق نيل حقوقهم الوطنية في الحرية والاستقلال والعودة.
يتم تبديد الأمل في نفوس الناس وعدم الإيفاء بالوعود وحل مشكلات الفلسطينيين في قطاع غزة، وهي بالجملة حصار وتهديد بعدوان جديد ومعابر مغلقة ومياه غير صالحة للاستخدام الآدمي، وكهرباء مقطوعة وبطالة دائمة وفقر تحت خط الفقر، والناس تحلم بالمصالحة وأنها القادمة سوف تجل مشكلاتهم.
لا مجال للتأتأة ولم نفقد الأمل وسنوات الحصار والانقسام ودورات العدوان الاسرائيلي المتكررة، والإستيطان والاعتقالات اليومية وتهويد القدس ومصادرة الأراضي وعزل مدن وقرى الضفة الغربية، والمعاناة والوجع والفقر والبطالة، وانتظار جدول الكهرباء وجدول الضرب، والمياه غير الصالحة للشرب.
لم نحقق أي من الانجازات الوطنية سوى تغول الإحتلال ومزيد من الإنقسام والتراجع والهزيمة والجري خلف لقمة العيش. لا مجال للتأتأة وتطلب الحكمة والشجاعة أن يدرك الفلسطينيين الآن قبل أي وقت، اجراء المراجعات والتقييم والاستدراك والاستفادة من تجارب الماضي الاليمة، وما تمر به القضية الفلسطينية من مخاطر، من أجل المصلحة الوطنية العليا في ظل ما يدور حولنا من متغيرات.
عدم الاتفاق على البحث في القضايا الوطنية الملحة وإعادة الإعتبار للمشروع الوطني وعدم استعجال القيادة الفلسطينية في تنفيذ الاتفاق، والاتفاق على إستراتيجية وطنية الهدف منه الإستفراد يبدو على أنه جني نتائج من الطرف الأخر بأي ثمن، وفرض مزيد من الشروط، ولم يتم تحديد الخطط و الأهداف، ومن دون توافق وطني ومصالحة حقيقية قائمة على مراجعات نقدية حقيقية. للضغط على المتخاصمين أصبحنا بحاجة إلى توحيد الصفوف وتشكيل حالة من الإشتباك اليومي وكفاح يومي ضاغط ومستمر..
وإلا فإن حديث المصالحة ورفع الحصار ومقاومة الإحتلال ستبقى شعارات يتم ترديدها، ومن دون ترجمة لذلك فهي ستكون بمثابة دعوة لاستمرار إسرائيل في فرض وقائع على الأرض وإرتكاب جرائم وقتل الناس في فلسطين بلا رحمة. أهل من مهمة أسهل نوفرها للإحتلال؟